هل بات استقلال كردستان واقعًا؟
2017-7-10

صافيناز محمد أحمد
* خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

أعلنت أحزاب إقليم كردستان العراق عن تحديد يوم الخامس والعشرين من سبتمبر القادم موعدًا لإجراء استفتاء يحدد مصير العلاقة الفيدرالية بين الإقليم وبين الحكومة المركزية في بغداد، حيث يتمتع الإقليم بإدارة ذاتية منذ عام 1970 حصل عليها بمقتضى اتفاقية أنهت حالة الحرب بين المعارضة الكردية والحكومة العراقية آنذاك. ثم وفي عام 1991 أصبح الحكم الذاتي للإقليم أمرًا واقعًا بعد أن فرضت قوات التحالف الدولي حظرًا جويًّا شمال العراق خلال حرب الخليج الثانية. وبإقرار دستور عراقي جديد عام 2005 أصبحت "منطقة كردستان العراق" كيانًا اتحاديًّا ضمن حدود الدولة.

الاجتماع الذي عقدته الأحزاب الكردية العراقية الثلاثة في السابع من يونيو الماضي (2017)، وهي: الحزب الديمقراطي، وحزب الاتحاد الوطني، وحركة التغيير، شهد توافقًا على تفعيل مشروع الاستقلال في دولة كردية، بالرغم من الخلافات بين تلك الأحزاب نفسها على ماهية هذا المشروع. وأقر الاجتماع الذي عُقد برئاسة مسعود البرازاني - رئيس الإقليم المنتهية فترة ولايته - إجراء الاستفتاء على الاستقلال، ليس فقط في المحافظات الكردية دهوك وأربيل والسليمانية، وإنما أيضًا في المناطق المتنازع عليها بين حكومة الإقليم والحكومة العراقية والواقعة بمحاذاة النطاق الجغرافي للإقليم؛ وهي تحديدًا محافظة كركوك وأجزاء من محافظات نينوى وديالي وصلاح الدين - والمصنفة دستوريًّا تحت البند رقم 140من الدستور العراقي- بالإضافة إلى المناطق التي أصبحت تسيطر عليها ميليشيات البيشمركة الكردية التابعة للإقليم عبر مشاركتها في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في المحافظات المذكورة.

وبالرغم من كون مطلب الانفصال الكردي عن الدولة العراقية يعد مطلبًا قديمًا، إلا أن ثمة قناعة حالية لدى حكومة الإقليم وأحزابه وقواه السياسية المختلفة بأن التطورات التي تشهدها منطقة المشرق العربي حاليًا، والحرب الدولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، تمثل "فرصة تاريخية استثنائية" للدفع بهذا المطلب ليكون أمرًا واقعًا. ذلك أن تجديد الحديث عن انفصال الإقليم عن العراق وإقامة دولة كردية مستقلة لا يمكن فصله عن عدة معطيات: أولها، يتعلق بطبيعة العلاقة بين الإقليم والحكومة في بغداد، والتي تشهد توترًا متصاعدًا منذ عقد كامل نتيجة لعدم توصل الطرفان لصيغة مشتركة تمكنهما من حل عدد من الإشكاليات سواء حول المناطق المتنازع عليها، أو حول إنتاج وتسويق نفط الإقليم، أو حول ميزانية الإقليم ورواتب موظفيه. وثانيها، يتعلق بالتحولات المهمة التي يشهدها الإقليم، والتي تعطي ميزة نسبية مهمة للحكومة الكردية. ثالثها؛ يتعلق بمواقف القوى الإقليمية المجاورة للعراق- والتي تتواجد لديها قوميات كردية- من فكرة وجود دولة كردية منفصلة في منطقة المشرق العربي، وهي تحديدًا تركيا وإيران، واللتان ترفضان هذه الفكرة جملة وتفصيلًا. رابعها، يتعلق بمستقبل العلاقة بين الإقليم والحكومة والتداعيات الاستراتيجية على تلك العلاقة في حالة الاستقلال.

أولًا: فرص إجراء الاستفتاء... المعطيات والمعوقات

ثمة العديد من التساؤلات تدور حول الطرح الكردي ومدى جدية إجراء الاستفتاء من عدمه. وللوقوف على رؤية محددة في هذا الشأن يجب رصد المعطيات الداخلية والخارجية التي دفعت الإقليم إلى هذا الطرح بما يمكننا من فهم تلك النقلة النوعية الكردية؛ هل تمثل مطلبًا جديًا بالانفصال، أم أنها لا تعدو أن تكون ورقة ضغط على الحكومة العراقية للحصول على مكاسب جادة بشأن إشكاليات المسار الفيدرالي الذي يحكم علاقة الإقليم بها؟ خاصة بعد ترويج حكومة الإقليم لسيناريو أن الاستفتاء لا يستهدف الانفصال المباشر عن الدولة العراقية سياسيًا وإداريًا في المدى القريب، ولكنه بداية لمسار طويل من المفاوضات مع بغداد تمهيدًا لإقامة الدولة الكردية.

وفي هذا السياق، نطرح هنا مجموعة من المعطيات ذات الصلة بهذا الإشكال:  

1- ترى حكومة إقليم كردستان أن العلاقة بينها وبين بغداد وصلت إلى مرحلة انسداد الأفق على واقع تراكم الخلافات التي بدأت بإشكاليات تصدير الإقليم للنفط عبر تركيا دون الرجوع إلى الحكومة المركزية في بغداد أو تقسيم العائد معها وفقًا للاتفاقات في هذا الشأن، مما دفع الأخيرة إلى اقتطاع رواتب الموظفين الأكراد ردًا على هذه الخطوة، ومرورًا باستمرار النزاع حول المناطق المتنازع عليها بين الطرفين والتي تتواجد فيها أغلبية كردية، وانتهاءً بمشاكل الموازنة الاتحادية وحصة الإقليم منها.[1]

2- نجاح الميليشيات العسكرية الكردية التابعة لإقليم كردستان (البيشمركة) في السيطرة على مناطق واسعة من محافظة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، وذلك من خلال مشاركتها في محاربة تنظيم الدولة "داعش". هذا بالإضافة إلى سيطرة البيشمركة على بعض المناطق في محافظات نينوى وديالي، وهو ما اعتبرته حكومة الإقليم إنجازًا يمكن فرضه كأمر واقع على بغداد حال التفاوض بشأن الاستقلال، لاسيما بعد إعلان أربيل دخول المناطق التي نجحت القوات الكردية في تحريرها من قبضة داعش، وأطلقت عليها مسمى "المناطق الكردستانية ". كما رفضت تسليم هذه المناطق لقوات الجيش العراقي، الأمر الذي يؤشر على مزيد من التصعيد في العلاقة بين الطرفين في المرحلة القادمة، وتحديدًا مرحلة ما بعد القضاء على داعش في الموصل. وتكتسب كركوك  وضعًا خاصًا في هذا الصراع، وذلك على خلفية ما تتسم به المحافظة من تعدد قومي (الأكراد، التركمان، العرب) ومذهبي (الشيعة، والسنة). هذا بالإضافة إلى ما تمتلكه محافظة كركوك من ثروة نفطية؛ تقدر بحوالي ستة حقول نفطية، ما يجعل الصراع على هذه المحافظة بين الحكومة المركزية وبين إقليم كردستان صراعًا له أسبابه الجوهرية.[2]

3- قيام مجلس محافظة كركوك مطلع شهر مارس 2017 برفع علم إقليم كردستان إلى جانب العلم العراقي على كافة مؤسسات المحافظة، في تحدٍ واضح للحكومة والبرلمان المركزيين في بغداد لهذه الخطوة، والتي أراد بها المجلس التأكيد على كردية المدينة وتبعيتها لإقليم كردستان؛ رغم أنها تخضع للبند رقم 140 من الدستور العراقي الخاص بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد والإقليم. أضف إلى ذلك قيام مجلس المدينة بالتصويت على إجراء استفتاء لتقرير مصير المحافظة (أي تحديد تبعيتها) وسط امتناع الأعضاء المنتمين للمكونات العربية والتركمانية، التي فضلت التريث إلى ما بعد الانتهاء من تحرير كافة مناطق المحافظة من قبضة داعش. في هذا الإطار، يري مجلس محافظة كركوك أن اتجاهه لإجراء الاستفتاء يتماشى تمامًا مع ما تقرره المادة 140 بشأن تحديد مصير المناطق المتنازع عليها، والتي تعتبر الاستفتاء المرحلة الثالثة في مسار تقرير المصير. وقد برر المجلس هذه الخطوة التصعيدية تجاه بغداد بعدم وفاء التحالف الوطني الشيعي الحاكم بالالتزامات الدستورية الخاصة بحقوق الأكراد بشأن تقرير مصيرهم.[3]

4- رغبة حكومة كردستان استثمار الاعتراف الدولي بدور القوات الكردية، وتحديدًا البيشمركة، في محاربة داعش، وترجمة ذلك في استكمال مسار الاستقلال عن الدولة العراقية، أو على أقل تقدير لفت انتباه القوى الدولية إلى ضرورة حمل بغداد على "تقنين" العلاقة بينها وبين الإقليم عبر تفعيل بنود تقرير المصير الواردة في الدستور العراقي من ناحية، وحسم الخلاف حول المناطق المتنازع عليها من ناحية ثانية.[4]

المعطيات السابق رصدها، والتي توضح السياق الذي تجرى  فيه عملية الإعداد لمسار الانفصال بين حكومة بغداد وبين إقليم كردستان من جانب الأخيرة، ترتبط بدورها بمجموعة من المعوقات التي "قد" تعرقل مسار الانفصال. ونشير فيما يلي إلى أهم تلك المعوقات.

1- بالرغم من اتفاق الأحزاب الكردية الثلاثة في الإقليم؛ على تحديد موعد للاستفتاء بشأن مصير العلاقة بين الإقليم والحكومة المركزية، إلا أن هذا الاتفاق لا ينفي حجم الخلافات الحادة والمتعددة بين تلك الأحزاب ومنها: الخلاف حول الإدارة الداخلية للإقليم من ناحية، وحول ماهية مشروع الاستقلال والدولة الكردية وصيغة الاستفتاء من ناحية ثانية، وهي خلافات أدت إلى تعطيل عمل برلمان الإقليم منذ أكثر من عام، كما أدت إلى خلافات حادة بشأن منصب الرئاسة التي يشغلها حتى الآن زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برازاني بالرغم من انتهاء فترة ولايته ما يجعل رئاسته فاقدة للشرعية. هذا ناهيك عن المشاكل الاقتصادية والمالية التي يعاني منها الإقليم. هذه الخلافات من شأنها عدم توافر رؤية موحدة في التعامل مع القضايا المصيرية للإقليم، بل ربما تمثل عائقًا مباشرًا لمسار استقلاله، على اعتبار أن أي مشروع للاستقلال الوطني يحتاج أولًا إلى إجماع داخلي لتحقيقه.[5]

2- دخول المتغير الشيعي على معادلة الرفض الداخلية لاستقلال إقليم كردستان؛ حيث أعلن التحالف الوطني، الذي يعتبر أكبر تحالف سياسي في العراق، عن رفضه الكامل والمطلق للإجراءات التي تتخذها حكومة الإقليم بشأن الاستفتاء على الاستقلال في مرحلة ما بعد القضاء على داعش؛ على اعتبار أن هذه الخطوة ستشجع على "فدرلة العراق" وتقسيمه لعدد من الأقاليم على أسس عرقية ومذهبية. هذا الرفض من قبل المكون الشيعي للتوجهات الاستقلالية لإقليم كردستان لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الانتماءات التي تربط المكونات الشيعية العراقية بإيران؛ التي ترفض تقسيم العراق لا من باب حرصها على وحدته السيادية والجغرافية، وإنما من باب حرصها على ضمان تأمينها لمسار مشروعها الإقليمي الذي تعتبر الحدود الإيرانية العراقية بدايته وسوريا خاصرته ولبنان حيث ساحل البحر المتوسط نهايته.[6]

3- إعلان الحكومة المركزية في بغداد عن رفضها الخطوات التي يتخذها الإقليم بشأن الانفصال، وتأكيدها على الاحتكام للدستور العراقي في تنظيم العلاقة بينها وبين كردستان. وفي هذا السياق، تنتهج بغداد سياسات احتواء تجاه رئاسة الإقليم حتى يتم الانتهاء كلية من مواجهة داعش، على اعتبار أن التحديات التي تواجه الدولة العراقية حاليًا تجعلها في غنى عن فتح جبهات صراع جديدة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن بغداد تلقت ترويج المسئولين الأكراد لمقولة أن الاتجاه للاستفتاء لا يستهدف الانفصال المباشر والحالي عن العراق، بطرح فكرة أن يتم الاستفتاء عبر منظمات المجتمع المدني دون أن يتم بشكل رسمي على الأقل في الوقت الراهن، وهو ما يتماشى مع ما يروج له المسئولون الأكراد بأن أربيل تستهدف تدشين بداية لمسار طويل من المفاوضات بين بغداد وكردستان قد يستغرق سنوات وصولًا لفكرة إقامة الدولة الكردية، الأمر الذي فسره المحللون بأنها محاولة من بغداد لإفراغ الاستفتاء – حال حدوثه – من مضمونه وجدواه.[7]

ثانيًا: المواقف الدولية والإقليمية

يمثل الموقفان الدولي والإقليمي متغيرين مهمين يتم في ظلهما طرح فكرة استقلال إقليم كردستان عن الدولة العراقية. وسيلعبا دورًا مهمًا- دون التقليل من أهمية تأثير العلاقة بين إقليم كردستان وحكومة بغداد- في تحديد فرص إجراء الاستفتاء من عدمه، كما سيحددا التداعيات الاستراتيجية لهذا الاستفتاء في حالة إجرائه.

1- الموقف الدولي

لقد أصبح الأكراد، سواء في العراق أو سوريا، حلفاء فعليين للولايات المتحدة والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، الأمر الذي دفعهم إلى الربط بين تطلعاتهم في تكوين كيانات كردية في العراق وسوريا، وبين احتياج القوى الدولية لدورهم العسكري في محاربة الإرهاب؛ أي رغبتهم في الحصول على مقابل نظير اصطفافهم في خدمة القوى الدولية في هذا الشأن. وبالرغم من إدراك القوى الدولية لهذا الهدف الكردي، إلا أن سياقات تفاعلها معه تشير إلى حالة عامة من التريث والتمهل تجاه التطلعات الكردية لاسيما العراقية؛ حيث نلاحظ وجود نوع من "الرفض الحذر" من جانب المجتمع الدولي لفكرة الانفصال في الوقت الراهن؛ على اعتبار أن الظروف المحيطة بمنطقة المشرق العربي ومحاربة الإرهاب لا توفر البيئة الملائمة لمشروع الانفصال. لاسيما أن التداعيات السلبية للانفصال في مثل هذه الظروف ستكون جمة، وربما تؤدي إلى حلقة جديدة من الصراع بين الحكومة العراقية وبين حكومة الإقليم. هذا فضلًا عن الكوابح الإقليمية والناتجة عن رفض القوى الإقليمية في المنطقة- تركيا وإيران- لفكرة الاستفتاء، وما قد ينتج عنه من استقلال لاعتبارات تدور مجملها حول مخاوف تلك القوى من أن يؤدي استقلال أكراد العراق إلى إفساح المجال أمام التطلعات القومية الكردية في بلديهما لتحذو الحذو نفسه، وما يترتب على ذلك من تهديد للأمن القومي للدولتين. [8]

الرفض الدولي الحذر أو المؤقت لفكرة انفصال إقليم كردستان العراق وتكوين دولة كردية مستقلة، بناء على نتائج الاستفتاء المزمع حدوثه في سبتمبر القادم، لا ينفي الموافقة الضمنية لبعض القوى الدولية، وتحديدًا الولايات المتحدة، على مجمل فكرة الاستقلال؛ فمسيرة التعاون الأمريكي مع أكراد كردستان العراق واضحة لاسيما بعد صياغة نصوص دستور عام 2005، في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق (2003-2010) والتي أعطت وضعًا مميزًا للإقليم. بل إن بعض نصوص الدستور، والتي قننت فكرة الفدرالية في العراق، فتحت المجال أمام باقي الطوائف الدينية والمذهبية والعرقية لتكوين أقاليم عراقية، إلا أن رفض الحكومات الشيعية المتوالية على حكم العراق لهذا الأمر كبح تطلعات أخرى كتطلعات السنة في تكوين إقليم بإدارة ذاتية يضم المحافظات ذات الأغلبية السنية على أن يتمتع بعلاقة فيدرالية مع الحكومة في بغداد. هذا ناهيك عن حالة الدعم العسكري واللوجيستي غير المسبوق التي قدمتها الولايات المتحدة لقوات البيشمركة الكردية باعتبارها حليفًا "مخلصًا" ومتفانيًا في الحرب ضد تنظيم الدولة. والوضع ذاته بالنسبة لأكراد سوريا، الحليف الرئيسي لواشنطن في مواجهة تنظيم الدولة داخل الأراضي السورية، ما يؤشر على رغبة أمريكية في جعل الأكراد (في العراق وسوريا) حليفًا استراتيجيًا يمثل معبرًا جديدًا لعودة النفوذ الأمريكي إلى البلدين؛ خاصة في ظل إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، وهو ما رصدته روسيا جيدًا وانعكس في موقفها الرافض تمامًا لفكرة الاستفتاء وما قد يترتب عليه من انفصال إقليم كردستان باعتباره سيشتت جهود القوى الدولية في محاربة تنظيم الدولة، وتأكيدها على أن الخلاف بين أربيل وبغداد لا يحل إلا عبر الحوار.[9]

إذن ثمة موافقة أمريكية ضمنية على استقلال إقليم كردستان في المدى البعيد، بالرغم من رفضها الحذر للاستفتاء في الوقت الراهن. السؤال هنا: هل يدفع ذلك حكومة الإقليم إلى حمل الإدارة الأمريكية الحالية على دعم الاستقلال وتأسيس دولة كردية خارج إطار التفاوض السياسي مع بغداد؟ المعطيات بشأن علاقة واشنطن بالحكومة في العراق وفي كردستان تشير إلى أنها ستدعم – حال الانتهاء من محاربة داعش في العراق وسوريا – مسار تفاوضي بين الطرفين حول فكرة استقلال الإقليم. بل رأى بعض المحللين أن واشنطن ستضغط على بغداد لاتخاذ خطوات بشأن فصل السلطات السيادية بصورة رسمية بينها وبين أربيل (سيادة متساوية تمنع كل طرف من التدخل في شئون الآخر؛ أي الطرح الكونفيدرالي بدلًا من العلاقة الفيدرالية القائمة)؛ وذلك عبر التفاوض بين الطرفين بما ينفي خطوة إعلان الإقليم استقلاله من جانب واحد؛ وهو ما سيمنع من وجهة النظر الأمريكية عسكرة العلاقات بين بغداد وأربيل بعد الانتهاء من محاربة الطرفين لداعش.[10]

2- مواقف القوى الإقليمية

يأتي في مقدمة المواقف الإقليمية المهمة، والتي تشكل محددًا مهمًا لفرص إجراء الاستفتاء من عدمه، موقف إيران الرافض جملة وتفصيلًا إجراء أي استفتاءات في المنطقة حول مستقبل الأكراد. فقد اعتبرت طهران "أن العراق الموحد يضمن مصالح جميع أبناء الشعب العراقي من القوميات والمذاهب كافة"!!، وأن إقليم كردستان جزء لا يتجزأ من الجمهورية العراقية. كما أوضحت أن رؤيتها لطبيعة الخلاف بين أربيل وبغداد تقوم على دعم مسار للحوار الوطني بين الجانبين حول القضايا محل الخلاف (اقتسام عائد النفط والغاز التابع للإقليم بين الجانبين، وزيادة حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية). في سياق ذلك، رفضت طهران قيام مجلس مدينة كركوك المتنازع عليها بين أربيل وبغداد برفع علم إقليم كردستان إلى جانب العلم العراقي على كافة مؤسسات المحافظة. كما رفضت اتجاه المجلس إلى إجراء استفتاء شعبي في كركوك لضمها إلى إدارة الحكم الذاتي في إقليم كردستان، واعتبرت كل تلك الخطوات مخالفة للدستور العراقي. وبانتقاد طهران الخطوات أحادية الجانب التي تسعى إليها حكومة أربيل تكون قد عرضت العلاقة الاستراتيجية بينها وبين حليفها الكردي العراقي - حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني - لتوترات غير مسبوقة. فجدير بالذكر هنا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بزعامة مسعود برازاني يتمتع بعلاقات قوية ومتميزة بتركيا، بينما يتمتع غريمه حزب الاتحاد بعلاقة متميزة بإيران، وكلا الحزبين على خلاف حاد بشأن إدارة شئون الإقليم، لكنهما اتفقا أو توافقا مؤخرًا على نبذ خلافاتهما وتوحيد جهودهما من أجل فكرة الاستقلال، وإن اختلافًا حول صيغة المشروع وماهيته. [11]

في هذا السياق، تأتي زيارة قاسم سليماني – قائد ميليشيا فيلق القدس الإيراني – لإقليم كردستان العراق في إبريل 2017 واجتماعه بالمسئولين الأكراد في أربيل، حيث مقر الرئاسة، واجتماعه كذلك في السليمانية مع قادة حزب الاتحاد الكردستاني الذي يتمتع بعلاقات وطيدة مع إيران. الزيارة في توقيتها حملت مضمونًا مهمًا من باب كونها زيارة لرجل عسكري تتمتع ميليشياته بحضور قوي في العراق وسوريا، واختيار طهران لشخصية عسكرية للقاء المسئولين في كردستان العراق استهدف توصيل رسالة مؤداها أن إيران الرافضة لفكرة تكوين دولة كردية عراقية مستقلة سوف تستخدم كافة الوسائل التي بإمكانها منع هذا الانفصال حتى وإن كانت وسائل عسكرية. هذا فضلًا عن كون الزيارة كانت مدفوعة بجملة من الأهداف والتي ارتبطت إلى حد كبير بموقف رئاسة وحكومة الإقليم من الترويج لفكرة الانفصال في دولة كردية مستقلة: أولها، إثناء الأحزاب الكردية والمسئولين في كردستان العراق عن فكرة إجراء الاستفتاء بشأن تقرير مصير الإقليم باعتباره غير ملائم للظروف الإقليمية الحالية، لاسيما في ظل رفض تركيا وسوريا وحكومة العراق نفسها لهذا السيناريو. ثانيها، تأكيد رفض طهران النقلة النوعية التي قام بها مجلس مدينة كركوك برفع علم كردستان على مقرات المحافظة، وكذلك رفض الدعوة لإجراء استفتاء بشأن ضم المحافظة للحدود الجغرافية للإقليم، بل وإعلانه تفضيل طهران أن تتخذ رئاسة الإقليم من السياسات ما يساعدها على تقوية العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد بدلًا من طرح فكرة الانفصال كخيار لحل الخلافات البينية. ثالثها، ضرب حالة التقارب التي بدت مؤخرًا في أفق العلاقة بين الحزبين الكردستانيين الديمقراطي والاتحاد الوطني - رغم خلافاتهما العميقة - والتي كانت سببًا في التوافق بينهما على موعد الاستفتاء بشأن مستقبل الإقليم. رابعها، حل الخلافات التي باتت تعاني منها أجنحة حزب الاتحاد الوطني حليفها الكردستاني الاستراتيجي، الأمر الذي يفسر تخصيص جزء من زيارته للسليمانية إحدى محافظات الإقليم ومقر الحزب.[12]

أما بالنسبة لتركياالتي ترفض رفضًا مطلقًا فكرة منح القومية الكردية حق تقرير المصير، سواء أكراد العراق أو سوريا أو حتى أكراد إيران؛ فقد جاء ردها على دعوة رئاسة وحكومة إقليم كردستان العراق للاستفتاء بشأن تقرير مصير الإقليم ردًا حادًا "قد" يطوي حالة التقارب التي شهدتها العلاقات التركية الكردستانية العراقية. فعلى الرغم من العلاقات الصراعية بين تركيا وحزب العمال الكردستاني التركي المعارض إلا أنها تحافظ على علاقات انفتاح مميزة مع إقليم كردستان العراق. ويمكن رصد بعض أوجه تلك العلاقة في الدور الحيوي الذي تقوم به أنقرة في تصدير نفط وغاز الإقليم للسوق العالمية دون الرجوع إلى بغداد. وقد بلورت أنقرة موقفها عبر بيان رسمي صادر عن وزارة خارجيتها أكدت فيه "أن تنظيم استفتاء حول استقلال كردستان العراق يشكل خطأً فادحًا"، وأن أنقرة ترى "أن الحفاظ على سيادة الأراضي والوحدة السياسية للعراق أحد أسس السياسة التركية". كما اتجهت تركيا إلى تنسيق الجهود مع منافستها الإقليمية إيران في هذا الشأن مستفيدة من رفضها أيضًا للخطوة الكردستانية العراقية؛ حيث أرسلت أنقرة لطهران رسالة تعلمها برفضها رفع علم كردستان فوق مباني محافظة كركوك التي تتميز بتنوع مكوناتها الاجتماعية ما بين أكراد وعرب وتركمان، وترى في ضمها لإقليم كردستان مؤشرًا على تآكل هويتها الاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى تخوفها على وضع الأقلية التركمانية فيها. كما أعلنت رفضها أيضًا للاستفتاء على مصير الإقليم، واعتباره "خطًا أحمر" للأمن القومي التركي وللسياسة الخارجية التركية لا يجب على أكراد العراق تجاوزه.[13]   

وفي إطار التصعيد مع حكومة كردستان العراق، وردًا على خطوة الدعوة للاستفتاء، أبلغت أنقرة أربيل أن استمرار تواجد قوات حزب العمال الكردستاني التركي المعارض- الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية - في جبال قنديل وسنجار بات أمرًا غير مقبولًا لما يمثله ذلك من تهديدات أمنية للعمق التركي تقوم بها ميليشيات الحزب من آن لآخر. هذا إلى جانب رفضها للتنسيق القائم بين الحزب و"ميليشيات وحدات الشعوب" التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري، والتي تشكل القوام الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من قبل الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم داعش داخل الأراضي السورية، حيث تعتبرها تركيا عدوها الرئيسي في سوريا لتطلعاتها بشأن دولة كردية سورية (فكرة إقامة دولة كردستان الغربية). هذا فضلًا عن سعيها لقطع الطريق على قوات البيشمركة الكردية بشأن استثمار دورها في محاربة داعش في الحصول على مكاسب ميدانية وسياسية تقوض من النفوذ التركي في المنطقة.[14]   

هذا الواقع الإقليمي يشير إلى أن ثمة رفضًا إقليميًا واضحًا لفكرة تغيير الوضع الجيوسياسي لمحافظة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل من ناحية، ورفضا لفكرة الاستفتاء حول استقلال إقليم كردستان العراق ككل؛ ما يعني أن إدارة العلاقة بين كردستان العراق وبين الحكومة المركزية في بغداد لم تعد مسألة داخلية فقط، وإنما أصبحت، وفي ظل النقلات النوعية التي يقوم بها مسئولو الإقليم، "قضية إقليمية دولية" تخضع إدارتها لتفاعلات إرادات القوى الدولية والإقليمية بالدرجة الأولى، نظرًا لتواجد القوميات الكردية في أربع دول بمنطقة المشرق العربي؛ هي تركيا وإيران والعراق وسوريا، ما يجعل من فكرة استقلال الأكراد فكرة غاية في التعقيد والتشابك.[15]

ثالثًا: التداعيات الاستراتيجية للاستقلال

مما سبق يتضح أن الخيار الكردي العراقي بالتوجه نحو الاستفتاء بشأن استقلال إقليم كردستان، وضم محافظة كركوك لنطاقه الجغرافي والسيادي، يواجهه العديد من العقبات والمعضلات الداخلية والخارجية التي تقوض من فرص حدوثه.

لكن إذا افترضنا حدوث الاستفتاء في موعده المحدد، وبغض النظر عن تكييف المسئولين الكردستانيين لنتائجه - المتوقع بأن تكون لصالح الانفصال - فإن ثمة تداعيات استراتيجيات جمة ستترتب على الانفصال، نشير فيما يلي أهمها:  

1- إن الانفصال بقرار أحادي سوف يدشن لبداية مرحلة سياسية جديدة عنوانها الرئيسي تقسيم العراق؛ سواء كان تقسيمًا مناطقيًا أو تقسيمًا على أسس طائفية أو عرقية، وهو ما يعني أن وحدة الدولة الوطنية العراقية باتت على المحك، وأن الصراع في مرحلة ما بعد الانتهاء من محاربة تنظيم الدولة سيكون صراعًا بين الدولة وبين مكوناتها الطائفية التي ستسعى بشتى السبل للحصول على مكاسب كتلك التي سيحصل عليها الأكراد.[16]

2- قد يكون الانفصال أحد أسباب زيادة حدة المشاكل السياسية والاقتصادية التي ستواجهها حكومة إقليم كردستان بدلًا من أن يكون سببًا في حلها؛ فحالة التقارب الحالية في مواقف القوى السياسية الكردية داخل الإقليم هي حالة طارئة ومستجدة فرضتها الحاجة إلى توحيد "البيت الكردي" في مواجهة الحكومة المركزية في بغداد فيما يتعلق بمطلب الاستقلال. وهي حالة في الوقت ذاته لا تنفي حالة الخلاف السياسي الحاد الذي وصل في إحدى مراحله إلى حد الصراع بين الأحزاب الكردستانية على النفوذ والسيادة في الإقليم، وكان من نتائجه تعليق عمل البرلمان الكردستاني وعدم حل مشكلة منصب الرئاسة، هذا بالإضافة إلى مشكلات انعدام الشفافية والعدالة وتفشي الفساد في كافة مؤسسات الإقليم لدرجة دفعت البعض إلى القول بأن انفصال كردستان سيخلق نموذجًا أشبه بدولة جنوب السودان التي تعاني منذ انفصالها حتى الآن سلسلة من المشكلات الداخلية الحادة.[17]

3- تفاقم الخلافات بين الحكومة المركزية في بغداد وبين حكومة كردستان بشأن المناطق المتنازع عليها بين الطرفين نتيجة لعدم حل تلك المشكلة قبل إجراء الاستفتاء على الانفصال من عدمه؛ فمن المتوقع أن لا يتم الحسم النهائي للصراع حول تلك المناطق في فترة الشهرين المتبقية على الموعد المحدد لإجراء الاستفتاء. وستبرز أولى تلك الخلافات مع انتهاء عملية تحرير الموصل (إحدى مدن محافظة نينوى وبها مناطق متنازع عليها). فبالرغم من حالة التنسيق بين القوات العراقية وبين قوات البيشمركة الكردية في إدارة معركة الموصل، إلا أن اقتراب الانتهاء منها سيفتح المجال للخلافات بين أربيل وبغداد مجددًا بشأن كيفية إدارة المدينة في مرحلة ما بعد داعش.[18]

4- احتمال اتساع معادلة الصراع بين بغداد وأربيل لتشمل المتغير الشيعي؛ فهناك من يرى أن رفض القوى الشيعية العراقية لفكرة انفصال كردستان عن الدولة العراقية، قد يدفع تلك القوى إلى الضغط على رئيس الوزراء حيدر العبادي للدفع بقوات الحشد الشعبي الشيعية في حلبة الصراع بينها وبين حكومة الإقليم؛ خاصة بعد أن أصبحت رسميًا جزءًا من القوات النظامية العراقية، وهو احتمال لا تستبعده أربيل لوجود سوابق تدل عليه تتمثل في اقتراب قوات الحشد من حدود إقليم كردستان العراق أثناء حربها ضد تنظيم الدولة، مما أسفر عن وقوع مواجهات عسكرية بين البيشمركة وبين الحشد الشيعي في محافظات ديالي وكركوك، وهي مواجهات حاول الحشد من خلالها تقويض المكاسب الميدانية التي حققتها البيشمركة في المحافظتين المذكورتين.[19]

5- إمكانية امتداد الانعكاسات السلبية للانفصال إلى الدول المجاورة، وتحديدًا إيران وتركيا وسوريا؛ حيث من المتوقع أن تحفز عملية استقلال كردستان العراق تطلعات القوميات الكردية بتلك الدول للاتجاه لتطبيق السيناريو ذاته، وهو ما قد يعرض تلك الدول لصراعات داخلية حادة، خاصة تركيا التي تتهم حزب العمال الكردستاني التركي المعارض بالسعي إلى تكوين دولة كردية، ناهيك عن صراعاتها مع أكراد سوريا المتطلعين لوجود كيان كردي في مناطق شمال سوريا حيث الحدود الجنوبية لتركيا؛ كثمن لمجهودهم في محاربة تنظيم الدولة في كل من دير الزور والرقة برعاية الولايات المتحدة.[20]

رابعا: مستقبل العلاقة بين بغداد وأربيل

العلاقة بين بغداد وأربيل بشأن استقلال إقليم كردستان قد تكون مرشحة لمزيد من التأزم وفقًا للمعطيات السابق رصدها، كما أن العلاقة بين الإقليم وبين محيطه الإقليمي تتجه نحو المسار ذاته، الأمر الذي يدفع إلى الاستفسار بشأن سياسات بغداد المستقبلية في التعامل مع أربيل؟ في هذا السياق يشير المحللون إلى وجود احتمالين:

الأول، هو احتمال استخدام بغداد وسائل عنيفة على المستويين الدبلوماسي والعسكري لكبح التطلعات الكردية التي وصلت إلى حد المطالبة بالانفصال. ويمكن القول إن ثمة عوامل عديدة تزيد من فرص هذا الاحتمال؛ بعضها يتعلق بالإصرار الكردي على المستويين الرسمي والشعبي بالمضي قدمًا نحو الاستفتاء، وما سيترتب عليه من انفصال باعتباره قرارًا لا رجعة عنه، لاسيما وأنه يمثل هدفًا لتطلعات قومية عانت منذ سنوات طويلة في سبيل تكوين دولة. والبعض الآخر يتعلق بنجاح الإقليم في إدارة شئونه ذاتيًا على كافة المستويات طوال السنوات الماضية، ونجاحه كذلك في إقامة شبكة من العلاقات الإقليمية مع دول الجوار تم فيها تحييد حجم الخلافات الكبيرة مع تلك الدول مقابل تعظيم لحجم العلاقات الاقتصادية والتجارية. ويتعلق بعضها الثالث بسياسات التحالف الوطني الشيعي الحاكم التي تقوم على تهميش وإقصاء غيره من المكونات الطائفية العراقية سواء السنة أو الأكراد بما يكرس من ديكتاتورية الغالبية السياسية. وفقًا لتلك الرؤية لن يتوانى التحالف الشيعي الحاكم عن استخدام القوة في مواجهة حكومة أربيل، هذا فضلًا عن سياساته في اختراق المكون الكردستاني عبر كسب ولاءات تساهم في تكريس التواجد الشيعي داخل أربيل بما يجهض من التطلعات الانفصالية.[21]  

الاحتمال الثاني،هو اتباع بغداد لاستراتيجيات المهادنة والاحتواء والتفاوض. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بغداد، وفي ظل ظروفها الحالية ليست في حاجة إلى فتح جبهات صراع جديدة تضاف إلى مشاكلها الداخلية. ومن ثم، فإن فكرة إجهاض بغداد لمخططات الاستقلال الكردية وفقًا لهذا الاحتمال تعد أمرًا مستبعدًا، الأمر الذي يدفعها إلى تطبيق المزيد من سياسات "الاحتواء والتفهم" للتطلعات الكردية، وانتهاج سياسات للتفاوض، بما يقلل من الانعكاسات السلبية للانفصال حال حدوثه. ووفقًا لهذا الاحتمال أيضًا، فإن بغداد ستبدأ ممارسة سياسية الاحتواء تلك مع مفاوضات ستجريها مع حكومة الإقليم بشأن كركوك كإحدى أهم المناطق المتنازع عليها؛ فثمة من يرى أن بغداد لن تعارض حسم مسألة كركوك، لكنها في الوقت ذاته لن تقدمها لحكومة الإقليم بسهولة ويسر، بل إن هناك اتجاها يشير إلى احتمالية أن تتقاسم بغداد وأربيل إدارة المدينة سياسيًا واقتصاديًا دون أن تسمح للإقليم بضمها كلية لنطاقه الجغرافي والسيادي.[22]

ووفقا للمعطيات والإشكاليات والعقبات السابق رصدها يمكن القول إن فكرة الاستفتاء على تقرير مصير العلاقة بين إقليم كردستان العراق والدولة العراقية، وإن كانت مكفولة وفقًا للدستور، إلا أن الظروف السياسية الداخلية في العراق، والظروف الإقليمية والدولية، والأزمات العابرة لحدود الدول في منطقة المشرق العربي تمثل كوابح لفكرة الانفصال حاليًا، لكنها في الوقت ذاته لا  تمنع إجراء الاستفتاء فعليًا وفي وقته المحدد وفقًا لرؤية حكومة الإقليم، والتي روجت لكون الهدف من الاستفتاء هو مجرد معرفة رأي الشعب الكردي في مسألة الانفصال من عدمه، وأن خيار إقامة الدولة الكردية يأتي تاليًا لخطوة الاستفتاء وعبر مفاوضات طويلة. ومن ثم، يمكن اعتبار التصعيد الكردي العراقي لهذا المطلب في ظل تلك المعطيات لا يعدو كونه نوعًا من الضغط على الحكومة العراقية للحصول على تنازلات بشأن مسألتين[23] : الأولي؛ تخليها (أي الحكومة المركزية في بغداد) عن مجمل المناطق الحدودية لإقليم كردستان المتنازع عليها بينها وبين الإقليم وعلى رأسها محافظة كركوك الغنية بالنفط والغاز. والثانية، حل الخلافات بشأن حصة الإقليم في موازنة الدولة، وعليه وفي حالة تعثر المفاوضات بشأن المطلبين السابقين، وعدم حلحلة موقف بغداد بشأنهما، فإن حكومة إقليم كردستان ستلجأ إلى توظيف فكرة الاستقلال في دولة كردية كبديل سبق وأن تم الاستفتاء عليه.


[1] خورشيد دلي، "هل يحضّر الاستفتاء الكردي للبيان الرقم 1؟"، جريدة الحياة، 29/6/2017.

[2] صادق الطائي، "استفتاء كردستان العراق بين الانفصال والتهديد"، القدس العربي،21/6/2017. انظر أيضًا: معمر فيصل خولي، "بعد داعش: كركوك الصراع القادم في العراق"، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 23/3/2017.

[3] مصطفي العبيدي، "مجلس محافظة كركوك يصوت على إجراء استفتاء تقرير المصير وسط مقاطعة تركمانية وعربية"، القدس العربي، 5/4/2017.

[4] معمر فيصل خولي، "بعد داعش: كركوك الصراع القادم في العراق"، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 23/3/2017.

[5] خورشيد دلي، "هل يحضّر الاستفتاء الكردي للبيان الرقم 1؟"، مرجع سبق ذكره. انظر أيضًا: شاهو القره داغي، "هل المشاكل الداخلية تعيق خطوات استقلال الإقليم؟"، القدس العربي،11/4/2017.

[6] "شيعة العراق يرفضون انفصال الأكراد"، جريدة الحياة، 21/4/2017.

[7] نور أيوب، "بغداد للبرزاني: استفتاءاتك لا تعنينا"، الأخبار (اللبنانية)، 9/6/2017.

[8] خورشيد دلي، "هل يحضّر الاستفتاء الكردي للبيان الرقم 1؟"، مرجع سبق ذكره. انظر أيضًا: خورشيد دلي، "كردستان... الاستفتاء تمهيدًا لإعلان الاستقلال؟"، جريدة الحياة، 14/6/2017.

[9] عارف العبيدي، "الأبعاد الدولية لمسألة استقلال كردستان العراق"، الجزيرة نت ،30/5/2017.

[10] مايكل نايتس، "رئاسة ترامب: هل تكون طريقًا مختصرًا نحو استقلال كردستان العراق أم منعطفًا خاطئًا؟"، الموقع الإليكتروني لمعهد واشنطن على شبكة الإنترنت، 20/11/2016.

[11] محمد صالح صدقيان، "إيران ترفض الاستفتاء على استقلال كردستان العراق"، الحياة،11/6/2017. انظر أيضًا: "طهران تنتقد خطوة كركوك... وتقارب العبادي ــ واشنطن يترسخ؟"، الأخبار (اللبنانية)، 4/4/2017.

[12] "زيارة قاسم سليماني إلى كردستان: الأهداف والتوجهات"، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 17/4/2017.

[13] "استقلال كردستان العراق يصطدم بتعقيدات الداخل واعتراضات الخارج"، جريدة العرب (اللندنية)، 10/6/2017. انظر أيضًا: "زيارة قاسم سليماني إلى كردستان: الأهداف والتوجهات"، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، مرجع سبق ذكره. انظر أيضًا: "إلياس حرفوش، رفع العلم الكردي ... وسقوط العراق"، جريدة الحياة، 4/4/2017.

[14] "استقلال كردستان العراق يصطدم بتعقيدات الداخل واعتراضات الخارج"، جريدة العرب، مرجع سبق ذكره. انظر أيضًا: "زيارة قاسم سليماني إلى كردستان: الأهداف والتوجهات"، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، مرجع سبق ذكره.

[15] المرجع السابق ذكره.

[16] مصطفي العبيدي، "هل تكون أزمة علم كركوك بداية تقسيم العراق؟"، القدس العربي، 8/4/2017. انظر أيضًا: مصطفى العبيدي، "العراق بين الخلافات السياسية وتداعيات إجراء استفتاء كردستان"، القدس العربي، 10/6/2017. 

[17] شورش درويش، "استفتاء كردستان: هل شارفت الجمهورية الخالدة على نهايتها؟"، جريدة الحياة، 12/6/2017.

[18]  أمير العبيدي، "لجنة بين بغداد وأربيل لحل خلافات ما بعد تحرير الموصل"، القدس العربي، 23/6/2017.

[19] المرجع السابق ذكره.

[20] شورش درويش، "استفتاء كردستان: هل شارفت الجمهورية الخالدة على نهايتها؟"، مرجع سبق ذكره.

[21] زهير قصيباتي، "أكراد العراق لا يستبعدون استخدام بغداد القوة ضد الإقليم"، جريدة الحياة، 17/5/2017.

[22] نور أيوب، " العراق: استفتاء في كركوك... بغداد تستوعب وأنقرة تهدد"!، الأخبار (اللبنانية)،5/4/2017.

[23] "استقلال كردستان العراق يصطدم بتعقيدات الداخل واعتراضات الخارج"، جريدة العرب (اللندنية)، 10/6/2017.


رابط دائم: