فرص الإصلاح السياسي في إثيوبيا بعد ديسالين
2018-2-20

د. أماني الطويل
* مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبيرة فى الشئون الأفريقية

ربما تكون استقالة رئيس الوزراء الإثيوبي، ماريام ديسالين، انعكاسًا لقمة جبل الثلج الطافي، بينما التفاعلات السياسية الداخلية مازالت حُبلى بعناصر القلق، وربما عدم الاستقرار لفترة قد تطول إلا إذا أقدمت أقلية التيجراي على إصلاحات من شأنها تطوير معادلة الثروة والسلطة في إثيوبيا، لتسمح بتمثيل حقيقي ذي مصداقية للقوميات والعرقيات صاحبة الأغلبية السكانية. وفي جميع الحالات هناك سياقات مهمة لابد من فهم هذه التطورات في إطارها.

السياق الأول، أن الاضطرابات الممتدة منذ عام 2015 مرتبطة ارتباطًا عضويا بعملية هندسة الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو 2015، وجاءت نتائجها بلا معارض واقعي للحكومة في البرلمان، أو ممثل للقوميتين الأكبر في البلاد الأورومو والأمهرا لا يكون مرتبطا بتفاهمات مع الحكومة. نتائج الانتخابات وترتيبات المعادلة السياسية الإثيوبية وقتذاك اعترضت عليها رموز المجتمع الدولي على مستوى الحكومات ومنظمات المجتمع المدني.

السياق الثاني، للأزمة السياسية الإثيوبية هو محاولة الحكومة سلب الأورمو لأراضيهم حول العاصمة أديس أبابا، بمساحة تصل إلى 120 كيلو متر مربع، وذلك  لأسباب تقول عنها الحكومة إنها استثمارية معنونة بالخطة العامة لتطوير العاصمة الإِثيوبية، ويراها الأورمو محاولة لتقليص أدواتهم الاقتصادية، فهذه الأراضي الزراعية هي مصدر الثروة لهذه القومية الكبري (40٪ من السكان) غالبيتهم من المسلمين.

السياق الثالث، هو عمليات الاغتيال المعنوي التي يتعرض لها الأورمو كمسلمين، من خلال تصدير صورة للمجتمع الدولي أن المعتقلين منهم متورطين في عمليات إرهابية تهدد الأمن الداخلي للبلاد، بينما هم في حقيقة الأمر معارضون على خلفيات عرقية.

في هذا السياق، فإن بلورة عملية الإصلاح السياسي لابد أن تأخذ بعين الاعتبار تغيير موازين القوى داخل "الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا" EPRDF (التحالف الحاكم منذ عام 1991)، والذي يضم عددا من الحركات والجبهات الممثلة للجماعات الإثنية الرئيسية في إثيوبيا، وأبرزها "جبهة تحرير شعب تيجراي" TPLF، ويرأسها Debretsion Gebremichael، وهي القوة القائد داخل الجبهة، وذلك لكونها القوة الدافعة لتكوين الجبهة بهدف الإطاحة بنظام منجستو، فضلا عن أنها صاحبة القوة العسكرية الأكبر في التحالف الحاكم، و"حركة الأمهرا الديمقراطية الوطنية" ANDM، ويرأسها Demeke Mekonnen، و"المنظمة الديمقراطية لشعب أورومو" OPDO، ويرأسها ليما ميجرس Lemma Megersa، و"الجبهة الديمقراطية للشعب الجنوبى الإثيوبى" SEPDM، ويرأسها Shiferawu Shigute.

وبطبيعة الحال فإن تغيير موازين القوى يعني تراجع أقلية التيجراي المتنفذة ولو نسبيا داخل مفاصل الدولة وفي أجهزتها الأمنية، وأيضًا في القوات المسلحة، وذلك  لتفسح المجال للقوميات والأعراق الأخرى ليكون لها نصيبا من السلطة على المستوى القومي. ويبدو أنه دون إجراء هذه العملية المعقدة جدا لن يكون هناك فرص كبيرة لإصلاح سياسي جذري يضمن استقرارا طويل المدى في إثيوبيا، ولكن سيكون المطروح والممكن دائمًا هو محاولات التهدئة بتنازلات جزئية تقوم بها أقلية التيجراي كسلطة متنفذة.

لعل هذا التعقيد هو ما يفسر أن التنازلات التي أقدمت عليها الحكومة الإثيوبية بالإفراج عن حوالي 800 من المعارضين منذ مطلع العام لم تسفر عن أي تهدئة سياسية. كما أن فرض حالة الطوارئ لمدة تسعة أشهر، انتهت في أغسطس 2017، لم تحقق أهدافها لا في تهدئة الاحتجاجات أو في الاستقرار السياسي. ولعل إعلان حالة  طوارئ جديدة هذا الأسبوع من جانب وزير الدفاع الإثيوبي هو إشارة واضحة إلى دور القوات المسلحة الإثيوبية في التفاعلات الداخلية الراهنة، وهي االتي تقود أيضا عمليات التنمية الاقتصادية.

عملية الإصلاح بشكل جذري على النحو سالف الذكر لا تتوافق مع الإرادة السياسية الغربية التي لا تريد وزنا سياسيا للأرومو المسلمين في المعادلة السياسية الإثيوبية، مع ما تملكه أديس أبابا تاريخيا من وزن في كل من تل أبيب وواشنطن؛ فهي حليف استراتيجي له علاقة على نحو ما بمخططات إسرائيل في إضعاف النظام العربي، وإضعاف عناصر القوة الشاملة للدولة المصرية. ولعل أزمة سد النهضة تأتي في هذا السياق. وإضافة إلى ذلك، تملك إثيوبيا أهمية كبيرة في عمليات مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي ولها دور مؤثر في الصومال، وهو ما يفسر تجاهل الإدارة الأمريكية لانتهاكات حقوق الإنسان في إثيوبيا إلى حد أن أصبحت مصالح واشنطن في القرن الأفريقي رهينة لدى إثيوبيا. على سبيل المثال لا الحصر، أوقفت اللجنة الفرعية للشئون الأفريقية بمجلس النواب الأميركي تمرير قرار في سبتمبر 2017 يلفت الانتباه إلى الانتهاكات لحقوق الإنسان في إثيوبيا، وذلك نتيجة تهديد السفير الإثيوبي في الولايات المتحدة لأعضاء اللجنة بوقف التعاون مع واشنطن في مكافحة الإرهاب في الصومال.

على أية حال، فإن استقالة رئيس الوزراء الإثيوبي هايلى ماريام ديسالين في منتصف فبراير الجاري (2018) كانت لحظة كاشفة على المستويين الإقليمي والدولي  لحالة تماسك الدولة الإثيوبية القائمة على تحالف كونفيدرالي بين قوميات متصارعة تاريخيا، ذلك أن الاستقالة جاءت من موقعه كرئيس للوزراء وموقعه في جبهة الشعوب الإثيوبية الحاكمة وذلك على خلفية الانقسامات الداخلية في هذين المكونيين، حيث برزت التساؤلات عن مدى الحاجة لتغيير قواعد اللعبة السياسية الراهنة حتى تقوم إثيوبيا بوظائفها الأساسية في استقرار أهم دول شرق أفريقيا.

أما على المستوى الإقليمي، فإن المشهد الإثيوبي لابد وأن يكون مؤثرا على المعادلات الراهنة، حيث أقدمت السودان على إبرام تحالف استراتيجي مع إثيوبيا باعتبارها رافعا إقليما وداعما، ولكن التنازلات التي أقدمت عليها السلطة في أديس أبابا تعطي إشارات لإرتيريا لممارسة المزيد من الضغوط  في ضوء اتهامات من جانب الخرطوم وأديس أبابا – لا نعلم مدى صحتها- بوجود علاقة بين أسمرة و"حركة 7 مايو" (جيبوت 7)، وهي الحركة التي يشار إليها باعتبارها فاعلا أساسيا في الاضطرابات الداخلية، وعلى ذلك فإنه من المتوقع أن تعيد الخرطوم حساباتها الإقليمية خصوصا إزاء القاهرة.

وفيما يتعلق بمصر فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن عدم الاستقرار في إثيوبيا هو نتيجة لمشكلات داخلية وليس لأسباب خارجية. ولا يمنع ذلك أن تكون القاهرة مستعدة للتعامل مع سيناريوهين متضاربين:

السيناريو الأول، أن تتجه إثيوبيا إلى التفرغ للأزمات الداخلية وتقليل مستوى أزمات الخارج، ومنها سد النهضة، وهو ما يرفع من فرص مرونة إثوبية أكبر من جانب أى رئيس وزراء إثيوبي قادم شريك بالمفاوضات مع القاهرة.

السيناريو الثاني، يتمثل في جنوح الائتلاف الحاكم في إثيوبيا إلى التصعيد الخارجي الحاد، في مسعى لحشد القوميات الإثيوبية في أزمات خارجية، وهو سيناريو قد يكون قصير الأجل نظرا لعمق وتعقيد الداخلية الإثيوبية.

طبقا للدستور الإثيوبي، سوف يتم اختيار رئيس الوزراء من بين أعضاء الأحزاب الممثلة في البرلمان، وعادة يتم اختيار زعيم واحد من الأحزاب الأربعة الرئيسية في الجبهة. وإذا تم استبعاد ممثل  التيجري، وهو وزير الاتصالات والتكنولوجيا Debrestsion Gebremichae وذلك في إطار التهدئة السياسية المطلوبة، فإن ليما ميجرس رئيس ولاية أوروميا، يبدو هو المرشح الأقوى ولكن تقف أمامه عقبة دستورية كونه غير عضو في البرلمان الاتحادي. من هنا، ربما يتم اللجوء إلى ممثليين آخرين لأوروميا مثل وزير الخارجية الحالي Workneh Gebeyehu أو المتحدث باسم البرلمان الاتحادى Abadula Gemeda، وكلاهما من قادة الأورومو وعلاقتهما بالأجهزة الأمنية ومراكز القوة بها جيدة، إلا أن شعبيتهما بين الأورومو ضعيفة مقارنة بليما ميجرس. ويبقي أن اختيار أحدهما هو هدف لنخبة التيجراي الحاكمة من حيث كونه يمكن أن يقلل من زخم وقدرات المعارضة الشاملة ويتسبب في انقسامها. وفي المقابل فإن فرص DemekeMekonnen ممثل الأمهرا في الجبهة الحاكمة ونائب رئيس الوزراء الحالي  تبدو ضعيفة.

ويمكن القول إن المعادلة الراهنة في إثيوبيا والحاكمة منذ عام 1991 قد تم استنفاذها، وهو أمر مطروح حاليا في واشنطن ويتم التفكير في معادلة جديدة تضمن عدم تفكك الدولة في إثيوبيا وتحاول إيجاد صيغ جديدة لتوافق القوميات في إثيوبيا ربما في مؤتمر جامع للمصالحة الوطنية.


رابط دائم: