في إطار السيمنار العلمي الذي يعقده مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، ألقى د أيمن السيد عبد الوهاب، مدير برنامج المجتمع المدني بالمركز، مداخلة تحت عنوان "دور منظمات المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي، وذلك بالتطبيق على الحالة المصرية"، حيث انقسم العرض الى قسمين أساسيين، الأول يتعلق بتطور مفهوم المجتمع المدني، والثاني يتعلق بواقع حال منظمات المجتمع المدني في مصر في مرحلة ما بعد ثورة يناير 2011، وعلاقتها بتدعيم عملية التحول الديمقراطي في مصر.
تشكل دراسة المنظمات غير الحكومية أحد المداخل الرئيسية لدراسة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وهى العلاقة التي تنطوي على آثار بالغة الأهمية في دفع عملية التحول الديمقراطي وإضفاء الطابع الديمقراطي على مؤسسات المجتمع، خاصة مع تزايد موجة المطالبة بإعادة النظر في دور الدولة والمجتمع بما يعطى الأخير مساحات اكبر.
فقد مر المفهوم بعدة تطورات خلال المراحل الزمنية المختلفة في المجتمعات الديمقراطية الليبرالية بشكل أفرز معه عدداً من المعاني الجديدة في كل مرحلة تحمل في جنباتها مطالب جديدة.
ومن المعروف أن مفهوم المجتمع المدني قد غاب من النظرية السياسية عقوداً طويلة خلال القرن العشرين لفقدانه موطئ قدم في النظريات الاجتماعية والسياسية والقانونية الأساسية التي سادت خلاله في الغرب وفى الشرق.
كما يمكن بيان مفهوم المجتمع المدني من منظور مقارب بأنه "مجموعة من التنظيمات التطوعية المستقلة نسبياً، والتي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها أو تحقيق منفعة جماعية للمجتمع ككل، وهي في ذلك ملتزمة بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والإدارة السليمة للتنوع والخلاف".
إذن ينطوي مفهوم المجتمع المدني على ثلاثة أركان رئيسية: أولها، الفعل الإرادي الحر (مبادرات أهلية)، ثانيها، وجود إطار تنظيمي، أي وجود تراض واتفاق بخصوصه.
أما ثالثها، فهو الركن الأخلاقي والسلوكي، ويشير إلى الثقافة المدنية (قبول الاختلاف، والتسامح والتعاون، والإدارة السلمية للخلافات والصراعات).
كما أشار إلى أن هناك إشكالية مفاهيمية تتعلق بمدى اتساع مفهوم المجتمع المدني، ومرونته ليشمل أشكال أخرى من المؤسسات الطوعية الموجودة في الدولة كالأحزاب السياسية والمؤسسات الاعلامية والحركات الاجتماعية، ومن ثم يظل مفهوم المجتمع المدني مفهوماً خلافياً بالدرجة الأولى، كما يرى الكثيرون أن المفهوم بدأ منذ بزوغ فكر مفكري العقد الاجتماعي.
وأوضح د.
أيمن أن الدين أصبح يلعب دوراً مؤثراً في الثورات العربية، ولاسيما مع بروز الحركات الاسلامية داخل المجال العام في الوطن العربي، وبروز فاعلين إسلاميين جدد كالسلفيين، ومن ثم أصبح المجتمع المدني المصري تغلب عليه الصبغة الأهلية وليست المدنية، بحيث أصبح أكثر ملائمةً لأدوار فعل الخير والاغاثة والتنمية، وليس الجانب المدني الحقوقي، الذي يهتم بنشر الوعي بالقيم المدنية والديمقراطية.
ومن هنا ظهرت ثنائية الديني والمدني في المجال العام المصري بعد الثورة، وذلك بسبب وجود جمعيات أهلية ذات صبغة دينية، وتمثل 35% من إجمالي عدد الجمعيات الأهلية في مصر، ويتم تمويل هذه الجمعيات من جانب رجال الأعمال المتعاطفين مع التيارات الدينية.
تمحورت الجلسة النقاشية حول عدد من الأفكار الأساسية، من أهمها مايلي:
• ضرورة قيام المجتمع المدني بدور فعال لتنمية وعي المواطن، وإيجاد حلول مناسبة تدعم فكرة تمكين المواطن.
• ضرورة تفعيل الدور المدني لمنظمات المجتمع المدني، بمعنى نشر القيم المدنية والديمقراطية كالمواطنة وحقوق الانسان والتسامح وقبول الآخر.
• كان من رأي البعض أن تسييس دور المجتمع المدني المصري يؤدي الى عواقب سلبية كثيرة في دوره الاغاثي الإنساني وكذلك دوره المدني، لذلك يرى بعض الخبراء أن المجتمع المدني لا ينبغي أن يلعب أية أدوار سياسية، خاصة وأن مصر لا تمتلك مجتمع مدني بالمفهوم الغربي، وانما تمتلك مجتمع أهلي تغلب عليه القيم التقليدية أكثر من كونها قيم مدنية.
• أشار البعض الى تقلص دور المجتمع المدني في مصر لصالح دور أصحاب المصالح، وبروز الحركات الاحتجاجية التي تجتذب المواطنين أكثر من العمل المدني.
• أثيرت خلال المناقشات فكرة تضاؤل قابلية المجتمع المصري للعمل التطوعي والأهلي بسبب انخفاض مستويات المعيشة، وارتفاع مستويات البطالة.
• طرحت فكرة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني وما شهدته هذه العلاقة من تطور من مرحلة الإشراف والتنظيم، إلى مرحلة الرقابة والتوظيف، إلى مرحلة الرقابة والإشراف، وما أضفته هذه العلاقة المتداخلة من ضعف وهشاشة على أجزاء كبيرة من المجتمع المدني على مستوى القيم والدور، بسبب طبيعة العلاقة المتأزمة ما بين المجتمع المدني المصري، والحكومة.
كما تتلخص الإشكالية الأساسية المرتبطة بدور المجتمع المدني المصري في ضعف السمة المدنية لدى غالبية منظمات المجتمع المدني المصري، الذي يقترب من توصيف "المجتمع الأهلي" بما يحمله من سمات ومواصفات تتعلق بدرجة التطور المجتمعي، وحجم الخبرة المتراكمة ودور النخبة القائمة عليه ومستوى الوعي بمتطلبات تطويره وتحديد أجندته، ومن ثم يختلف المجتمع المدني المصري عن نظيره الغربي بشكل كبير بسبب خصوصية المنظمات الأهلية في مصر.
وبخصوص أعداد الجمعيات الأهلية في مصر، نجد أن عددها قد قفز عام 2010 إلى 30214 جمعية، في حين كان 25992 جمعية عام 2009، بينما كان عددها عام 2004 هو 18622 جمعية، و13239 جمعية عام 1991، وتظل أهمية تلك المنظمات كامنة في لعبها دورا متزايدا مع باقي مكونات المجتمع المدني المصري في توسيع المجال المدني، من خلال إطلاق المزيد من المبادرات والبرامج والأنشطة التي تدعم الدعوة إلى التغيير الاجتماعي أو تساهم في صنع السياسات والقرارات الداعمة للحكم الرشيد والمسئولية المدنية..
وأيضا العمل على دعم المبادرات والأفكار الخاصة ببناء الشبكات و التحالفات بين المكونات المختلفة للمجتمع المدني المصري داخل الفضاء المدني.