قام خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، بزيارة حاملة الطائرات الروسية "أدميرال كوزنيتسوف" قرب سواحل طبرق، حيث أن حاملة الطائرات كانت في طريق عودتها لروسيا بعد تقديم دعم عسكري لقوات بشار الأسد في سوريا. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن خليفة حفتر عقد اجتماعا مع وزير الدفاع الروسي من خلال الفيديو أثناء زيارته لحاملة الطائرات، ودار النقاش حول أهمية التنسيق لمواجهة الجماعات الإرهابية في ليبيا. وقد تبدو هذه الزيارة مفاجئة للبعض، خاصة وأن روسيا لم تكن من الفاعلين النشطين في ليبيا علي مدار الأعوام الماضية، ولكن جاءت هذه الزيارة بعد زيارة أخرى لخليفة حفتر لموسكو في نوفمبر ٢٠١٦، وبالتالي جاءت زيارة خليفة حفتر لحاملة الطائرات الروسية بالأمس لتؤكد علي نقطتين، الأولي هي "تدويل" خليفة حفتر كالقائد الشرعي للجيش الوطني الليبي، وهو القوة العسكرية الوحيدة التي تحظى بشرعية الدولة وفقاً لكل حلفاء حفتر داخل ليبيا أو خارجها، والنقطة الثانية هي توجه روسيا لبناء تحالفات جديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والبحث عن حلفاء جدد خاصة في المناطق التي تشهد نزاعات عسكرية.
وبناء عليه، يعد خليفة حفتر أحد الأدوات التي تعتمد عليها روسيا في تحقيق مصالحها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فمن ناحية، سيكون حجم التعاون العسكري بين روسيا وليبيا في ظل وجود خليفة حفتر كبير، ومن ناحية أخرى، يضمن خليفة حفتر لروسيا تواجدها الاستراتيجي في شمال أفريقيا بشكل مستمر، خاصة بعد أن عقدت روسيا تحالفات مع كل من سوريا ومصر، وبالتالي يعد زيادة حجم النفوذ الروسي في ليبيا تمدداً لتواجد روسيا في المنطقة ككل. كما أن هناك عدد من المصالح التي تسعى روسيا لتأمينها في ليبيا، كالتعاون في مجال التسليح والطاقة، وهو ما يتطلب وجود استقرار سياسي داخل ليبيا، ومن ثم، ترى روسيا أن خليفة حفتر هو القادر علي تحقيق هذا الاستقرار من خلال بسط النفوذ العسكري بالتنسيق مع الدعم السياسي من الداخل كمجلس النواب في طبرق أو من الخارج كمصر والإمارات العربية المتحدة. وتطرح هذه النقطة عدد من التساؤلات، لعل أهمها هو تحديد نمط التدخل الروسي في مناطق الصراع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقدرة خليفة حفتر علي أداء الدور المتوقع منه من قبل القوى الغربية والإقليمية.
من الواضح أن روسيا بدأت تتبنى نمطاً واحداً من التدخل إزاء مناطق الصراع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو التدخل بهدف تمكين فصيل سياسي من حسم المعركة، سواء كان ذلك من خلال آليات عسكرية أو سياسية. وبالتالي، لا يمكن النظر للدور الروسي في مكافحة الإرهاب في سوريا ومحاربة تنظيم داعش بمعزل عن دعم روسيا لبشار الأسد كخيار سياسي، وهو النمط الذي يتكرر في ليبيا مع خليفة حفتر. ولكن إلى الآن تظل الآلية المستخدمة في ليبيا مختلفة عن تلك التي استخدمت في سوريا، فروسيا لم تتدخل عسكريا بشكل مباشر في ليبيا حتي الآن، وتظل عملية التسوية السياسية هي الآلية الأكثر اقناعاً لروسيا في الحالة الليبية. لذلك يبدو الضغط لتعديل بنود اتفاق الصخيرات الخاصة بوضع القوات المسلحة داخل هيكل الدولة هو التحرك الأنسب لروسيا في الوقت الحالي.
علي الجانب الآخر، تبقى النقطة الأكثر أهمية هي قدرة خليفة حفتر علي لعب الدور الذي تدعمه وتعده عدد من القوى الإقليمية والدولية للعبه. خليفة حفتر استطاع خلال الفترة الماضية أن يؤكد علي كونه جزءاً من القرار السياسي في شرق ليبيا، فبالرغم من أن حفتر لم ينتهي من قتال العناصر الإرهابية المتعددة الموجودة في بنغازي، ولم يتمكن من التقدم غرباً أو من القضاء علي تنظيم داعش في سرت، ولكنه يظل واقعاً سياسياً وعسكرياً لا يمكن تجاهله. ولكن علي الرغم من قدرة حفتر علي البقاء كأحد اهم الفاعلين في شرق ليبيا، إلا أن الدور المتوقع من خليفة حفتر يحتاج للتفكير في إطار هيكلي للقوى العسكرية داخل الدولة في ليبيا، فتظل هناك العديد من النقاط العالقة حول قدرة خليفة حفتر علي فرض الجيش الوطني الليبي كالقوة العسكرية الوحيدة في البلاد، أو علي قدرة الجيش الوطني الليبي علي استيعاب سائر القوى العسكرية الموجودة في شرق وغرب ليبيا داخل هيكله، وهو ما يبدو شديد الصعوبة في الفترة الحالية.
في النهاية تظل روسيا داعمة لخليفة حفتر كأحد حلفاء روسيا في المنطقة، وبالرغم من الاعتماد علي الآلية السياسية في ليبيا في المرحلة الحالية، إلا أنه من الممكن أن تتحول هذه الآلية لآلية عسكرية في المستقبل.