كيف يمكن فهم ترتيب مصر في تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2018؟
2019-1-6

د. إيمان رجب
* رئيس وحدة الدراسات العسكرية والأمنية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

يعد تقرير مؤشر الإرهاب العالمي الذي يصدر سنويًا عن معهد دراسات الاقتصاد والسلام من التقارير الرئيسية التي يتم الاستناد إليها لتحديد أبعاد ظاهرة الإرهاب في العالم، حيث يهتم التقرير بتحليل هذه الظاهرة في عدد 138 دولة بالاعتماد على قاعدة بيانات الإرهاب في العام المعروفة اختصارا باسم GTD، ويتم تحديثها بصفة دورية خلال العام الواحد بالاعتماد على مصادر متعددة.

ومنذ صدور تقرير 2018 في مطلع شهر ديسمبر الماضي، حاول بعض المهتمين بالإرهاب في مصر توظيف نتائج التقرير للحديث عن عدم فعالية سياسات مكافحة الإرهاب التي تتبعها قوات إنفاذ القانون في شمال سيناء وفي محافظات الوادي في إطار العملية الشاملة سيناء 2018، مستندين إلى تقدم ترتيب مصر في النسخة الأحدث من التقرير إلى الترتيب رقم 9 بعد أن كانت في الترتيب رقم 11 في نسخة العام 2017.  

كما حاول البعض الآخر الاستناد لهذا التقرير من أجل الدلالة على عدد العمليات الإرهابية التي تتعرض لها مصر. على سبيل المثال تحدثوا عن تراجع ترتيب مصر في هذا المؤشر من الترتيب رقم 9 وفق تقرير 2016 إلى الترتيب رقم 11 في تقرير 2017 على أنه مؤشر على تراجع عدد العمليات الإرهابية في 2017، وتحدثوا عن ارتفاع ترتيبها في تقرير عام 2018 إلى الترتيب رقم 9 على أنه مؤشر على زيادة عدد العمليات الإرهابية التي وقعت فيها خلال ذلك العام.

 ويمكن القول إن هذه الآراء في مجملها تعبر عن قراءة غير سليمة لمحتوى تقرير مؤشر الإرهاب العالمي، وفي بعض الحالات ترتب على تلك القراءات غير السليمة تحليلات غير منضبطة منهاجيًا وعلميًا خلقت انطباعات غير صحيحة في الدوائر الأكاديمية والسياسية العربية والغربية حول ما ينفذ في مصر من سياسات في مجال مكافحة الإرهاب.

ونظرًا لأهمية هذا التقرير في تقدير ظاهرة الإرهاب في العالم، من المهم أن يتم التعامل مع ما يتضمنه من نتائج خاصة بترتيب مصر، في ضوء أربعة ملاحظات تمثل إطارًا مهمًا لقراءة وتحليل هذا التقرير.

تتعلق الملاحظة الأولى بأن هذا التقرير السنوي يستند لبيانات السنة السابقة، أي أن تقرير 2017 يستند إلى البيانات الخاصة بالعام 2016، وتقرير 2018 يستند إلى البيانات الخاصة بالعام 2017، أي أن ترتيب مصر بالنظر إلى تأثرها بالعمليات الإرهابية خلال العام 2018 سيكون في نسخة التقرير الخاصة بعام 2019.

وتنصرف الملاحظة الثانية إلى أن هذا التقرير يحلل مستوى تأثير الإرهاب على مصر من خلال مقياس مركب يهتم بعدد الضحايا وبحجم الخسائر التي تتعرض لها الممتلكات العامة والخاصة، فهذا التقرير لا يصنف الدول بالنظر إلى عدد العمليات الإرهابية التي وقعت فيها فقط.

وفي  ضوء هاتين الملاحظتين، فإن تصنيف مصر في الترتيب رقم 9 في تقرير عام 2018 يستند إلى حجم تأثرها بالعمليات الإرهابية التي تعرضت لها خلال العام 2017، حيث يقدر التقرير حجم الخسائر الاقتصادية الناتجة عن العمليات الإرهابية التي شهدتها مصر خلال العام 2017 بأنها تعادل 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2017 على نحو يجعلها في الترتيب التاسع مقارنة بدول أخرى ارتفع فيها تأثير الإرهاب مثل نيجيريا، والتي بلغ  حجم الخسائر الاقتصادية الناتجة عن العمليات الإرهابية التي شهدتها ما يعادل 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2017.

وتتمثل الملاحظة الثالثة في أن  تقرير مؤشر الإرهاب العالمي يهتم بالبعد الكمي في تقديره لتأثير العمليات الإرهابية على الدولة ولا يولي اهتمامًا بالبعد الكيفي. أي أنه لا يساعد في الإجابة على أسئلة من قبيل لماذا اختلف تأثير الإرهاب على مصر من عام لآخر؟ كما أنه لا يقدم رصدًا للتطور الذي يلحق بطبيعة العمليات الإرهابية التي يقوم بتقدير تأثيرها على الدول.

ولتوضيح هذه المسألة يمكن الإشارة إلى أن هذا التقرير في نسخة 2018 تعامل مع حادث الهجوم على جامع الروضة الذي وقع في نوفمبر 2017 وأودى بحياة أكثر من 300 شخصا على أنه من أكثر الهجمات دموية في العالم، ووضع مصر استنادًا لذلك في الترتيب رقم 2 من حيث إجمالي عدد ضحايا العمليات الإرهابية التي وقعت خلال العام 2017، ولكنه لم يقدم تفسيرًا لارتفاع ضحايا هذا الحادث مقارنة بباقي الأحداث الإرهابية الأخرى التي وقعت خلال نفس العام. كما أنه لم يقدم تفسيرًا لسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا في هذا الحادث تحديدًا.

وتتعلق الملاحظة الرابعة بأن هذا التقرير لا يهتم بسياسات مكافحة الإرهاب التي تتبعها الدولة التي يقوم برصد الحوادث الإرهابية فيها، كما أنه لا يقدم تقديرًا لقدرة الحكومات على تطوير استراتيجيات للحوكمة الأمنية security governanceوكيف تتعامل الدولة مع الحادث الإرهابي؟ وكيف استطاعت أن تستعيد الكفاءة في المنطقة التي وقع  فيها العمل الإرهابي؟

واستكمالًا للمثال الخاص بحادث جامع الروضة، فإن التقرير في معالجته لهذا الحادث لم يقم برصد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية بالتعاون مع صندوق تحيا مصر من أجل استعادة كفاءة قرية الروضة وإعادة الحياة إلى طبيعتها فيها بعد الهجوم الإرهابي. وذلك رغم أن تلك الإجراءات عبرت عن تطور في سياسات الحكومة مقارنة بسياساتها تجاه أحداث إرهابية أخرى وقعت خلال العام نفسه. 

بعبارة أخرى، رغم أهمية الأرقام التي يتضمنها تقرير مؤشر الإرهاب العالمي في فهم تأثير الإرهاب على مصر وعلى غيرها من الدول التي يشملها التقرير، إلا أنه لا ينبغي أن تقلل الأرقام من أهمية السياسات الخاصة بمكافحة الإرهاب التي تتبعها الدولة والتي تهدف لتقليص تأثير الإرهاب، وهذه السياسات شهدت في حالة مصر تطورًا ملحوظًا ليس على مستوى التعامل الأمني والعسكري مع التنظيمات والخلايا الإرهابية فقط وإنما أيضًا على مستوى مساعدة ضحايا الإرهاب، وعلى مستوى مكافحة الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب.  

وترتبط أهمية الملاحظتين الأخيرتين بأن هناك قاعدة رئيسية يعرفها المتخصصون في دراسة وتحليل الإرهاب، وهي أنه عند تحليل العمليات الإرهابية ينبغي الاهتمام بالبعدين الكمي والكيفي معًا في تحليل الحادث الإرهابي وفي تحليل سياسات المكافحة، وذلك حتى لا يتم تضليل الجهات المعنية بصناعة وتنفيذ سياسات مكافحة الإرهاب.


رابط دائم: