إذا كان هناك من نقطة بداية أو ارتكاز لتصحيح مسار العلاقات المصرية- السعودية بعد الأشهر الماضية، فإن هذه النقطة تتمثل بالأساس في دعم الأجهزة المختصة بـ"التخطيط الاستراتيجي" لهذه العلاقات على الجانبين، عبر رفدها بالرؤى والأفكار الجديدة؛ فما ينقص هذه العلاقات ليس قلة إدراك البلدين بأهميتها، ولا العواطف والتاريخ والإيمان بوحدة الأهداف وتقارب التحديات، وإنما التخطيط الاستراتيجي الجيد، الذي ينبغي أن يستهدف الارتقاء بهذه العلاقات إلى مرتبة "العقيدة السياسية" لدى الأجهزة وصناع القرار والنخب والمواطنين في البلدين. إن الارتقاء بعملية التخطيط الاستراتيجي للعلاقات سوف يقضي على الشكوك وأنماط الجدل التي تُطرح عند كل أزمة في علاقات البلدين.
فهناك خصوصية فعلية للعلاقات المصرية- السعودية من واقع الجغرافيا والتاريخ والسياسة، ولكن على صعيد التخطيط الاستراتيجي والإيمان بما يمكن أن يقدمه كل بلد للبلد الآخر، هناك قدر من الضبابية وعدم الوضوح. وخلال الفترة الماضية تبين أن هناك قوى على الجانبين -أوسع من أن تنحصر في دائرة الإخوان- لديها مصالح في تخريب هذه العلاقات، إما نكاية في النظم السياسية، أو بحثًا عن المصالح، أو بسبب التشوه والنقص في المعلومات. وإذا كان من جهود ينبغي أن تبذل بغرض تصحيح ذلك فإن مجالها يجب أن يركز بالأساس على عملية التخطيط الاستراتيجي والعلمي لهذه العلاقات.
فهل أدت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى استقرار العلاقات بين مصر والمملكة وعودتها إلى مدارها الصحيح؟ وهل يمكن أن تتعزز العقيدة السياسية بهذه العلاقات بحيث تحصن البلدين من اضطرابات مفاجئة جديدة.
أولًا: ملامح سياسية وفنية إيجابيةفي قمة الرياض (إبريل 2017)
ما نُشر عن أخبار الزيارة ونتائجها على الصعيد الرسمي قليل جدًا، وينحصر في بعض البيانات والتصريحات المقتضبة، مثل البيان الذي صدر عن الرئاسة المصرية، والذي جاء مقتضبًا، حيث اكتفى بالإشارة إلى أن الزيارة "تتناول سبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين، والتشاور حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب".ويتضح من لغة البيان أنه غلب عليها الحرص والحذر والتكتم، واتسم باللغة الدبلوماسية التي درجت عليها وزارة الخارجية المصرية في سنوات ما قبل 2011 في عهد الرئيس مبارك، حيث ظل مستودع أسرار العلاقات المصرية- السعودية وفحوى الزيارات غير معلوم حتى اليوم، والعودة إلى هذه اللغة هو أمر يدعو للتفاؤل ومؤشر على عودة الاحترافية في الأداء الدبلوماسي الرزين والبناء، مقارنة بما حدث خلال الأشهر والسنوات الماضية حين أصبحت العلاقات بين البلدين نهبًا للإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما ألحق بها أضرارًا شديدة.
وقد اتسقت تصريحات وزيري الخارجية على هامش القمة مع هذه اللغة الدبلوماسية، حيث نفت تصريحات الوزيرين الخلافات، وأكدت على أن "التنسيق بين البلدين استمر طوال الفترة الماضية بدون انقطاع" وأن هناك "ثقة مطلقة تحظى بها المملكة لدى مصر"، على حد قول وزير الخارجية المصري، وأن "العلاقات السعودية- المصرية عميقة وقوية وتاريخية واستراتيجية.. ولا تشوبها شائبة"، على حد قول وزير الخارجية السعودي.
والمؤكد أنه كانت هناك رغبة متبادلة وقوية في الحفاظ على العلاقات واستعادتها إلى سابق عهدها، وهناك ما يشبه "حتمية" استراتيجية وتاريخية وسياسية، وحتى وجدانية، تحول دون إمكان الاستغناء عن هذه العلاقات، حتى لو تعرضت علاقات الأنظمة للضرر. ومن يرصد وقائع الزيارة لا يمكن أن يتعرف على فروقات كبيرة في الخطاب السياسي والإعلامي على الجانبين، بل تتكرر المفردات ذاتها والتناول الإعلامي ذاته، وجزء من ذلك يعكس تأثير المدرسة المصرية في الصحافة العربية، لكن جزءًا آخر يعكس حالة من التدريب والاعتياد التي يدركها المسئولون والكتاب والصحفيون في مصر والمملكة وأصبحوا مدربين عليها جيدًا. وذلك ما يجعل عبارات مثل "عامود الخيمة" و"جناحا الأمة"، و"رمانة الميزان" "قاطرة" العلاقات العربية، من المفردات المألوفة التي تتردد بكثرة بين المملكة ومصر على حد سواء في تصريحات المسئولين وكتابات الصحفيين وتعليقات المواطنين العاديين.
ثانيًا: "رابطة استراتيجية" وليس "محطة مرحلية"
إن أول الشروط الضرورية اللازمة للارتقاء بالعلاقات المصرية- السعودية إلى المرتبة الاستراتيجية هو بناء "عقيدة استراتيجية وسياسية" حول هذه العلاقات، ومفهوم العقيدة السياسية هو مفهوم يجري بناؤه وصناعته والاستثمار فيه، على خلاف مفهوم الحتمية الجغرافية والسياسية المحفور في أذهان القادة وصناع القرار والنخبة، والذي يفترض مسبقا سلامة وصحة العلاقات ولا يشترط التعب عليها والاستثمار فيها والاجتهاد لأجلها. والدعوة إلى بناء "عقيدة سياسية" لهذه العلاقات يناسب أوضاع حقبة عربية مضطربة أصبح فيها الارتقاء بالعلاقات المصرية- السعودية ضرورة وليس خيارًا. فقد ظلت هذه العلاقات تستند إلى روابط التاريخ والجغرافيا والقومية دون أن تترجم إلى جوانب عملية واستراتيجية تؤسس لها فعليًّا وترعاها. وترافق ذلك مع قصور في التعريف بنوعية المصالح التي يمكن أن يجنيها كل طرف من الآخر، خصوصًا في ظل هذه الفترة الجديدة بعد الثورات.
وتتمثل "المقولة المنفرة" في العلاقات العربية، والتي تبرر القصور دائمًا، في قول البعض بأنه ليس لدى الدول العربية ما تقدمه لبعضها على صعيد الاقتصاد والسياسة والأمن، وأن الأهم لها جميعًا هو علاقة كل منها بالآخر الغربي أو الأمريكي (على نحو ما كان يدور همسًا على الجانبين خلال الأشهر الماضية وعززته شائعات عن دور الرئيس ترامب في عودة العلاقات)، والتأكيد على أن الشراكات الأجنبية الأمنية والاقتصادية والسياسية ليست فقط أكثر تأهيلًا وصلاحية وفائدة، وإنما هي أيضا أكثر أمانًا وأقل كلفة وأكثر قدرة على بناء الثقة، وهذه كلها تعبيرات متوارثة من تجارب حقب سابقة لا سبيل لإنكارها، وهو أمر لا ينبغي الاستحياء من طرحه للعلن ومناقشته، حتى لا يظل مجالًا للهمس والضغط السلبي على صناع القرار.
إن بناء "عقيدة سياسة" تحكم العلاقات المصرية- السعودية يعني انطلاق البلدين من تصور لعلاقة استراتيجية جديدة ودائمة غير تقليدية عربيًا، وغير قابلة للتراجع عنها، وليس بمنظور الاستفادة المؤقتة ولأجل تجاوز الظروف والمرحلة. لأنه من الناحية الفعلية –ومهما كان من حجم التشكيك في أهمية هذه العلاقة- فإن البلدين فعليًا - وربما من دون استدعاء- سيكونان أكبر سند عسكري وسياسي واقتصادي فعلي ساعة الأزمات. فمن الناحية الفعلية، فإن مصر والمملكة -لاعتبارات تحتاج إلى تفسير ودراسة- غير قابلتين لأن تتباعدا عن بعضهما بعضا. ومقولات "أمن المملكة من أمن مصر" والعكس هي مقولات أخذت طابعًا إنشائيًّا من فرط تكرارها، لكنها مع ذلك تعكس الحقيقة الفعلية. لذلك من المهم أن يبني البلدان نموذجًا لعلاقة وتحالف استراتيجي أبدي.
