توتر أو تأزم العلاقات الأمريكية الإسرائيلية كان الملمح الأساسي الذي يلخص مسيرة تلك العلاقات خلال فترتي الرئيس الأمريكي باراك أوباما. دون أن يعني ذلك أن تلك العلاقات كانت معرضة للانكسار، فالدعم الأمريكي لإسرائيل استمر وربما بشكل يفوق فترات سابقة. فالخلاف الشخصي بين نيتنياهو وأوباما كان حاضرا ومسيطرا، وتعمق الخلاف في وجهات النظر بينهما بشأن ملفي عملية التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي وملف إيران النووي. وفي هذا الإطار توصل أوباما لاتفاق مع إيران تعارضه إسرائيل، بينما نجح نيتنياهو في أن يجعل من أوباما أول رئيس منذ عهد الرئيس جونسون لا يحقّق أي إنجاز أو حتى يُحرز تقدّماً باتجاه تحقيق السلام العربي-الإسرائيلي أثناء فترة رئاسته على حد تعبير "روبرت ساتلوف".
وكان من الواضح أن أوباما ونيتنياهو قد فشلا في إبقاء هذا الخلاف حبيسا في الغرف المغلقة. حيث كانت قمة الإعلان عن ذلك الخلاف هي خطاب نيتنياهو أمام مجلس الشيوخ دون رغبة أوباما قبيل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة. وقد رأي آرون ديفيد ميلر، من مركز ويلسون في واشنطن، أن ذلك الخطاب "صنع شقاقا"، وأفسح المجال لتوجيه درجة من الانتقادات لإسرائيل لم أرها من قبل خلال العمل في وزارة الخارجية على مدار أكثر من 20 عاما". وأضاف واصفا العلاقات الأمريكية الإسرائيلية "لم أر العلاقات تتدهور بهذا الشكل من قبل، وهو دمار شديد". بل إن هناك من رأي أن فترة حكم أوباما ستسجل باعتبارها شهدت أسوأ لحظة في العلاقة بين رئيس أميركي ورئيس حكومة إسرائيلية على الإطلاق. ويرى الكاتب الإسرائيلي شاي فيلدمان الذي كان مديرا لمركز جافي الإسرائيلي أن الخلاف بين نيتنياهو وأوباما يرجع لاختلاف رؤية كل منهما لمصالح إسرائيل، إذ أن "أوباما يهتم كثيرا بأمن وبقاء إسرائيل"، وهو ما تمثل بالفعل في الدعم المالي والعسكري والسياسي الذي حظيت به إسرائيل في عهد أوباما، الذي عمل على ما يبدو طبقا لمقولة أمريكية قديمة مفادها ضرورة "إنقاذ إسرائيل رغم أنفها".
ومع مغادرة أوباما ووصول الرئيس دونالد ترامب، والترحيب الذي أبدته إسرائيل بفوز ترامب أصبح التساؤل عن مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في ظل إدارة ترامب أحد أهم الأسئلة المطروحة في المنطقة. إذ أن مستوى تلك العلاقات يحدد إلى حد بعيد أو بالأحرى يضع بوصلة الصراع العربي الإسرائيلي. وفي الواقع، فإنه يمكن توقع أن العلاقات على المستوى الفعلي من حيث الدعم المادي ستستمر وربما بأفضل مما كانت عليه في عهد أوباما، فالعلاقات على هذا المستوى تمثل أحد ثوابت السياسة الأمريكية التي لا يصعب تصور إمكانية الاقتراب منها. ولكن الأهم أن العلاقات الطبيعية بينه وبين نيتنياهو ستكون على الأرجح أفضل من أي مرحلة سابقة. إذ سيعود الدفء إليها وستكون علاقات حميمية بما تعنيه الكلمة من معنى. ذلك أن نيتيناهو وترامب يتبادلان الإعجاب الشخصي وقد دعم كل منهما الأخر في الانتخابات التي أدت به إلى سدة الحكم. فقد حظى نيتنياهو في انتخابات 2013 بدعم واضح من ترامب، الذي رأي فيه "شخص مميز، ناجح، يحظى باحترام الآخرين، ويقدره الجميع، لذلك عليكم أن تختاروا بنيامين نتنياهو فهو رجل رائع، زعيم ممتاز، وجيد ليكون رئيس حكومة إسرائيل". أما نيتيناهو فوصف ترامب فور فوزه في الانتخابات بالصديق الكبير أو العظيم لإسرائيل، ثم أكد في 10 ديسمبر 2016 أن ترامب لديه مشاعر دافئة جدا تجاه الشعب اليهودي والدولة اليهودية، وقال "أعرفه جيدا ومواقفه تجاه إسرائيل واضحة جدا ليس هناك شك في أن موقفه تجاه إسرائيل واليهود هو إيجابي". هذه العلاقة الشخصية ستلعب دور المسهل catalyst لعلاقة أكثر إيجابية بين إسرائيل والولايات المتحدة، وتفهما أكبر لمواقف ووجهات النظر الإسرائيلية في العديد من الملفات.
هذا علاوة على أن ترامب ونيتنياهو يعبران عن وجهات نظر متقاربة على الأقل في الملفين الخلافيين وهما عملية التسوية السلمية وملف إيران النووي. وسيعمل نيتنياهو على إعادة فتح ملف إيران النووي مع ترامب انطلاقا من رؤية ترامب للاتفاق الذي تم التوصل إليه والذي يراه ترامب "الأسوأ على الإطلاق". وفيما يتعلق بعملية التسوية فمن الواضح أن رؤية ترامب تكاد تتطابق مع نيتنياهو فيما يتعلق بالمستوطنات، بل إنه اختار دايفيد فريدمان سفيراً أمريكياً لدى "إسرائيل" المؤيد للاستيطان، والمعارض لحل الدولتين، ورأت مجلة "تايم" أن ترامب تخلى بهذا الاختيار عن ممارسة دور الوسيط النزيه في عملية السلام. وأنه بذلك يوطد التحالف بين اليمين الأمريكي واليمين "الإسرائيلي"، ويعزز علاقته بنتنياهو، على حساب عملية السلام وحل الدولتين. وخلصت المجلة إلى أن خيار ترامب يناسب نتنياهو "كما يتناسب القفل مع مفتاحه".
خلاصة القول أن ترامب بإعجابه بإسرائيل ورئيس وزرائها والداعم لمستوطناتها حتى قبل أن يدخل البيت الأبيض ترشحه لأن ينقل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لمرحلة أكثر حميمية، أو بالأحرى، الأكثر حميمية على الإطلاق.