ماذا لو انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران؟
2017-10-22

سعيد عكاشة
* خبير مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

شكل عدم تصديق الرئيس ترامب مؤخرًا على التقرير الذي يشير إلى التزام إيران بالتعهدات التي قطعتها على نفسها في الاتفاق الموقع في عام 2015، والمعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" تهديدًا بالغًا لاستمرارية الاتفاقية، أو على الأقل لاستمرار التزام الولايات المتحدة بها بشكل منفرد. 

المعروف أن المفاوضات التي أجرتها الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، لسنوات طويلة كانت قد  كُللت بتوقيع الاتفاق الذي يلزم إيران بالامتناع عن السعي لحيازة السلاح النووي لمدة خمسة عشر عامًا، ورتب في المقابل  التزامات محددة على إيران، منها فتح منشآتها النووية أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية، مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها. 

وفيما يخص الولايات المتحدة التي كانت قد فرضت بشكل منفرد عقوبات على طهران للسبب ذاته، فلم يكن هناك نص في الاتفاق الدولي يلزمها برفع العقوبات الخاصة بها عن إيران، مما أدى عمليًا إلى بقاء بعض العقوبات حتي في ظل التقارير الدولية التي كانت تصدر تباعًا منذ توقيع الاتفاق عام 2015 والتي أشارت إلى التزام طهران بواجباتها. غير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي واصل تعزيز العقوبات الأمريكية ضد إيران، يحاول الآن الدفع بأن إيران لم تلتزم بالفعل بتعهداتها في الاتفاقية الدولية، أو بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة". ويرى أن إيران تحاول استغلال الاتفاقية كغطاء لأنشطتها الهادفة للسيطرة على الجوار الإقليمي لها (تدخلها في الصراعات في سوريا، والعراق، واليمن). كما أنها تواصل تجاربها الصاروخية، وهو ما يمثل خرقًا لروح الاتفاقية الدولية، حتى وإن لم تنتهك نصوصها!

هل يسعى ترامب فعلًا للانسحاب من الاتفاقية؟

لا يترك الرئيس ترامب فرصة للشك في صدق نواياه حيال الاتفاقية الدولية مع إيران والتي شاركت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما في التوصل إليها. فقد كرر ترامب مرارًا أثناء حملته الانتخابية خلال العام الماضي وحتى انتخابه في نوفمبر 2017 وعوده بإلغاء الاتفاقية حال وصوله للبيت الأبيض، كما هاجمها بعنف إبان إلقاء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2017. وأخيرًا فقد امتنع عن التصديق على التقرير الذي يُقدم له كل ثلاثة أشهر عن مدى التزام إيران بتعهداتها، والذي كان من الضروري على الرئيس توقيعه في الخامس عشر من أكتوبر. 

عدم تصديق الرئيس ترامب على التقرير يعني نقل الملف إلى الكونجرس الذي عليه أن يقرر خلال ستين يومًا ما إذا كان لزامًا على واشنطن البقاء في الاتفاق أو الخروج منه. 

وقد سبق أن عقد الكونجرس جلسات استماع بهذا الشأن، أظهر خلالها بعض أعضائه تضامنهم مع محتوى انتقادات ترامب للاتفاقية. كان من بين أبرز هذه الجلسات تلك التي عقدتها اللجنة الفرعية لمكافحة الإرهاب التابعة للجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ، في 24 مايو 2017، بعنوان "تداعيات الصفقة النووية: خطر إيران العالمي".ففي افتتاح الجلسة، قال رئيس اللجنة السيناتور تيد بو Ted Poe(جمهوري): "على مدى عقود، قامت إيران برعاية الجماعات الإرهابية، وعلى أيديهم دماء أمريكية، وهددت العالم بأنشطة الانتشار النووي الخطيرة. إن الاتفاق يوفر لهذا النظام الضال المنفذ المباشر إلى مئات المليارات من الدولارات، ووعدها بمزيد من الأموال في المستقبل نتيجة تخفيف العقوبات. إن القوى العالمية الرئيسية  تتغاضى كليًا عن سلوك إيران الخطير خارج البرنامج النووي".

لهذه الأسباب لا تستطيع الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق

لكن رغم ذلك ليس من السهل، لا على الرئيس ترامب أو الكونجرس، اتخاذ قرار بالانسحاب من الاتفاقية للأسباب الثلاثة التالية: 

1- ستشكل هذه الخطوة حال حدوثها توترات شديدة ليس فقط في نمط المواجهات الدائم بين واشنطن وطهران، بل أيضًا بين الولايات المتحدة وشركائها في الاتفاق، فعلى الأقل يمكن لروسيا والصين اللتان تقران بأن إيران ما تزال تفي بتعهداتها في الاتفاقية، أن يعترضا على المحاولة الأمريكية، كونها ستشكل إخلالًا خطيرًا بمصداقية الدول الكبرى، ومصداقية الأمم المتحدة ومجلس الأمن بعد أن أصبحت الاتفاقية مع إيران جزء من وثائق المنظمة الدولية. كما أن المصالح الاقتصادية الكبرى (المتعلقة بالنفط، والغاز، وصفقات السلاح، والصفقات التجارية) لروسيا والصين قد تتأثر بشده حال موافقة كليهما على أي محاولة أمريكية لإلغاء الاتفاق أو تعديله، خاصة إذا ما قررت إيران الرد بصورة شاملة على ذلك. 

2- التأثير غير المباشر للتصعيد ضد إيران على فرص معالجة خطر المشروع النووي الكوري الشمالي، يبدو أمرًا مزعجا لحلفاء واشنطن،خاصة اليابان وكوريا الجنوبية. والأمر المؤكد أن إدارة ترامب لا يمكنها إلا أن تأخذ في الاعتبار مخاوف طوكيو وسوّل. تتجلى هذه المخاوف من أن تنظر بيونج يانج إلى ما يحدث مع إيران على أنه مؤشر على عدم جدوى دخولها في مفاوضات مع واشنطن وحلفائها، وقد يقودها (أي بيونج يانج) موقف واشنطن من الاتفاق الدولي مع إيران إلى الاستنتاج بأن التفاوض حول مشروعها النووي وبرامجها الصاروخية، حتى لو أنتج اتفاقًا بإيقافهما مقابل رفع العقوبات وتقديم مساعدات، ليس ضمانًا كافيًا لإنهاء الخلاف إلى الأبد، استنادًا إلى أن الولايات المتحدة لا تفي بتعهداتها، بدليل ما تفعله مع إيران، التي تمنحها الوكالة الدولية شهادات تفيد التزامها بواجباتها المنصوص عليها في الاتفاقية، كما يقر بذلك أيضًا الشركاء في توقيع هذا الاتفاق مثل روسيا والصين وأوروبا، ورغم ذلك تريد واشنطن استمرار فرض العقوبات عليها!!!

ويُظهر مقال نُشر في  موقع مجلة بوليتيكو في 7 أغسطس 2017 بعنوان: How Trump’s Iran Threats Could Backfire—in North Korea، هذه المخاطر، حيث حذّر المقال الذي كتبه ثلاثة من كبار المحللين السياسيين الأمريكيين من مغبة إلغاء الاتفاق مع إيران، وما يمكن أن يتسبب فيه مثل هذا القرار من فتح جبهة أكثر اشتعالًا مع كوريا الشمالية التي يحاول العالم كبح تهديداتها النووية، فضلًا عن التأثيرات المُحتملة لقرار ترامب على علاقات الولايات المتحدة سواء بالدول التي وقعت معها على الاتفاق، أو مع حلفاء واشنطن الذين قد يتضرروا أكثر منها إذا ما قررت كوريا الشمالية تصعيد التوتر مع واشنطن، خاصة كوريا الجنوبية واليابان.

3- إن إلغاء الاتفاق قد يقود إلى مواجهة شخصية بين الرئيس ترامب والرأي العام الأمريكي، الذي يميل أغلبه لتجنيب الولايات المتحدة التورط عسكريًا في الخارج، وطالما أن إلغاء الاتفاق قد يؤدي إلى نذر حرب في الشرق الأوسط لا تستطيع الولايات المتحدة الوقوف بعيدًا عنها، فإن الرأي العام الأمريكي سوف يقف حجر عثرة أمام رغبة ترامب في الانسحاب من الاتفاقية. ويظهر استطلاع منشور في 12 أكتوبر 2017 أن 56% ممن تم استطلاع رأيهم ما بين مؤيد بشدة لعدم الانسحاب من الاتفاقية، أو مؤيد إلى حد ما، رغم استمرار نظر الأغلبية من الأمريكيين إلى إيران على أنها دولة معادية وتهدد المصالح الأمريكية [https://today.yougov.com/news/2017/10/11/president-trump-strays-public-opinion-iran].

ورغم أن مثل هذه الاستطلاعات تقيد في جانب منها يد ترامب وتمنعه من التحرك نحو الطلب من الكونجرس إلغاء الاتفاق، فإنها على الجانب الآخر قد لا تمنع من تأييد احتمال أن يطلب ترامب إعادة التفاوض مع إيران جماعيًا (الدول الشريكة في توقيع الاتفاق) لتوسيع حجم الضمانات لتشمل امتناع إيران عن إجراء التجارب الصاروخية، والكف عن السياسات الداعمة للمنظمات "الإرهابية" مثل حماس وحزب الله وجماعة الحوثي في اليمن، والتي تهدد استقرار المنطقة.

وتدفع الأصوات المتأثرة باللوبي اليهودي في الكونجرس، وفِي مراكز الأبحاث الداعمة لإسرائيل، نحو هذا الاتجاه الأخير بقوة. فعلى سبيل المثال، دعم روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى هذا المسار في مقال نشره على موقع المركز في 13 أكتوبر 2017، أوضح فيه أن إصلاح الاتفاق بإدخال الرقابة على التجارب الصاروخية الإيرانية، وإلغاء فترة الخمسة عشر عامًا التي تمتنع فيها إيران -حسب نص الاتفاق- عن تخصيب اليورانيوم بدرجات تسمح بإنتاج أسلحة نوويةً، هو الهدف من الحديث عن الاتفاق في الإدارة الأمريكية حاليًا، وليس محاولة إلغائه كلية. ويعتقد ساتلوف أن بوسع الولايات المتحدة تحقيق هذا الهدف حتى لو اعترضت روسيا والصين، إذ بالإمكان أن تقود الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون المفاوضات مع إيران لتعديل الاتفاق، وإلا واجهت عقوبات جماعية من هذه الدول!!! 

خلاصة

هكذا، يمكن القول إنه من غير المحتمل أن يذهب الكونجرس خلال مدة الستين يومًا (حتى منتصف ديسمبر المقبل) إلى حد طرح فكرة إلغاء الاتفاق. كما أن ترامب لن يقدم مثل هذا الطلب إلى الكونجرس بعد انقضاء المدة، وذلك نتيجة القيود التي ذكرناها سابقًا، لكن ذلك لن يمنع ترامب من تشديد العقوبات الأمريكية على إيران، ومحاولة جذب تأييد الدول المشاركة في توقيع الاتفاق نحو تعديله، على أمل إما أن تبادر إيران من طرف واحد لإلغاء الاتفاق، وبذلك تعفي الولايات المتحدة من اتخاذ قرار يبدو من الصعب اتخاذه، الأمر الذي يمنح واشنطن القدرة على حشد تأييد دولي لإعادة العقوبات التي سبقت توقيع الاتفاق، بل وتشديدها أيضًا، وإما أن ترضخ طهران للضغوط وتقبل بإعادة التفاوض لإدخال بنود جديدة تتعلق بالتجارب الصاروخية والسياسات الإقليمية لإيران، بحيث يمكن توجيه العقوبات نفسها أو أشد في حالة عدم التزام إيران بهذه التعديلات، بافتراض أنها ستقبل من الأصل فتح مسار التفاوض مجددًا.


رابط دائم: