حددت الدراسة خمس جماعات فرعية من السكان من المتوقع أن تلعب دورأ مؤثرا في تحديد شكل الانتخابات أو نتائجها عام 2016، وهذه الجماعات هي: البيض الحاصلين على تعليم جامعي، والبيض غير الحاصلين على تعليم جامعي، والأمريكيون من أصول أفريقية، والأمريكيون من أصول لاتينية، والأمريكيون من أصول آسيوية.
وقد ذهبت الدراسة إلى أن التنوع العرقي في أمريكا يلعب دورا مؤكدا لصالح الديمقراطيين وتستشهد بمقارنة ما حصل عليه رونالد ريجان في انتخابات عام 1980 (56%) من أصوات البيض وهو ما جعله يفوز باكتساح في 44 ولاية، مقارنة بخسارة ميت رومني المرشح الجمهوري أمام أوباما في انتخابات 2012 رغم فوزه بـ 59ـ? من أصوات الناخبين.
وتفسر الدراسة ذلك بالارتفاع الكبير في نسبة من لهم الحق في التصويت من الملونين من 12? عام 1980 إلى 28? عام 2012.
وتحدد الكتل التي تؤيد الديمقراطيون في الجماعات التالية: غير البيض، والبيض من ذوي التعليم الجيد.
أما الكتل التي يتوقع أن تصوت للجمهوريين فهي: كبار السن، وذوي التعليم المتوسط من البيض. ولذلك نجد أنه على حين تتسع الكتل التي تصوت للديمقراطيين، تنكمش الكتل المؤيدة للجمهوريين من حيث العدد والنسبة بطبيعة الحال.
غير أن العناصر المؤثرة في توجهات الناخب الأمريكي تتداخل بشكل يستحيل معه أن تكون هناك كتل صماء بالكامل، بمعنى أن تصبح هناك كتل مضمونة بأكملها لمرشح معين أو رافضة كلية لمنافسه، فعلى سبيل المثال يعد الهسبانيك (الأمريكيون من أصول لاتينية) من الناحية الاقتصادية في المستوى الأدنى من حيث الدخل أي الأكثر فقرا في المجتمع الأمريكي، حيث ترتفع نسبة البطالة لديهم لتبلغ ضعف المعدل العام للبطالة بين مواطني الولايات المتحدة الآخرين.
ووفقا للخطوط العامة لبرنامج المرشحين الرئيسيين (هيلاري كلينتون، ودونالد ترامب) سنجد أن إهانة ترامب للمنحدرين من أصول لاتينية حيث أطلق عليهم وصف اللصوص والمغتصبين قد تتسبب في ميلهم للتصويت بشكل ساحق لمنافسته هيلاري كلينتون، لكن خطاب ترامب نفسه والذي يعد بطرد المهاجرين غير الشرعين لتوفير فرص عمل للفقراء الأمريكيين، قد يغري الكثير من المصوتين الهسبانك بالتصويت له.
إذ عندما تتعارض مصالح هذه الفئة مع إعلاء عنصر الثقافة أو الانتماء العرقي، ستكون القاعدة الحاسمة في الغالب هي التصويت وفقا للمصالح الاقتصادية، ربما لأن المهاجر الذي تمكن من الحصول على الجنسية يدرك أن تهديد فرصة ومستوى أجره لا يأتي من الفئات الأكثر تعليما والأكثر ثقافة ومهارة، بل من المهاجرين غير الشرعيين الذين يقبلون بأجور متدنية لمعاناتهم من محدودية فرص العمل المتاحة أمامهم والبطالة لفترات طويلة.
ويتسبب ذلك في ارتفاع معدلات الجريمة في أوساط الهسبانك وبالتالي تنفير المجتمع الامريكي منهم، كما تزيد من فرص عزلهم اجتماعيا.
التعارض بين المصلحة الاقتصادية وبين الكبرياء الثقافية إذا هي التي يمكن أن تحدث التوازن في توزيع أصوات الهسبانك بين هيلاري كلينتون وبين دونالد ترامب، تماما مثلما يمكن أن تكون هناك عناصر مختلفة بوسعها العمل على أن يكون تصويت الأفرو أمريكان (الأمريكيون من أصول أفريقية) متوازنا بين كلا المرشحين، وإذا كانت هيلاري كلينتون تمتلك قاعدة قوية في أوساط هذه الفئة بسبب أنها عملت على مدي عشرين عاما في مجال تقديم الخدمات القانونية والاجتماعية لهم خاصة في ولايات مثل آركنسو، والمسيسيبي، وتنيسي، وهو ماجعل منافسها في الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي بيرني ساندرز يقول في حديث أجرته معه مجلة Nation في أكتوبر الماضي أن هذا العامل وحده كان كفيلا بفشله في إزاحة كلينتون من سباق الانتخابات التمهيدية.
إذا كان ذلك صحيحا، فأنه بالمقابل ونتيجة انخفاض المستوى التعليمي وارتفاع نسب البطالة بين الأمريكيون السود فأن وعود ترامب باستعادة أمريكا لقوتها عبر التركيز على رفاهية مواطنيها ومنح الفرص لهم وحمايتهم من المنافسة يجعل الأفرو أمريكان أقرب ولو جزئيا لتأييد ترامب، أو على الأقل فأنه لا هو ولامنافسته كلينتون بوسعهما الزعم بأن أصوات هذه الفئة محسومة بالكامل لأي منهما.
الأمر قد يكون مختلفا بقدر ما فيما يتعلق بالنظر للأمريكيين من أصول آسيوية حول علاقة التشكيلة الديموجرافية بالتصويت في الانتخابات الامريكية سواء الرئاسية أو النيابية، ففي الوضع الحالي هناك الملايين من أصول هندية وصينية ويابانية وكورية (خاصة من كوريا الجنوبية) وهم مواطنون ينتمون ليس فقط إلى حضارات عريقة، بل تلعب بلدانهم الأصلية أدوارا بالغة القوة في مواجهة الهيمنة الأمريكية على التفاعلات السياسية والاقتصادية عالميا، وهو ما يقلل كثيرا من شعورهم -على عكس الذين ينحدرون من أصول أفريقية أو لاتينية- بالدونية.
وبالتالي لا يؤثر في هذه الجماعة كثيرا الخطابات ذات الطابع العرقي إيجابا أو سلبا، كما أن زيادة أعداد المهاجرين من أصحاب المهارات التعليمية والفنية المنخفضة إلى الولايات المتحدة لا يؤثر على مصالحهم المباشرة.
ويعد هذا نتيجة للأوضاع الاقتصادية والتعليمية لهؤلاء فعلى سبيل المثال نجد أن معظم الأقليات الهندية القاطنة في أمريكا تنتمي إما إلى عائلات الأمريكيين الذين حصلوا على الجنسية بعد الحرب العالمية الأولى أو أنهم من ذوي المؤهلات العلمية التي هاجرت واستقرت في أمريكا.
ويعد المجتمع الهندي في أمريكا هو الأكثر ثقافة والأكثر ثراء.
فحوالي 89% من هذا المجتمع أتموا تعليمهم العالي، 65% أتموا التعليم بالمعاهد، كما أن نحو 40 % منهم حصلوا على الماجستير والدكتوراه.
ويعد دخلهم الشهري هو الأعلى بالمقارنة مع الجاليات الأخرى (أنظر دراسة دانا القندي، أقليات شرق آسيا في الولايات المتحدة الأمريكية، على الرابط http://www.oocities.org/hayatt_minorities/asian.htm
http://www.oocities.org/hayatt_minorities/asian.htm
ولكن رغم الفارق الجوهري بين الآسيويين الأمريكيين وما عداهم من فئات أخرى في المجتمع الأمريكي، فأن توازن التصويت من جانبهم بين ترامب وكلينتون يظل أمرا مرجحا، فنخبة هذه الفئة من المرجح أن تميل لسياسات اقتصادية أكثر ليبرالية كما يعبر عنها ترامب (تخفيض الضرائب، وتضييق البيروقراطية الحكومية)، ولكن الشرائح الوسطى والأعلى ستميل ربما للتصويت لكلينتون التي تتمتع بتفوق واضح على ترامب بين أبناء هذه الشرائح بحكم ارتفاع مستوي التعليم لديها.
ولا يتبقي من التشكيلة الديموجرافية إلا اليهود الأمريكيين والذين لا يزيد عددهم عن خمسة ملايين يشكلون نحو 1.8? من السكان، ولكن نفوذهم وتأثيرهم أكبر كثيرا من عددهم السكاني بحكم ارتفاع مستويات التعليم لديهم، ووجود نسبة معتبرة منهم في مجالات الإعلام والتجارة والمال، كما تلعب منظمة الإيباك (اللجنة اليهودية الأمريكية) دورا معروفا من الناحية التاريخية في دعم المرشحين الذين يبدون استعدادا أكبر لحماية إسرائيل وتقديم المساعدات الضخمة إليها، ويميل اليهود تقليديا للتصويت أكثر للحزب الديمقراطي، إما بحكم تخوفهم من المرشحين الذين يتبنون خطابا عرقيا متشددا لأنهم يؤمنون أن مثل هذه الخطابات تبدأ بتوجيه كراهيتها نحو عنصر عرقي محدد، ولكن آفة تمدد هذا الخطاب لأعراق أخرى داخل النسيج السكاني في الولايات المتحدة تبقي واردة بقوة مستقبلا وقد تطول اليهود أنفسهم قبل غيرهم، وإما بحكم أن ارتفاع مستوى التعليم بينهم يدخلهم تقليديا ضمن الفئة التي تصوت للمرشح الديمقراطي أيا كان شخصه.
وعلى أية حال وعشية نهاية فترة التصويت في الانتخابات الرئاسية التي ستحدد الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية، لا تزال فرص ترامب قوية في المنافسة، رغم أن الشعور العام السائد هو أن كلينتون هي التي ستحقق الفوز في النهاية.
ولكن الأمر المؤكد أن التقسيمة الديموجرافية الأمريكية يمكنها أن تلعب أدوارا أكبر في حالة فوز ترامب، إذ سيكون عليها أن ترفع مستوى حذرها حتي لا يتحول مرشح ذو خطاب عنصري من مجرد مرشح له سمات عارضة إلى توجه عام في الانتخابات الرئاسة مستقبلا، والتشجيع من ثم على ترشح شخصيات أميل لخوض المعارك على أساس التلاعب بالتنويعة العرقية والثقافية في الولايات المتحدة.