تزامنت ثورة 30 من يونيو2013 مع معطيات محلية وإقليمية شديدة الوطأة على مصر والعالم العربي، حيث كانت المنطقة آنذاك تكابدتداعيات موجة المد الرابعة للنشاط الإرهابي، منذ نشأة تنظيم القاعدة في العام 1988. ورغم القيود التي كانت مفروضة آنذاك على تحركها في الإقليم، اضطرت "مصر – السيسي" للاستجابة للتحديات الأمنية، حيث كانت الديناميكيات الإقليمية والمحلية مستمرة في استنزاف المنطقة، وفي ممارسة ضغوط كثيفة على الهياكل السياسية والاجتماعية الاقتصادية للعديد من دول الإقليم.
السياسية الإقليمية لـ"مصر- السيسي" خلال السنوات الأربع الماضية قدمت القاهرة كطرف يكافح الإرهاب، ويتشبث بوحدة وتماسك الدول العربية، والحدود الثابتة والمستقرة في مواجهة الأخطار المباشرة القادمة من دول الجوار المباشر، مثل ليبيا وغزة (حيث التداخل الشديد مع الإرهاب في سيناء، وفي الداخل المصري)، وأيضًا في مواجهة الأخطار غير المباشرة، المتمثلة في تمدد داعش- آنذاك - في العراق وسوريا، بالتزامن مع تعاظم نفوذ القاعدة (جبهة النصرة) في سوريا، وتفاقم المخاطر على كل من لبنان والأردن، وحيث كانت القاعدة تعزز من نفوذها ومواقعها في اليمن .... إزاء كل ذلك بدت المقاربة المصرية أكثر تنوعًا، وأقل تأثرًا بالسياسة الداخلية.
لقد أظهرت السياسية الإقليمية لمصر بعد ثورة يونيو القاهرة في صورة الطرف الذي يهتم بالاستقرار الإقليمي أكثر من الولاءات الطائفية، وينأى بنفسه بعيدًا عن التوظيف السياسي المكثف لثنائية "السنة- الشيعة" التي جرى – ويجري - توظيفها في صراعات الشرق الأوسط، وكطرف يقدم خطر داعش - التي كانت تتمدد آنذاك- على الانخراط في سياسات التنافس الإقليمي، ينحاز للحلول والتسويات السياسية، ويرفض الاستمرار أو الانخراط في المواجهات العسكرية، يسعى لهندسة الوضع العبثي الراهن الذي يشكل بيئة حاضنة ومواتية لتمدد وانتعاش تنظيمات السلفية الجهادية، مثلما يعتقد بعبثية خيار"الحسم العسكري" لتسوية الصراعات في ظل نظام إقليمي محطم، يهتم ببناء منظومة للأمن الإقليمي (مصر هي أول من دعا لإنشاء قوة عربية مشتركة في العام2015) كون الشرق الأوسط هو من بين الأقاليم القليلة التي من دون أي مظهر للأمن الإقليمي لمجابهة خطر الإرهاب ولاحتواء الصراعات وإدارة الشئون الإقليمية الداخلية.
أولًا: ملامح البيئة الاستراتيجية المصاحبة لثورة30 يونيو
من المهم الالتفات إلى أن المنطقة ظلت منذ أواخر العام2012 تقريبًا (أي قبل شهور من ثورة 30 يونيو) تكابد تداعيات موجة المد الرابعة للنشاط الإرهابي، منذ نشأة تنظيم القاعدة في العام 1988. فقد بدأت الموجة الأولى للنشاط الإرهابي في تسعينيات القرن الماضي، وتُوجت بأحداث 11 سبتمبر 2001. تلتها موجة جذر من خلال القضاء على البنية التحتية للقاعدة في أفغانستان، واعتقال ومطاردة قادتها. ومع الغزو الأمريكي للعراق عام2003 بدأت موجة المد الثانية، وتبعتها موجة جذر في العام2006، بعد أن ضعفت القاعدة في العراق بشكل حاد. ثم جاءت موجة المد الثالثة لتمتد خلال الفترة (2007- 2009)، بعد صعود القاعدة في المغرب العربي، والجزيرة العربية. تلتها موجة جذر جديدة توجت بمقتل أسامة بن لادن في العام 2011.
وبالتزامن تقريبًا مع ثورة 30 يونيو2013 جاءت موجة المد الرابعة، التي جعلت من خطر الإرهاب في المنطقة ليس خطرًا رئيسًا فحسب، بل هو الخطر الرئيسي على الأمن القومي لعدد من دول الإقليم. ذلك أن 99% من الهجمات التي نفذتها تنظيمات السلفية الجهادية بمسمياتها المختلفة، استهدفت "العدو القريب". وخلال العام 2013 فقط (أي عام الثورة) شهدت المنطقة العربية وحدها 3800 حادث إرهابي، من إجمإلى 9800 حادثة على مستوى العالم، أي بنسبة 40% تقريبًا.وفي العام التالي مباشرة – أي عام 2014- ارتفع عدد الاعتداءات الإرهابية بنسبة 35%، فيما ارتفعت الخسائر في الأرواح بنسبة 81% مقارنة بعام 2013، أي أن العمليات الإرهابية أصبحت أكثر فتكًا وتدميرًا.
في الوقت ذاته، كانت هناك زيادة في عدد عناصر السلفية الجهادية (وليس التنظيمات) قُدرت بالضعف تقريبًا خلال الفترة (2011- 2014). وفي السياق ذاته، قُدرت الزيادة في عدد جماعات السلفية الجهادية خلال الفترة (2011- 2014) بحوالي 58%. مثلت ليبيا آنذاك -المجاورة لمصر- الملاذ الأنشط لتلك الجماعات في الشمال الأفريقي، بينما مثلت سوريا الملجأ الأكبر لها في المشرق العربى.
والأكثر من كل ذلك، ظلت منطقة الشرق الأوسط المسرح الرئيسي للهجمات الإرهابية الانتحارية، حيث وقع خلال عام 2014 حوالي 370 هجمة انتحارية (تمثل 60% من العمليات التي شهدها العالم في ذلك العام)، بخسائر في الأرواح بلغت 2750 فردًا (مقارنة بـــــ 163 هجمة في العام 2013، تسببت في مقتل نحو 1950 فرد). وفي العام 2015 وقع 207 هجوم انتحاري في الإقليم، من بين 452 هجوم على مستوى العالم. ونتيجة لكل ذلك، ظلت قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب تضم 4 دول عربية على الأقل.
ورغم تراجع عدد الهجمات الانتحارية التي نُفِذَت خلال عام 2015 بنسبة 44% مقارنة بعام 2014، إلا أنها تصاعدت في مصر، حيث وقع 12 هجومًا انتحاريًّا خلال عام2015، مقابل 4 هجمات فقط خلال عام 2014. ونتيجة لذلك أيضًا عاشت مصر أجواء حرب يمكن تصنيفها بوصفها صراعًا ذا كثافة منخفضة. وجابهت الدولة المصرية أخطارًا متعددة: خطرًا -ظل يتزايد- من الحدود الليبية، وعنفًا إخوانيًّا في قلب المدن المصرية، وسعيًا حثيثًا من قبل داعش لتوسيع نطاقها، وتعزيز قدراتها في شبه جزيرة سيناء.
ثانيًا: استراتيجيات المواجهة
في سياق إقليمي ومحلي كهذا، كان من الطبيعي أن تشتمل الاستجابات المصرية لنظام 3 يوليو على استراتيجيات متنوعة: تراعي تنوع مسارح المواجهات ومعطياتها المختلفة، وتراعي التفاوت في درجة الخطر الذي تمثله كل جبهة، وتتأثر بطبيعة التحالفات الإقليمية لمصر، وما تتيحه من فرص، أو تفرضه من قيود على التحرك المصري، ولا تصطدم بأحد أهم أولويات السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة الثلاثين من يونيو، والمتمثلة في إعادة بناء التحالف المصري- الخليجي. ناهيك عن أن تلك الاستراتيجيات كان ينبغي لها أن تستند إلى نسق فكري استراتيجي يستوعب الديناميكيات المتعلقة بانتعاش وتمدد تلك الجماعات، أو تلك المتعلقة بانكماشها وأفولها.
[1]الاستجابات لخطر الإرهاب في الداخل
في السياق المصري، ومن خلال متابعة مجريات الحرب على الإرهاب؛ يمكن القول إن الاستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب في الداخل تندرج ضمن ما اصطلح على تسميته بـــ "استراتيجية الإنهاء"؛ أي السعي لتقويض تنظيمات إرهابية بنزع سلاحها أساسًا بالقوة العسكرية والتدابير الأمنية. يتطلب هذا تواجدًا كثيفًا للقوات البرية، والعناصر الأمنية، مع تكثيف وتطوير الجهود الاستخباراتية. وربما يستغرق الأمر سنوات لتحقيق النجاح المطلوب. يعتمد هذا على حجم ومدى تقدم الفاعل المستهدف، ومدى اختراقه للمجتمع المحلي، وحجم الموارد المخصصة لاستراتيجية الإنهاء تلك، وطبيعة البيئة المحلية.
ولتطبيق هذه الاستراتيجية على الأرض تبنت مصر منهجًا ذا بعدين، هما:
أ- عمل أمني وعسكري يتصاعد تبعًا لحجم وكثافة الخطر الإرهابي
لا تخلو أية استجابة للمخاطر الإرهابية من عنصر القوة؛ متمثلة في الأداتين الأمنية والعسكرية. ونظريًّا، من المفترض أن الأجهزة الأمنية هي المخولة بالدور الأكبر في مكافحة الإرهاب، بينما تلعب الجيوش دور الإسناد والتعزيز. إذ عادة ما تكون الشرطة مدربة بشكل أفضل ولديها استخبارات قادرة على اختراق التنظيمات الإرهابية وإرباكها... إنها الذراع الرئيسية للحكومة من أجل تحقيق الأمن الداخلي. لكن في السياق المصري، يلعب العنصر العسكري ممثلًا في القوات المسلحة دورًا رئيسًا يكاد يوازي (وفي بعض السياقات يزيد على) دور الشرطة في مكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية.
ويرجع هذا المزج إلى طبيعة الجماعات الإرهابية العاملة في مصر، إذ تضم خارطة تلك الجماعات طيفًا من التنظيمات المتباينة من حيث الحجم والأهداف. كما واجهت مصر ما يقرب من مستوى "حركة تمرد" كاملة تهدف للسيطرة على الأرض في شبه جزيرة سيناء. لهذا تلعب القوات المسلحة المصرية، في السياق السيناوي؛ دورًا رئيسيًا في مواجهة التنظيمات الإرهابية؛ حيث تخوض هناك معركة شرسة ضد عناصر تنظيم "أنصار بيت المقدس" الذي بايع "خليفة داعش" أبوبكر البغدادي منذ نوفمبر عام 2014.
ومن أبرز عمليات القوات المسلحة التي جرت خلال السنوات الماضية عملية "حق الشهيد"التي بدأت في أعقاب العدوان على الشيخ زويد في الأول من يوليو 2015. وقد أسفرت تلك العملية بمراحلها الثلاث عن مقتل المئات من العناصر الإرهابية. وتم إلقاء القبض على 620 شخصًا مشتبه فيه، أُفرِجَ عن 226 منهم لثبوت براءتهم. أيضًا، تم تفكيك وتفجير المئات من العبوات الناسفة، وتدمير 187 وكرًا للإرهابيين ما بين مخازن وخنادق ومغارات وفتحات أنفاق. وتم ضبط عدة أطنان من المتفجرات، وألف مفجر كهربائي، وكميات كبيرة لم يتم تحديدها من الأسلحة والذخائر.
واجمالًا، منذ طلب السيسي تفويضًا شعبيًا لمكافحة الإرهاب في يوليو 2013، قيل إن أكثر من ألف من الإرهابيين قد قُتِلوا في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال سيناء.
ب- تشريعات داخلية توفر غطاءً قانونيًّا لعمليات مكافحة الإرهاب
كان أهم تلك التشريعات قانون تنظيم التظاهر الصادر في نوفمبر 2013، وقانون حماية المنشآت العامة الصادر في أكتوبر 2014، وقانون "الكيانات الإرهابية" الصادر في 23 فبراير 2015، ثم قانون مكافحة الإرهاب الذي تم التصديق عليه في أغسطس 2015. وقد أثارت القوانين الثلاثة بلا استثناء جدلًا سياسيًّا وقانونيًّا، لكن ما يهمنا هنا هو الآثار المترتبة على هذه التشريعات في سياق الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب في مصر.
1-قانون التظاهر: لا شك أن هذا القانون ساعد إلى حد كبير على الحد من "تظاهرات العنف" التي شهدتها البلاد عقب فض اعتصام رابعة في أغسطس2013، والتي تحولت على خلفيتها العديد من التظاهرات، التي كان من المفترض أن تكون سلمية، إلى أعمال عنف وتخريب ضد الناس والممتلكات.
وفي هذا الإطار، وفر قانون التظاهر غطاءً قانونيًّا لإخلاء وتحصين المنشآت الحكومية المهمة، خاصة المرتبطة بالشرطة، والتي باتت الهدف الرئيسي للعنف الإرهابي. إلا أن هذا القانون نفسه ربما فرض صعوبات جديدة على أجهزة الأمن ومكافحة الجرائم الإرهابية، إذ يبدو أن كثيرًا من العناصر الإخوانية بشكل خاص، والتي دأبت على الخروج في تظاهرات احتجاجية، تحولت إلى ممارسة العمل السري التخريبي، من خلال استهداف للمنشآت والمصالح الحيوية وأهمها أبراج ومحطات الكهرباء، مستغلين في هذا صعوبة تأمين 140 ألف برج كهربائي ممتدة بطول 40 ألف كيلو متر مربع، بمسافة 350 مترًا بين كل برج وآخر. فوفقًا لإحصاءات رسمية، تعرض 214 برج كهرباء للتفجير والأعمال التخريبية منذ قيام ثورة 30 يونيو وحتى يوليو 2015، كبدت الدولة خسائر وصلت إلى 150 مليون جنيه نتيجة بناء أبراج جديدة أو إصلاح ما تعرض منها للتخريب الجزئي. وكان من أبرز حوادث تفجير الأبراج؛ تفجير أبراج كهرباء مدينة الإنتاج الإعلامي في 14 إبريل 2015. وقد شهد قطاع شمال الصعيد وحده، خلال مدة 9 أشهر حتى يوليو 2015 تفجير 35 برجًا كهربائيًّا.
2-قانون حماية المنشآت العامة الصادر في أكتوبر 2014:بسبب تزايد التحديات صدر قانون حماية المنشآت العامة في أكتوبر 2014، والذي خول الجيش مهمة حماية وتأمين المنشآت العامة إلى جوار الشرطة لمدة عامين انتهت في سبتمبر 2016. والملاحظ أن هذا القانون جاء متسقًا مع تولي القوات المسلحة المصرية الأدوار الرئيسية في مكافحة الإرهاب. ويعكس ضمنيًّا اعترافًا بعدم قدرة الشرطة وحدها على تولي هذه المسئولية في ذلك التوقيت الدقيق. كما أن تأطيره بإطار زمني يعكس طبيعته الاستثنائية كونه ينص على جعل المنشآت العامة في حكم المنشآت العسكرية. وهو وضع استثنائي لا يمكن تبريره إلا في سياق وصول المخاطر آنذاك إلى مستوى خطير.
3-قانون " الكيانات الإرهابية": ويأتي القرار بقانون رقم 8 لسنة 2015، والمعروف إعلاميا بــــ "قانون الكيانات الإرهابية"، في إطار ملاحقة الجماعات الإرهابية والتي تتخذ من بعض الكيانات المعروفة والمشهرة قانونًا ستارًا لعملها، وسد منافذ التمويل الخارجي والداخلي لهذه الجماعات، خاصة أنه خلال السنوات التالية على "الربيع العربي" استطاعت الجماعات الإرهابية العابرة للحدود تعزيز شبكة لنقل الأموال لأغراض تغذية الفروع المختلفة بالتمويل اللازم لتجنيد العناصر وإدارة العمليات، وأيضًا تأسيس فروع جديدة لهذه الجماعات.
ومن المسلم به أن مهمة فرز مئات الآلاف من الكيانات الاقتصادية والخدمية والخيرية، وتحديد الإرهابية منها، هي مهمة إشكالية للغاية وشديدة الصعوبة، وتعتبر من بين الإجراءات الطاردة للاستثمارات. ولهذا، وتفاديًّا للأضرار، ولتقليل حجم الأخطاء قدر الإمكان، قصر القانون مهمة الإدراج على لائحتي الكيانات الإرهابية والإرهابيين على مؤسسة القضاء فقط، حيث تختص دوائر جنايات بمحكمة استئناف القاهرة تحددها الجمعية العمومية للمحكمة سنويا بهذه المهمة. كما نص القانون على أن يكون الإدراج على أي من القائمتين لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات. فإذا انقضت مدة الإدراج دون صدور حكم نهائي بإسباغ الوصف الجنائي المنصوص علىه في المادة الأولى من هذا القانون على الكيان الإرهابي، تعين على النيابة العامة إعادة العرض على الدائرة المشار إليها للنظر في مد الإدراج لمدة أخرى، وإلا وجب رفع اسم الكيان أو الشخص الطبيعي من القائمة من تاريخ انقضاء تلك المدة. وللنائب العام خلال مدة الإدراج، في ضوء ما يبديه من مبررات، أن يطلب من الدائرة المنصوص علىها في المادة الثالثة من القانون رفع اسم الكيان أو الشخص الطبيعي المدرج على أي من القائمتين.
4-قانون مكافحة الإرهاب:وأخيرًا يأتي قانون مكافحة الإرهاب والمكون من 54 مادة. وأبرز ما استحدثه هذا القانون أنه يساوي بين عقوبة التحريض على ارتكاب جريمة إرهابية وممارسة الجريمة ذاتها، من حيث الأثر المترتب علىها، فُيعاقب المُحرِض بموجب القانون الجديد بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة، ولو لم يترتب على هذا التحريض أثر. وتنص المادة 28 من القانون على المعاقبة "بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنين كل من روج أو أعد للترويج، بطريق مباشر أو غير مباشر، لارتكاب أية جريمة إرهابية سواء بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى. ويعد من قبيل الترويج غير المباشر، الترويج للأفكار والمعتقدات الداعية لاستخدام العنف، وذلك بأي من الوسائل المنصوص علىها في الفقرة السابقة من هذه المادة. وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنين، إذا كان الترويج داخل دور العبادة، أو بين أفراد القوات المسلحة، أو قوات الشرطة، أو في الأماكن الخاصة بهذه القوات. ويعاقب بذات العقوبة المقررة في الفقرة الأولى من هذه المادة كل من حاز أو أحرز أية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية استعملت أو أعدت للاستعمال، ولو بصفه وقتية، بقصد طبع أو تسجيل أو إذاعة شيء مما ذكر".
والملاحظ؛ أن القانون حسم الجدل المثار حول خطاب الكراهية وخطاب التحريض على القتل والعنف وما إذا كان مستوجب للعقوبة أم لا في السياق المصري. ويحاكي القانون في بعض جوانبه قوانين صدرت في دول مرت بمراحل انتقالية، وشهدت اضطرابات وانتشار لأعمال العنف والإرهاب؛ مثل دول الاتحاد اليوغوسلافي السابق، والتي لعب التحريض على العنف فيها دورًا رئيسًا في تغذية العنف الأهلي والإرهاب بمستويات غير مسبوقة.
لكن تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أهمية الخطوات المتخذة لتطوير قانون العقوبات، وإدخال كل عناصر الجريمة الإرهابية في مجال التجريم حتى يمكن محاصرة هذه الظاهرة، إلا أن موجة المد الإرهابية الراهنة التي تقفز على حواجز الحدود الجغرافية والسياسية وعوامل اللغة والثقافة والتكنولوجيا، تتجاوز نطاق نفوذ القوانين الداخلية، وتتطلب تشريعات إقليمية وربما دولية، غير موجودة أو مفعلة حتى كتابة هذا المقال. وهو الأمر الذي حاولت مصر تداركه من خلال مقاربتها للتعاطي والخطر الإرهابي على مستوى الإقليم.
[2] أربع استراتيجيات للتعاطي مع الخطر الإرهابي على مستوى الإقليم
رغم أن المعطيات الإقليمية والدولية فرضت – حتى وقت قريب- قيودًا على التحرك المصري في الإقليم، إلا أن القاهرة اضطرت للاستجابة للتحديات الأمنية، من خلال عدد من الاستراتيجيات جرى تطبيقها، نعرضها فيما يلي.
أ-استراتيجية العقاب المحدود
تسعى هذه الاستراتيجية بالأساس لردع ممارسات محددة تمارسها هذه الجماعات أو ربما تخطط لها، عبر وسائل تمثل أشكالًا رمزية من العقاب الموجه ضدها. بالنسبة للقوات المسلحة، قد يتمثل ذلك في المواجهة التي تستهدف خطوط إمداد تلك الجماعات (عبر دعم غارات بطائرات مقاتلة أو من دون طيار)، أو من خلال استهداف بعض معسكرات وأماكن تمركز تلك العناصر عن طريق الغارات الجوية أيضًا، أو عبر عمليات معقدة لعناصر من الكوماندوز. من بين الأمثلة على هذه الاستراتيجية الغارات الجوية التي نفذها سلاح الجو المصري داخل الأراضي الليبية في فبراير 2015، عقب قيام عناصر داعش في ليبيا بتصفية نحو عشرين من الأقباط ممن يعملون في ليبيا،. كذلك ما ذُكر بشأن إرسال مصر بعض وحدات القوات الخاصة لمهاجمة أحد معسكرات داعش في شرق ليبيا، حيث سعت تلك العمليات إلى ردع تلك الجماعات عن القيام بهذا النوع من العمليات، من خلال إيصال رسالة مفادها أنه، وبرغم بُعد الشُقة، لن تتسامح القاهرة مع أي محاولة تستهدف أمن وسلامة مئات الآلاف من المغتربين ممن يعيشون ويعملون في ليبيا.
ب-استراتيجية التعطيل والتحييد
وتهدف إلى إضعاف الفواعل العنيفة خارج الحدود، بما يكفي، لئلا تتمكن من تصدير العنف والإرهاب، إلى داخل البلاد. كذلك قطع خطوط التواصل بين الفواعل العنيفة داخل البلاد ومثيلاتها فيما وراء الحدود، بهدف حرمان الأولى من الدعم القادم لها من الخارج. من ذلك أيضًا قطع الطريق على كل محاولة لتحويل الجوار الجغرافي إلى مناطق دعم لوجستي للنشاط الإرهابي في داخل الحدود. النموذج الواضح على تبني تلك الاستراتيجية يتجسد في التدابير والسياسات ذات الطابع الأمني التي باشرتها مصر على الحدود مع كل من غزة وليبيا.
تنظر المؤسسة الأمنية في مصر إلى حماس كفاعل رئيسي مشترك في عمليات"أنصار بيت المقدس"، كونها مسئولة عن المنطقة التي تمثل الفناء الخلفي الضروري لاستمرار عملياتها. ومن هنا، فالصلة بين حماس في غزة والحملة الإرهابية المسلحة في سيناء، هي السبب في إنشاء مصر منطقة أمنية محظورة بعرض 3 كم على امتداد الحدود مع غزة. وقد عملت كذلك على تدمير البنية التحتية الممتدة من الأنفاق التي شيدتها حماس، واستخدمتها لتهريب أسلحة وعناصر تنفيذية من غزة إلى سيناء وعودتها مرة أخرى إلى غزة. من ناحية أخرى، وفي أعقاب استيلاء مليشيات أنصار الشريعة، أوائل أغسطس 2014، على قواعد الجيش الليبي في بنغازي، عمد الجيش المصري إلى زيادة وجوده على طول الحدود. وعزز حرس الحدود كمائنه المختلفة لمنع تسلل العناصر، ولمنع عمليات التهريب. كما سعى الجيش إلى استمالة النخب القبلية في المنطقة الشرقية في ليبيا.
وبخلاف تركيز المؤسسة الأمنية المصرية على أمن الحدود، وحراسة الحدود الليبية، عمقت القاهرة صلتها يومًا بعد الآخر مع برلمان طبرق، ومع شخصيات وقوى معادية لمليشيات "فجر ليبيا". كما سعت في تكثيف التعاون الاستخباراتي، والتنسيق العملياتي مع الجيش الليبي. وفي هذا السياق، وقعت الحكومة المصرية اتفاقًا عسكريًا لمدة خمس سنوات قابل للتجديد مع مجلس النواب (طبرق) يسمح "باستخدام ثنائي للمجال الجوي لكلا البلدين لأغراض عسكرية" و"تبادل الدعم العسكري البري" في مواجهة تهديدات أو أعمال عدوان. بالإضافة إلى ذلك، قدمت مصر تدريبًا عسكريًا ودعمًا استخباراتيًا للجيش الليبي بقيادة "خليفة حفتر".
ج-استراتيجية دعم الحلفاء عبر الحدود
منذ 30 يونيو2013 وحتى النصف الأول من العام 2015 تقريبًا، ظلت قضية ليبيا مثل قضية غزة، بالنسبة لمصر... تُفهَم فقط في سياق علاقتها بالاستقرار الداخلي لمصر. ولهذا بقيت المقاربة المصرية بشأنها تتمركز حول الأمن فقط. لكن بمرور الوقت، ومع تخطي مصر المرحلة الحرجة في مواجهة إرهاب الداخل طوال العام2015، كذلك مع تغيرات طرأت على المعطيات الإقليمية والدولية المحيطة بالأزمة الليبية، بالتزامن مع نجاح القاهرة في استعادة علاقاتها الدولية... بدأت القاهرة في تغيير مقاربتها إزاء الصراع في ليبيا، لتمتد إلى الأبعاد السياسية والدبلوماسية البناءة، إلى جوار المكون الأمني.
أيضًا أتاحت العلاقة المتميزة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، والرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، الفرصة للقاهرة في أن تنتقل من مرحلة التدخل الأمني والعسكري غير المعلن في ليبيا، إلى التدخل المعلن ضد التنظيمات الإرهابية هناك، على النحو الذي يسهم بفاعلية في تغيير موازين القوى لصالح الجيش الوطني الليبيي. فأثناء ليل السادس والعشرين- السابع والعشرين من مايو2017، نفذ سلاح الجو المصري ضربات جوية في درنة بليبيا، بعد هجوم إرهابي طال العشرات من الأقباط في محافظة المنيا. التنظيم الذي هوجم من قِبَل مصرهو "مجلس شورى مجاهدي درنة"، وهوتنظيم محلي له صلة بالقاعدة. وفي صباح السابع والعشرين من الشهر ذاته، ضربت موجة أخرى من الغارات الجوية المصرية ليبيا، هذه المرة مستهدفة مواقع في حي "الجفرة"، معقل "سرايا الدفاع عن بنغازي"، وهي جماعة أخرى لها صلات بالقاعدة، ولها صلات وثيقة أيضًا بـــ"مجلس شورى مجاهدي درنة". ثم تجددت الضربات مرة ثالثة في "ليل الثامن والعشرين- التاسع والعشرين" من مايو لتطال مرة أخرى"مجلس شورى مجاهدي درنة".
وعلىه بات واضحًا أن تلك الضربات تختلف من حيث الأبعاد والأهداف، عن تلك الضربات الخاطفة والمحدودة التي نفذتها مصر في فبراير عام 2015، وأن أهداف الضربات الأخيرة تتجاوز بكثير مجرد رد الفعل على هجوم المنيا الإرهابي، إلى حيث دعم الحليف المقرب، وهو المشير خليفة حفتر، الذي يواجه أيضًا "مجلس شورى المجاهدين" في درنة، و"سرايا الدفاع عن بنغازي"، من بين جماعات أخرى، منذ سنوات عديدة وبنتائج محدودة.فالجيش الوطني الليبي يحتاج إلى موارد كبيرة للوقوف والصمود على الجبهات النشطة العديدة، والممتدة من درنة في الشرق، وحتى سبها في الجنوب الغربي، بمسافة ألف كم.
أيضًا، فإن عدم الاستقرار في ليبيا يمثل تهديدًا مباشرًا للمصلحة الوطنية المصرية، حتى ولو اقتصر هذا التهديد على تدفق المقاتلين والسلاح من الحدود الهشة وتغذية عمليات داعش وجماعات مسلحة أخرى نشطة داخل مصر. وبالتالي، حتى لو كانت الأهداف التي تم ضربها ليست لها علاقة مباشرة بالهجوم، فالمؤكد أنهاتعمل على تعزيز الجيش الوطني الليبي من أجل إحكام السيطرة أكثر على شرق ليبيا.
ولا شك أن قدرة مصر على تنفيذ هذه الهجمات، ليس فقط في درنة، بل أيضا في وسط ليبيا، هي موضع قلق لتلك القوى العسكرية والسياسية المعارضة لحفتر على الأرض. وأن هذا بالتأكيد سيكون له آثار كبيرة وممتدة على مسارات الصراع في ليبيا.
د-استراتيجية تدعيم الاستقرار في إقليم غير مستقر
عندما يتعلق الأمر بما وراء الحدود المصرية، تتبنى الدولة المصرية مقاربة تركز أكثر على الاستقرار عبر الاحتواء السياسي. هكذا يبدو الموقف المصري من الصراعات في سوريا والعراق واليمن. أي أن "مصر- السيسي" تعارض أي تغيير في الأنظمة أو الحدود ... ومنها دول ليست حليفة بالضرورة. فرغم خصومتها طويلة المدى مع إيران، والتي لا يبدو أن هناك أية إشارة على أنها تتراجع، مضت مصر بنشاط على مسارات دبلوماسية مع حلفاء طهران في العراق وسوريا.. إنه موقف يتأسس على دعم الاستقرار، وليس المضي على طريق تعزيز أجندات إقليمية.
فعلى صعيد الأزمة السورية، نأت مصر بنفسها بعيدًا عن فكرة تغيير النظام في سوريا، خاصة مع انتشار داعش على كلا الجانبين من الحدود السورية- العراقية، والتحاق العديد من المتشددين المصريين بالقتال هناك... بل ولعل البعض داخل المؤسسة الأمنية المصرية قد مضى لما هو أبعد من ذلك، باعتبار قتال الأسد ضد داعش قضية مشتركة. في السياق ذاته، كان الرئيس السيسي قد خطا، في تصريحاته لصحيفة الاتحاد الإماراتية في يناير 2015، خطوة إضافية على طريق تظهير الموقف المصري من الأزمة السورية عندما لخص الموقف بالنقاط التالية: (أ) سوريا بالغة الأهمية بالنسبة للأمن القومي العربي، والمصري بخاصة، وما يجري فيها يمس بصورة مباشرة مصر، سلبًا أم إيجابًا ... (ب) وحدة سوريا هدف رئيس للسياسة المصرية، بما يعنيه ذلك وحدة وحفظ مؤسسات الدولة السورية ومنع انهيارها كذلك ... (ج) الأولوية في سوريا يجب أن تُعطى لمحاربة الإرهاب والجماعات الإرهابية ... (هـ) لا حل عسكريًا للأزمة السورية، الحل سياسي، وسياسي فقط، وعن طريق الحوار والتفاوض ... (و) لا قيد أو شرط مسبق على بقاء الأسد، أو أن يكون جزءًا من الحل، طالما أن الأمر سيتم بالتفاوض والتوافق. وهنا يبدو البند الخامس والأخير في الرؤية المصرية للأزمة السورية، هو أوضح تعبير يصدر عن الرئيس المصري فيما يخص معايير الحل السياسي وشروطه، ذلك أن العناصر الأربعة الأخرى، سبق للرئيس وأكثر من مسئول مصري رفيع أن تحدث بها. وقد شكل ذلك في حينه تطورًا مهمًا في المقاربة المصرية، ميزت به القاهرة نفسها عن بقية دول الإقليم، بمن فيها أقرب حلفائها.
هذا التوجه المصري المؤيد لدعم الاستقرار أعرب عن نفسه بشكل أوضح وأكثر علنية في خضم الصراع في العراق؛ فبعد سقوط الموصل بيد داعش في يونيو2014 ، تحدث الرئيس السيسي مباشرة لرئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي، عارضًا الدعم المصري الكامل. تبع المحادثة الهاتفية المزيد من التعلىقات المعلنة شجب فيها السيسي احتمال استقلال الأكراد وتقسيم العراق. فقد قال السيسي: إن الاستفتاء الذي يسعى إليه الأكراد الآن في الحقيقة ليس أكثر من بداية لتقسيم كارثي للعراق إلى دول أصغر متصارعة. وأتبع هذا التصريح بإرساله وزير خارجيته لبغداد، في إشارة إلى المزيد من الدعم. مضمون رسالة وزير الخارجية كان مناقشة الخطر الإقليمي الذي تمثله تلك المواجهة الطائفية وانتشار التطرف والإرهاب.
وهكذا، فإن إدراك مصر لخطورة تحدي الإرهاب وموجته الرابعة التي بدأت عقب ثورة يونيو 2013 كان إدراكًا دقيقًا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الإدراك فقط، فقد نجح نظام 3 يوليو في تطوير رؤية واستراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا التحدي، لم تقف عند الأبعاد الداخلية لتلك الظاهرة الخطيرة، ولكنها استحضرت أيضًا الأبعاد الإقليمية والدولية لظاهرة التنظيمات الإرهابية، سواء فيما يتعلق بطريقة عملها أو فيما يتعلق باستراتيجيات مواجهتها.