تشكل زيارة سلفا كير للقاهرة تحولا مهما في توازنات القوي بشرق إفريقيا نتيجة الانخراط المصري المتزايد في قضايا هذه المنطقة. وتبدو مظاهر هذا التحول في الإصرار المصري علي المشاركة في قوات حفظ السلام الإضافية بجنوب السودان، والمقرة من جانب مجلس الأمن، وذلك علي الرغم من المقاومة الإثيوبية للمشاركة المصرية، وهي التي استأثرت بالمشاركة في هذا القوات بجنوب السودان، بل أن أديس أبابا منفردة تشارك ب٤٢٠٠ عنصر علي الحدود بين دولتي السودان بعد الصراع المسلح بينهما خلال ٢٠١٢.
وتجيء هذه الخطوة بعد أن عرض الرئيس عبد الفتاح السيسي إمكانية استضافة مؤتمر بالقاهرة لقضايا جنوب السودان أثناء كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ثم قام بزيارة خاطفة لأوغندا مؤخرا كان جنوب السودان وأوضاعه الشاملة بندا أساسيا علي مائدة مباحثات السيسي والرئيس الأوغندي يوري موسفيني.
وفي هذا السياق تسعي القاهرة الي مقاومة اتجاها دوليا له جذور أمريكية تريد وضع جنوب السودان تحت الوصاية الدولية نتيجة استمرار الصراع المسلح فيها، وهي خطوة تجيء بعد عجز قوات أفريكوم الأمريكية أن تتواجد بجنوب السودان.
وفي هذا السياق، فإن الاستقرار السياسي بجنوب السودان يعد أولوية مصرية، حتي يتم سد الذرائع الدولية بهذا الصدد، وذلك علي أسس التوافق السياسي بين جميع الأطراف طبقا لاتفاقية السلام تم توقيعها في أغسطس ٢٠١٥ بين طرفي النزاع المسلح، وهما حكومة جنوب السودان بقيادة سلفا كير ونائبه الأول رياك مشار الموجود حاليا بجنوب إفريقيا بعد أن خسر هذه الجولة من النزاع، والتي ربما تتجدد كون هذا الصراع له أبعاد قبلية وتاريخية، وتسبب هذا الصراع في هروب مئات الآلاف من مواطني جنوب السودان الي دول الجوار.ولعل هذه الأوضاع الحرجة هي التي دفعت الأمم المتحدة لإطلاق تحذير بامكانية أن ينحدر الصراع في جنوب السودان الي مستوي الإبادة الجماعية علي أسس قبلية وعرقية.
ويبدو أن القاهرة باتت تدرك أن الانقسامات في دولتي السودان تستلزم حساسية مفرطة في التعامل مع كافة الأطراف، وأن الاعتراف بكافة الأطراف السياسية أو القبلية، أصبح لازما لتنشيط المساندة المصرية للأوضاع الحرجة في كلتا الدولتين، وهو ما عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السياسي في كلمته بالمؤتمر الصحفي مع الرئيس سلفا كير بالقاهرةأمس أو في كلمته أمام مؤتمر ختام الحوار السياسي بالخرطوم في أكتوبر ٢٠١٦.
وطبقا لذلك، تساند القاهرة فكرة مضي الحكومة الانتقالية في جنوب السودان بتنفيذ اتفاق السلام، مع الأخذ بالاعتبار أهمية إقامة حوار وطني يزيل الاحتقان الناتج عن الصراع المسلح الممتد علي مدي عامين تقريبا.
ولا تكتفي القاهرة في هذه الآونة بالتفاعل علي المستوي السياسي والأمني في قضايا شرق إفريقيا عموما ودول حوض النيل خصوصا، ولكنها تقدم أيضا مساعدات ومنح لها طابع تنموي، حيث يحظى جنوب السودان بمنح تعليمية لطلابه بلغ مجموعها ٦٠٠٠ منحة خلال عام ٢٠١٦، كما تقدم مصر مساعدات لبناء محطات الكهرباء، و المساعدة في بناء القدرات في مجالات الري والزراعة والتعليم، كما أنه من المنتظر انشاء جامعة مصرية بجنوب السودان وتطوير مستشفى مصري يقدم العلاج بالمجان. ولعل تحقيق الأمن والاستقرار السياسي بجنوب السودان كفيل بتأمين تواجد مصري فاعل في مجالات تطوير البنية التحتية علي كافة أنواعها، هو الشرط الذي يبدو لازما في هذه المرحلة لتطوير وتنمية جنوب السودان.