حالة الحركات الاجتماعية في مصر ... التشتت وشبح الأفول
2017-6-2

د. زياد عقل
* خبير في علم الاجتماع السياسي بوحدة الدراسات المصرية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

لعبت الحركات الاجتماعية، خاصة تلك التي تنتمي الغالبية العظمـى من أعضائها إلى فئة الشباب، دورًا بارزًا في مشهد الحراك السياسي في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس حسني مبارك، وخلال الفترة الانتقالية التي تولى فيها المجلس الأعلى  للقوات المسلحة إدارة البلاد، ثم خلال فترة رئاسة محمد مرسي والتي انتهت في 3 يوليو 2013. فقد جاءت الحركات الاجتماعية بنموذج جديد على الحياة السياسية المصرية[1] التي لم تكن تعرف حتى وقت قريب من ثورة يناير سوى الحزب الحاكم  بجانب عدد من أحزاب المعارضة الضعيفة وجماعة الإخوان المسلمين. وفي هذا الإطار،  فقد ملأت الحركات الاجتماعية بعد يناير 2011 فراغا سياسيًّا فيما يتعلق بالنمط التنظيمي والبنيوي للقوى السياسية والاجتماعية في مصر، من ناحية. ومن ناحية أخرى، قدمت هذه الحركات عددًا من استراتيجيات العمل الجمعي التي امتزجت بتقنيات وسائل التواصل الاجتماعي لتخلق قدرة لا يستهان بها على الحشد والتعبئة.

ومما لا شك فيه، لم يكن من الممكن أن تحقق الحركات الاجتماعية النجاح الذي حققته في مصر دون توافر مناخ أو بيئة سياسية مناسبة، وهو ما توافر لأسباب متعددة خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك[2]، وخلال الفترة الانتقالية التي تلت رحيل مبارك، ثم خلال  فترة محمد مرسي. وبالرغم من اختلاف البيئة السياسية في الفترة من سنة 2002 إلى سنة 2011 عن تلك التي سادت خلال  مرحلة ما بعد ثورة يناير، إلا أن أثر البيئة السياسية وطبيعتها، وما يحكمها من تشريعات، وما يسودها من نخب وتحالفات، وما تأتي به من نمط للتفاعل بين الدولة والقوى السياسية المختلفة، وما يحدها من سقف لحدود التغيير المتوقع من قبل العملية السياسية المؤسسية، كل هذه العوامل تنعكس بدورها على الحركات الاجتماعية داخليا فيما يتعلق بطبيعتها البنيوية وحجم التوافق بين أعضائها، وخارجيًا فيما يتعلق بتحالفاتها الاجتماعية مع مختلف القوى السياسية وصياغة مواقفها السياسية.[3] وبالتالي من غير الممكن تحليل ما تمر به الحركات الاجتماعية من تحولات، وما تشهده خريطة القوى السياسية الشبابية من تغير في الفترة الراهنة، دون التطرق بالشرح والتحليل للبيئة السياسية التي عملت في إطارها هذه الحركات والقوى.

ومما لا شك فيه، فإن المرحلة التي تلت إسقاط حكم محمد مرسي شهدت عددًا من التغيرات الجوهرية التي طالت البيئة السياسية والمجال العام في مصر، سواء جاءت هذه التغيرات في صورة تشريعات، كقانون التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية، أو في صورة التواجد الأمني المكثف الذي كان ملحوظًا أثناء عدد من الاحتجاجات، مثل احتجاجات نقابة الأطباء أو الاحتجاجات التي نشأت عقب توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، أو انحسار التحالفات السياسية بين النخب المعارضة في مصر. ومن ثم، باتت الحركات الاجتماعية في مصر أمام عدد من التحديات الجادة خلال المرحلة الحالية. فمن ناحية، بدأت الحركات الاجتماعية التي تسيدت المشهد خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك، مثل "6 إبريل"، و"كلنا خالد سعيد"،  في التفتت داخليًا والانقسام إلى أكثر من جبهة. ومن ناحية أخرى، لجأ عدد كبير من الحركات الاجتماعية، مثل "الاشتراكيين الثوريين" و"الأولتراس"، إلى العمل بصورة أقرب للعمل السري غير المعلن . وبالتالي، وفي ظل هذه المتغيرات، بات من الضروري طرح عدد من الأسئلة المتعلقة بقدرة الحركات الاجتماعية على الحشد والتعبئة في ظل ما تواجهه القوى السياسية غير المؤسسية بشكل عام من تحديات.

1- التطورات السياسية في المجال العام في مرحلة ما بعد 30 يونيو 2013

بشكل عام، هناك مجموعة من التغيرات كانت لها التأثير الأكبر على المجال العام في مصر، هي: صدور قانون التظاهر، وتعديل قانون الجمعيات الأهلية، وغياب ما يكفي من تنوع وتمثيل للقوى السياسية المختلفة داخل مشهد الحراك السياسي في مصر. فقد نص قانون التظاهر الصادر في عام 2013 أثناء تولي المستشار عدلي منصور رئاسة البلاد[4] على عدد من المواد التي حظرت التظاهر والتجمهر دون الحصول على تصريح مسبق. وبغض النظر عن تفاصيل مواد القانون، فإن ما يمكن الإشارة إليه هنا هو أثر ذلك القانون علي حالة الحراك السياسي والمجال العام ككل في فترة شهدت اضطرابات سياسية كتلك التي تلت إنهاء حكم محمد مرسي[5]. فقد خلق القانون إطارًا جديدًا للعمل العام والتحرك الجمعي في مصر في مرحلة اتسم فيها المجال العام في مصر بحالة من السيولة الشديدة بعد 25 يناير 2011. وانعكست هذه السيولة في عدد التظاهرات، والاعتصامات، والوقفات الاحتجاجية خلال الفترة من 2011 إلى 2013. كما بات التحرك الجمعي والجماهيري أحد أهم آليات العمل السياسي المستخدمة من قبل القوى غير المؤسسية كالحركات الاجتماعية والشبابية، أو القوى السياسية المؤسسية كالأحزاب والتيارات السياسية. وجاء قانون التظاهر ليضبط هذه الآلية التي اعتمدت عليها كافة القوى السياسية كأداة للحشد والتواصل مع الجماهير، وممارسة الضغوط  على الدولة، وبالتالي، كان صدور قانون التظاهر بمثابة الإعلان عن واقع سياسي جديد يجب أن تتأقلم معه القوى السياسية المختلفة، خاصة تلك التي تتخذ من الحشد الجماهيري واستخدام المساحة العامة آليات للعمل السياسي.

وفي هذا الإطار، اضطرت الدولة خلال الفترة من فبراير 2011 وحتى يوليو 2013 إلى استخدام  القوة للتعامل مع بعض التظاهرات، خاصة تلك التي كانت تحدث في محيط مؤسسات ذات أهمية خاصة، كان يقتضي على  الدولة حمايتها أو ضمان عدم احتكاك الجماهير بها. ينطبق ذلك على أحداث محمد محمود في محيط وزارة الداخلية، أو أحداث ماسبيرو في محيط مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ولكن كان هناك نوع من التفرقة من قبل الدولة حول الأحداث التي تحتاج لاستخدام العنف وتلك التي لا تشكل خطرًا وبالتالي لا تحتاج إلى تدخل عنيف لفضها أو لتفرقتها. ولكن صدور قانون التظاهر خلق إطارًا جديدًا لتعامل الدولة مع  الاحتجاجات الجماهيرية بشكل عام. وتجدر الإشارة هنا أن "عنف الدولة" لا يعني بالضرورة التدخل المسلح لفض حدث جماهيري ما، ولكن يقصد به التدخل المباشر من جانب الدولة لوقف التحركات الاحتجاجية بغض النظر عن الآلية المستخدمة، فقد يشمل ذلك التواجد الأمني المكثف.

وبخلاف صدور قانون التظاهر في 2013، وارتباطه الوثيق بتغير نمط تفاعل الدولة مع الاحتجاجات الجماهيرية، صدر عدد من التشريعات والإجراءات الأخرى[6]. ومن ضمن هذه التشريعات تعديل قانون جامعة الأزهر وإضافة مادة بالقانون تجرم "إهانة الأزهر"، كما قامت الإدارة الجديدة لجامعة القاهرة بمنع التجمهر أو التظاهر بكل الأساليب، وهو ما حد من قدرة عدد كبير من الحركات الاجتماعية والقوى السياسية التي تمتلك قاعدة طلابية. وبالتزامن مع ذلك، وضعت الدولة عددًا من الضوابط على عمل منظمات المجتمع المدني، تم ترجمتها في قانون الجمعيات الأهلية. وبالتوازي مع ذلك، جاء البرلمان المنتخب في ديسمبر 2015 ليعبر عن نقص شديد في الخبرات والتنوع السياسي.  

وهكذا، قامت مرحلة ما بعد 30 يونيو بخلق واقع سياسي جديد، ووضع ضوابط صارمة للدخول للمجال العام المصري، وكان لهذه التحولات في الشكل العام للبيئة السياسية أثر على الحركات الاجتماعية التي تعمل وفقًا لمجموعة جديدة من القواعد، وهو ما احتاج لمرحلة من المراجعات الداخلية، وإعادة بناء التحالفات، وتبني استراتيجيات جديدة للتأقلم مع الواقع السياسي المتغير.

2- التغيرات الداخلية في الحركات الاجتماعية في مرحلة ما بعد 30 يونيو

شهدت الحركات الاجتماعية المصرية كمًا ملحوظًا من التغيرات الداخلية في مرحلة ما بعد رحيل مبارك في 2011، وهو ما كان متوقعًا ومنطقيًا، حيث تشير الغالبية العظمى من دراسات الحالة الخاصة بالحركات الاجتماعية إلى أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين شكل وهيكل البيئة السياسية، وأداء الحركات الاجتماعية داخليًا وخارجيًا، حيث إن قواعد اللعبة تتغير وتتغير معها الرؤى حول التعامل مع القواعد الجديدة[7]. وبما أن سقف الحريات يرتفع مع حدوث انفتاح في المجال العام كما كان الحال في مصر بعد رحيل مبارك، تتغير الأهداف التي تسعى الحركات الاجتماعية المختلفة لتحقيقها كنتيجة لارتفاع سقف التوقعات وزيادة مساحة التعبير، وهو ما يخلق حالة من الاختلاف داخل الحركة عادة ما يؤدي للانشقاق لعدد من التيارات والجبهات، وهو ما حدث لحركة 6 إبريل. كما أن تغير القوانين الحاكمة للحياة السياسية، كقوانين إنشاء الأحزاب أو الانتخابات، تدفع بعض الحركات الاجتماعية للتوجه المؤسسي والتحول لأحزاب، وهو ما حدث مع حركة "تضامن" في بولندا،  وظهر أيضًا في عدد من الكيانات السياسية التي أفرزتها تحالفات شباب الحركات الاجتماعية التي قادت المشهد لسنوات طويلة في مرحلة ما قبل 25 يناير، فظهرت كنتيجة لذلك أحزاب مثل "مصر القوية"، و"مصر الحرية"، و"الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي"، و"حزب التحالف الشعبي الاشتراكي". وبالتالي لم يكن مفاجئا أن تشهد الحركات الاجتماعية المصرية عددًا من التحولات الداخلية في الفترة من 2011 وحتي الآن.

ومما لا شك فيه أيضًا أنه لابد من الفصل بين ما حدث للحركات الاجتماعية من تحولات في المرحلة من فبراير 2011 وحتى يوليو 2013، وما حدث من تحولات في الفترة من يوليو 2013 وحتى الآن، حيث إن التباين الشديد في البيئة السياسية بين الفترتين خلق مجموعة من التحولات داخل الحركات الاجتماعية خاصة بكل مرحلة. فقد خرجت الحركات الاجتماعية الرئيسية من مشهد 25 يناير بعد رحيل مبارك بشعور بالانتصار وإقبال شديد من فئة الشباب على الانضمام لهذه الحركات من ناحية، وإقبال شديد من جانب وسائل الإعلام لتغطية هذه الكيانات التي ظهرت فجأة لملايين المصريين. وكان هناك عدد من الحركات التي تسيدت المشهد في الفترة من فبراير 2011 وحتى يوليو 2013، كان أبرزها "6 إبريل"، و"الاشتراكيون الثوريون"، و"لا للمحاكمات العسكرية"، و"أولتراس وايت نايتس"، و"أولتراس أهلاوي"، و"كلنا خالد سعيد".[8] وأظهرت المؤشرات حجم الإقبال على الانضمام للحركات الاجتماعية خلال تلك الفترة. وعلى سبيل المثال، زاد عدد متابعي صفحة الفيسبوك الخاصة بحركة "أولتراس وايت نايتس" من 350 ألف إلى 2 مليون، كما بدأت النخب في التعاطف مع هذه الحركات الساعية لتطبيق الديمقراطية، فبدأ عدد من رموز النخبة بالتبرع لهذه الحركات مثلما فعل المهندس ممدوح حمزة عندما تبرع بفيلا مملوكة له لحركة 6 إبريل لتحويلها لمقر للحركة[9].

وبالرغم من أن زيادة عدد العضويات وتلقي الدعم والتبرعات من أطراف مختلفة يعد نجاحًا للحركات الاجتماعية، إلا أنه كان السبب في خلق عدد من المشاكل التي خلفت العديد من الآثار السلبية. فعلي سبيل المثال، فإن الزيادة السريعة في عدد العضويات خلقت تيارات مختلفة ومتصارعة في بعض الأحيان داخل الحركات الاجتماعية، خاصة أن الغالبية العظمى من الحركات الاجتماعية المصرية كانت حركات غير مؤدلجة، بمعني أنها لا تتبنى أيدولوجية بعينها، ولكنها تتفق فيما بين أعضائها على عدد من الأهداف والمبادئ، وبالتالي، ظهرت تيارات متعارضة داخل حركة إبريل، أدت لانقسام شديد داخل الحركة فيما يتعلق بدعم ترشيح محمد مرسي في انتخابات الرئاسة في 2012، هذا بالطبع بعد الانقسام الأول لجبهتين، وعندما استقرت جبهة أحمد ماهر على دعم محمد مرسي انشق عدد من الأعضاء عن الحركة ليعلنوا عن إنشاء جبهة جديدة وهي "6 إبريل الجبهة الثورية". ولأسباب تتعلق أيضًا بتغير قواعد الحياة السياسية، أنشق عدد كبير من أعضاء حركة "الاشتراكيون الثوريون" عن الحركة لينضموا لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي في 2011. كما انقسمت حركات الأولتراس فيما بينها حول دعم المرشحين الرئاسيين[10]. وبالتالي، عندما رحل محمد مرسي عن منصب الرئاسة في يونيو 2013، كانت الحركات الاجتماعية موجودة بالمشهد، ولكنها باتت تعاني من التفتت والانشقاق الداخلي، ومن غياب رؤية واضحة لمطالب هذه الحركات في مرحلة ما بعد رحيل حسني مبارك، وهو ما انعكس في صورة تخبط واضح في خطاب الحركات الاجتماعية خلال تلك الفترة، وجعل عدد من الحركات الاجتماعية تتبنى مطالب غير واقعية وغير قابلة للتحقيق.  

