تبدي إيران اهتمامًا خاصًا بالمحادثات التي سوف تجري بين النظام السوري وبعض الفصائل المسلحة في الأستانة خلال الفترة من 23 وحتى 25 يناير 2017 ، وذلك لاعتبارين رئيسيين: يتمثل أولهما، في أن إيران كانت إحدى القوى الإقليمية التي شاركت في مرحلة الإعداد لانعقاد تلك المحادثات، في ضوء التفاهمات التي جرت بينها وبين كل من تركيا وروسيا، قبل انتهاء معركة حلب، وهى التفاهمات التي توجت بإصدار الدول الثلاث إعلان موسكو في 20 ديسمبر 2016.
ويتعلق ثانيهما، بأن تلك المحادثات تسبق بأسبوعين انعقاد مفاوضات جديدة بين النظام والمعارضة في جنيف في 8 فبراير 2017، بما يعني أنها سوف تمثل، في الغالب، اختبارًا حقيقيًا لمدى إمكانية الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية في الفترة الحالية، أو بمعنى أدق مدى إمكانية الخروج من مفاوضات جنيف بنتائج إيجابية تعزز من فرص الوصول إلى تلك التسوية بعد اقتراب الأزمة السورية من افتتاح عامها السابع في مارس 2017.
لكن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن إيران تتبنى سياسة حذرة تجاه النتائج المحتملة لتلك المفاوضات، خاصة في ظل إدراكها لوجود مساحات من التباين مع روسيا وتركيا، وهو التباين الذي بدا جليًا في مواقف الأطراف الثلاثة من دعوة الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في محادثات الأستانة. ففي الوقت الذي دعمت فيه كل من موسكو وأنقرة هذا الاتجاه، بل إن تقارير عديدة أشارت إلى أن الأولى قامت فعلا بتوجيه دعوة للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، فإن إيران عبرت عن رفضها لذلك، على لسان أكثر من مسئول.
وقد استندت إيران في هذا السياق إلى أنه من الأفضل خلال الفترة الحالية عدم توسيع نطاق المشاركة الدولية أو الإقليمية من أجل دعم فرص تحقيق نتائج إيجابية في المحادثات. لكن ذلك لا ينفي أن ثمة أسبابًا أخرى ربما دفعت إيران إلى تبني هذا الموقف: ينصرف أولها، إلى أن إيران تفضل في الوقت الحالي منح الإدارة الأمريكية الجديدة مزيدًا من الوقت لبلورة سياستها الجديدة تجاه الملفات الإقليمية المختلفة، قبل أن تتحول إلى طرف فاعل في تلك الملفات. وبعبارة أخرى، فإن إيران تفضل عدم التعجل في الحكم على سياسات الإدارة الجديدة قبل أن تبدأ في التعامل مع الملفات الإقليمية في الشرق الأوسط بالفعل.
ومن دون شك، فإن اهتمام طهران بذلك يعود إلى سعيها لاستشراف معالم المواقف التي سوف تتخذها تلك الإدارة تجاهها، ولا سيما فيما يتعلق بالملف النووي، الذي دعا ترامب وبعض أركان إدارته الجديدة إلى إعادة التفاوض عليه من جديد بعد أن وجهوا انتقادات قوية لإدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما بسببه. وبمعنى آخر، فإن إيران لا تريد منح إدارة ترامب ورقة إقليمية جديدة قبل أن تتضح معالم السياسة التي سوف تتبناها إزاءها.
ويتمثل ثانيها، في أن طهران ربما لا تستبعد احتمال اتجاه روسيا إلى دعم فرص الوصول لتفاهمات مع إدارة ترامب حول الملف السوري، بشكل قد لا يتوافق مع مصالحها، وهو ما يبدو أنه دفعها إلى محاولة عرقلة ذلك قبل انعقاد المحادثات بالفعل.
أما ثالثها، فيتعلق بمحاولة إيران توجيه رسائل إلى كل من روسيا وتركيا بأنها طرف رئيسي في الجهود المبذولة حاليًا للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، وأنه لا يمكن استبعادها أو تجاهل مصالحها في أية ترتيبات سياسية أو أمنية قد تتفق الدولتان عليها.
فيما يتصل رابعها، بأن السماح بمشاركة واشنطن سوف يفتح الباب أمام دعوة أطراف إقليمية أخرى، على غرار السعودية وقطر، والتي تتباين سياستها بشكل كبير مع سياسة إيران. وقد أشارت تقارير إلى أنه تمت دعوة قطر بالفعل للمشاركة في المحادثات، قبل أن تنفي الدوحة ذلك.
ومع ذلك، فإن موقف إيران المتشدد تجاه مشاركة إدارة ترامب في محادثات الأستانة ربما لا يعبر عن سياسة مستقرة من جانب الأولى، التي ربما تكون في أشد الحاجة حاليًا للوصول إلى تفاهمات مع إدارة ترامب، رغم التهديدات التي توجهها الأخيرة باستمرار ضد طهران، باعتبار أن المواجهة مع تلك الإدارة لا يبدو أنها تمثل الخيار الأفضل بالنسبة لطهران حاليًا، رغم أنها تعلن غير ذلك.