وذلك يتطلب عدم دخول البلدين في شراكة بمنطق الصفقة أو الرهانات المؤقتة، وإنما على أساس التفاهم والحوار الاستراتيجي الدائم وبأفق ورؤية متسعة، فأسوأ شيء هو أن يعتقد طرف أن الآخر يتخذه كمحطة مرحلية حتى تتصحح ظروفه الداخلية أو أزماته الإقليمية، ليمارس من جديد سياسة مناهضة للآخر أو ينصرف عنه. وللأسف فإن بعض التفاعلات على الجانبين خلال الفترة الماضية أعطت الانطباع بذلك، حين تصور البعض عند أول اختلاف في وجهات النظر بأنه يمكنه الارتداد على العلاقة وقلب الطاولة. وفي الحقيقة، فإن مما يدعو للحيرة أن قدرة البلدين على عمل ذلك غير ممكنة فعليًا، فلا مصر يمكنها تبني سياسة مناهضة تمامًا للمملكة، ولا المملكة يمكنها عمل الشيء نفسه مع مصر، هناك حد معين للخلاف لا يستطيع البلدان تجاوزه وإلا أضرا بأنفسهما.
ثالثًا: بناء العقيدة السياسية للعلاقات المصرية السعودية
يبدأ بناء العقيدة السياسية من التأكيد على اختلاف البيئة والظروف العربية، وأنه إذا كان القليل هو ما يمكن لكل بلد أن يعطيه للآخر الآن، فإن منطلق هذه العلاقات وفلسفتها وهدفها هو تعظيم الفرص والاستثمار فيها، من خلال إحياء المشروعات الأمنية والعسكرية والاقتصادية المتوقفة، وبناء مشروعات مشتركة جديدة، وتعظيم الاستثمار المتبادل. فكثافة التجارة والتبادل بين المناطق في العالم لا يكتشفها أصحاب القرار والدول فجأة، وإنما تتأسس على قرارات سياسية وتوجهات استراتيجية للدول التي تقرر الدخول فيها وتتحمل التكاليف والأعباء لأجل بنائها، وهي الفلسفة التي بنيت عليها المنظمات والتكتلات الدولية الكبرى في العالم مثل الاتحاد الأوروبي والبريكس. فلم تقم هذه التكتلات على واقع جاهز، وإنما قامت لتحقق طموحات في أذهان أصحاب القرار. هنا فإن بناء وتوسيع مساحات الشراكة بين مصر والمملكة، يجب أن تكون هدفا يرتقي إلى مستوى العقيدة السياسية.
ويتطلب بناء "العقيدة السياسية" تكريس الإيمان بقيمة هذه العلاقات لذاتها ولأبعادها المستقبلية والتي تتجاوز أي حسابات بمكاسب مادية على مدى فترة زمنية قصيرة؛ وهو ما يعني تراجع منطق الحسابات الضيقة للمكاسب والعوائد والتكاليف إزاء قيمة الهدف الاستراتيجي المتمثل في كسب الآخر على مستوى الاستراتيجية والسياسة، وهو ما يعني أهمية إيمان كل طرف بأن الإضافة العائدة إليه من شراكته الاستراتيجية مع الآخر على المدى البعيد تجب أي خسائر أو تكاليف قد يتحملها على المدى القصير، فالعلاقة بين البلدين استثمار و"بوليصة" تأمين في المستقبل، ولا يعني ذلك خضوع أي طرف للآخر، وإنما التحلي بقدر من "الصبر" الاستراتيجي، انطلاقًا من الرؤية الواقعية له ولاحتياجاته الداخلية الملحة.
ويعني ذلك أيضًا البناء على عنصر الثقة المتبادلة، ولكن عبر ترتيبات استراتيجية جديدة ومختلفة نوعيًا. في ظل ذلك لن يكون هناك أي مجال للشك في النوايا السعودية نحو مصر، أو في النوايا المصرية نحو المملكة، وهو أمر ينبغي أن يطرح كليًّا من أذهان صناع القرار، لأنه لو كانت هناك نوايا للإضرار المتبادل، لكان قد مورس فعليًّا، وهناك نقاط مؤلمة لكل طرف كان يمكن للطرف الآخر استغلالها ولم يحدث، سواء كان ذلك من موقف مصر من تدخلات المملكة الإقليمية حاليًا وهو أمر التزمت مصر تجاهه أقصى درجات السلوك الرشيد والمسئول، أو سواء كان من ناحية ملف الوضع الاقتصادي في مصر وهو أمر لم تعمل المملكة إلى مفاقمته، في أقصى فترات الحرج والفتور بين البلدين، وهو ما أكد أن الأبنية العاقلة للقرار لازالت ممسكة بالأوضاع جيدًا.
إن بناء "العقيدة السياسية" بأهمية العلاقة ليس بالأمر الصعب، وبالإمكان أن نرصد نموذجًا لبناء علاقة من هذا القبيل في الإقليم بين الدول، وبين بعض الدول وقوى ما دون الدولة، فكيف تعجز مصر والمملكة عن بناء هذه العلاقات؟! فمن المحير فعليًّا أن تتمكن إيران من بناء علاقات تحالف عسكري واستراتيجي رسمي وغير رسمي مع سوريا الأسد وحزب الله وباقي الجماعات الشيعية المسلحة، مع الاستعداد لتحمل التكاليف السياسية والعسكرية لذلك، في حين لا تتمكن دول مثل مصر والسعودية من بناء علاقة من هذا القبيل في ظل ظروف الإقليم الصعبة؟!
رابعًا: مرتكزات "العقيدة السياسية" المفترضة بين مصر والمملكة
إذا كان بالإمكان رسم خطوط عريضة تتحول من خلالها العلاقات المصرية- السعودية إلى مستوى "عقيدة سياسية" ومرحلة جديدة من التخطيط الاستراتيجي الفعلي، فإنه يمكن تصور أن يستند ذلك إلى مجموعة من المرتكزات على النحو التالي:
1- بناء تفاهم مشترك بشأن إيران: ولا يعني ذلك أن تتبنى مصر وجهة النظر السعودية حول الجمهورية الإيرانية، وإنما أن تعيد مصر حساباتها وتفكيرها بشأن الخطر الإيراني، ليس من منظور ومدخل أمن الخليج فقط، على نحو ما تركز وجهة النظر السعودية، وإنما من منظور ومدخل خطورة إيران على الأمن القومي العربي كله وعلى مجال ودائرة النفوذ المصري ودور مصر في الإقليم العربي، فمن شأن التسليم المصري بالدور الإيراني في المنطقة وعلى حساب الدول الوطنية العربية تقليص المساحة التي تمارس عليها مصر دورها في الإقليم مع تمدد النفوذ الإيراني. ومن المفهوم أن تتبنى مصر وجهة نظر لا تميل إلى تطييف السياسة الإقليمية، ولكن المشكلة أن إيران تدفع المنطقة إلى التطيّف السياسي فعليًّا.
وعلى الجانب الآخر، فإن حضور مصر وتكثيف وجودها على الخط الخليجي الإيراني يضاعف تأثيرها في الخليج، ويشكل عنصر ردع للتوجهات العدائية الإيرانية، وعاملًا من شأنه أن يقلص الاندفاعات الخليجية ضد إيران. وذلك يفترض أن يكون أحد نقاط الحوار الاستراتيجي بين مصر والمملكة، حول كيفية نزع التوجهات العسكرية الإيرانية الضارة بالأمن العربي وبالأوطان العربية من دون الاندفاع نحو صدام عسكري مع إيران من شأنه أن يحدث شرخًا كبيرًا بالخليج وبالعالم العربي وبالعالم الإسلامي. وفي الحقيقة فإن السياسات الخليجية واعية بالتفرقة بين الاعتراض على السياسات العدائية لإيران والاندفاع إلى مواجهة عسكرية معها. وعلى الأرجح أن يؤدي مُضيّ مصر خطوة إلى الأمام في دعم موقف دول الخليج العربية في هذا الصدد إلى تقليص الاندفاعات الإيرانية العدائية نحو دول الخليج، وترجيح التوازنات لمصلحة المعتدلين في الداخل الإيراني، وهو أمر تعتبر إيران أحوج ما تكون إليه حاليًا. وفي إطار هذا الحوار الخليجي المصري بشأن إيران قد يجري اكتشاف مساحات جديدة للدور المصري في تخفيض حدة التوتر في الخليج من خلال مبادرات بين الجانبين، على نحو يشكل فتحًا جديدًا للدبلوماسية المصرية.
2- بناء تفاهم مشترك بشأن علاقة الجماعات الإسلامية بالإرهاب: لا شكأن الإرهاب يشكل الخطر الاستراتيجي على الأمن القومي لمصر. وتربط وجهة النظر المصرية بين جماعات الإسلام السياسي والإرهاب دون تفرقة بين كل الجماعات المسلحة، وعلى الرغم من أن هناك تقاطعات مصرية سعودية مشتركة، وهناك اعتبارات عديدة ودلائل مختلفة على أن المملكة تتبنى وجهة نظر متقاربة وربما متفقة مع مصر، وأنها تفرق بين هذه الجماعات من منظور براجماتي ومصلحي، وعلى الرغم من أن وجهة النظر السعودية هذه قاطعة لمن يعرفون دقائق السياسة السعودية وتوازناتها الداخلية والإقليمية، إلا أن السياسات السعودية وإن كانت تستنكر وتتشدد ضد جماعات الإرهاب فإنها تقوم بتوظيف البعض منهم على نحو براجماتي مصلحي في صراعها مع الجمهورية الإيرانية في سوريا واليمن، وهو ما يثير اللبس لدى البعض بخصوص إنكار المملكة للإرهاب.
ومن المؤكد أن هذه ينبغي أن تكون نقطة حوار استراتيجي بين مصر والمملكة، بحيث يتفق البلدان على أنه مهما كان من مكاسب آنية ووقتية من الجماعات المسلحة فإنه لا ينبغي على الدول أن تتعامل معها، لأنه لو كسرت إحداها هذه القاعدة فإنه لا يمكن تحريمها على الأطراف الأخرى، ومن ثم ينهار النظام الإقليمي ويتزعزع الموقف الموحد من الإرهاب، كما أن خطر التهديد الإرهابي والجماعات الدينية لم يعد يهدد الأوطان والدول وإنما يمتد لأن يهدد الدين الإسلامي ومكانته في العالم، وهو أهم ما يهدد المكانة الدولية والحضارية والدينية للمملكة باعتبارها راعية الحرمين ومهد الدين الإسلامي، ويجب أن تبقى المتصدي الأول لأي انحراف في الدين.
3- بناء منهجية تعامل مصري - سعودي خاص إزاء سوريا واليمن: وتبدأ هذه المنهجية بالإيمان المشترك بأن هاتين الأزمتين طالتا أكثر من اللازم، وأن استمرارهما يمثل نزيفًا للأمن القومي برمته، وهو ما يتطلب إعادة الإمساك بالقضايا العربية المركزية، وأنه لا مجال للتنازع حول مستقبل الدولة الوطنية، وأن هناك فرصًا عربية ضائعة في الأزمتين، وأن كلًا من المملكة ومصر قد قلصتا دورهما كثيرًا في سوريا بحد أخرجهما تمامًا من المشهد السوري. وعلى البلدين أن يبحثا في نوعية المساومات والصفقات لأجل إعادة سوريا إلى النظام العربي والبحث في نوعية الصفقات الداخلية والإقليمة والدولية التي تعيد سوريا كدولة وطنية واحدة. وما بين الحرص المصري على وحدة الدولة السورية وعدم القدرة السعودية على التعامل مع النظام، هناك مساحات تفاهم كثيرة ممكنة.
أما الأزمة اليمنية، فإنها بالنسبة للمملكة مسألة تتعلق بصميم الأمن القومي السعودي، وهي في الحقيقة أسهل بكثير من الأزمة السورية، بل إن مفتاح الحل في يد المملكة إن رغبت في ذلك في أي وقت، لكن للمملكة رؤيتها وشروطها، وهنا أيضا يمكن لمصر أن تلعب دورًا مقبولًا من كل الأطراف بالخليج وبالداخل اليمني وفي المملكة. ولا تزال الخبرة المصرية في اليمن قابلة للاستفادة بها، كما لا يزال هناك دور يمكن لمصر أن تقوم به، في ظل أي تسوية سلمية للأزمة اليمنية أو في عمليات إعادة البناء.
وفي الحقيقة، فإن هناك مساحات حركة مختلفة ومتعددة أمام البلدين، ويبقى العنصر المفقود حتى الآن هو القرار الاستراتيجي بالعمل معًا لأجل الأمن الوطني لكليهما واستقرار الأزمات بالإقليم واستعادة النظام العربي، على نحو ما نص بيان الرئاسة المصري، والتصريحات الغامضة والمقتضبة لوزيري خارجية البلدين.
فهل نتفاءل بالصمت الذي خلف قمة الرياض بين الرئيس السيسي والملك سلمان أكثر من تفاؤلنا بقمة القاهرة التي رافقها الضجيج؟! وهل ترتقي علاقات البلدين إلى مستوى التخطيط الاستراتيجي الواجب والمفروض؟ وهل يدخل مفهوم توحيد العقيدة السياسية كمدخل ومفهوم جديد في التخطيط الاستراتيجي والعلمي لعلاقات البلدين؟!