برنامج مقترح لتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر - عرض العدد رقم 22 من دورية "بدائل"
2017-6-12

نــورا فخـري أنور
* باحث مساعد - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

يعانى  الاقتصاد المصري خلال المرحلة الحالية من فجوة مزمنة ومتفاقمة بين طاقته الحالية وطاقته الممكنة في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. وفى هذا السياق، يقدم عدد مايو 2017 من دورية بدائل، التي تصدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية،برنامجا تنفيذيا يهدف لتحفيز الاستثمار الأجنبي في مصر. ويتضمن البرنامج عددا من العناصر، تتمثل فى معايير مقترحة لجودة برامج جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وآليات تشريعية ومؤسسية وتنظيمية وأخرى اقتصادية كلية وجزئية، فضلا عن مجموعة من الضوابط اللازمة لنجاح هذه الآليات المقترحة.

وتشير افتتاحية العدد التى تحمل عنوان "مداخل تطوير سياسات جذب الاستثمار الأجنبي المباشر"للدكتورة إيمان رجب رئيس التحرير، إلى أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر كونه من بين العوامل الرئيسية لتحريك الاقتصاد المصري من جانب، ومصدر مهم للعملة الأجنبية التي تستخدم في تغذية الاحتياطي الأجنبي للدولة، من جانب آخر.

 كما توضح الافتتاحية أنه رغم الجهد المبذول من الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011 وثورة 2013، إلا أن حجم الاستثمارات الأجنبية التي تم جذبها خلال تلك الفترة تظل دون المستوى المخطط له، لذا تسعى الحكومة الحالية لتشجيع المستثمرين الأجانب على توسيع استثماراتهم في المشارع القومية خاصة مشروع تنمية محور قناة السويس، على نحو يسمح بأن تكون مصر وفق ما جاء في رؤية 2030 ضمن أفضل 20 دولة عالميا في مجال البيئة الاقتصادية الكلية، ومن بين أكبر 30 دولة على مستوى التنافسية.

وقد قام الدكتور محمد يوسف، أستاذ الاقتصاد المساعد وعضوالهيئة العلمية بقطاع الاقتصاد والميزانية بمعهد الإدارة العامة بالمملكة العربية السعودية، بإعداد الدراسة الرئيسية لهذا العدد والتى تحمل عنوان "برنامج مقترح لتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر"، والتى رسم من خلال محاورها الرئيسية  الثلاثة إطارا كليا للوضع الراهن لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر، وحلل من خلالها الفجوة القائمة بين طاقة الاقتصاد المصري الفعلية في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وبين طاقته الممكنة، والأسباب التي تقف وراء هذه الفجوة.

أولا: تحليل الوضع الراهن لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر

ركزت الدراسة في هذا القسم على تحليل حالة الاستثمار الأجنبي المباشر الوافد لمصر في ضوء الآليات الحالية لجذبه، وفي ضوء حاجة الاقتصاد المصري لتدفقات هذا الاستثمار. وتناولت الدراسة بالتحليل حجم التدفقات، ومصادرها الخارجية، ووجهتها المحلية خلال فترة الدراسة الممتدة من العام 1991 وحتى عام 2015، على النحو التالى:

1- الحاجة الملحة لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث انتهت الدراسة إلى أن هناك عوامل مالية تزيد من حاجة الاقتصاد المصري لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، مثل حالة العجز في كل من الموازنة العامة وميزان المدفوعات، واللذان يعكسان فجوة الموارد المحلية التي يمكن للاستثمار المساهمة في تغطيتها. كما أن هناك عوامل غير مالية، تتمثل فى الحاجة لنقل التكنولوجيا ونظم الإدارة الحديثة، والتي غالبا ما تصاحب التدفقات الاستثمارية، بالإضافة إلى الحاجة للاستغلال الواسع للموارد الطبيعية من جانب تلك الاستثمارات.

2- الطاقة الفعلية للاقتصاد لجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث تناولت الدراسة تطور تدفقات وأرصدة الاستثمار الأجنبي المباشر، مع تحديد حصة الاقتصاد المصري العالمية منها. وانتهت الدراسة إلى أن حصة الاقتصاد المصري لازالت زهيدة فيما يتعلق بنسبة التدفقات والأرصدة إلى الإجمالي العالمي مقارنة بما يمتلكه من طاقات، إذ لم تتجاوز في أحسن الأحوال 1% من قيمة التدفقات والأرصدة العالمية.

3- تحليل مصادر تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث يسهم التحليل الجغرافي لمصادر الاستثمار الأجنبي المتوطن في مصر في تقييم آليات ترويج الفرص الاستثمارية دوليّا، كما يحدد تحليل الدول الأكثر استثمارا، والأهمية النسبية للعلاقات الاستثمارية للاقتصاد المصري والفرص المتاحة لتنميتها في المستقبل.

4- توطن الاستثمار الأجنبي في مصر، حيثيكشف هذا المحور من الدراسة عن رسم صورة واضحة عن مواقع توطن الاستثمار الأجنبي المباشر جغرافيا وقطاعيا داخل الاقتصاد المصري خلال الفترة من العام 1991 وحتى العام 2016، كشرط ضروري لتقييم الآليات التي طبقت لجذب تلك الاستثمارات.

ثانيا: عقبات تعيق تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة

ترى الدراسة أن اتساع الفجوة بين الطاقة الفعلية والممكنة يقتضي تحديد أهم العقبات التي تواجه تضييق تلك الفجوة. ولإنجاز هذه المهمة، تقسم الدراسة تلك  العوائق إلى مجموعتين، تتناول المجموعة الأولي عقبات السياسة الاقتصادية، وخصوصا بعد اتفاقية التسهيل الممدد مع صندوق النقد الدولي من خلال توضيح أوجه القصور في كل من السياسات الصناعية والزراعية، والسياسات المالية والنقدية،وسياسات الاستثمار، وسياساتالتجارةالخارجية، سياسات سوق العمل.

وتنصرف المجموعة الثانية إلى عقبات التشريع والتنظيمات والمؤسسات القائمة. وتشير الدراسة إلى أن النظام التشريعي والقانوني الحاكم للاستثمار وحالة المؤسسات ودرجة تطور تنظيماتها، يحكمان على قدرة أي اقتصاد على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، كما أن كل قصور في هذه الأنظمة يخلق عقبات تحد من تلك التدفقات.

ولعل أغلب العقبات التي تجابه الاستثمار الأجنبي في مصر- وفقا للدراسة- تقع في نطاق مسئولية المؤسسات صاحبة الولاية على هذا النوع من الاستثمارات. ومن ثم، فإن نقطة البداية في علاقة الاقتصاد المصري مع الاستثمار الأجنبي المباشر تنشأ عند وجود فرصة استثمارية متاحة للترويج.

وعلى ذلك، فإن أحد أهم العقبات التي تقلل من كفاءة بيئة الاستثمار المصرية وتحد بالتبعية من جاذبيتها لتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر هي ضعف الروابط المادية والتكنولوجية بين جهات الولاية على الاستثمار، وخصوصا الهيئة العامة للاستثمار، وبين مصلحة الضرائب. إذ إنه لا توجد قنوات للتنسيق بين المتابعة الاستثمارية للشركات القائمة وبين المتابعة الضريبية لها. ولا يتسبب ذلك في زيادة احتمالات التهرب والتأخر الضريبي فحسب، ولكنه يقلل من جودة منظومة الحوافز الممنوحة للاستثمار الأجنبي المباشر أيضا.

ثالثا: نحو اقتصاد جاذب للاستثمار الأجنبي المباشر

أبرزت الدراسة أهم الدروس المستفادة من التجارب الدولية كنقطة بداية في صياغة برنامج وطني لتطوير آليات جذب الاستثمار الأجنبي، ثم قام المؤلف باقتراح برنامج لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر يقوم على العناصر التالية:

1 - دروس الخبرات الدولية، وتتضمن:

- ضرورة وجود خطة شاملة يمكنها أن تمثل الإطار الجامع لاستراتيجية الاستثمار الوطني بشقيه المحلي والأجنبي (تجربة ماليزيا وكوريا الجنوبية).

-  ضرورة وجود خطة الترويج للاستثمار منبثقة من الخطة الشاملة للاستثمار (تجربة أيرلندا وكوريا).

- أهمية توافر مقومات الحكومة الإلكترونية في تعزيز المؤشرات التنافسية في الاقتصاد، وفي تطوير بيئة الأعمال الجاذبة للاستثمار (تجربة سنغافورة وتجارب أغلب دول مجلس التعاون الخليجي).

- أهمية توسيع نطاق السوق ووفرة العمالة المدربة، وضرورة الاهتمام بالتعليم الفني المرتبط بنشاط الشركات الاستثمارية كآلية لتلبية احتياجاتها من تلك العمالة بتكلفة أجور حقيقية تنافسية (تجربة الصين).

وفي كل الأحوال، فإنه لا يجوز إغفال دور البنية الأساسية المتطورة في تهيئة مناخ الاستثمار في أغلب التجارب الدولية الناجحة.

2- البرنامج المقترح لتحفيز الاستثمار الأجنبي

تقترح الدراسة برنامجا يقوم على خمسة عناصر رئيسية، هى: معايير مقترحة لجودة برامج جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وآليات تشريعية ومؤسسية وتنظيمية، وآليات اقتصادية كلية، وآليات اقتصادية جزئية، وضوابط نجاح الآليات المقترحة.

وفى هذا السياق،  تتوقع الدراسة أن تكون الآثار الإيجابية للآليات التي اقترحتها، حال وضعها موضع التنفيذ، متعددة ومتنوعة، فهي لن تقتصر على تحفيز الاستثمار الأجنبي على التدفق، بل يمكنها أن تساهم بفاعلية في إعادة الانضباط لمناخ الاستثمار العام في مصر وزيادة معدل النمو الاقتصادي.


رابط دائم: