تعثر مستمر... تعقيدات الحسم العسكري والتسوية السياسية للأزمة اليمنية
2018-1-1

د. معتز سلامة
* خبير - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

لم يضف عام 2017 تحولا جوهريا فيما يتعلق بتطورات الحرب أو مسارات التسوية في اليمن. وعلى خلاف العام السابق عليه، الذي شهد مساعي تسوية للأزمة عبر الوساطة الكويتية، فإن عام 2017 لم يشهد أي جديد في التسوية، حيث تجمدت وساطة الكويت، ولم تبرز أي أطر تسوية دولية بديلة، وبدت الحرب مستعصية على التوقف، لكنها بالمقابل سارت في مسار اعتيادي بطيء عنوانه التعثر وعدم الحسم. وإلى حد كبير سادت القناعة بأن مسار الحسم العسكري صعب ومكلف في ضوء الحسابات المعقدة. ولولا ضربات الحوثيين على جنوب السعودية، وبالصواريخ الباليستية في عمق المملكة، ربما كانت دول التحالف قد قنعت بما تحقق مستبقية أهدافها الأخرى إلى محطات تالية، أو راغبة في أن ينهار مشروع الحوثي من ذاته مراهنة على الشقاق بينه والرئيس السابق على عبدالله صالح، على نحو ما وقع في آخر العام.

ومن الملفت أنه خلال فترات نهاية عام وبداية عام جديد، اعتادت جبهات الحرب في اليمن أن تشهد بعض التسخين الهادف والمحسوب، حيث تبدو أطراف الأزمة مدفوعة بالرغبة في تعظيم أوزانها ومكاسبها عند حساب حصاد العام المنصرم، وراغبة في الدفع بموجة جديدة من التفاؤل مع بدء العام الجديد؛ فمع مطلع عام 2017 شهدت الحرب إطلاق عملية الرمح الذهبي التي قادتها دولة الإمارات، للسيطرة على الساحل الغربي والمدن اليمنية على ساحل البحر الأحمر، وقد حققت هذه العملية تقدما نوعيا للتحالف بعد السيطرة على ميناء المخا، ولكنها لم تكتمل ولم تنته إلى السيطرة على الحديدة أو التوجه نحو صنعاء.

ومرة ثانية - مع نهاية عام 2017- تشهد الساحة اليمنية حراكا يبدو أنه كان يجري التخطيط له منذ فترة؛ حيث أعلن الرئيس السابق علي صالح انقلابه على تحالفه مع الحوثي، والاصطفاف إلى جانب التحالف العربي، وهو الأمر الذي انتهى بمقتله وخروجه النهائي من المشهد، وأعقب ذلك حراك عسكري على مختلف الجبهات، مع ذلك يبقى السؤال: هل ينتهي الحراك العسكري هذه المرة مع مطلع عام 2018 بجولات حرب ومناوشات ترسخ المعادلات المعقدة التي استقرت على مدى السنوات الثلاث الماضية، أم أن حراك أواخر العام المنصرم ومطلع العام 2018 هو حراك مختلف في ظل ظروف مختلفة؟

تبدو مستجدات أواخر العام 2017 كأنها تمس المعادلات الاستراتيجية المستقرة للحرب، مع انقلاب أحد الحلفاء على شريكه (علي صالح ضد الحوثي)، ومع تغير موقف دولة الإمارات تجاه حزب الإصلاح على أثر مقتل صالح، وحلحلة الموقف السعودي من علي صالح ونجله أحمد المقيم في الإمارات والذي تراهن عليه الإمارات بشكل أساسي في خلافة والده. وتبدو هذه التغييرات في الصفائح الاستراتيجية للحرب مؤثرة على مواقف مختلف الأطراف القبلية والنخب والكتل الصامتة من المجتمع اليمني، وهناك عملية إعادة اصطفاف للولاءات والتحالفات.

وفي ظل هذه البيئة المائعة لمسرح الأزمة والحرب يبدو كل شيء قابلا للتغيير، ولا يستبعد تحقق أي من أقصى النقيضين، بدءا من احتمال الانهيار الدراماتيكي المفاجئ لقوات الحوثيين ودخول قوات الشرعية والتحالف إلى قلب صنعاء، أو احتمال استدامة الحرب لسنوات تنهك قوات التحالف وتخرج منها بخسارة واستنزاف كبيرين يلحقا أفدح الضرر بسمعة الدول الداخلة فيه. ولا يمكن – حتى الآن- ترجيح إلى أي من السيناريوهين تتجه الحرب في اليمن؟

أولا: حصاد 2017.. بيئة حرب خادعة

لا يمكن القول بأن حصاد نهاية 2017 انتهى إلى مشهد مغاير عما كان عليه أواخر 2016، ولقد ظل ذلك ثابتا حتى قبل مقتل الرئيس السابق، لكن بعد مقتله اندفعت إلى الأمام وبسرعة رهانات تشير إلى تبدل في مسرح الحرب. والسبب الأساسي في حالة الغموض بشأن مستقبل الحرب، هو أن الكتل الاجتماعية الأساسية التي يتوقف عليها كفة موازين هذه الحرب لم تُختبر ولا يمكن تحديد مواقفها في ظل نقص المعرفة حول تأثير ثلاث سنوات من الحرب في مناطق الشمال، خصوصا بعد أن ازداد الصندوق الأسود للحالة اليمنية تعقيدا بعد مقتل علي صالح. ويعزز من ذلك أن اللاعبين على مسرح الحرب في الداخل كثر، وهم أشبه بموازييك أو فسيفساء من خلايا دائمة الحركة والتبدل في الشكل والجوهر، وما أن يجري ضبط وتثبيت بعضها حتى تتحرك عشرات من الخلايا الأخرى إلى مربعات مختلفة في حركات متقاذفة وسريعة. هذه الحالة تجعل أي إمكانية للرهان بشأن مستقبل الحرب عملية خادعة.

ينطبق التحليل السابق على الحديث عن مواقف ما يسمى بقبائل الطوق حول صنعاء، وعلى توجهات أنصار حزب المؤتمر الشعبي بعد مقتل صالح، وعلى الكتل الصامتة داخل المجتمع التي لم تعلن دعمها لأي طرف حتى الآن. كما ينطبق على النخب العسكرية والتجارية والثقافية المقيمة في الداخل والشباب والمرأة، ويمتد هذا الموقف إلى الآلاف ممن تضرروا مباشرة أو بطريقة غير مباشرة من الحرب بسبب تأثير الحرب على الأرزاق والأمراض والكوارث المادية والبشرية من الأسر التي سقط لهم قتلى أو جرحى. هؤلاء جميعا يشكلون أبنية وهياكل لأبنية الولاء المائعة. ومثل هذه التباينات في المواقف موجودة وقائمة داخل معسكر الحوثي نفسه، وهناك من يشير إلى لوبيات المصالح والنفوذ التي أتخمت وتعتاش على الحالة الحوثية، ويرتبط مستقبلها باستمرار هذه الحالة. وهناك من يشير إلى خلاف داخل أسرة الحوثي بين الأشقاء على وراثة دور الأسرة والسلالة.

وفي ظل مؤشرات تشير إلى تنامي عقيدة عسكرية ومدنية جديدة وتحالفات حديدية عززتها سنوات الحرب الثلاث بين معسكر الحوثي والأجنحة ذات الثقل في معسكر علي صالح، واختراق الحوثي للمؤسسات المدنية والعسكرية وصبغها بالأيديولوجيا المذهبية (حوثنتها)، ومؤشرات أخرى تشير إلى ممارسة الحوثي لنفوذه من خلال ممارسات القمع والقهر والسجن والاعتقال وتجنيد الأطفال والصبية، هناك مساحات كثيرة للغموض. المؤكد أن الحوثي لا يدير أوضاعه داخل صنعاء بشكل ديمقراطي، لكن المؤكد أيضا أن هذا التحالف الحديدي بينه وصالح لم يكن واجهة شكلية، وأنه مزج بين البنية التحتية والعقيدة العسكرية بين أتباع الحليفين، ومن ثم فإنه لا يمكن التصديق بأن وجود الحوثي في صنعاء يرتكن إلى عنصر القمع وحده، وإنما يرتكن أيضا إلى توازنات استقرت على مدى سنوات الحرب الثلاث.

وفق ذلك، سيظل قدر كبير من مستقبل الحرب وفك شفرات الحوثي متوقفا على المعرفة الدقيقة، بما جرى داخل صنعاء وفي محافظات الشمال على مدى السنوات الثلاث، والوصول إلى معرفة دقيقة بخريطة التغيير والاستمرارية في الولاءات والتحالفات، وهي عملية ليست سهلة، وذلك قد يرجح النتيجة الأساسية بأن إيقاع الأزمة والحرب مع مطلع 2018 وبعد مقتل صالح، لن يختلف كثيرا عن الوضع مع مطلع 2016 و2017، وأن مقتل صالح أحدث حراكا قد يدفع إلى التقدم للأمام أمتارا وكيلومترات على مختلف الجبهات، لكنه قد لا يسقط حكم الحوثي في صنعاء وهو لن ينه الحرب.  

إن النظرة الأولية تشير إلى أن انضمام عناصر وأعضاء من حزب المؤتمر الشعبي وشيوخ قبليين إلى صفوف الشرعية والتحالف، وأن التوافق السعودي الإماراتي بخصوص حزب الإصلاح، سوف يرفد قوات الشرعية بمدد سياسي وعسكري جديد، يشكل ثقلا جاذبا للتوحد خلف الشرعية، ويضيف عناصر ومجموعات وكتل عملت مع الحوثي وكانت في صفوفه وتعرف دروب ومداخل صنعاء، ولها تمددات مع قوى الشمال، وهو ما يزعزع جبهة الحوثيين كثيرا.

لكن بالمقابل، من الصعب التسليم بسلاسة عملية الاندماج والانخراط في البنية العسكرية لصفوف قوات التحالف والشرعية والعناصر والمجموعات الوافدة من الشمال. هنا يحتاج التحالف والشرعية لعمليات فرز للعناصر ضمانا لعدم اختراق الصفوف، وقد يدفع ذلك لإبقاء وافدي المؤتمر من الشمال في مسرح عمليات بعيدا عن قوات التحالف، ويكون تقدير واختبار ولائهم وفقا لإنجازهم على جبهات حرب مستقلة.

ثانيا: إمكانات الحسم العسكري.. سيناريوهات 2018

في ضوء ما سبق، يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات لتطورات خريطة التحرك العسكري في الأزمة اليمنية على النحو التالي:

1-حراك عسكري لحظوي.. يعقبه الوقوف على أبواب صنعاء

وفقا لهذا السيناريو، يتوقع أن يعقب الحراك العسكري الذي خلفه مقتل صالح - وبعد فترة زخم محدودة- عودة النمط الاعتيادي للعمليات العسكرية. مقتل صالح قدم دفعة معنوية للأطراف لإعادة الحسابات والتفكير مجددا بإمكان الخيار العسكري، لكن بعد فترة يتوقع أن يعود الأداء العسكري الاعتيادي للحرب، وتعود ذات المحاذير لتستبد بالتحركات العسكرية للتحالف وقوات الشرعية، بعد أن تفرغ طاقات المدد والإسناد التي يحدثها انضمام مجموعات وكتل حزبي المؤتمر والإصلاح. ومن ثم، لن يشكل هذا الرافد الجديد للجبهات العسكرية إلا دعما قصير الأمد للشرعية يمدها بأدوات إسناد وتعزيز عسكرية محدودة لن تؤثر كثيرا في خريطة المشهد الكلي للحرب.

لقد شهدت الفترة التي أعقبت مقتل صالح حراكا متفاوتا على مختلف الجبهات العسكرية وممرات ومرتكزات الوصول إلى صنعاء، وتمكنت قوات الشرعية من إسقاط عدد من المديريات مثل مديرية الخوخة الاستراتيجيةفي الحديدة، على نحو يوحي بالنية لإكمال الحرب كاتجاه عام، لكن حتى الآن لا تتوافر المؤشرات على انتهاء التحالف إلى قرار فعلي بتحرير صنعاء عسكريا، على الرغم من إعلان الرئيس اليمني عبدربه منصور عن عملية عسكرية تحت اسم "صنعاء العروبة". بل جرى الإعلان عن جولة جديدة من المفاوضات يبدأها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، وهو ما يعني ميل الأطراف إلى خوض جولة جديدة من التفاوض، بما تعنيه من تسليم الأطراف بإمكانية تسكين المواجهات نزولا على اعتبارات تهيئة الظروف للتفاوض.  

ويعني هذا السيناريو في المجمل أن عام 2018 قد لا يكون سوى سنة جديدة مضافة إلى عمر الحرب، وأنه قد لا يتضمن تغييرا استراتيجيا في المشهد يختلف عن أعوام 2015، 2016، 2017. وعلى الصعيد الجغرافي وتوزيع مناطق النفوذ بين الشرعية والحوثيين، فإنه لا يتوقع أن يضيف العام الجديد تغييرا كيفيا في جغرافيا الانتشار والنفوذ؛ فقط ربما يبلغ حجم مناطق الشرعية 85% من مساحة اليمن بدلا من 80% مثلا، ولكن تبقى أسس ومعالم وكتل الحيز الجغرافي لسيطرة الحوثيين على حالها متمترسة في صنعاء. وضمن هذا السياق، يمكن النظر إلى التحركات الراهنة لقوات الشرعية والتحالف بأنها خطوة تستهدف فقط التأثير على الموقف التفاوضي للحوثي. وعلى الأرجح أنه إذا لم يحدث حسم عسكري واقتحام صنعاء على مدى شهر أو اثنين من بداية عام 2018، فإن ذلك سيؤكد عدم إمكان الحسم العسكري مطلقا.

2- انهيار دراماتيكي مفاجئ في جبهة الحوثي بفعل عوامل داخلية

على الرغم من أن تاريخ الحروب والصراعات في اليمن لا يشير إلى إمكان تحقق هذا السيناريو المفاجئ، على غرار سيناريو انهيار صدام حسين في حرب تحرير الكويت عام 1991، أو سقوط النظام العراقي خلال الغزو الأمريكي عام 2003، أو سقوط بعض الأنظمة العربية عام 2011، بالنظر إلى اختلاف طبيعة الصراع باليمن عن النماذج السابقة للسقوط الدراماتيكي للأنظمة، وبالنظر إلى اختلاف طبيعية وبنية الحركة الحوثية عن طبيعة وبنية الأنظمة السياسية؛ كحركة تستند إلى حاضنة مجتمعية متغلبة وذات خصوصية تاريخية، على الرغم من كل ذلك، إلا أنه لا يمكن استبعاد إمكان تحقق مثل ذلك السيناريو، ليس في مواجهة هجوم عسكري لقوات التحالف والشرعية، وإنما لأسباب تتعلق بتنامي عناصر الرفض والنضال المدني ضد نظام الحوثيين الذي يتسم بالطبيعة الثيوقراطية والسلالية، ومساعيهم للتمكين السياسي في مناطق سيطرتهم وفي صنعاء، ولا تزال الأخبار تتردد عن ممارسة الحوثيين أنشطة وسلوكيات قمعية بحق المعارضين السياسيين والاعتقالات التعسفية لقادة وأنصار حزب المؤتمر، وقتل البعض منهم.

وفضلا عن عدم إمكان الاستمرار في القمع والحكم بسلطان الغلبة السلالية في مدينة بحجم صنعاء، وبالنظر إلى طبيعة التركيبة القبلية التي ألحق بها الحوثيون أضرارا بالغة مع الإخلال بأوضاع العديد من شيوخ القبائل، ومع تراكم التكلفة الإنسانية والبشرية وفق تقارير الأمم المتحدة، ومع إمكان فرض حصار اقتصادي على صنعاء من جبهة الحديدة، فإنه يمكن توقع إمكان حدوث انهيار سياسي وعسكري مفاجئ يتجه الحوثيون على إثره إلى التخلي عن صنعاء لامتلاك قدرات الدفاع عن محافظتهم ومناطقهم الأصلية في صعدة؛ ذلك أنه بقدر تأثير البعد الخاص بتقلب الولاءات في اليمن في موقف التحالف والشرعية، فإنه مؤثر أيضا في موقف الحوثيين. ومع تمددهم الكبير بأكثر مما تمكنهم به قدراتهم، فإنهم قد لا يشكلون استثناءً على القاعدة القائلة بانهيار الإمبراطوريات حينما تتمدد وتزيد التزاماتها بأكثر مما تمكنها منه قدراتها. يعزز من ذلك إمكانات تصاعد جبهات معارضة وجبهات رفض اجتماعية تمارس النضال المدني داخل صنعاء ضد حكم الحوثي وتسقطه. 

3- نجاح الجولة الجديدة من مبادرات التسوية الأممية

على الرغم من فشل الجولات ومحاولات الوساطة السابقة التي خاضها المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ، فإن الجولة الراهنة التي يجري الإعداد لها بزيارة عدن أولا - على حد ما أعلن- قد تتوافر لها فرص النجاح؛ فالحرب بلغت ذروتها وأرهقت أطرافها فعليا ولم يعد إلا أن تتسع لحرب إقليمية مباشرة بين إيران والمملكة، وهو احتمال ليس من الصعب تصوره بحسابات الظروف الجارية في المنطقة. والآن وبعد أن ذهب علي صالح عن المسرح وبلغت صواريخ الحوثي عمق المملكة، فإن الأجواء مهيأة أكثر لتسوية؛ فلم يعد هناك إمكان لتوزيع مسئولية فشل المفاوضات بين الحوثي وصالح.

إن مطالب الحوثيين مع جولة المفاوضات الجديدة سوف تكون أكثر تحديدا، والجهة التي يسعى الوسيط الدولي والمجتمع الدولي للضغط عليها معروفة، والأطراف التي تؤثر فيها إقليميا هي الأخرى معروفة تماما. وعلى الرغم من أن تهديد التحالف والشرعية بالعمل العسكري لا تزال هناك عثرات كثيرة وحسابات معقدة تقف حائلا دون تحقيقه، وعلى الرغم من مساعي الحوثي لفرض نظامه بالقوة داخل صنعاء إلا أن استمرار حبال حكمه مشدودة ليست بلا نهائية، وقد تسقط الأوراق من يده فجأة فيهدد بضياع كل شيء، وإذا انهزم فإنه سيكون ملاحقا بتهم الإرهاب والإجرام.

وعلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات، فإن أكثر ما يلحق الضرر بهما، أو يشكل خطرا عليهما، أمران أساسيان، هما: إمكان تشكل دولة طائفية في الشمال اليمني، تكون بمثابة رأس حربة للتمدد الإيراني المذهبي في قلب الجزيرة العربية، وتغير كليا في المسرح الاستراتيجي للمنطقة وتهدد الأمن القومي العربي وأمن الخليج، أما الثاني فهو هجمات الحوثيين وضرباتهم على الجنوب السعودي وبالصواريخ البالستية في عمق المملكة، وفضلا عن ما يشكله ذلك من خطر على البنية التحتية والبشرية فإنه يلحق أبلغ الضرر بهيبة الدولة السعودية، ومن ثم لن تتهاون معه المملكة، خصوصا إذا اتجه الحوثيون في ضرباتهم إلى تهديد منشآت مدنية أو عسكرية أو مطارات أو ممرات مائية ومنشآت نفطية ومرافق حيوية ومشروعات تنموية كبرى، وإذا شمل ذلك التهديد دولة الإمارات أيضا.

لذلك، فإنه على الأرجح أن تتجه جهود المملكة والإمارات إلى العمل على وقف إمكان بناء واستقرار دولة تحت حكم الحوثي، ووقف احتمالات استمرار الضربات العسكرية لجنوب السعودية وانطلاق الصواريخ البالستية في العمق، وكلا الهدفين لا يتحقق إلا بإنهاء حالة عسكرة الحوثي، وعودة الحوثيين إلى الحياة الطبيعية في صعدة. ويبقى كل ذلك متوقفا على قدرة التحالف العربي، السعودية والإمارات تحديدا، على تقديم إغراءات للحوثيين، وإغراءات أوسع لليمنيين على نحو يدفعهم للانتفاض على حكم الحوثي.

وهنا فإن الإعلان عن مشروع تنموي خليجي كبير لليمن ينتشله من الفقر ويدفعه إلى عالم التحديث والحداثة في سياق الدولة الوطنية اللاسلالية، ومد أيادي القوة الناعمة لمجلس التعاون الخليجي ليأخذ بيد اليمنيين، يمكنه أن يشكل مبادرة جاذبة للعقل اليمني نحو تفضيل الاستقرار على إذكاء نزعات الحرب والثأر.


رابط دائم: