قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات دولية 2016-12-29
سعيد عكاشة

خبير مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

وتعتبر مواسم الانتخابات سواء الرئاسية أو التشريعية بمثابة سباق بين مراكز إجراء الاستطلاعات حول من سيكون الأقدر على إثبات أن منهجيته ووسائله في إجراء الاستطلاعات هي الأجدر بالثقة.
تجارب كثيرة تؤكد ان الثقة بالاستطلاعات تبدو قليلة حتي في دول بها مراكز متخصصة ولها سمعتها في هذا المجال، فعلى سبيل المثال عبر الرئيس الأسرائيلي الأسبق شيمون بيريتس عن إحباطه من هذه الاستطلاعات بقوله "إن استطلاعات الرأي مثل العطور من الجميل أن  تشمها، ولكن من الخطر ابتلاعها"، وكان ذلك تعقيبا على خسارته انتخابات عام 1996 التي جرت بينه بوصفه مرشحا عن حزب العمل لرئاسة الحكومة وبين خصمه بنيامين ناتانياهو ( رئيس الحكومة الحالي ) ومرشح الليكود في هذه الانتخابات.
أيضا ورغم فوز جورج بوش الابن بالانتخابات الرئاسية عن الحزب الجمهوري الأمريكي في عام 2000 في مواجهة منافسه مرشح الحزب الديمقراطي (آل جور)، إلا أن فريقه في الحملة الأنتخابية آنذاك (كانت نتائج  الاستطلاعات تعطي مرشحهم حتي قبل 72 ساعة فقط من إجراء الانتخابات تفوقا بفارق 6? عن منافسه الديمقراطي)، فوجئ بتفوق آل جور بنحو نصف مليون صوت في التصويت العام حتي رغم خسارته في المجمع الأنتخابي بفارق بسيط استدعي تأخير اعلان النتائج الرسمية للانتخابات لعدة أسابيع بسبب الخلاف حول النتائج الفعلية للتصويت في ولاية فلوريدا . 
ان عدم تطابق او اقتراب نتائج الاستطلاعات من نتائج التصويت الفعلي يمكن ان يعزي لعدة عوامل : فبالإضافة لحقيقة أن مؤسسات إجراء الاستطلاعات لا يمكن الوثوق بحياديتها كونها في النهاية مؤسسات خاضعة لنفوذ من يقومون بتمويلها والذين بدورهم لهم انحيازاتهم السياسية والاجتماعية، إذ يمكن للثقافة المجتمعية أو شخصية رجل الشارع العادي أن تلعب دورا في تقديم نتائج زائفة أيضا.

فعلى سبيل المثال وحسب كتاب الرقميون عبر أقل من 12? من الأمريكيين فقط عن استعدادهم للإفصاح علانية عن المرشح الذي ينوون التصويت له خاصة في الانتخابات الرئاسية وبالتالي فأن أي عينة احصائية مهما كانت دقة تمثيلها لقاعدة المصوتين تظل تعكس نسبة ضئيلة فقط من التوجه الحقيقي لجمهور الناخبين.
عنصر آخر يتسبب في اضعاف دقة الاستطلاعات يتعلق بالناخبين أو المستطلعين الذين يؤجلون حسم خياراتهم حتي اللحظة الأخيرة حيث يصعب توقع سلوكهم لحظة التصويت والتي قد تقلب نتائج  الانتخابات رأسا على عقب وتتسبب في احراج مراكز الاستطلاعات بعد أن تكون قد أصدرت توقعاتها عبر فترة زمنية طويلة.

ويبقي أخيرا  محاولة بعض مراكز الاستطلاع إخراج نتائج معينة للتأثير على توجهات الناخبين بأن تجعلهم يعتقدون أن مرشحا بعينه سيفوز حتما، وبالتالي قد يحفز ذلك مؤيدي المرشح المنافس، والذي من المتوقع خسارته، لبذل جهد أكبر لزيادة عدد المصوتين لمرشحهم لأحداث توازن وهو ما قد يقود إلى نتيجة معاكسة، وقد يدفع نفس الأمر مؤيدي المرشح المقدر له الفوز للتكاسل وعدم الذهاب للتصويت على أساس أن النتيجة محسومة سلفا، وهو ما قد يتسبب في خسارة هذا المرشح رغم أن الاستطلاعات كانت تؤكد فوزه.
استطلاعات المشاهدة اللحظية

تجري محطات التلفزيون الكبري في الولايات المتحدة استطلاعا في لحظة معينة بأخذ عينة من الذين شاهدوا الحدث، وهو ما فعلته شبكة cnn في المناظرات الثلاثة التي جرت بين ترامب وكلينتون، وعقب المناظرة الثالثة أعلنت الشبكة أن العينة التي سألتها ممن شاهدوا المناظرة أوضحت ان نحو 52? ممن ادلوا برأيهم رأوا ان هيلاري هي التي فازت ، بينما ذكر 37? أن ترامب هو الذي فاز.
لا تعبر مثل هذه الاستطلاعات عن نتائج يمكن الوثوق بها مقارنة بالاستطلاعات التي تبنى على مناهج لها مصداقية من خلال مراكز ووكالات متخصصة في في الشأن، وباعتراف موقع cnn نفسه في 20 أكتوبر الجاري، تظل النتائج التي تم التوصل لها عبر الاستطلاع الأخير محل مراجعة كون مناصري الحزب الديموقراطي هم الأكثر اهتماما بمتابعة المناظرات بين مرشحي الرئاسة، كما أوضح الموقع أيضا أن نسبة كبيرة تصل إلى 60? من المستطلعين رأوا أن ترامب كان أكثر قدرة على محاصرة كلينتون بعبارات هجومية مقابل 28? فقط ذكروا أن كلينتون كانت أنجح من ترامب في تبني الوسائل الهجومية.
الاستطلاعات ترشح كلينتون للفوز 

رغم كل المحاذير السابقة، تغامر مراكز الاستطلاعات بإصدار نتائج شبه يومية بشأن الانتخابات، فعلى سبيل المثال يوالي موقع realpolitics الأمريكي نشر استطلاعات تجريها مراكز أبحاث وجرائد ومجلات متنوعة حول من سيفوز بثقة الجمهور الأمريكي في الانتخابات القادمة.

وفي كافة الاستطلاعات لم يظهر ترامب تفوقا على كلينتون إلا في استطلاعين عامين فقط مقابل ستة استطلاعات أعطت لكلينتون التفوق على خصمها، فيما تعادلا في استطلاعين آخرين.
وفيما يتعلق بالنتائج حسب ولايات مختارة فقد تفوقت كلينتون على ترامب في عشرة ولايات مقابل اثنتين فقط لصالح الأخير.

وتباينت نقاط التفوق لكلينتون ما بين حد أدنى يبلغ 2? في ولاية نورث كارولينا، لتصل إلى أقصى فارق والبالغ 28? في ولاية فيرمونت، وبلغت حدودها الوسطي في نيويورك (الفارق 24?)، ونيوهامشير (الفارق 15?).

فيما لم يتفوق ترامب بفارق كبير على كلينتون إلا في ولاية واحدة وهي ولاية كانساس (بفارق 11?)، وكانت الولاية الثانية التي منحها الاستطلاع له هي ولاية ميسوري (بفارق 8%). 
وقد نشرت صحيفة النيويورك تايمز في عددها يوم 26 أكتوبر الجاري تجميعا لكافة الاستطلاعات التي نشرت في الفترة من 17 وحتى 25 أكتوبر، حيث أشارت جميع هذه الاستطلاعات إلى تفوق كلينتون على ترامب بفارق يصل إلى أكثر من خمسة نقاط في المتوسط (45.7 لكلينتون مقابل 40.1 لترامب). 
وحسب تحليل الجريدة لنتائج عشر استطلاعات تمت خلال الفترة المذكورة تصل احتمالات فوز هيلاري كلينتون إلى 92?. 
ولكن تبقي المخاوف قائمة لدي الديمقراطيون ومؤيدي هيلاري كلينتون، فنسبة لا تقل عن 8? ممن تم سؤالهم عن تفضيلاتهم قالوا إنهم لم يحددوها بعد، وفي حالة إقبال هذه النسبة على التصويت فربما يؤدي ذلك إلى قلب النتائج رأسا على عقب  كما حدث في انتخابات عام 2000.

لأجل ذلك أبدى دونالد ترامب عدم انزعاجه من نتائج الاستطلاعات التي تؤكد خسارته للسباق، إذ صرح أكثر من مرة حسب موقع فوكس نيوز في 19 اكتوبر، بأنه لا يأبه بالاستطلاعات إذ قال: إن الاستطلاعات أمر خادع crooked.

أمر آخر قد يؤدي إلى فقدان الاستطلاعات لدقتها وهو عدم اهتمام العديد منها باحتمالات أن يتوجه بعض الناخبين لمنح أصواتهم للمرشحين الهامشيين المنتمين لأحزاب صغيرة مثل حزب الخضر وحزب الأحرار، خاصة وأن البعض يحاول إقناع الناخبين الغاضبين من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب بعدم مقاطعة الانتخابات ومنح أصواتهم للمرشحين الآخرين سواء أكانوا من أحزاب صغيرة أو مستقلين، فعلى سبيل المثال، قال رالف نادر المرشح المستقل الذي ترشح أربعة مرات للرئاسة من قبل، إن من يصوتون للمرشح الثالث أو أي مرشح خارج دائرة المنافسة الرئيسية بين الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري، لا يبددون أصواتهم كما يدعي البعض.

وكان رالف نادر يرد بذلك على ما أثارته فوكس نيوز عقب المناظرة الثالثة والأخيرة بين ترامب وكلينتون، واستشهد نادر بالتهديد الذي مثله المرشح المستقل روس بيرو عام 1992 للحزبين الكبيرين.