النظام الانتخابي الأمريكي الذي يجمع بين التصويت المباشر وغير المباشر.فتح الباب مجددا للسؤال: هل يجتاز ترامب آخر محاولة لحرمانه من المنصب؟ وخاصة بعد أن بدأ بعض أعضاء المجمع الانتخابي في شن حملة من أجل منع ترامب من تولي منصبه كما هو مقرر في العشرين من يناير القادم.
وما هي تداعيات فشل أو نجاح هذه المحاولات على الاستقرار الداخلي في أمريكا؟
المجمع الانتخابي ودوره في الاشكالية
كما هو معروف لا يختار المواطن الأمريكي رئيسه بشكل مباشر، حيث يجري الانتخاب على درجتين الأولىعلى مستوى كل ولاية على حده ويصوت فيها الجمهور لصالح المرشحين النهائيين المعتمدين فيالانتخابات التمهيدية للأحزاب ولكن بشكل غير مباشر حيث يصوتون في الواقع لمندوبي هؤلاء المرشحين الذين تختلف أعدادهم من ولاية إلىأخرى وفقا لوزنها السكاني ولعدد أعضاء مجلس النواب الذين يمثلونها، والثانية تتم عبر التزام أعضاء ما يسمى بالمجمع الانتخابي بنتيجة هذا التصويت.
يتكون المجمع الانتخابي Electoral Collegeمن 538 عضوا يتم انتخابهم بطرق مختلفة حسب نظام كل ولاية، ووظيفة المجمع هي تلقي نتائج الانتخابات المباشرة إما لاقرارها، أولتغيير نتائجها بناء على التصويت الذي سيتم في التاسع عشر من ديسمبر الجاري.
ولم تشهد الولايات المتحدة الأمريكية سوى حالات قليلة وقعت في القرن التاسع عشر تم فيها الإطاحة بالمرشح الفائز في الانتخاب المباشر بعد التصويت ضده وحرمانه من العدد الأدنى الضروري من مصوتي المجمع الانتخابي البالغ 270 صوت لكي يصبح فوزه قانونيا وفقا للدستور الأمريكي.
ويجب التفرقة هنا بين فوز المرشح بعدد الأصوات الشعبية وبين فوزه بعدد أعضاء المجمع الانتخابي، فالفوز الأول لا يعطيه تفويضا بالحكم كما أن الفوز الثاني أي في المجمع الانتخابي له علاقة بحجم تمثيل كل ولاية ومدى التزام المندوبين اللذين يشكلون المجمع الانتخابي بإعطاء صوتهم للمرشح الذي اختاره جمهور الولاية.
ومن هنا تظهر ثغرة في النظام الانتخابي الأمريكي وهي الثغرة التي تحاول منظمة تدعى "هاميلتون" استغلالها لمنع ترامب من دخول البيت الأبيض، فقد يقرر بعض مندوبي المجمع الانتخابي عدم الالتزام باقتراع الجمهور في الولاية، ولا يوجد أي عقاب قانوني لمن يفعل ذلك سوى الإدانة المعنوية والأخلاقية أمام ناخبيه.
وتعود تسمية هذه المنظمةإلى اسم أحد المؤسسين الأوائل للنظام الانتخابي والدستور الأمريكي (الكسندر هاميلتون) الذي كتب بحثا تأسيسيا عام 1788 تناول فيه بالتفصيل أهمية وجود مجمع انتخابي من ممثلين لكل ولايات الاتحاد الفيدرالي لمنع وصول مرشح قد يختاره الجمهور ولا يكون كفئا لتولي منصب الرئاسة، بحيث تكون الكلمة الفاصلة في وصول أي شخص إلى سدة الحكم مرهونة بموافقة هذا المجمع.
وما تقوم به منظمة "هامليتون" التي ترفع شعار "انقذونا من ترامب الأحمق" وتحاول استقطاب عدد من أعضاء المجمع لحملهم على تغيير توجهاتهم التصويتية لم تولد اليوم، بل بدأت في التشكل بعد فوز ترامب في الاقتراع يوم 9 نوفمبر الماضي،ولا تمثل هذه المحاولة في حد ذاتها سابقة خطيرة ومؤثرة في الثقة بالنظام الانتخابي الأمريكي بأكمله، فقد نجحت بعض المحاولات من قبل ولكنها لم تؤدإلى تداعيات خطيرة لكونها تمت في ظروف مغايرة سياسيا واجتماعيا عن تلك التي تمر بها الولايات المتحدة في الوقت الراهن.فمحاولة الإطاحة بترامب حاليا تأتي في ظروف احتدام المواجهه العنصرية بين نسبة كبيرة من السكان البيض الذين يشكلون 61? من جملة السكان وبين بقية الأعراق التي تتخوف من السياسات العنصرية التي وعد بها ترامب حال فوزه بالانتخابات، ومن ثم فأن محاولة استعادة تجارب قديمة ونادرة للإطاحة بترامب تبدو محاولة محفوفة بكثير من المخاطر التي لا يعرف حجمها المنتظر.
ويقود منظمة "هاميلتون"اثنان من أعضاء المجمع الانتخابي هما الديمقراطيانميتشيل باكا من ولاية كولورادو، وبريت شافالو من ولاية واشنطن، ولا يدعو هذان العضوان السابقان إلى تحويل دفة التصويت في المجمع نحو المرشحة الديمقراطية الخاسرة هيلاري كلينتون، بل يدعوان إلى تسمية مرشح "توافقي" يتم طرحه بالاتفاق بين الأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين في المجمع.
وقد ذكرا في بعض تصريحاتهماأنهما لا يمانعان في طرح اسم "ميت رومني" السيناتور الجمهوري الذي نافس أوباما في انتخابات عام 2012 ليكون هو المرشح التوافقي الذي لن يعترض عليه أغلب الجمهوريين والديمقراطيين أيضا.
كما طرحوا أيضا اسم حاكم ولاية أوهايو جون كاسيش.
وتعتبر هذه النقطة بدورها ثغرة أخرى في النظام الانتخابي الأمريكي، فمبقتضى صلاحيات المجمع الانتخابي يمكنه أن يقدم شخص لم يترشح أصلا في الانتخابات لكي يتم تزكيته من مجلس النواب الأمريكي في حالة عدم حصول أيا ممن خاضوا الانتخابات على 270 صوتا في المجمع، أي يتم في الواقع تجاهل إرادة المصوت الأمريكي كلية في هذه الحالة.
السيناريوهات المُحتملة
يطرح "باكا " السيناريو الأول والذي يسميه الأفضل ويقوم على توحيد رأي عدد متساو من الديمقراطيين والجمهوريين أعضاء المجمع الانتخابي (135 عضو من كل منهما) خلف المرشح التوافقي الذي سيختاره في الغالب الجمهوريين بالدرجة الأولى.
ولكن وحسب تصريحات لمجلة أتلانتك نشرت يوم 21 نوفمبر الماضي فأن تحقيق هذا السيناريو يبدو صعبا للغاية، لذلك يطرح السيناريو الثاني القائم على محاولة إقناع 37 من أعضاء المجمع الانتخابي الجمهوريين ممن ذهبت أصوات ولاياتهم شعبيا إلى ترامب بالتخلي عنه وحرمانه من الحصول على الحد الأدنى المطلوب للفوز، وبالتالي ينفتح الطريق أمام اختيار المرشح التوافقي المنتظر.
إذا ما تحقق السيناريو الأخير، سيُصبِح من حق المجمع الانتخابي أن يرسل إلى مجلس النواب الأمريكي اسم هذا المرشح للاقتراع عليه كما ينص الدستور الأمريكي (في حالة عدم حسم الانتخابات لأي من المرشحين الأصليين).
ويعتقد "باكا"أن الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب يوجد بينهم الكثيرين ممن تتوفر لديهم الرغبة في عدم وصول ترامب للبيت الأبيض.
وسيميل هؤلاء للتصويت للمرشح التوافقي المفترض.
حسب تقرير أتلانتك المشار إليه كان هناك سبعة من أعضاء المجمع الانتخابي بمن فيهم "باكا" و"شافالو"أعربوا عن استعدادهم لتحويل أصواتهم إلى مرشح توافقي.
وتبدو حظوظ نجاحهذا السيناريو بدوره منعدمة، فحتى الآن لم يعلن سوى عشرة أعضاء من المجمع الانتخابي من المنتمين للحزب الجمهوري استعدادهم للتصويت لمرشح مختلف يوم التاسع عشر من ديسمبر، ولكن خصم هذا العدد أو أكبر منه لن يغير من النتيجة.إذ حسب التوزيع الافتراضي لأصوات المجمع بناء على الوزن النسبي لكل ولاية، يمتلك ترامب 306 صوت مقابل 232 صوت لكلينتون، أي أن الحملة التي يقودها "باكا" و"شافالو" تحتاج وهي على بعد أيام قليلة من موعد التصويت إقناع ما لايقل عن 26 عضوا آخر في المجمع الانتخابي بتغيير اتجاه تصويتهم حتى لا يحصل ترامب على الأصوات الـ270 اللازمة للفوز رسميا بالمنصب.
ويبدو أيضا أن هذاأمر مستحيل في ظل حقيقة أن الحملة لم تكن جادة بالفعل في بذل الجهد للاتصال بأعضاء المجمع الانتخابي لمحاولة إقناعهم بتغيير تصويتهم مكتفية بالتوجه إلى السوشيال ميديا ونشر بعض الإعلانات المتفرقة في الصحف الأمريكية وتسيير بعض المظاهرات التي تحمل شعارتها.
تبدو محاولة منظمة هاميلتون في الواقع مجرد جزء من حملة أخرى تستهدف زعزعة شرعية ترامب وتحويله إلى رئيس ضعيف لا يملك القدرة على اتخاذ القرار.إذ تدرك هذه المنظمة وكل الفاعليات الشبيهة التي ولدت كنوع من الاحتجاج على فوز ترامب، أن الإطاحة به تبدو صعبه أو حتى مستحيلة.
كما تدرك أيضا أنه حتى بافتراض النجاح في استغلال ثغرات القانون الانتخابي الأمريكي وتحويل دفة التصويت في المجمع الانتخابي، احتمالات ظهور تداعيات خطيرة مثل حدوث صدام واسع بين مؤيدي ترامب الذين لن يقبلوا بأي محاولة لتغيير نتيجة الانتخابات حتى لو كانت ممكنه وقانونية وفقا للدستور، وبين المعادين له والذين يحلم أغلبهم بعودة هيلاري كلينتون لتولي المنصب، سيغدوا احتمالا قائما.
وهذا الأمر محتمل بشدة خاصة في ظل تهديدات ترامب أثناء حملته الانتخابية بأنه لن يعترف بنتائج الانتخابات، وفي ظل ما ردده بعض مؤيديه أثناء ذلك من استعدادهم للقتال من أجل منع أي محاولة لتزوير الانتخابات لمنع ترامب من الفوز.
لقد أطلقت هذه التصريحات والمواقف قبل أن يفوز ترامب بالانتخابات في التاسع من نوفمبر الماضي، فهل يمكن لأحد تصور التداعيات الخطيرة للسيناريو المستحيل بعد فوز ترامب فعلا بتحويل التصويت في المجمع الانتخابي نحو مرشح توافقي لم تتفق الحملة المعادية لترامب على تسميته أصلا بشكل حاسم؟
المحاولة محكوم عليها بالفشل، كما أن محاولة زعزعة شرعية ترامب عن طريق مثل هذه الحملات ربما تثبت أيضا عدم جدواها مستقبلا.