ما بعد استهداف بعثة الإمارات فى قندهار.. هل امتدت حروب الوكالة بين إيران ودول الخليج إلى أفغانستان؟
2017-2-5

محمد جمعة
* باحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

حتى الآن لم يتم الكشف عن كافة أبعاد حادث التفجير الإرهابي الذي وقع في العاشر من شهر يناير 2017 في قندهار جنوب أفغانستان، والتي تم خلالها تفجير قنبلة تم زرعها داخل أريكة، أثناء حفل استقبال في قصر ضيافة والي قندهار، هميون عزيزي، ضم أعضاء من البعثة الدبلوماسية الإماراتية في أفغانستان، وعلى رأسهم السفير الإماراتي جمعة محمد عبد الله الكعبي. وقد راح ضحية التفجير الإرهابي أكثر من خمسين شخصا، من بينهم خمسة دبلوماسيين إماراتيين، وإصابة العشرات من بينهم السفير الإماراتي نفسه، ووالي قندهار.

وتعود صعوبة تحقيق واستقصاء كافة أبعاد الحادث، وعلى رأسها الجهة المسئولة عنه، إلى تعقد الوضع السياسي والأمني الداخلي الأفغاني؛ إذ تجمع أفغانستان بين كونها ثاني أعلى دولة من حيث معدلات الإرهاب، حسبما أشار إليه مؤشر الإرهاب الدولى لعام 2016، وكونها أيضا إحدى أكبر ساحات حروب الوكالة بين أطراف إقليمية عديدة.

ولا شك أن معطيات كهذه تفتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات، لتتوجه أصابع الاتهام إلى طيف واسع من الفاعلين داخل أفغانستان وخارجها، بدءا من أجهزة أمنية أفغانية، ومرورا بتنظيمات وحركات إرهابية مثل طالبان أفغانستان، وطالبان باكستان، والقاعدة، وداعش، وجماعة حقاني الباكستانية، وانتهاء بدول إقليمية لديها مصالح عدة، مثل إيران والاستخبارات الباكستانية.

وبشكل عام، يُطرح في هذا الإطار ثلاثة سيناريوهات أساسية، استنادا إلى التقارير الأولية التي نشرت حول الحادث، فضلا عن معطيات الصراع الإٍقليمي القائم وتقاطع المصالح، والذي تمثل الساحة الأفغانية أحد جبهاته المهمة. لكن يجدر التأكيد، قبل عرض هذه السيناريوهات، أن أي منها لا يستند إلى معلومات أو تحليلات قاطعة، فكما يجد كل سيناريو ما يؤيده كبديل، تظل هناك نقاط ضعف تواجه كل منها.

السيناريو الأول: هجوم مشترك لــ"شبكة حقاني" بالتعاون مع أجهزة استخباراتية باكستانية

يؤسس لهذا السيناريو الاتهام الذي وجهه قائد شرطة قندهار الجنرال عبد الرازق (الذي كان موجودا في قصر ضيافة والي قندهار حين وقع الانفجار ونجا منه دون إصابات) لأجهزة المخابرات الباكستانية و"شبكة حقاني"، وهي جماعة متشددة لها صلات قوية بحركة طالبان. إذ ذهب عبد الرازق في اتهامه إلى أن عمالا ربما هرّبوا المتفجرات التي استخدمت في الهجوم خلال أعمال بناء.وأضاف أنه تم بالفعل احتجاز عدد من الأشخاص لاستجوابهم.

وأوضح المسئول الأفغاني في مؤتمر صحافي، أن "شبكة حقاني" الإرهابية وتنظيم "داعش"، يعملان منذ فترة غير قصيرة على ضرب الشخصيات السياسية والقيادية في المحافظة، مُكتفيًا بالقول إن التقارير التي وصلته بعد استهداف مقر والي قندهار تؤكد تلك الاتهامات.

فى الوقت ذاته، أشارت مصادر عدة إلى أن الجنرال عبد الرازق (الذي نجا من أكثر من محاولة اغتيال سابقة) هو رجل واشنطن القوي داخل أفغانستان، وهو ومطلوب لأكثر من جهة، ولهذا ربما كان هو الهدف الأبرز من عملية الاغتيال المعقدة في قندهار. لكن في المقابل، نفى مسئولون باكستانيون مسئولية باكستان عن التفجير، مؤكدين أن هذه الاتهامات يعوزها الدليل.

ومن ناحية أخرى، ألمحت مصادر استخباراتية وبحثية أمريكية (مجموعة ستراتفورSTRATFOR) إلى أن باكستان ربما لديها الآن مصلحة في استهداف مسئولين إماراتيين على خلفية تنامى علاقات الشراكة بين الإمارات والهند (العدو التقليدي لباكستان) في مجالات عديدة، أبرزها مكافحة الإرهاب. فقد أعلنت الإماراتاعتمادها على نيودلهي في التدريب والتسليح وتوسيع التعاون معها في مجال مكافحة الإرهاب داخل الأراضي الإماراتية. كما بدأت أبوظبى في تسليم الهند عناصر مشتبه في تورطها في أعمال إرهابية داخل الهند. وفي المقابل، استمر تدهور العلاقات الإماراتية- الباكستانية في المجال ذاته. وكانت العلاقات الثنائية بين باكستان ودولة الإمارات قد تراجعت في وقت سابق على خلفية رفض إسلام آباد إرسال قوات عسكرية إلى اليمن للمشاركة في التحالف العربي ضد الحوثيين بقيادة المملكة العربية السعودية. آنذاك، انتقد وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، موقف باكستان ووصفها بالصديق غير المعتمد.

ومن المثير للإنتباه، فى هذا السياق، أن عملية قندهار وقعت قبل إسبوعين فقط من زيارة ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الهند، كضيف شرف في يوم الجمهورية الهندي. وقد شهدت تلك الزيارة - التي تمت بالفعل في 24 يناير 2017- مشاركة طائرات حربية إماراتية وهندية في استعراض جوي مشترك.

وقد أشارت صحيفة "إكنوميك تايمز" الهندية Economic Times في عددها الصادر في ٢٠ يناير ٢٠١٧، إلى أن الهند باتت تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى الوجهات الرئيسة لصادرات الأسلحة الهندية في المستقبل. وكشفت الصحيفة عن خطط لاستثمارات إماراتية تقدر حجمها بنحو ٧٥ بليون دولار أمريكي في مجالات البنية التحتية الهندية بجانب التعاون في إنتاج معدات عسكرية وتكنولوجيا الفضاء. وأشارت الصحيفة ذاتها إلى أن شركة L&T الهندية من المنتظر أن تزود الإمارات بمدافع دفاع جوي ذاتية التصويب.

والواقع أن هذا السيناريو يواجه العديد من نقاط الضعف التي لا تجعل منه السيناريو الأرجح. ونشير فيما يلي إلى نقطتين أساسيتين. نقطة الضعف الأولى، أن اختيار "شبكة حقاني" موقع التفجير في قصر ضيافة والي قندهار، وتنفيذ العملية أثناء حفل استقبال لدبلوماسيين إماراتيين، لا يرجح أنه كان يستهدف قائد شرطة قندهار على وجه التحديد. إذ أن فرص أن يودي انفجار قنبلة بحياته في حفل يضم مئات غيره تعتبر ضعيفة. فإذا ما كان الحادث بالفعل يستهدف الجنرال عبد الرازق، ربما كان الأولى أن يكون المسئول عنه أطراف أخرى، على رأسها حركة طالبان. نقطة الضعف الثانية، أن فتور العلاقات بين باكستان والإمارات على خلفية التقارب الهندي – الإماراتي، وفي أعقاب قرار باكستان عدم المشاركة في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن، لا يعني بالضرورة أن تغامر باكستان بمصالحها العديدة المشتركة مع دول الخليج العربي بشكل عام، ودولة الإمارات بشكل خاص، وتتجه نحو استهداف مسئولين إماراتيين داخل الأراضي الأفغانية بهذا الشكل الدموي المستفز، وبهذا المستوى من التصعيد.

السيناريو الثاني: هجوم من قبل حركة طالبان لصالح إيران

يتأسس هذا السيناريو على علاقات إيران بحركة طالبان أفغانستان، وفقا للعديد من التقارير في هذا الشأن. فقد وقع هجوم قندهار بالتزامن مع هجمات أخرى، قُتِلَ وأُصيب فيها العشرات في هلمند وفي العاصمة الأفغانية كابول، حيث فجر انتحاريان نفسيهما أثناء خروج موظفين من مكاتب البرلمان؛ مما أسفر عن مقتل 30 شخصا على الأقل. وأعلنت حركة طالبان تبنيها هجوم كابل. ورغم أن طالبان نفت مسئوليتها عن هجوم قندهار موضوع الدراسة، وألقت باللوم على المسئولين في النزاعات الداخلية، واتهمتهم بالتخطيط للانفجار وتنفيذه، إلا أن العلاقة بين طالبان وإيران التي تمتد لسنوات (رغم إنكارها من جانب طهران) تفتح بابا للتساؤل حول دور محتمل لها في عملية قندهار. أي أنه وفقا لهذا السيناريو فإن استهداف المسئولين الإماراتيين تم بواسطة طالبان أفغانستان ولصالح إيران.

وكان مقتل زعيم حركة طالبان الأفغانية، الملا أخطر منصور، في 21 مايو 2016، في قصف جوي لطائرات أمريكية أثناء عبوره الحدود من إيران إلى باكستان، بمثابة البرهان الذي لا يقبل الشك على وجود علاقات بين إيران وزعماء طالبان. فرغم أن العلاقات بين إيران وطالبان أثناء حكمها لأفغانستان لم تكن جيدة على الإطلاق، إلا أنه يبدو اليوم أن طهران تعيد حساباتها تجاه طالبان في اتجاه استخدام الأخيرة كورقة مهمة في إدارة صراعاتها الإٍقليمية.

وكانت صحيفة "وال ستريت" الأمريكية The Wall Street Journal، قد نشرت تقريرا في يونيو 2015، يفيد أن طهران قد زادت من حجم تمويلاتها وإمداداتها من الأسلحة لصالح حركة طالبان. ووصل هذا الدعم إلى تدريب كوادر الحركة ومقاتليها. بالإضافة إلى ذلك، قام وفد من حركة طالبان، في مايو 2015، بقيادة محمد طيب أغا - المقرب جدا من الملا عمر- بزيارة إيران وأجرى خلالها محادثات مع القادة الإيرانيين. ليس هذا فحسب، إذ أشارت تقارير أخرى (وإن كانت غير مؤكدة) إلى أن حركة طالبان قامت في عام 2012 بفتح مكتب في مدينة "زهدان" الإيرانية. كما نشير أيضا إلى أن شرطة الحدود الأفغانية في عام 2007 كانت قد صادرت شحنة ألغام أرضية يعتقد أنها كانت مرسلة من قبل إيران لصالح طالبان.

ويعزز من فرص هذا السيناريو أن وضع طالبان اليوم داخل أفغانستان بات قويا، بما لا يُقاس بمستويات ما قبل الانسحاب الأمريكي الجزئي من أفغانستان، حيث أصبح بإمكان عناصر طالبان الوصول بسهولة إلى مقرات حكومية ودبلوماسية أفغانية واستهدافها. وجاء في تقرير أصدره المفتش العام الأمريكي لإعادة إعمار أفغانستان، جون سوبكو، في منتصف يناير ٢٠١٧ أن الشرطة والجيش الأفغانيين خسرا آلاف العناصر في المعارك ضد حركة طالبان منذ أن أنهى شمال الأطلنطي (ناتو) مهمته القتالية في أفغانستان في أواخر عام 2014، وأن 63.4% من الولايات الأفغانية كانت تحت سيطرة أو نفوذ الحكومة المركزية في نهاية أغسطس (آب)، مقابل 70.5% في مطلع 2016. وعلق سوبكو بالقول: "أقل ما يمكن قوله إن الجيش الأفغاني يكتفي بخط دفاعي ولا يهاجم بنفسه طالبان".

ورأى سوبكو أن القادة العسكريين الأفغان ما زالوا يخفون الحقائق بشأن الحجم الفعلي لقواتهم، ويتقاضون أجور عشرات الآلاف من الجنود الوهميين الذين لا وجود لهم إلا على الورق. وأضاف: "إن الفساد متفشي في صفوف القوات الأفغانية إلى حد أن قادة طالبان يوصون قواتهم بشراء الأسلحة والوقود والذخائر التي يحتاجون إليها مباشرة من الجنود"، إذ يظل هذا المصدر- على حد وصف سوبكو- هو الأسهل والأقل تكلفة بالنسبة لطالبان.

لكن في المقابل، يواجه هذا السيناريو العديد من نقاط الضعفالتي تقلل من احتمالات ضلوع طالبان في هذا العمل الإرهابي. أبرز نقاط الضعف تلك هو نفي حركة طالبان ذاتها وبشدة مسئوليتها عن الحادث؛ فلم تكن حركة طالبان لتستهدف مسئولي دولة (أى الإمارات) كانت إحدى ثلاث دول فقط اعترفت بحكومة طالبان في أفغانستان في التسعينيات. كما أن التقدير لطبيعة علاقتها بإيران لا يسمح بأن تقوم طالبان بلعب دور "الوكيل" الإيراني في أفغانستان. والأرجح، أنها علاقة نفعية بارجماتية، تحصل بموجبها طالبان من إيران على قدر من الدعم والمصالح، مقابل بقاء طالبان قوة قادرة على كبح تمدد تنظيم "داعش" داخل أفغانستان، وشوكة في ظهر الولايات المتحدة وحكومة أفغانستان الموالية لها. ولن تتعدى يوما هذا النطاق؛ إذ سيبقى الإثنان على طرفي نقيض من الناحية الأيديولوجية والمذهبية.  

السيناريو الثالث: هجوم من قبل وكلاء شيعة لصالح إيران

يؤسس لهذا السيناريو العلاقات الإيرانية مع الأقلية الشيعية الأفغانية، ومحاولات إيران التغلغل داخل أفغانستان استنادا إلى تلك العلاقات. ويقر المسئولون الأفغان علنا بدور إيران ومحاولاتها التغلغل داخل أفغانستان لملء الفراغ الناجم عن تخفيض حجم القوات الأجنبية في أفغانستان. وفي هذا الإطار، يذهب مسئولون أفغان وجهات إعلامية عديدة أن نحو ثلث وسائل الإعلام في أفغانستان تحظى بدعم إيراني، سواء دعم مالي أو من خلال تقديم المحتوى. الأخطر من ذلك، أن إيران أسست بالفعل في أفغانستان أذرعا عسكرية، تعمل لصالحها داخل وخارج أفغانستان؛ فقد جندت خلال السنوات الماضية آلاف الأفغان الشيعة كمرتزقة للقتال داخل صفوف ما يسمى بميليشيات "فاطميون"، التي أرسلت كثيرا من عناصرها للقتال في سوريا إلى جانب قوات الرئيس بشار الأسد.

من ناحية أخرى، تتمتع إيران بنفوذ قوي في مدينة قندهار تحديدا؛ فقبل أيام من تنفيذ هذا التفجير افتتحت طهران في المدينة معرضا لمنتجاتها التجارية على مدى 3 أيام بمشاركة 40 شركة معظمها تتبع القطاع الحكومي الإيراني.

على ضوء المعطيات السابقة، ربما تكون طهران أكثر المستفيدين من هذا الحادث. وربما عمدت إلى تحريك بعض عناصرها المسلحة داخل أفغانستان لاستهداف مسئولين إماراتيين، لسببين على الأقل كلاهما مرتبط بصراع النفوذ الإقليمي بين إيران ودول الخليج. الأول يتعلق باستعراض إيران أذرعها المسلحة التي يمكن أن تطال خصومها داخل سوريا واليمن، في مواضع كثيرة، لا تقتصر على ساحات حروب الوكالة التقليدية بين الطرفين، مثل الساحتين السورية واليمنية. الثاني، توجه ضربات موجعة إلى  دول الخليج تدفعها إلى التخلي عن دورها الإغاثي في أفغانستان، وترك الساحة الأفغانية لطهران لتوظفها كقاعدة إعداد وتدريب لمجموعات قد تستخدمها في صراعها مع دول الإقليم، خاصة في اليمن وسوريا. وربما أيضا، تكون قد استعانت بعنصر أو عناصر قليلة تتبع حركة طالبان - المتغلغلة داخل أجهزة الأمن والجيش الأفغاني – لتنفيذ عملية قندهار، على هذا المستوى المتقدم من جهة الإعداد والتنفيذ. وإن كان يظل من المستبعد أن يكون الحادث قد تم بعلم وتنفيذ قيادات حركة طالبان على نحو ما أوردنا في النقطة السابقة.

وهكذا، فإن أي من هذه السيناريوهات، ورغم ما يدعم كل منها عدد من الأسانيد، فإنها تواجه في الوقت ذاته عددا من نقاط الضعف التي لا يمكن إغفالها. لكن تظل القيمة التحليلية لهذه السيناريوهات أنها تفتح المجال أمام فهم أكثر وضوحا لتعقيدات سياسات القوى الإٍقليمية في منطقة الخليج وجنوبي آسيا، وإمكانات نقل الصراع بين هذه القوى إلى الساحة الأفغانية التي ظلت لفترة طويلة- ولازالت- ساحة لإدارة الصراع بين الهند وباكستان، وربما تتحول إلى ساحة إضافية لإدارة الصراع المتنامي بين دول الخليج العربي وإيران.


رابط دائم: