عرض كتاب "الاتحاد الأوروبي، المرونة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"
2018-4-29
أعد العرض: بسمة سعد

Silvia Colombo, Andrea Dessì, Vassilis Ntousas, eds., The EU, RESILIENCE AND MENA (Brussels and Rome: Foundation for European Progressive Studies & Istituto Affari Internazionali, December 2017)

تم تضمين مفهوم "المرونة" كأحد المفاهيم والأهداف الرئيسية في الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي (EUGS) التي تم الكشف عنها في يونيو 2016؛ بهدف القدرة على التعامل بفعالية مع التغيرات والتحديات الجارية على مستوى الاتحاد الأوروبي، بشكل خاص، وعلى الصعيد الدولي بشكل عام، مقارنةً بالاستراتيجية الأمنية السابقة للاتحاد المُعلن عنها في عام 2003. وتُغلف مثل تلك المفاهيم التي يُشير إليها الاتحاد بـ"البراغماتية المبدئية" باعتبارها مبدأ تنظيمي عام يوجه السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك على الصعيد الدولي. كما تضم الاستراتيجية الجديدة نهجا متعدد الأبعاد للتغلب على ما يمكن أن يُطلق عليه "عقلية الصومعة" silo mentality المُتجسده في سياسات الاتحاد، وذلك لتعزيز التماسك والتنسيق بين سياسات الاتحاد في كافة المجالات، سواء كانت مُتعلقة بالتنمية أو الطاقة أو الأمن أو المساعدات الإنسانية أو البنية التحتية أو المناخ أو الطبيعة السياسية الدبلوماسية.

وانطلاقاً مما سبق، نشرت مؤسسة الدراسات التقدمية الأوروبيةFoundation for European Progressive Studies (FEPS)  و"المعهد الدولي للأبحاث" Istituto Affari Internazionali (IAI) كتابا بعنوان: "الاتحاد الأوروبي.. المرونة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" قام بتحريره كل من سيلفيا كولومبوSilvia Colombo وأندريا ديسي Andrea Dessì، وفاسيلي نتوساس Vassilis Ntous، ليمثل أول محاولة بحثية على الإطلاق استغرقت عام 2017 بأكمله تتناول استراتيجية الاتحاد الأوروبي تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتناول الكتاب مفهوم "المرونة" في سياق 6 دراسات حالة مُعمقة، شملت مصر، ولبنان، والعراق، وقطر، وتونس وتركيا، مع تقييم التحديات التي تواجه الدولة والمرونة المجتمعية، انتهاء بطرح توصيات للاتحاد الأوروبي لمراجعة أدواته تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

طرح حديث ومفهوم قديم

تم إدخال مفهوم "المرونة" في المُعجم الأمنى والأجنبي للاتحاد الأوروبي عقب إدراجه في الاستراتيجية العالمية للاتحاد (EUGS). ويرجع الفضل في طرح المفهوم إلى الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية فيديريكا موغيريني، في أواخر يونيو 2016. ويُشتق مفهوم "المرونة" Resilience من اسم فاعل لاتيني هو resilire والذي يعنى "القفز للوراء" أو "الارتداد"؛ حيث يُشير المفهوم إلى "القدرة على التصدى والتراجع للخلف عند مواجهة الضغوط والصدمات والأزمات". وقد تم تناول هذا المفهوم في العديد من المجالات منذ عقود مثل علم النفس والبحوث البيولوجية، إلا أن استخدامه زاد في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي في عدة مجالات من بينها السياسات العامة المُتعلقة بالأزمات وإدارة الكوارث. وفي العقد الماضي تم تضمين هذا المفهوم في التقارير الرسمية للعديد من المنظمات الدولية المؤثرة.

وقد ركزت المُعالجات الأكاديمية للمفهوم على العلاقة بين مفهوم المرونة وفكرة الصمود أو الاستجابة  أو الانتعاش مرة أُخرى عقب مواجهة عدة صدمات أو ضغوط أو أزمات؛ حيث تُمثل الاستجابة الإيجابية قدرة البيئات أو الأنظمة أو الأفراد أو الدول على أن تكون مرنة بدرجة كافية في مواجهة الصدمات والأزمات؛ إما عبر عودتها لحالتها السابقة أو بنجاحها في التكيف مع الظروف المستجده.

الانتقال بمفهوم "المرونة" من التناول النظري إلى الممارسة العملية

لم يكن تضمين مفهوم "المرونة في الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي (EUGS) هي الخطوة الأولى لإدراجه في الوثائق الرسمية للاتحاد؛ حيث تم إدراجه في عدد من الوثائق السابقة بما في ذلك بيان عام 2012 المُعنون "نهج الاتحاد الأوروبي نحو المرونة: التعلم من أزمات الأمن الغذائي"، والذي عرف المرونة على أنها "قدرة الفرد أو الأسرة أو المجتمع أو الدولة أو المنطقة على الصمود والتكيف والتعافي سريعا من الضغوط والصدمات". كما تم تناوله في عام 2013 من خلال وثيقة عمل موظفي المفوضية في عام 2013 معنية بطرح خطة عمل للمرونة في البلدان المعرضة لأزمات خلال الفترة (2013– 2020).

كما تم الاعتراف بتعزيز "المرونة الحكومية والمجتمعية لشرقنا وجنوبنا" كأحد الأولويات الخمس الرئيسية للعمل الخارجي للاتحاد الأوروبي، فضلا عن تناول المفهوم في إطار سياسة الهجرة وسياسة الأمن السيبراني وغيرها من السياسات. ومن الجدير بالذكر، أن تضمين المفهوم في الاستراتيجية كإطار شامل قُوبل بانتقاد من قبل البعض لرؤيتهم بأن هذا التناول يأتى كمحاولة لإخفاء أوجة القصور الداخلي للاتحاد الأوروبي أو لإخفاء الافتقار للتفكير الإبداعي حول السياسة الخارجية للاتحاد.

المبادئ الأربع التى تحكم سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

أشار أندريا ديسو في الفصل السابع من الكتاب إلى أن اختيار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لاختبار الاستراتيجية العالمية للاتحاد (EUGS) يأتي لقربها الجغرافي من أوروبا إلى جانب العلاقات التاريخية والسياسية والاقتصادية القائمة بين بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول الأوروبية، فلطالما كان استقرار المنطقة محل الدراسة ذات أهمية استراتيجية كبيرة للاتحاد. أما الآن فتمر المنطقة بالعديد من الاضطرابات التى تدفع لإعادة التفكير بنمط جديد لمعالجة التحديات المتعددة والمترابطة التي تواجه دول المنطقة على مستويات متعددة وفي مختلف المجالات.

وبناء على ما سبق، فقد حدد ديسوأربعة مبادئ أساسية تحكم سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتى تُمثل إطارا عاما يتم من خلاله البدء في إعادة صياغة سياسات الاتحاد، وهي:

المبدأ الأول؛ هو "أزمة الحكم" في دول المنطقة في ظل ما تشهده من تحديات أمنية وأيديولوجية ناجمة بالأساس عن عدة أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وهو ما يُفسر الوضع في سوريا واليمن والعراق.

المبدأ الثانى، يتمثل في حاجة دول المنطقة لإعادة التفاوض بشأن عقد اجتماعي أكثر عدالة وشمولية واستدامة بين الدولة ومواطنيها.

المبدأ الثالث، يتمثل في التصور بأن المنطقة محل الدراسة هي جزء لا يتجزأ من النظام الدولي، وأن التحديات التي تواجه دول المنطقة هي جزء من التحديات التي تؤثر على النظام الدولي ككل.

المبدأ الرابع، هو عدم القدرة على طرح حلول لتلك التحديات دون تفعيل مبدأ المشاركة والرقابة العامة وإدراج مفهوم "المرونة" في السياسات الوطنية.

ونشير فيما يلي إلى بعض دراسات الحالة التي تضمنها الكتاب.

الحالة التونسية

أوضح الباحث محمد كيرو في دراسته المعنونة "تحديات ورهانات الدولة والمرونة المجتمعية في تونس"، أن تونس تمر بمرحلة تاريخية واعدة ومحفوفة بالمخاطر؛ حيث مهد سقوط النظام القديم الطريق لإضفاء الطابع المؤسسي على التعددية والحريات المدنية فأُجريت انتخابات حرة وتم تبني دستور جديد. كما أوضح الكاتب في طرحه لثلاث تحديات رئيسية ثلاث مازالت تواجه المرحلة الانتقالية التونسية.  

التحدي الأول، التحدي الأمني المرتبط بالإرهاب والأمن القومي. وأوضح الباحث أن تونس واجهت عدة عمليات إرهابية في نظامها القديم مثل الهجمة الإرهابية في جربة عام 2005، إلا إن مثل تلك الهجمات ازدادت منذ قيام الثورة التونسية في عام 2010 في ظل تردى الوضع الأمنى. كما تُعد تونس أكثر دولة عربية قدمت أكبر عدد من الجهاديين يُقدر بحوالي 3000 مقاتل متواجدين في مناطق النزاع في سوريا والعراق وليبيا وفقا لبيانات وزارة الداخلية التونسية، وهو عدد يفوق أعداد المواطنين العرب المنخرضين في القتال مع الجماعات المتطرفة في المنطقة. وترجع هذه الظاهرة كما يقول الكاتب إلى نمو الشبكات الدولية والإقليمية والمحلية التى تؤلفها تلك الجماعات، فضلا وجود حدود تونسية مشتركة مع ليبيا. وتمثل مدينة "بن قردان" رمزا لمجابهة الإرهاب؛ حيث تُشير إلى المرونة المؤلفة بين الدولة والمجتمع بعدما دعم المواطنون الجيش عقب هجوم ارهابي سعى لاحتلال المنطقة الحدودية. كما يعكس التلاحم البَين بين المواطنين والجيش قوة الوحدة الوطنية والعلاقة العضوية بين الدولة والمجتمع.

التحدي الثاني، التحديات السياسية للتهريب والفساد، حيثيرتبط التهريب والفساد بالإرهاب؛ حيث يُعد الجزء الجنوبي للدولة مركزًا للتهريب منذ عقود لاسيما فيما يتعلق بالثروة النفطية في ليبيا. ومع الوقت تبلور اقتصاد غير رسمي. وعقب اندلاع ثورة 2011 تحول تجار السلع والوقود والعملة إلى "عشائر المافيا". وقد وصل حجم الاقتصاد غير الرسمي وفقا لمركز الفكر التونسي "جسور" إلي أكثر من 55٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016 بعدما كان يمثل 35٪ في عام 2012.

أما بالنسبة للفساد فهو يُقوض مؤسسات الدولة وعلاقة الثقة بين الدولة والمجتمع، وهناك تحدى من شقين لمكافحة الفساد؛ الأول هو الحد من حركات الاحتجاج في جنوب تونس، والثانى هو منح الشرعية السياسية لحكومة الوحدة الوطنية. ووفقا لمنظمة الشفافية الدولية، احتلت تونس الترتيب رقم 75 على المستوى العالمي، وهو ما يعكس الدور المتواضع لسياسات مكافحة الارهاب.

التحدي الثالث، حركات الاحتجاج الاجتماعي من أجل التوظيف والتنمية، حيث تُعد الثورة التونسية التي أشعلها محمد بوعزيزي نموذجًا مثاليًا للاحتجاج الاجتماعي لبلدان أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتى تهدف لتلبية متطلبات التوظيف والكرامة. كما أنها الحركة الاحتجاجية الوحيدة التى شملت المستويات المحلية والقُطرية والإقليمية والعالمية، فقد انتشرت من مدينة سيدي بوزيد إلى جميع المدن التونسية، ثم إلى البلدان العربية المجاورة والبعيدة مثل ليبيا ومصر وسوريا واليمن والبحرين. وتشابهت مع حركة السخط العالمية التي حدثت في الساحات العامة للعديد من المدن في أوروبا والعالم بدءا من عام 2011.

وتُمثل الحركات الاحتجاجية التي شهدتها تونس خلال عام 2017، مثل تلك التى شهدتها منطقة "تطاوين" الحدودية الجنوبية الشرقية للمطالبة بالتوظيف والكرامة وإنهاء التهميش الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي، تمثل تحدى اقتصادي واجتماعي وسياسي كبير للدولة التونسية.

وحدد الباحث ثلاثة مرتكزات لمرونة الدولة التونسية، الأول؛ هو التأثير المتبادل بين الدولة والمجتمع حتى في ظل المركزية والنمط البيروقراطي للدولة. المرتكز الثانى؛ هو النهج الاصلاحي للدولة التونسية، خاصة الاصلاحات الاجتماعية، والتي أفرزت مجتمع يستند إلى طبقة متوسطة عريضة مُتعلمة ومنفتحة تتبع النهج المعتدل في الاسلام. بينما يتمثل المُرتكز الثالث في نجاح المجتمع المدني التونسي في بناء حوار وطني انتهي بإبرام "تسوية تاريخية" بين الإسلاميين والعلمانيين وبالتالي عزز مرونة الدولة والمجتمع.

الحالة المصرية

تناولت د. إيمان رجب، الخبير في الأمن الاقليمي بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في الفصل الثاني من الكتاب والمعنون "مصر في المرحلة الانتقالية: تحديات الحفاظ على مرونة الدولة والمجتمع"، أن مصر قد تعرضت خلال المرحلة الانتقالية التي امتدت من فبراير 2011 وحتى منتصف عام 2012، للعديد من التحديات التي أثرت على العلاقة بين الدولة والمجتمع، إلا أن الدولة بمؤسساتها تمكنت من التصدي لها وهو الأمر الذي يعكس قدرة الدولة على الاستجابة للضغوط المجتمعية المطالبة بالإصلاح، ومازالت تسعي لتلبية تلك المطالب.

ووفقا للتعريف العام للمرونة الوارد باستراتيجية الاتحاد (EUGS) والذي يعتبر "المرونة" مقابلا لمفهوم "الهشاشة"، فإن القاهرة تُعد أقل هشاشة من العديد من الدول العربية مثلما أوضح مؤشر الدول الهشة لعام 2017 الذي يقيس هشاشة الدولة على مدى عشر سنوات (2007- 2011) حيث جاءت مصر أقل هشاشة من تونس والأردن وتركيا وإيران وسلطنة عمان خلال الفترة ذاتها، أما عقب عام 2011، فقد أصبح مفهوم هشاشة الدولة المصرية موضع خلاف.

وأشارت د. إيمان إلى أنه بتطبيق تعريف المرونة الوارد في الاستراتيجية والمتمثل في "قدرة الدول والمجتمعات على الإصلاح، وبالتالي مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية والتعافي منها"، على حالة مصر، فهناك عدة نتائج أولها؛ أنه لا يمكن الفصل بين الدولة والمجتمع؛ فالدولة بمؤسساتها هي جزء لا يتجزأ من المجتمع، ثانيها؛ أن النظام السياسي يميل إلى استخدام مؤسسات الدولة لتعزيز شرعيته وبالتالي تعزيز الروابط بين "الدولة" و"النظام" و"المجتمع"، ومن ثم فإن أى محاولة لإضعاف شرعية النظام تترك أثرها على شرعية الدولة.

تحديات ثلاث تواجه الدولة والمجتمع

أوضحت دكتورة إيمان رجب أنه يمكن اختبار مدى قدرة الدولة والمرونة المجتمعية في مصر من خلال تحديات كبري ثلاثة.  

التحدى الأول؛ وهو تدهور ظروف المعيشة، فقد اعتمدت الحكومة العديد من الإصلاحات الاقتصادية التى كان لها تأثيرها على مستوى الاقتصاد المصري، وعلى المستوى المعيشي. وقد تأثرت المرونة المجتمعية بهذا الوضع الاقتصادي في اتجاهين. الأول، هو احتلال مكافحة ارتفاع الأسعار المرتبة الثانية في اهتمامات المصريين عقب احتلال "الحفاظ على النظام" المرتبة الأولى، خاصة أن الأثر السلبي للاقتصاد امتد للطبقة المتوسطة في المجتمع. الاتجاه الثاني، أن تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي دفع عددا متزايدا من الشباب للهجرة غير الشرعية لأوروبا.

أما بالنسبة للجانب الايجابي للمرونة فقد تمثل في استجابة الدولة للصعوبات الاقتصادية عبر شقين. الأول؛ هو تركيز الدولة على إنعاش الاقتصاد عبر اطلاق عدد من المشروعات الاقتصادية الضخمة مثل قناة السويس الجديدة، إلى جانب تقديم الدعم اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ للفئات الأشد حرمانا من خلال البطاقات التموينية الحكومية التي يستفيد منها 71 مليون مواطن لا يعاني جميعهم من الحرمان. أما الشق الثانى؛ فيتمثل في دعم الدولة للجيش والمنظمات التنموية غير الحكومية (NGOs) لتوفير السلع المدعومة للمواطنين، ما ترتب عليه تعزيز مرونة كل من الدولة، بإعتبار أن الجيش أحد مؤسساتها، وكذلك المجتمع.

التحدي الثاني، تمثل في الراديكالية والإرهاب اللذان يتحديان مرونة الدولة والمجتمع عبر ثلاث آليات. الأولى، استمرار الحرب الشرسة على الإرهاب مثلما وصفها الرئيس السيسي. الثانية، مساهمة الراديكالية والإرهاب في تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتعطيل تنفيذ المشروعات التنموية، خاصة في سيناء. الآلية الأخيرة هي الأثر السلبي الذي تتركه الحرب غير المتناظرة مع الإرهابيين على قطاع السياحة في مصر.

وتأتى المساهمات الإيجابية نحو المرونة في تبنى الدولة لثلاث مجموعات من السياسات للحفاظ على شرعيتها. تتمثل الأولى في استهداف الإرهابيين في شمال سيناء، الثانية هي انتهاج سياسات مكافحة الأفكار الراديكالية الإسلامية الدينية. بينما تتمثل المجموعة الثالثة من السياسات في مساعدة ضحايا الإرهاب.

أما بالنسبة للجانب الأخير لقياس المرونة فيتمثل في تحدى الأمن مقابل الحريات السياسية؛ حيث تشهد مصر تطورات متشابكة في مجال الحريات بعدما اعتمدت الحكومة مجموعة من القوانين مثل قانون مكافحة الإرهاب لعام 2015، والتي يراها البعض أنها انتهاك للحريات تماما مثل رؤيتهم بأن الاحتجاج على قرارات الحكومة لا يشكل تهديدًا للأمن القومي كالاحتجاجات التى تم تنظيمها ضد اتفاق ترسيم الحدود في عام 2016 مع المملكة العربية السعودية. كما تعكس تلك الاحتجاجات قدرة المجتمع على التعبير عن مطالبه بالتغيير عبر الأدوات غير الخاضعة لسيطرة الدولة مثل مواقع التواصل الاجتماعي.

وانتهت د. إيمان رجب إلى أنه يمكن اعتبار مصر حالة فريدة في المنطقة نتيجة حالة الترابط ثلاثية الأبعاد بين مؤسسات الدولة والنخبة الحاكمة والمجتمع التى تخلق دينامية خاصة تؤثر على مرونة الدولة والمجتمع وعلى الكيفية التى تمكن الدولة من مواجهة التحديات الثلاثة السالف ذكرها.

التجربة اللبنانية

استعرض الباحث جميل معوض في الفصل الثالث والمعنون " تفريغ المرونة اللبنانية: تقويض مؤسسات الدولة وترسيخ النظام؟"، الوضع السياسي اللبناني خلال سنوات طويلة؛ حيث تعرضت بيروت للعديد من الأحداث المتتالية التى تركت أثرها على الدولة والمجتمع اللبناني، بدءا من الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990)، مرورا بالهجمات الإسرائيلية التي تعرضت لبنان لها خلال سنوات 1993، 1996، 2006، فضلا عن المآزق المؤسسية والفترات الممتدة من الفراغ الرئاسي، وغياب الموازنة الرسمية منذ عام 2005، وتدفق اللاجئين السوريين، إلا أن بيروت نجحت في التكيف مع هذا الواقع والتحديات الجديدة دون تغيير كبير في تكوين النخبة الحاكمة منذ عقود، وهو ما دفع المجتمع الدولى للإشادة بصمود المجتمع اللبنانى.

على المستوى الاقتصادي، ترجع مرونة الاقتصاد اللبنانى في أوقات الصراع وتفكك الدولة إلى الاقتصاد الليبرالي والموجهة نحو السوق والذي يتمتع فيه القطاع الخاص بالاستقلال عن الدولة. كما يلعب البنك المركزي دورا حاسما في الحفاظ على مرونة الاقتصاد؛ حيث يقوم البنك بالتنسيق مع البنوك التجارية للحفاظ على استقرار سعر الصرف وكذلك ربحية البنوك. ومن الجدير بالذكر أن أغلب البنوك التجارية ترتبط مباشرة بالنخبة السياسية مثلما أوضحت دراسة في عام 2016 أن هناك 18 بنكا من أصل 20 بنكا لديها مساهمين رئيسيين مرتبطين بالنخب السياسية.

أما على المستوى المجتمعي، فقد أوضح الباحث أن المجتمع اللبناني يتميز بقدرته على التجمع والتنظيم الذاتي سواء من خلال الشبكات العائلية أو التضامن الطائفي لمعالجة الأزمات الداخلية مثل أزمة القمامة التى دفعت مجموعة من الناشطين الشباب لتنظيم احتجاج شعبي فرض ضغطًا غير مسبوق على النخبة السياسية الحاكمة، أو لمواجهة الآثار الجانبية الإقليمية مثل تأثير الحرب السورية المستمرة. فقد اتبعت بيروت سياستين للتعامل مع تدفق اللاجئين السوريين. الأولى، هي سياسة شعبية تتمثل في استضافة اللبنانيين لإخوانهم السوريين في قُراهم باسم "الضيافة". الثانية، هي "سياسة الباب المفتوح" التى انتهجتها الحكومة اللبنانية لكي تمكن اللاجئين من دخول البلاد.

التجربة العراقية

تناول الباحث رانج علاء الدين في الفصل الرابع "الهشاشة والمرونة في العراق". وذهب إلى أن بغداد واجهت ومازالت تواجه العديد من التحديات، سواء تمثلت في الصراع الداخلي الدامي، أو سياسات إعادة الإعمار، أو التدخل الإقليمي والحرب بالوكالة، أو الأزمة الاقتصادية والحرب الدائرة في سوريا المجاورة، لكن على الرغم من ذلك، لم تتفكك الدولة العراقية نظرا لقوة الهوية العراقية والتفاعلات الكبيرة بين الدولة والهياكل المجتمعية مثل القبائل والزعماء الدينيين والمجتمع المدني والجماعات المسلحة التي غالبا ما تعمل جنبا إلى جنب مع قوات الأمن العراقية.

 كما تتجسد المرونة المجتمعية في العراق في قدرة المجتمع العراقي على التأثير على السياسة الوطنية لمعالجة التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إطار يسمح بالحوار والتفاعل مع الدولة. فالمجتمع العراقي لا يعانى من مشكلة الطائفية وإنما المشكلة تتعلق بـ"الحكم"، حيث تفتقر الطبقة السياسية الشيعية الحاكمة إلى الرؤية الاستراتيجية الوطنية الرامية لبناء والحفاظ على كيان الدولة العراقية، وهو ما دفع السنة في العراق للدعوة إلى إنشاء منطقة سُنية مستقلة تُشبه كردستان لكي يتمكنوا من إدارة أمور حياتهم وأمنهم. وفي النهاية لا يمكن القول إلا أن الدولة العراقية تبقي هي الفاعل الوحيد القادر على بناء وتشكيل النظام الدستوري والقانوني للبلاد، لذلك يجب أن تكون مستعدة لتحل محل الجماعات المسلحة التي تضع نفسها كبدائل للحكومة وهو ما يتطلب قوة أمنية منظمة وفعالة والعمل على توفير الخدمات الأساسية وإنعاش الاقتصاد الوطنى.

ولقد ذهب الباحث في تناوله لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه بغداد، إلى إمكانية اعتماد الاتحاد سياسة مزدوجة المسار تهدف إلى تعزيز الحكم المحلي الفرعي للدولة إلى جانب تعزيز المؤسسات الوطنية الاتحادية، كما يجب تحديد سبل التعاون مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والقبائل والمؤسسات الدينية ليس كممثلين عن الدولة حتى لا يترك الأمر أثره على الدولة بتقويض سلطاتها. كما يمكن للمجتمع الدولي تشجيع صانعي القرار العراقي على مواصلة برنامج الإصلاح في العراق لاسيما في جانبه الاسثماري حتى لو كان هذا سيؤدي إلى نتائج محدودة على المدى القصير؛ فلقد خصصت بغداد 5.7٪ فقط من نفقاتها الحكومية للتعليم في العام الدراسي 2015-2016  وهو ما وضع الدولة في المرتبة الأدنى بين دول منطقة الشرق الأوسط نظرا لإمكانية التحاق نصف أطفال العراق المشردين داخليا فقط بالنظام التعليمي، وهو ما يترتب عليه تكبد الاقتصاد الوطنى خسائر تصل لمليار دولار تقريبا.

توصيات مُقترحة لتعزيز سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تضمنت خاتمة الكتاب مجموعة من التوصيات على الاتحاد الأوروبي انتهاجها لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نوجظها فيما يلي:

- استناد النهج الجديد للاتحاد الأوروبي تجاة المنطقة على تقييم صادق لقدرات الاتحاد الأوروبي وتحديد مسبق للأولويات في سياساته تجاة المنطقة محل الدراسة لاسيما في ظل تضاؤل القدرات المالية للاتحاد.

- تعزيز الروابط التى تربط النمو الاقتصادي بالنقاش السياسي والحريات المدنية؛ حيث لا يمكن تحقيق المرونة المجتمعية دون حفاظ الدولة على نهجها المرن، مع ضمان عدم انزلاق الاتحاد في دائرة الخلافات الإقليمية داخل المنطقة.

- تعزيز التعاون بين الاتحاد والدول الأعضاء مع المنظمات المالية الدولية، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي، من أجل تنسيق الاستثمارات وتقديم المساعدة للدول المصدرة للنفط في المنطقة، وتقديم المشورة وأفضل الممارسات في مجال الإصلاح الضريبي والمشتريات العامة ومراقبة وحماية المستهلك، وهي مسائل تُؤثر على العلاقة بين الدولة والمجتمع .

- يتوقف تعزيز قدرة الدولة والمرونة المجتمعية في المنطقة على إعادة إحياء العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع وإعادة صياغة طرق التفاعل بين الجانبين كمحاولة لتعزيز ثقة المواطنين في الدولة.



رابط دائم: