هل بإمكان إيران إغلاق مضيق هرمز؟
2018-8-12

د. أحمد قنديل
* رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية

في ظل تنامي التوتر والمواجهة بين إيران والولايات المتحدة بعد انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 6 مايو الماضي (2018)، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على طهران في 6 أغسطس، تتزايد الهواجس والتكهنات حول إمكانية قيام إيران بغلق مضيق هرمز الاستراتيجي، خاصة إذا امتدت هذه العقوبات إلى قطاع الطاقة الإيراني في الرابع من نوفمبر القادم، الأمر الذي من شأنه وقف صادرات العديد من الدول المصدرة للبترول في الخليج العربي، وبالتالي إمكانية تصاعد أسعار البترول العالمية إلى معدلات قياسية. وتشير تقديرات عدد من الدوائر الاقتصادية والمالية في العالم، إلى إمكانية ارتفاع أسعار النفط الخام من سعرها الحالي الذي يدور حول 75 دولارا للبرميل إلى 250 دولارا، وربما إلى 400 دولارا (في حالة نجاح الإيرانيين في تنفيذ الإغلاق لفترة زمنية طويلة نسبيا)، وهو ما ينذر بوقوع أزمة طاقة عالمية جديدة. كما سيكون لهذا الأمر أيضا تداعيات مهمة على المستوى المصري؛ فالموازنة المصرية للعام المالي 2018/2019 تفترض سعر 67 دولارا للبرميل، وفى حالة زيادة سعر البرميل بنحو 1 دولار للبرميل فمن المتوقع أن يكون لذلك أثر مالي سلبي على الموازنة العامة للدولة بقيمة تتراوح بين 3-4 مليارات جنيه حسب سعر الصرف، وفقا لتصريحات الدكتور محمد معيط وزير المالية المصري.

ويمثل مضيق هرمز أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة للعالم، حيث يمر عبره  يوميا ما يتراوح بين 17-18.5 مليون برميل من النفط الخام (حوالي 20 في المائة من صادرات النفط العالمية)، قادمة من حقول السعودية والكويت والعراق والإمارات وإيران. كما يمر من خلاله أيضا كل صادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر، وهو ما يجعله واحدا من أهم الممرات البحرية التجارية في العالم، التي تربط منتجي النفط الخام والغاز في منطقة الخليج العربي بالأسواق الرئيسية في آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأمريكا الشمالية وغيرها. وبالتالي، فإن التهديدات التي قد يتعرض لها المضيق، سواء كانت واقعية أم لا، قد تؤثر بشكل كبير على حركة الأسواق العالمية للنفط والغاز الطبيعي، نظرا لأن جميع مستوردي النفط والغاز الطبيعي في العالم يعتمدون على المرور الآمن للشحن عبر المضيق. وتعد التوقعات الخاصة بالارتفاع الحاد في أسعار النفط العالمية (وربما أسعار الغاز الطبيعي أيضا) أمرا عاديا في ظل تصاعد التوتر السياسي بين واشنطن وطهران، إلا أن هذه التوقعات غالبا ما تكون افتراضية وليست واقعية، خاصة مع اعتقاد كثير من المراقبين أن إيران ليست قادرة أو راغبة في تنفيذ تهديدها بإغلاق مضيق هرمز، لاعتبارات سياسية وعسكرية واستراتيجية.


صحيح أن التوتر المستمر في العلاقات بين الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس ترامب، وبين النظام الإيراني، يزيد من احتمال قيام طهران بمحاولة تعطيل النقل البحري في مضيق هرمز، حيث يبدو أنه من غير المحتمل أن توافق الجمهورية الإسلامية على اتفاق نووي جديد وفقا لشروط ترامب. كذلك من غير المحتمل قبولها التفاوض بشأن سياساتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار (في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وغيرها)، فضلا عن التنازل عن قدراتها الصاروخية. وربما يعكس التصعيد المتبادل بين الجانبين الأمريكي والإيراني مؤخرا خطورة الوضع، حيث حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران من مغبة تهديد الولايات المتحدة، قائلا إنها ستواجه "تبعات لم يواجهها إلا قلة عبر التاريخ". وجاء ذلك عقب تأكيد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن واشنطن لا تخشى استهداف المسئولين الإيرانين "على أعلى المستويات" بالعقوبات، مشيرا إلى أن واشنطن ترغب في أن تخفض كل الدول وارداتها من النفط الإيراني، إلى "ما يقرب من الصفر بقدر الإمكان"، بحلول الرابع من نوفمبر المقبل، وذلك ضمن الجهود الأمريكية الرامية لتكثيف الضغوط الاقتصادية على إيران. وجاء ذلك ردا على هجوم الرئيس الإيراني حسن روحاني على نظيره الأمريكي ترامب، محذرا إدارته من اتخاذ سياسة معادية لبلاده، لأن الحرب بين البلدين ستكون "أم الحروب"، حسب تعبيره. وفوق ذلك، أعلن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي عن دعمه لفكرة عرقلة صادرات النفط من دول الجوار عبر مضيق هرمز إذا مضت الولايات المتحدة في السعي للوقف الكامل لصادرات إيران النفطية. وكان روحاني قد هدد خلال مؤتمر صحفي في سويسرا في الثالث من شهر يوليو الماضي، بوقف تصدير نفط المنطقة إذا لم تتمكن إيران من تصدير نفطها إلى العالم. ولم يتأخر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني عن الإشادة بتهديد روحاني، ثم كان تأكيد قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري على أن قواته قادرة على إقفال مضيق هرمز في وجه الصادرات النفطية إذا اقتضت الضرورة.

ويثير هذا التصعيد المتبادل بين واشنطن وطهران تساؤلات مهمة حول جدية طهران وقدرتها على تنفيذ تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي أمام صادرات نفط المنطقة. وبشكل أكثر تحديدا، يطرح العديد من المراقبين التساؤل التالي: هل ستحاول إيران إغلاق المضيق لضرورة تكتيكية وتشغيلية في إطار حرب قصيرة وخاطفة مع واشنطن وحلفائها، أم أنها ستنظر إلى هذا الإغلاق باعتباره جزءا من استراتيجية أوسع نطاقاً لصراع أقل دراماتيكية وأكثر إثارة مع الولايات المتحدة؟

الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة. فمن ناحية، يبدو أن القادة السياسيين والعسكريين الإيرانيين، على الأرجح، طوروا مجموعة من الخيارات والسيناريوهات التي تتوقع أشكالا متعددة من الصراع مع الولايات المتحدة، وإغلاق مضيق هرمز أمر أساسي بالنسبة لكافة هذه الخيارات جميعاً.


 

من ناحية أخرى، يدرك الإيرانيون أن أمامهم العديد من العقبات التي تحول دون نجاحهم في تنفيذ هذا الإغلاق على النحو المنشود لتحقيق المصالح القومية الإيرانية. فمنذ وقوع الثورة الإسلامية في العام 1979، مال الإيرانيون إلى عدم تنفيذ تهديداتهم بإغلاق المضيق لأسباب متعددة، منها أن تجارتهم الخارجية، سواء النفطية أو غير النفطية، تمر عبر هذا المضيق، وبالتالي فإن إغلاقه يعمل بمثابة "انتحار اقتصادي" لهم. كما أن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يدعو إلى ردود فعل قاسية من جانب القوى الكبرى في العالم، حتى من جانب الدول الصديقة، التي تعتمد على التدفق الحر للنفط، بما في ذلك الصين والهند. كما أن قادة  طهران يدركون أيضا أن إغلاق المضيق سوف يؤدى على الأرجح إلى رد عسكري قوي من الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، الذين سيتحركون بقوة للسيطرة على المضيق. في هذا السياق، يؤكد كثير من الخبراء أنه لو كانت طهران قادرة واقعيا على السيطرة على هذا المضيق الاستراتيجي لسيطرت عليه منذ اليوم الأول لثورتها، ولكنها تكتفي منذ ذلك الحين بإطلاق التهديدات اللفظية من أجل حشد الجبهة الداخلية خلف النظام الحاكم وتخفيف الضغط الخارجي عليها، وهذه المرة تفعلها من أجل محاولة إيصال رسائل لشركائها الباقين في الاتفاق النووي، لكي يساعدوها في إخراجها من أزمتها السياسية والاقتصادية الكارثية.

من ناحية ثانية، يرى عدد من المراقبين أن تهديدات طهران بإغلاق مضيق هرمز هو بديل خيالي ومشروط بمنع إيران فعليا من تصدير نفطها كليا. وهو الأمر الذي لن يتحقق على الأرجح في ضوء وجود دول مثل تركيا والصين وروسيا والهند أعلنت فعليا عدم انصياعها لدعوة الرئيس الأمريكي لمقاطعة النفط الإيراني (يشار إلى أن السلطات الهندية قامت مؤخرا بإعلام مصافيها بأن عليها أن تأخذ الاستعدادات اللازمة لانخفاض أو لانقطاع النفط المستورد من إيران).

ومن الناحية العسكرية، يؤكد كثير من الخبراء أنه من غير المرجح أن تتمكن قوات الحرس الثوري الإيراني من إغلاق المضيق نتيجة وجود فجوة هائلة بين قدراتها العسكرية البحرية وبين قدرات البحرية الأمريكية في الخليج العربي؛ فطهران لا تمتلك سوى "قوارب صغيرة سريعة في مواجهة مدمرات الولايات المتحدة القوية وحاملات طائراتها". كما أن القدرات البحرية لإيران ليست مجهزة بشكل جيد لإغلاق المضيق بشكل كامل، خاصة أنها قامت في وقت سابق بنقل أغلب سفنها الحربية الكبيرة إلى مناطق بحر قزوين والمحيط الهندي. إضافة إلى ذلك، يمثل التواجد العسكري الكثيف للولايات المتحدة في منطقة الخليج، خاصة الأسطول الخامس، تحديا لمحاولات إيران تهديد الملاحة في مضيق هرمز، حيث قامت واشنطن منذ خريف 2011 بتعزيز وجودها العسكري في الخليج وذلك بالتنسيق مع كل من المملكة المتحدة وفرنسا، وذلك للتأكد من أن حلفاءها في الخليج يمكنهم نقل النفط بحرية عبر المضيق. وفي هذا السياق، أعلن الرئيس ترامب مؤخرا أن تهديدات الزوارق الحربية الإيرانية في الخليج قد انتهت خلال العام الجاري (2018) على عكس الأعوام الماضية! حيث غرد في حسابه بـ«تويتر» نقلاً عن إحصائيات البحرية الأمريكية، أن مضايقة الزوارق الإيرانية للبحرية الأمريكية عام 2015 كانت 22 حادثاً، وفي عام 2016 بلغت 36 حادثاً، وانخفضت في عام 2017 إلى 14، لتستقر في سنة 2018 عند الصفر! وفي رسالة تحذير واضحة إلى طهران، كشفت قيادة القوات البحرية والجوية الأمريكية، أنها أجرت استعدادات ميدانية تحسباً لأي صدام عسكري مع الإيرانيين في مضيق هرمز. وفي هذا السياق، سبق أن أجرت مناورات سُميت "هجوم المطرقة" على سواحل فلوريدا في 3 مارس عام 2017 لتدريب قواتها على مواجهة الزوارق الحربية الإيرانية!


 

وإضافة إلى ذلك، يشير الواقع إلى أن إيران لن تجرؤ على إغلاق مضيق هرمز، لأنه سيكون بمثابة "إعلان حرب" على العالم كله ليس فقط ضد الدول الخليجية المصدرة للنفط عبر المضيق، وإنما أيضاً ضد المستوردين الرئيسيين، وهؤلاء ليسوا فقط الولايات المتحدة خصم إيران اللدود، وإنما يشملون الصين وأوروبا (نحو 80 في المائة من النفط المصدر عبر المضيق يتجه إلى الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة). وفي الوقت ذاته، لا أحد في إيران يريد أن يكون هو متخذ قرار إغلاق المضيق، والذي سيكون بمثابة "شرارة" إطلاق الحرب التي ستكلف الايرانيين فاتورة باهظة الثمن.

ومع كل ذلك، ليس بوسع أحد التكهن بالسلوك الذي سيتبعه النظام الإيراني فيما يتعلق بإغلاق مضيق هرمز، فلقد تعوّد قادة النظام ممارسة سياسة "حافة الهاوية"، وهو ما يتطلب ليس فقط اليقظة والحذر في الفترة المقبلة، وإنما أيضا الاستعداد لمواجهة التداعيات الخطيرة لأسوأ السيناريوهات الممكنة.


رابط دائم: