افتتاحية العدد 28 من دورية بدائل "الدفاع أم التنمية ؟: تجدد النقاش حول أدوار المؤسسة العسكرية"
2018-5-21

د. إيمان رجب
* رئيس وحدة الدراسات العسكرية والأمنية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

يلاحظ أن هناك نقاش يتجدد خلال المراحل الانتقالية التي تمر بها دول الشرق 
الأوسط حول طبيعة الأدوار التي يتعين على المؤسسة العسكرية القيام بها، وهو
نقاش يدور في جوهره حول ما إذا كان مقبولا خروج هذه المؤسسة عن نطاق
 الأدوار الدفاعية في مواجهة العدائيات التي تتهدد الأمن القومي لدولها، إلى ممارسة
 أدوار ذات طبيعة مدنية مثل تحقيق التنمية بأبعادها المختلفة؟.


وإذا كان الدور السياسي للمؤسسة العسكرية قد تصدر هذه المناقشات طوال
 النصف الثاني من القرن العشرين، فإنه مع مطلع القرن الحادي والعشرين أصبحت 
القضية الرئيسية في هذه المناقشات ترتبط بالدور التنموي لهذه المؤسسة في بعديه 
الاقتصادي والاجتماعي.


وفي هذا الإطار تزايد اهتمام المؤسسات البحثية ومراكز الفكر بدراسة التداعيات 
المترتبة على تنامي نسب مساهمة المؤسسة العسكرية في الاقتصادات الوطنية لدولها، 
سواء التداعيات الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الأمنية.


وتكشف مراجعة هذا النقاش على المستوى الدولي، عن أن هذه القضية لا ترتبط 
بالدول الشرق أوسطية فقط أو بالدول العربية، وإنما توجد أيضا في الدول الغربية 
المتقدمة، والتي تحولت فيها المؤسسة العسكرية بأنشطتها التنموية إلى واقع تقننه عدد 
من القوانين والنظم المعتمدة.


وحتى يجد هذا النقاش صداه في الدوائر الأكاديمية المصرية والعربية، وبهدف
 ترشيد ما يثار من مناقشات في تلك الدوائر، تم تخصيص هذا العدد من دورية بدائل 
لتحليل الدور التنموي للمؤسسة العسكرية في عدد ثماني خبرات دولية متنوعة، 
تضم كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وباكستان وإسرائيل وبوتسوانا والسنغال والأردن وإيران.


ويجادل أستاذ هاني سليمان الباحث المتخصص في العلاقات المدنية-العسكرية، ومؤلف الدراسة الرئيسية في هذا العدد، بأن الدور التنموي 
للمؤسسة العسكرية له حدود وله محفزات تحدد نطاق ذلك الدور ومجالاته، والتي حددها في الأنشطة الاقتصادية بأنواعها المختلفة ومشاريع 
البنية الأساسية والخدمات العامة (الخدمات الصحية، والتعليم، ومحو الأمية والتدريب ومواجهة الطوارئ أو الكوارث).

وتقدم الدراسة مناقشة عميقة للمدارس النظرية الخاصة بتفسير الدور التنموي للمؤسسة العسكرية، مع التركيز على المدرسة الوظيفية والمدرسة التقليدية، وترى الأولى أن المهارات الفنية والإدارية التي يتمتع بها العسكريون يمكن أن يستفيد منها المجتمع ككل، بينما ترى الثانية أن المؤسسة العسكرية عادة ما تولي اهتمامًا كبيرًا بمصالحها الجمعية على حساب المصالح والغايات المجتمعية.

وانتهت الدراسة من خلال تحليلها الخبرات الثماني، لعدد من الدروس المستفادة، ومن أهمها إن دور المؤسسة العسكرية يمكن أن يكون أكثر جدوى إذا ما وجه إلى مشروعات البنية الأساسية التي تتجه لصالح المجتمع كله، ولا تهدف لتحقيق ربح، كما إن مساهمة المؤسسة العسكرية في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية يجب ألا يتداخل مع المهام الرئيسية لها، وهي تلك المتعلقة بالدفاع وحماية الأمن، كما أنها لا يجب أن تحل على المدى الطويل محل الاقتصاد المدني.


رابط دائم: