تشير التقارير والأخبار القادمة من اليمن أن عملية الرمح الذهبي، والتي تسعى للسيطرة علي مدن الساحل الغربي المطلة علي البحر الأحمر، بدأت تحرز تقدما ميدانيا، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن أهداف عملية الرمح الذهبي، وهل تؤدي لانتصار الشرعية والتحالف العربي وهزيمة الحوثيين؟ فعلى الرغم من استمرار الحرب في اليمن لما يقرب من عامين، فقد استحكمت موازين ومعادلات القوة وعرقلت إنهاءها لمصلحة أي طرف، واستمرت الضربات الجوية للتحالف العربي مع عمليات عسكرية محدودة لم تسفر عن حصاد عسكري كبير أو تحول سياسي على الأرض، مع جولات تفاوضية بلا عائد، وهكذا استمر المشهد اليمني يتأرجح بين تسوية سياسية متعثرة وحسم عسكري مفقود.
وعلى مدى عام 2016 أكدت قوات الشرعية والتحالف العربي قرب معركة صنعاء، ولم تقع المعركة، وتكرر ذلك، بشكل أفقد التهديد قيمته الردعية لدى الحوثيين وأنصار صالح. لكن شهر يناير 2017 شهد ملامح تقدم عسكري للجيش الوطني والمقاومة الشعبية على جبهات متعددة منها: الجوف والمصلوب والساحل الغربي بتعز، وعلب وصرواح ومنطقة نهم على مشارف صنعاء، وبيحان بمحافظة شبوة، ومناطق من صعدة (مركز الحوثيين)، وذلك بالترافق مع إعلان قوات الشرعية عن بسط سيطرتها على منافذ الوديعة والطوال وعلب والبقع الحدودية، والسيطرة على مديرية ذباب والوقوف على بعد كيلومترات من مدينة المخا الساحلية ومينائها الاستراتيجي. ويبدو أن توقيت العملية قد جرت دراسته بدقة؛ حيث أنها انطلقت مع نهاية إدارة أوباما وتسلم إدارة ترامب التي ستظل مشغولة لأشهر حتى تستوعب الملفات الخارجية.
وجريا على ما جرى صكه سابقا عن سوريا المفيدة، يبدو أن عملية الرمح الذهبي تستهدف السيطرة على المفاصل الحيوية ومراكز النفوذ والإمداد الأساسية للحوثي وصالح، والسيطرة على ما يمكن تسميته أيضا بـ (اليمن المفيدة)، التي تتمثل في: الموانئ البحرية والمدن الساحلية الاستراتيجية على السواحل الغربية المطلة على البحر الأحمر، علاوة على السواحل الجنوبية التي جرى السيطرة عليها سابقا، وهو ما يحرم الحوثيين وأنصار صالح من الإمداد العسكري أو الإطلالة على الخارج.
مع ذلك، فالأرجح أن هذه العملية العسكرية لا تستهدف إلحاق الهزيمة الشاملة بالحوثيين، أو إحراز انتصار عسكري شامل؛ فهذا أمر دونه عراقيل كثيرة، ولكنها تستهدف تحريك الموقف السياسي وتحسين شروط التفاوض وكسر النوبات المعتادة للتأرجح بين التسوية والحرب، ومن ثم التهيئة لجولة من التفاوض يقدم فيها الحوثي على تنازلات مؤلمة. ففي جولات التفاوض السابقة، كان يجري وقف النار، ولكن تحت مظلة التفاوض، يتمكن الحوثيون من التقاط الأنفاس ويعيدون ترتيب أوراقهم، ويدخلون الجولة التالية من الحرب بوضع أكثر قوة، وبالمقابل يخسر التحالف مرتين؛ إحداهما لفشل التفاوض، والثانية للعودة إلى المربع الأول في المعارك. ومع عملية الرمح الذهبي يعيد الرئيس منصور هادي وحكومته أنفسهم إلى قلب المشهد العسكري والسياسي والإمساك بخيوط الشرعية.
ويمكن القول أن عملية الرمح الذهبي، أتت بعدد من المكاسب حتى الآن؛ حيث استعادت الحكومة الشرعية وضعيتها التفاوضية، وبعد أن جرى تجاهلها في مبادرة كيري، عاد المبعوث الأممي ليعرض بنودا جديدة على الرئيس اليمني، على خلاف البنود التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي، الذي تجاهل هادي وحكومته تماما.
وأهم جديد في عملية الرمح الذهبي أنها تتعامل بواقعية مع الحرب بالمنطق وبالحسابات العسكرية؛ فمنذ مارس 2015، لم يأخذ متخذوا قرار عاصفة الحزم في حسبانهم احتمال أن تطول الحرب، وأن تنتهي إلى حالة استنزافية لقدرات التحالف، مع وضع سياسي يشير إلى العجز عن هزيمة ميليشيات صمدت أمام تحالف عسكري عربي بأكمله، ومن ثم ظل إيقاع الحرب يفاجئ دول التحالف بما لم يكونوا مستعدين له، وظلوا مجبرين على الاستمرار فيها على الرغم من إدراكهم لوجود بعض جوانب القصور والخطأ. لكن مع عملية الرمح الذهبي يتعامل التحالف بمنطق يبدو مدركا لأهمية إدارة الحرب بالمنطق العسكري وبالحسابات العسكرية، وهو ما يقلبها من حرب استنزاف لطرف واحد هو التحالف، إلى حرب تستهدف استنزاف قدرات الحوثي على الصبر والصمود، وسحب البساط عن موقفه السياسي وعقيدته المذهبية.
وفي النهاية، يبقى هناك مسار مهم يمكنه أن يعزز الشرعية اليمنية وموقف التحالف العربي وأن يزيد من سحب البساط من تحت أقدام الحوثي؛ وهو السعي إلى اجتذاب مزيد من اليمنيين نحو هدف الحياة والعيش وتحسين الوضع الاقتصادي، وهو ما يتحقق جزئيا من خلال إعلان الحكومة عن صرف رواتب الموظفين بالمرافق والجهات الحكومية (يبلغ عدد موظفي الدولة في اليمن ثمانمائة ألف موظف)، وكانت الرواتب قد توقفت من أغسطس 2016.
إن قرارا من هذا القبيل يمكن أن يدفع عددا أكبر من اليمنيين إلى معسكر الشرعية، وهو أمر لو استمر -إلى جانب الضغط العسكري- قد ينتهي إلى تصدعات مفاجئة في جبهة الحوثيين، تقلب المعادلات التي استقرت وحالت دون وضع حد للحرب على مدى العامين الماضيين.