في خطوة مفاجئة قام الجيش في زيمبابوي في 14 نوفمبر (2017) بالاستيلاء على السلطة، ووضع الرئيس روبرت موجابي تحت الإقامة الجبرية، والسيطرة على محطة التليفزيون الحكومية، والانتشار العسكري في أرجاء عاصمة زيمبابوي هراري.
وعلى الرغم من تأكيد قادة الجيش على أن تحركاتهم ليست انقلابًا عسكريًا، ولكنها محاولة لحماية الرئيس موجابي من المجرمين المحيطين به، إلا أن هذه التحركات اكتسبت تأييدًا واسعًا من الشعب، وكذلك قادة الحزب الحاكم، باعتبارها الوسيلة الوحيدة لإنهاء حكم الرئيس موجابي الذي يعد واحدًا من قادة التحرير الوطني، وتولى السلطة في البلاد منذ حصولها على الاستقلال في عام 1980.
تدخل الجيش... خيار فرضه الواقع السياسي والاقتصادي
جاء تدخل الجيش على خلفية عدد من العوامل والتطورات المهمة، كان أبرزها تراجع شعبية موجابي، "البطل الثوري"، بعد تحوله خلال سنوات حكمه الطويلة إلى تركيز جميع السلطات في شخصه، واعتماده على الأساليب القمعية في مواجهة خصومه ومنتقديه، فضلا عن المشكلات الاقتصادية الحادة التي اجتاحت البلاد، واستخدامه للحزب الحاكم "الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي" (زانو)ZANUفي إدارة خلافاته السياسية، ما أدى إلى تعرض الحزب لتقلبات متلاحقة خلال السنوات الأخيرة، وفقدانه لهياكله الشعبية.
وفي أعقاب وضع الجيش للرئيس موجابي قيد الإقامة الجبرية، دعت 115 جماعة من منظمات المجتمع موجابي للتنحي، كما اعتبرت مجموعة واسعة من قادة المعارضة، والتي ظلت تلعب دور المتفرج خلال سنوات حكم موجابي، بما فيهم منافسه السياسي الرئيسي، مورجان تسانجيراي، أن الوقت قد حان لرحيل موجابي. وخرج الآلاف من المواطنين في العاصمة هراري وعدد من المدن الأخرى يحتفلون بسيطرة الجيش على البلاد. وأعلن التلفزيون الرسمي أن 8 من 10 من إجمالي فروع حزب زانوا صوتوا على وثيقة سحب الثقة من موجابي، كزعيم للحزب ورئيسًا للبلاد.
وكانت نقطة التحول الرئيسية التي أدت إلى تصاعد الانتقادات الموجهة لموجابي خلال العامين الأخيرين، ودفعت الجيش للتدخل لاستعادة السلطة، هي إقالته لنائبته السابقة جويس موجورو في ديسمبر 2014، وما تبعها من إجراءات تبناها موجابي تمهيدا لتصعيد زوجته، جريس موجابي، لتخلفه في حكم البلاد. وكان آخر هذه الإجراءات إقالته لنائبه إيميرسون منانجاجوا المدعوم من المؤسسة العسكرية في 6 نوفمبر 2017.
فقد أدت الإطاحة بالنائبة موجورو، والتي تمثل تيارًا أكثر اعتدالًا داخل حزب زانو، إلى بروز جيل من السياسيين المتشددين الأصغر سنًا أو ما عرف بـ G40، مما أدى بدروه إلى تصاعد موجة من العنف داخل الحزب خلال عام 2015، ووقوع اشتباكات بين الشباب المتحالف مع G40وفصيل النائب منانجاجوا في هراري، وذلك في الوقت الذي استولت فيه زوجة روبرت موجابي على منصب رئيسة "رابطة النساء" داخل حزب زانوا، في إطار عملية التصعيد السياسي لها، وفي ظل دعم السياسيين في الحزب من جيل G40لها كخليفة لموجابي، وتقديم وسائل الإعلام المملوكة للدولة لها باعتبارها امتدادًا لموجابي.وعلى الجانب الآخر، رفضت "رابطة محاربي التحرير في زيمبابوي" (ZLWVA) تصعيد زوجة الرئيس، حيث أعلنت الرابطة عن توقفها عن دعم حملات موجابي السياسية، متهمين إياه بالتخلي عنهم لصالح شباب الحزب (G40)، خاصة بعد أن قام موجابي بطرد عشرات من قدامى المحاربين من الحزب.
وبالإضافة إلى الأوضاع السياسية السابقة، وحالة الاستبداد التي اتسم بها حكم الرئيس موجابي، عانت زيمبابوي من انهيار اقتصادي؛ فقد فشلت الحكومة في تسديد الديون الخارجية للهيئات الدولية، بسبب النقص المزمن للعملة الصعبة، فضلا عن ارتفاع معدل التضخم الذي وصل إلى 7%، وارتفاع معدل البطالة إلى 90%. هذا بالإضافة إلى موجة الجفاف واسعة النطاق التي اجتاحت البلاد والتي أدت إلى تعرض ما يقرب من 2.5 مليون مواطن لأزمات غذائية خطيرة، وذلك في الوقت الذي قدرت فيه بعض المصادر تكاليف رحلات موجابي الخارجية خلال عام 2017 بنحو 40 مليون دولار أمريكي.
في هذا السياق، ينظر الكثيرون إلى أن تدخل الجيش للإطاحة بحكم روبرت موجابي جاء لمنع التلاعب بهياكل الحزب الحاكم، سواء رابطة الشباب أو رابطة المرأة أو الهياكل المحلية، ومنع هذه الهياكل من مساندة جريس موجابي، بما يضع حدًا للنزاع الذي طال أمده حول من ينبغي أن يحرس الإرث الأيديولوجي لحزب زانو.
المواقف الإقليمية والدولية... تفهم عملي بجانب التمسك بالمبادئ النظرية
عمل القادة العسكريون في زيمبابوي على نفي صفة "الانقلاب العسكري" عن تحركاتهم للإطاحة بروبرت موجابي، لما يثيره هذا المصطلح من حساسيات ومشكلات خطيرة، خاصة في التعامل مع الهيئات الإقليمية والدولية.
فقد وضعت التحركات التي تبناها الجيش في زيمبابوي الهيئات الإقليمية في حرج شديد، فهذه الهيئات، خاصة "جماعة تنمية الجنوب الأفريقي" (السادك)، و"الاتحاد الأفريقي"، بالنظر إلى مبادئها الرئيسية التي ترفض التغييرات غير الدستورية للحكومات المنتخبة، وتفرض عليها فرض عقوبات على الدول التي تشهد انقلابات عسكرية، كما تمنع مشاركتها في أنشطة المنظمة.
في هذا السياق، عقدت جماعة السادك اجتماعًا في اليوم التالي لتحركات الجيش، دارت المناقشات خلاله حول قضية "الإطاحة غير الدستورية للحكومات المنتخبة ديمقراطيًا"، وأعلنت المنظمة أنها ليست مستعدة لإقرار موقف بشأن الأزمة في زيمبابوي. فعلى الرغم من رفضها لتحركات الجيش في زيمبابوي إلا أنها ليست على استعداد لتقديم دعم لروبرت موجابي، سواء بإرسال قوات أو استخدام الضغط الاقتصادي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه خلال عام 1998 أرسلت السادك قوات إلى ليسوتو لقمع الانقلاب العسكري لديها. لكن يمكن تفسير موقف جماعة "السادك" من الأحداث في زيمباوي، استنادًا إلى خبرتها المحدودة في مجال التدخل العسكري، خاصة في حالة دولة كبيرة مثل زيمبابوي.
كما لاتزال هناك علاقات جيدة بين حزب زانوا، بزعامة موجابي الذي حارب من أجل استقلال زيمبابوي عن بريطانيا وإنهاء حكم الأقلية البيضاء، وأحزاب التحرير الأخرى في الجنوب الأفريقي، ومنها حزب المؤتمر الوطني في جمهورية جنوب أفريقيا، وحزب سوابو في نامبيا. وفي العام الماضي وصف جاكوب زوما موجابي بأنه "من قادة جيله فهو، الذي وقف في وجه الاستعمار وانتصر عليه وأسهم في تحرير الإقليم وأفريقيا". أما الاتحاد الأفريقي فقد أعرب رئيس مفوضيته، موسى فكي محمد، عن رفض المنظمة وإدانتها للتغييرات غير الدستورية للحكومات، وهو مبدأ أساسي من مبادئ المنظمة القارية، ودعا السلطات في زيمبابوي إلى إدارة المسألة في إطار قانوني.
كما تباينت المواقف الدولية، حيث تراوحت ما بين إعلان المخاوف من انزلاق زيمبابوي إلى هاوية الفوضى أو الخضوع للحكم العسكري، إلى الإعراب عن الترحيب برحيل موجابي. في هذا السياق، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، جميع الأطراف في زيمبابوي إلى التحلي بالهدوء وضبط النفس. وأعرب وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تلريسون، عن قلقه الشديد إزاء الأوضاع في زيمبابوي، مؤكداً أنه يجب على زيمبابوي الوصول في أقرب وقت ممكن إلى حكم مدني. وأشار مساعده للشئون الأفريقية بالإنابة، دونالد ياماموتو، عن تأييده لرحيل موجابي، قائلا لوكالة رويترز الإخبارية: "إنه انتقال إلى عهد جديد لزيمبابوي وهذا ما نأمله حقًا".
سيناريوهات مستقبلية
جاءت تحركات الجيش في زيمبابوي للإطاحة بحكم روبرت موجابي متوافقة مع المطالب الشعبية التي تبحث عن عهد جديد من الحكم، يتخلص فيه المواطنون في هذه الدولة من كافة أشكال الظلم والقمع الذي كان يمارسه النظام السابق وأتباعه. لكن مع ذلك لابد من الأخذ في الاعتبار مجموعة من الملاحظات التي يمكن أن تحدد السيناريوهات المستقبلية للانقلاب في زيمبابوي، نوجزها فيما يلي:
1- جاء تحرك الجيش للإطاحة بموجابي وأعوانه ردا على إقالة موجابي لنائبه إيميرسون منانجاجوا، وليس ردًا على تحركات شعبية أو مظاهرات تطالب برحيل موجابي، وبالتالي فإن الجيش سيطرح منانجاجوا كرئيس انتقالي للبلاد، على أن يتم إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في عام 2018، ويكون المرشح الأوفر حظا هو منانجاجوا كمرشح الجيش، مما قد يدخل البلاد في عهد جديد من سيطرة القادة من المحاربين القدماء، وإقصاء للمعارضة التي تحلم بتغيير لقواعد اللعبة السياسية في مرحلة ما بعد موجابي.
2- أن الهيئات الإقليمية، خاصة السادك والاتحاد الأفريقي، قد لا تقبل بسهولة النتائج النهائية لهذه التطورات إلا في حالة وصول رئيس مدني إلى السلطة.
3- يحتاج حزب زانوا إلى إعادة هيكلة تعمل على تحقيق التوازن بين جيل الشباب والمحاربين القدماء، وهو ما سيستغرق الكثير من الوقت، خاصة في ظل استمرار شعارات التحرير الوطني كجزء من الخطاب السياسي للحزب. كذلك مع استمرار القادة الذين قام بتصعيدهم روبرت موجابي ومن بينهم رئيس الإدارة المحلية سافيرو كاسوكوير.
4- مع التغييرات التي سيحدثها الجيش في الداخل، من المتوقع أن يتقبل المجتمع الدولي فكرة الإطاحة بنظام روبرت موجابي، ولكن ستظل الأوضاع المعيشية للشعب هي الاختبار الحقيقي للقادة الجدد لزيمبابوي، خاصة في ظل الجفاف الذي يجتاح أجزاء واسعة من البلاد.
هذه التطورات تطرح سيناريوهين لمستقبل الاستقرار في زيمبابوي :
السيناريو الأول، تصعيد الجيش للنائب إيميرسون منانجاجوا كرئيس انتقالي للبلاد حتى انعقاد الانتخابات في عام 2018. هذا السيناريو هو الأرجح لأنه سيؤدي لاستعادة الاستقرار سريعًا في البلاد مما يعيد كسب ثقة المستثمرين ويعمل على تحسين العلاقات الدولية لزيمبابوي.
السيناريو الثاني، احتمال قيام المتشددين في حزب زانو، ومنهم شباب G40، وعدد من مؤيدي الرئيس موجابي، بالانشقاق عن حزب زانوا وتكوين حزب جديد معارض يمكنهم من خلاله دخول الانتخابات القادمة. غير أن هذا السيناريو قد يواجه بدور الجيش في الحياة السياسية في زيمبابوي وقدرته على توجيهها وفق مصالحه.