أثار إعلان الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، عدم تجديد الملحق الخاص بوضع منطقتي الغامر والباقورة الأردنيتين في اتفاقية وادي عربة الموقعة بين المملكة وإسرائيل، الكثير من التساؤلات حول التداعيات المحتملة لهذا الإعلان على المستويين الداخلي والإقليمي. ومثلما كان اكتشاف الأردنيين لحقيقة احتلال إسرائيل للمنطقتين منذ عام 1950 مفاجأة فجرتها اتفاقية وادي عربة التي وقعتها الأردن مع إسرائيل في عام 1994، فإن الإعلان عن استعادتهما بعد مرور ربع قرن على تأجيرهما للدولة العبرية شكل بدوره مفاجأة غير متوقعه في ظل جدل داخلي وخارجي حول تبعات هذا الإعلان، ومدى تأثيره على قدرة المملكة على الخروج من أزماتها الداخلية.
قراءة في نص الإعلان وتداعياته الأولية
نشر الحساب الرسمي للملك عبد الله الثاني على تويتر تغريدة، تضمنت إعلام إسرائيل بقرار الأردن إنهاء العمل بملحق اتفاقية وادي عربة مع قرب انتهاء صلاحية هذا الملحق زمنيا. وبحسب بيان الديوان الملكي، قال الملك: "الباقورة والغمر أراضٍ أردنية، وستظل أردنية، وسنمارس السيادة الكاملة على أراضينا".
بداية، يطرح هذا الإعلان سؤالا مهما حول دواعي إصداره بالصيغة التي تؤكد على استرداد المنطقتين وممارسة السيادة الأردنية الكاملة عليهما دون الرجوع لإسرائيل، رغم أن نص الاتفاقية الخاصة بالمنطقتين يشير بوضوح إلى أن إعراب أحد طرفيها عن رغبته في عدم تجديد الاتفاقية التي تحددت مدتها بخمسة وعشرون عاما، لا تعني إلغاءها بل فقط إعادة التفاوض بين البلدين حول مصير المنطقتين مجددا، أو حسب نص أحد البنود: "دون المساس بحقوق الملكية للأراضي في هذه المنطقة، يبقى هذا الملحق ساري المفعول لمدة 25 عاما قابلة للتجديد تلقائيا، ما لم يتم إعطاء إشعار، عام واحد قبل انتهاء المدة، من جانب أي من الطرفين، وفي هذه الحالة يتم الدخول في مفاوضات في هذا الشأن".
كما يثير نفس الإعلان تساؤلات أخرى عن ردات الفعل المحتملة للقرار الأردني على علاقتها الإقليمية والدولية، وبخاصة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وهل يستطيع الأردن تنفيذ قراره بالفعل، أم سيضطر في النهاية للدخول في مفاوضات مع إسرائيل لتحديد المصير النهائي للاتفاقية؟
غموض الإعلان وتأثيراته المحتملة
حتى الآن ليس من الواضح لماذا تجاهل الملك عبد الله جملة من الحقائق التي تظهرها بنود الاتفاقية، وعلى رأسها الحقائق التالية:
1- لقد نصّ الملحق على اعتراف إسرائيل بأنّ المنطقة تقع ضمن السيادة الأردنيّة، وفيها حقوق ملكية أراض خاصة ومصالح مملوكة إسرائيلياً، لكنّها، وعلى الرغم من ذلك، تفرض على الأردن عدم تطبيق تشريعاته الجمركيّة أو التشريعات المتعلّقة بالهجرة على مستعملي الأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم الذين عبروا إسرائيل إلى المنطقة بهدف الوصول إلى الأرض. وهنا سيكون من المحتم البحث عن مصير الملكيات والمصالح الإسرائيلية الخاصة هناك، إذا ما أصرت الأردن على الامتناع عن تجديد الاتفاقية، وهو أمر قد يستدعي تحكيما دوليا ربما يمتد لسنوات طويلة (كما حدث في حالة منطقة طابا التي استردتها مصر بالتحكيم الدولي من إسرائيل بعد نحو ثمانية سنوات بعد توقيع اتفاقية السلام بينهما وتحديد الحدود وفقا للقانون الدولي).
الدخول في مسار التحكيم الدولي يعني إفقاد الأردن عدد من المزايا المهمة، سواء في علاقتها بإسرائيل أو الولايات المتحدة؛ فإسرائيل هددت من جانبها بأنها يمكن أن ترد على الخطوة الأردنية بتفسير الملحق الخاص بحقوق الأردن المائية المنصوص عليها في اتفاق وادي عربه تفسيرا أحاديا يحرم الأردن من بعض مواردها المائية التي لا غنى عنها، والتي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية ولكنها تدار بنظم الحصص الموزعة بين البلدين. كما أن الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب يمكن أن تضغط على الأردن عبر تقليل المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي تقدمها لها تحت مبرر أن تحقيق السلام والاستقرار بين إسرائيل وجيرانها كان وما يزال مصلحة أمريكية حيوية، وأن عدم تجديد الاتفاقية من جانب الأردن أو نقلها للتحكيم الدولي يقوض هذه المصلحة الأمريكية في المنطقة في المدى المنظور.
2- ورد في الاتفاقية: يلتزم الأردن بعدم فرض ضرائب تمييزيّة أو رسوم تمييزيّة على الأرض أو الأنشطة فيها، ويسمح الأردن بدخول ضبّاط الشرطة الإسرائيليين، بزيّهم العسكري وبأسلحتهم إلى تلك الأراضي. كما يمتنع الأردن عن تطبيق قوانينه الجنائية على الأنشطة في تلك المنطقة.
وبطبيعة الحال طالما أن الاتفاقية تشير بوضوح إلى اعتراف إسرائيل بأن المنطقتين خاضعتان للسيادة الأردنية، فلا توجد ثمة مشكلة فيما يخص تطبيق القانون الأردني عليهما حال عدم تطبيق الاتفاقية في بعض الجوانب مثل قوانين الجمارك، ولكن معالجة الوضع الأمني الناجم عن ذلك بالنسبة لإسرائيل التي تتمسك بحق دخول جنودها للمناطق في حالات الضرورة التي تحددها هي بنفسها، ربما لا يسمح للأردن حال انسحابه من الاتفاقية بتطبيق هذا الشق ومنع الجنود الإسرائيليين من الدخول الي هذه المناطق، وبما يخلق وضعا حرجا يثير التوترات العسكرية بينها وبين إسرائيل على الدوام، خاصة في ظل انتشار ظاهرة الإرهاب في المنطقة وتذرع إسرائيل بحقها في الدفاع عن أمنها دون أية قيود في حالة عدم وجود اتفاقية بينها وبين البلدان التي يمكن أن ينطلق من داخلها إرهابيون يهددون أراضيها وأمن سكانها.
حدود المناورة الأردنية
أظهرت ردود الفعل الداخلية في الأردن أن النقابات المهنية، والعديد من الشخصيات السياسية، والتيارات الفكرية، والأحزاب السياسية، قد رحبت بقرار الملك عدم تجديد ملحق الاتفاقية مع إسرائيل، وهو ما يعطي الملك فرصة لاستثمار موقف هذه الأطراف لتخفيف الضغوطات والانتقادات الشعبية لسياسته الاقتصادية على وجه الخصوص. لكن قد يكون ذلك مكسبا مؤقتا سيزول تأثيره مع الوقت لتعاود الانتقادات الموجهة للملك بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية ارتفاعها مجددا، بل ربما تشتد المعاناة الاقتصادية للشعب الأردني إذا ما تحركت إسرائيل والولايات المتحدة نحو حرمان الأردن من المساعدات الاقتصادية ردا على انسحابها من الاتفاقية. أما إذا كان الملك عبد الله يهدف من إعلانه هذا مجرد الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لمنح المملكة مزايا تفضيلية في الجانب الاقتصادي، ومراعاة الدور الأردني المحتمل في تسوية القضية الفلسطينية، وتسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في الأردن، فإن هذه المناورة ستبدو محفوفة بالخطر، إذ يمكن لإسرائيل أن تتجاهل الضغوط الأردنية إيمانا منها بأن الخطوة الأردنية إذا طُبقت بالفعل بالانسحاب من الاتفاقية وما سوف يستتبعها من عزلة سياسية خارجية ومزيد من الصعوبات الاقتصادية في الداخل، يمكن أن تهدد نظام الملك عبد الله نفسه، وهو ما لن يسمح به الملك عبد الله، وسيفضل في النهاية التفاوض مع إسرائيل على تجديد الاتفاقية. لكن بعد أن رفع الملك سقف توقعات الأردنيين على قاعدة "الكرامة الوطنية" إلى الحد الذي طالبت فيه بعض التيارات السياسية هناك بإلغاء اتفاقية وادي عربه ذاتها، سيبدو من الصعب أن يبرر الملك عودته عن قراره باسترداد منطقتي الغامر والباقوره وقبوله بالتفاوض مجددا حول مصيرهما. وسيؤدي التراجع أيضا ليس فقط إلى إضعاف الملك أمام شعبه، بل ربما إضعاف الأردن في الجولة المحتملة لمفاوضات تجديد الاتفاقية مع إسرائيل، والذي سيعود بمزيد من الانتقادات الشعبية ضده.
من الناحية النظرية، ورغم الفروقات الواضحة بين معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، من ناحية، ومعاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية، من ناحية أخرى، فإن التأثيرات المتبادلة المحيطة بالمعاهدتين يجب أن تُؤخذ في الاعتبار، خاصة فيما يتعلق بسعي بعض الأطراف التي عارضت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل تاريخيا، إلى استغلال الخطوة الأردنية للمطالبة بإجراء مصر لتعديلات مماثلة في الاتفاقية التي تجمعها بإسرائيل، حيث لا تهتم هذه الأطراف بالفروقات الكبيرة بين الاتفاقيتين من الناحية القانونية، فضلا عن عدم وجود أية أراضٍ مؤجرة من مصر لصالح إسرائيل، لأن ما سيهم هذه الأطراف فقط هو تأكيد قدرتها على إثارة المشكلات في وجه الحكومة المصرية بلوي الحقائق وإثارة البلبلة لأسباب وحسابات داخلية بالأساس.
***
ما يزال أمام تطبيق الأردن لقراره عدم تجديد ملاحق اتفاقية وادي عربه عاما بأكمله، ولا يوجد يقين حول ثبات الأوضاع الداخلية في الأردن والتي قادت الملك عبد الله إلى اتخاذ قراره المشار إليه. كما أن التطورات الإقليمية والدولية يمكن أن تغير من قرار الملك أيضا وذلك في غضون ذلك العام، خاصة إذا ما طرح الرئيس دونالد ترامب "الصفقة" التي يبشر بها لإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي قريبا، حيث إنه من المؤكد أن الدور الأردني في هذه الصفقة سيكون بارزا، على الأقل فيما يتعلق بالشق الذي سيتناول معالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين الذي يعيش جزء كبير منهم في الأردن.
وفِي كل الأحوال، يصعب تصور مضي الأردن في تنفيذ قراره خاصة -كما ذكرنا من قبل- أن أحد بنود ملحق اتفاقية وادي عربة يشير إلى أن خروج أي من الطرفين من الاتفاق بعد انتهاء مدته يُلزمه بالتفاوض على هذه الخطوة على الأقل للتوصل لتفاهمات حول الوضع الذي سينجم عن عدم تجديد الاتفاق.