ومن ثم، دخلت الحركات الاجتماعية في مرحلة "بيات شتوي" بعد 30 يونيو 2013. فمن ناحية، باتت الدولة أكثر قوة وتماسكًا في التعامل مع العمل الجمعي. ومن ناحية أخرى، لم تعد الحركات الاجتماعية تمتلك ذات الموارد، سواء مادية أو بشرية، لاستعادة قدراتها التعبوية وفاعليتها السياسية، فضلًا عن صدور أحكام بحظر بعض هذه الحركات مثل حركة 6 إبريل [11]، وإدانة بعض رموزها جنائيا، ما أدى إلى خروج الحركة من المشهد ولم تعد فاعلا في مشهد الحراك الاجتماعي والسياسي في مصر في الوقت الحالي. لكن ذلك لا يعني أن كل الحركات الاجتماعية قد تفتت أو اختفت من المشهد السياسي، فعلى سبيل المثال، مازالت بعض الحركات الاجتماعية تعمل وتتمسك برؤيتها وبمواقفها السياسية، فضلًا عن التواجد الافتراضي على شبكة الإنترنت. ينطبق ذلك مثلًا على حركات الأولتراس التي استطاعت التأقلم مع الواقع، وتمكنت من الاستمرار في المشهد ولكن بعد نزع البعد السياسي من موقف الحركة وفعالياتها، فعادت حركات الأولتراس للحشد على أرضية الأندية التي تدعمها كل حركة.

ويشير المشهد الإجمالي للحركات الاجتماعية في مصر لعدد من الاستنتاجات المهمة. أولها، أن الحركات الاجتماعية لم تعد قادرة وحدها ككيانات سياسية على الحشد أو التعبئة لأية فعاليات جمعية، حيث لم تعد هناك حركة اجتماعية لديها ما يكفي من الموارد المادية والبشرية والتنظيمية للدعوة لأية تحركات جماهيرية. ثانيها، أن الحركات الاجتماعية توجهت لبناء التحالفات مع قوى سياسية واجتماعية مختلفة حتى تصبح قادرة على الحشد، ورفع المطالب. ثالثها، أن تحالف القوى السياسية والاجتماعية، على خلفية موقف عدد من الحركات من قضية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية، عبرعن تحول مهم  في آليات العمل السياسي المستخدمة من قبل الحركات الاجتماعية، فعندما وجدت هذه الحركات أو القوى غير المؤسسية أن تكلفة التحرك الجماهيري سوف تكون عالية، فضلًا عن صعوبتها بالنظر إلى الضعف الذي انتاب هذه الحركات وهذه القوى، لجأت للاحتجاج من خلال الإطار الشرعي للتقاضي في مصر، وهو ما يعني أن آلية العمل السياسي تحولت من التحرك الجمعي واستخدام المساحة العامة إلى التحرك الجمعي من داخل الإطار الشرعي للدولة، وهو ما يعد أيضًا أحد استراتيجيات التأقلم التي اتبعتها الحركات الاجتماعية في مرحلة ما بعد 30 يونيو. رابعها، لقد بدا واضحًا من مشهد الحراك السياسي خلال عام 2016 أن النخب التي شاركت في الاحتجاجات هي النخب التي كانت مُسيسة من قبل ثورة يناير، أو تلك التي تم تسييسها خلال ثورة يناير، وهو ما يعني أن الحركات الاجتماعية لم تعد قادرة علي استمالة وتسييس نخب جديدة نظرًا للتراجع في قدراتها التنظيمية والتعبوية. خامسها، أن استمرار بعض هذه الحركات، مثل الأولتراس، يوضح أن وجود أيديولوجية للحركة بالإضافة إلى بناء أو هيكل تنظيمي قوي يزيد من فرص الحركات الاجتماعية للبقاء والتأقلم مع تغيرات البيئة السياسية.

الخلاصة أن الحركات الاجتماعية لم تخرج من مشهد الحراك السياسي في مصر بشكل كلي، ولكن مما لا شك فيه حدث تراجع كبير في دور الحركات الاجتماعية في المجال السياسي بالنظر إلى التحولات المهمة التي طالت البيئة السياسية من جهة، وسلسلة الانشقاقات التي طالت هذه الحركات من جهة أخرى. لكن بالرغم من ذلك تمكنت الحركات الاجتماعية من بناء بعض التحالفات مع القوى المختلفة، وقد تفرز هذه التحالفات مرشحًا رئاسيًّا لخوض انتخابات الرئاسة المقرر لها عام 2018. كما أنه من المتوقع أن ينضم عدد من عناصر هذا التحالف لأحزاب ما بعد ثورة يناير كحزب الدستور وحزب مصر القوية، خاصة بعد مرحلة إعادة الهيكلة التي مر بها كل من الحزبين. وفي النهاية، تجدر الإشارة إلى أن  الحركات الاجتماعية في مصر تفتقد لرموز قيادية جديدة، خاصة بعد استهلاك عدد من رموزها  خلال السنوات الست الماضية، وعدم قدرتها  في الوقت الحالي على تقديم وجوه قيادية جديدة.


[1]انظر في ذلك د. دينا شحاتة، الحركات الاحتجاجية الجديدة في مصر"، في: د. دينا شحاتة (محرر)، عودة السياسة (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ٢٠١٠).

[2] للمزيد من التفاصيل حول دور الحركات الاجتماعية في الحراك السياسي في العالم العربي في مرحلة ما قبل 2011، انظر:

Charles Kurzman, “The Arab Spring Uncoiled”, Mobilization, Vol.17, No.4, December 2012.

[3]للمزيد حول العلاقة بين البيئة السياسية والفرص المتاحة للحركات الاجتماعية انظر:

William A. Gamson and David S. Meyer, “Framing Political Opportunity”, in: Doug McAdam, John D. McCarthy and Mayer Zald, eds., Comparative Perspectives on Social Movements, (USA: Cambridge University Press, 1996).

[4]للإطلاع علي النص الكامل لقانون التظاهر الصادر في نوفمبر 2013 انظر:

  http://www.almasryalyoum.com/news/details/346065

[5]انظر في ذلك:

Emad El-Din Shahin, “Egypt’s revolution turned on its head”, Current History, Vol.114, issue 776, December 2015.

[6]انظر في ذلك:

 Ziad Akl, “Repression and Legislation in Egypt” Ahram Online, May 2015. Available at: http://english.ahram.org.eg/NewsContentP/4/130673/Opinion/Repression-and-legislation-in-Egypt.aspx

[7]انظر في ذلك:

DoowonSuh, “How do political opportunities matter for social movements: political opportunity, misframing, pseudo-success and pseudo-failure”, The Sociological Quarterly, Vol.42, No.3, 2001.

[8]انظر في ذلك:

Dina Shehata, “Youth movements and the 25 January revolution”, Bahgat Korany & Rabab El-Mahdi, eds.,Arab Spring in Egypt: Revolution & Beyond, (Cairo: American University in Cairo Press, 2012).

[9]مقابلة شخصية مع محمد صلاح، عضو المكتب السياسي لحركة ٦ إبريل جبهة أحمد ماهر، القاهرة، 8 / 12 / 2015

[10] مقابلة شخصية مع حسام عبد المنعم، عضو حركة أولتراس وايت نايتس، القاهرة، 6 / 8 / 2015

[11] انظر في ذلك د. دينا شحاتة، "حظر حركة 6 إبريل: الأسباب والتداعيات"، موقع مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية،القاهرة، 18 / 5 / 2014. متاح على الرابط التالي:

 http://acpss.ahram.org.eg/News/5384.aspx


رابط دائم: