مؤتمر سوتشى للحوار الوطنى السورى.. المعارضة أمام خيارات محدودة
2018-1-28

صافيناز محمد أحمد
* خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

أعلنت موسكو عزمها عقد مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري في موعده المقرر خلال الفترة (29 – 30) يناير الجاري (2018)، بالرغم من تصاعد حالة الصراع الميداني في شمال غرب سوريا على وقع العملية العسكرية التي تقوم بها تركيا في مدينة عفرين بمحافظة حلب، ضد قوات وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية تستهدف أمن حدودها الجنوبية. وقد ألقت العملية العسكرية التركية في عفرين بظلال قاتمة على مسارات التفاوض التي تزامن عقدها مع حالة التصاعد الميداني المشار إليها؛ فقد عُقدت الجولة التاسعة من جولات مؤتمر جنيف في فيينا في الخامس والعشرين من يناير 2018، وانتهت دون إحداث أي تقدم يذكر في ملفات الدستور والمعتقلين. فضلا عن أجواء التوتر التي سبقت التحضير لمؤتمر الحوار الوطني، وهي الأجواء التي وضعت المعارضة السورية أمام اختبارات وخيارات غاية في الصعوبة.

تحاول روسيا الاستئثار بمفاعيل الحل والتسوية السياسية في سوريا منذ نجاحها في إقرار مناطق خفض التصعيد والتوتر بين النظام والمعارضة، وفقا للمبادرة التي تقدمت بها خلال مفاوضات الآستانا في مايو 2017، والتي ضمنتها كل من تركيا وإيران. محاولات الاستئثار تلك جاءت كنتيجة للمكاسب التي حققها النظام السوري بدعم عسكري مباشر من قبل روسيا، وهو ما اعتبرته انتصارا ميدانيا لحليفها على حساب المعارضة المسلحة من ناحية، وعلى حساب تنظيم الدولة (داعش)، من ناحية ثانية. وقد سعت موسكو لاستثمار هذه النتائج العسكرية سياسيا من خلال تدشين مسارات تفاوض تأخذ الأزمة السورية بعيدا عن مسارات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي لم تقبل روسيا مقرراتها منذ جولتها الأولى، بل أسهمت إلى حد كبير- على مدار جولات جنيف التسعة وعبر دبلوماسيتها الفاعلة - في تحويل ذلك المسار إلى جلسات دولية روتينية تجمع ممثلي القوى المعنية بالصراع السوري دوليا وإقليميا إلى جانب وفدي النظام والمعارضة، دون أن تسهم في إحداث حلحلة للصراع نحو التسوية. وبالتالي رأت روسيا أن انتصارها في سوريا لابد من ترجمته في مسار بعيد يحمل رؤيتها الخاصة لمشروع التسوية والحل، ليكون مسارا بديلا عن جنيف، هدفه الرئيسي حماية مكتسبات ومصالح روسيا في سوريا التي راكمتها على مدار السنوات الثلاثة الماضية. وقد بدأت روسيا ذلك المسار في مدينة سوتشي، الروسية، نهاية عام 2017 بلقاء بشار الأسد في أعقاب إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتهاء الحرب على تنظيم الدولة في سوريا، ثم بلقاء نظيريه التركي والإيراني لوضع ملامح وأطر التسوية خلال المرحلة التالية.

من هنا جاء الإصرار الروسي على عقد مؤتمر يضم حوالي 1500 شخصا ممن يمثلون كافة أطياف الشعب السوري في الداخل والخارج، وبعض الفصائل المسلحة؛ فيما اسمته موسكو "مؤتمر الحوار الوطني السوري".

ثمة تحليلات تقول إن روسيا تسعى إلى تحقيق هدفين رئيسين من مؤتمر سوتشي: الأول، هو سعي موسكو للضغط على حليفها السوري لبذل مزيد من الجهود في مسار احتواء المعارضة، بالتوازي مع إطلاق عملية إصلاح دستوري واسعة. الثاني، هو تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم النظام وأطراف من المعارضة، ممن لا ينتمون للمعارضة المنبثقة عن حالة الثورة السورية. بمعنى آخر، فإن موسكو تريد إخراج المعارضة السورية المعتادة من مشهد التسوية ليحل محلها معارضة منتقاة من جانبها. هذا التصور الروسي يضعه البعض في خانة الضغط على المعارضة السورية، وتحديدا هيئة التفاوض التي تم تشكيلها في مؤتمر الرياض-2، لدفعها إلى تقديم تنازلات يعتد بها خلال الفترة القادمة، على غرار التنازلات التي قدمتها بعض فصائل المعارضة المسلحة، وتمثلت في قبولها مبادرة وقف التصعيد، والتي بمقتضاها تحول دورها من مواجهة واستهداف قوات النظام، إلى استهداف عناصر تنظيم الدولة وجبهة تحرير الشام  (النُصرة سابقا).   

وقد أعلنت معظم فصائل المعارضة السورية السياسية والعسكرية (أكثر من 40 فصيلا مسلحا) رفضها حضور مؤتمر سوتشي، إلا إذا أعلنت الجهة المسئولة عن رعايته مناقشة جدول الأعمال لعملية الانتقال السياسي، وعودة اللاجئين، وإطلاق المعتقلين. بينما روجت المعارضة المحسوبة على منصة موسكو لحضور المعارضة المؤتمر بناء على ضمانات تركية قدمتها أنقرة لموسكو وطهران تفيد بمشاركة المعارضة. وتزامن ذلك مع إطلاق عدد من رموزها حملات لحمل المشاركين من الشخصيات الوطنية السورية المستقلة على المقاطعة. على جانب آخر، أعلن النظام السوري دعمه الكامل للمؤتمر، موجها انتقادات حادة لعملية جنيف التفاوضية. كما جاء الرفض الأمريكي لسياق مسار سوتشي واضحا؛ حيث أعلنت واشنطن رفضها سحب روسيا لملف الأزمة السورية تجاه مسار تفاوضي جديد يتجاوز مسار جنيف، دون تحقيق إنجاز يُعتد به بشأن الانتقال السياسي. وهو ما يعني منح الولايات المتحدة العملية التفاوضية السورية عبر الأمم المتحدة -مسارات جنيف -  مزيدا من قوة الدفع في سياق حالة التباين في المواقف بشأن الصراع السوري بينها وبين روسيا.    

وبين جدل حضور أو عدم حضور المعارضة - وعلى رأسها هيئة التفاوض - فعاليات المؤتمر تظل الحقيقة القائمة ممثلة في "محدودية الخيارات" المتاحة أمام المعارضة السورية، كأحد أبرز معوقات هامش المناورة أمام المعارضة. لاسيما بعد محاولات روسيا الحثيثة لتقليص عدد البدائل والخيارات المتاحة أمام "هيئة التفاوض" وبعض فصائل المعارضة المسلحة - بعدم إحراز تقدم في مناقشات جنيف بشأن عملية الانتقال السياسي والدستور وملف المعتقلين - بما يسهم في دفع الهيئة إلى القبول مرغمة بالمشاركة في مسار سوتشي بعد فشل جنيف في اعتماد رؤيتها بشأن الموضوعات المذكورة آنفا. هذا فضلا عن أن خيار عدم المشاركة من قبل المعارضة في المؤتمر، وإن كان له وجاهته لأنه سيحرم موسكو من إضفاء الشرعية على هذا المسار- لغياب تمثيل طرف أصيل فيه- إلا أن ذلك الغياب لا يعني عدم التزام المعارضة بمخرجاته، خاصة أن موسكو كونت وفدا معارضا قوامه 1500 شخصية سورية وطنية بإمكانه بلورة رؤية جديدة لاستكمال مسارات التفاوض بعيدا عن رؤية هيئة التفاوض وقريبة من الرؤية الروسية.

هنا تصبح مقررات سوتشي للحوار الوطني السوري أحد مدخلات عملية التفاوض التي ستُبني عليها مراحل التسوية القادمة، سواء قبلت بذلك هيئة التفاوض أو لم تقبل. يضاف إلى ذلك الخبرة الروسية في التعامل مع المعارضة السورية المسلحة، والتي تمكنها من الاتفاق مع بعض تلك الفصائل ذات الحضور الميداني على أرض الصراع -على غرار ما حدث بشأن مناطق خفض التصعيد- بإمكانها إحداث انقسام في الرؤى بين المعارضة السياسية التي تخوض المفاوضات، وبين المعارضة المسلحة التي تتحكم في الميدان. وهنا تكون روسيا قد حيدت الأخيرة عن تفاعلاتها مع الأولى، التي ستصبح في حالة حدوث هذا السيناريو خارج إطار العملية السياسية والتفاوضية في آن واحد.

في السياق السابق، تبدو الأزمة السورية مطلع العام الجاري متغيرة؛ فبالرغم من تزايد توقعات الحل والحسم السياسي التي عبرت عنها مؤشرات عدة في أعقاب إعلان روسيا انتهاء الحرب على الإرهاب في سوريا والبدء في تدشين مسار سياسي، إلا أن تراجع تلك المؤشرات نفسها أعاد إبقاء الصراع ضمن سياقات التجاذب الدولية والإقليمية؛ حيث تصاعدت حدة التنافس الأمريكية الروسية، بإعلان الأولى استمرار تواجدها في مواقع الشمال والشرق السوري حتى تحقيق عملية الانتقال السياسي، وإعلان الثانية إبقاء بعض قواتها في قاعدتي حميميم وطرطوس مع توسيع الأولى، وإنشاء ثالثة في الشمال الغربي، ثم تدشينها لمسارات سوتشي التفاوضية بعيدا عن مسارات جنيف الأممية. لكن وفي ظل رفض الولايات المتحدة لمسارات سوتشي لكونها ستتبنى الرؤية الروسية المنفردة للحل، فمن غير المتوقع أن يناقش مؤتمر الحوار الوطني السوري حالة الانتقال السياسي، بل من المحتمل أن تقف حدوده عند مناقشة الدستور والانتخابات وحكومة الوحدة الوطنية.     


رابط دائم: