فى إطار اهتمام البرنامج الأفريقى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، بمستجدات الأوضاع على الساحة الأفريقية، وعلى ضوء "أجندة الاتحاد الأفريقي 2015- 2063"، التي دعا إليها زعماء الدول الأفريقية، خلال قمة الاتحاد الأفريقى في أديس أبابا في عام 2013، ويُنتظر انطلاقها بعد الإعلان عنها في القمة الأخيرة، للمضي قدما نحو مستقبل أفضل للقارة؛ عقد البرنامج الأفريقى ورشة عمل بعنوان "أجندة الاتحاد الأفريقي 2015- 2063"، استضاف خلالها السفير نادر فتح العليم، مدير مكتب الاتحاد الأفريقي بالإنابة بمكتب القاهرة، بحضور عدد من الباحثين والمهتمين بالشأن الأفريقى.
وخلال تقديمها لمحاور الندوة أشارت الدكتورة أمانى الطويل، رئيس البرنامج الأفريقى، أن هناك شعور لدى الكثيرين بأن سياسات الاتحاد الأفريقي تتوجه نحو الأقاليم الأفريقية جنوب الصحراء بعيدا عن الشمال الأفريقى، وهو ما يخدم التوجهات الاستعمارية القديمة، في فصل القارة بين شمال وجنوب، فقد صنفت الدول الإمبريالية الشمال الإفريقي ضمن منطقة الشرق الأوسط، وليس له علاقة بجنوب الصحراء الكبرى، في الوقت الذي تشير فيه التطورات الجيوسياسية إلى أهمية وحدة القارة، في مواجهة تحديات كبرى خاصة بالتنمية المستدامة، في ظل تكالب قوى دولية ساعية إلى استنزاف موارد القارة.
وأكدت على ضرورة معرفة أهداف، أدوات، وإستراتيجية، وملامح أجندة الاتحاد الأفريقي للخمسين عاما القادمة، بعد الإعلان عنها في البيان الختامي للقمة التي عُقدت في أواخر الشهر الماضي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وفي هذا السياق، قدم السفير نادر فتح العليم عرضا موجزا عن أجندة الاتحاد الأفريقي للعام 2063، حيث أشار إلى أن العلاقة بين دول الشمال الأفريقي ومنظمة الاتحاد علاقة راسخة، فمعظم حركات التحرر الأفريقية انطلقت من القاهرة منذ خمسينيات القرن الماضى، وتلقت دعما من الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر، إلى أن تم بلورة فكرة منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1963، من أجل تحرير القارة من نير الاستعمار، فكانت معظم دول شمال أفريقيا مستقلة آنذاك، وربما هذا يفسر أسباب رؤية منظمة الوحدة الأفريقية أنها القطاع الأفريقي الأكثر تقدما، فضلا عن الانطباع السائد بذلك من قبل دول جنوب الصحراء.
وأضاف السفير فتح العليم، أن الهدف كان واحدا حينما تكونت منظمة الوحدة الإفريقية، وحينما تحولت منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي، في قمة ديربان عام 2002، اضطلع الشمال الأفريقي بدور مهم في دعم الاتحاد الأفريقي وأنشطته، حيث تشارك دوله بما يقرب من 50% تقريبا من ميزانية الاتحاد.
وجدير بالإشارة إلى مساهمة دول الشمال الإفريقي في دعم الأمن الغذائي بالقارة في المؤتمر الذي عقد في مدينة شرم الشيخ المصرية في عام 2010، حول الأمن الغذائي والزراعة في القارة، الذي أضحى وثيقة رئيسية وأساسية يرجع إليها الاتحاد الأفريقي.
فضلا عن الكثير من البرامج الثقافية التي أقيمت في دول تونس وليبيا والجزائر، إضافة إلى كثير من الآليات الخاصة بالاتحاد كمركز مكافحة الإرهاب بالجزائر، واللجنة الثقافية العليا في دولة تونس، ومكتب الاتحاد الأفريقي بالقاهرة.
وطبقا لذلك فالشمال الأفريقي قريب من البرامج الإفريقية للاتحاد.
أما عن خطوات الاتحاد الأفريقي المستقبلية أشار فتح العليم أنه أثناء الاحتفال بمرور خمسين عاما على تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في مايو 2013، وقع الزعماء الأفارقة على وثيقة Solemn declaration، التي تحدثت عن طموحات وآمال الأفارقة خلال العقود الخمس القادمة، للبدء في وضع رؤية واضحة لأفريقيا، على أن يتم تقسيم تلك الرؤية الخمسينية إلى فترات زمنية مقدار كل فترة 10 سنوات، ويقوم عليها إدارة التخطيط الاستراتيجي بالاتحاد الأفريقي، بالتشاور مع كافة الأطياف والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية داخل القارة، فضلا عن الأفارقة في المهجر.
ووضع زعماء القارة في تلك الوثيقة نقاط محددة، التي من شأنها تصبح أفريقيا قوية، فتيّة، متعلمة، مصنعة، منتجة، وفاعلة في الدور العالمي، في ظل امتلاكها أكثر من 90% من احتياطيات الموارد في العالم، فالقرن القادم سيكون لأفريقيا.
أجندة الاتحاد الأفريقى 2063:
تسعى الأجندة إلى إحداث التحول الاقتصادي والاجتماعي المنصف والمرتكز على البشر، وقد بنيت الأجندة على التعهدات المقدمة خلال الإعلان الرسمي للذكرى الخمسين، في إطار الطموحات الأفريقية المستقبلية بشأن أفريقيا متكاملة سلمية مزدهرة، وفي ظل العزم على المضي قدما نحو نقطة اللاعودة حيث التغيير الشامل الذي لا رجعة فيه.
ومن ثم تعتمد أجندة 2063 كرؤية جماعية وخارطة طريق للسنوات الخمسين القادمة، على تسريع العمل في المجالات التالية:
1- القضاء على الفقر بحلول عام 2025:
يتم ذلك من خلال تكثيف الجهود المبذولة في الاستثمار في القدرات الإنتاجية لشعوبنا، وتحسين الدخل، وتوفير فرص العمل للشباب، وضمان التنمية المتوازنة لجميع المستوطنات البشرية.
2- التحول الاقتصادي والنمو والتصنيع للاقتصادات الأفريقية:
من خلال تنفيذ خطة العمل الأفريقية لتطوير التصنيع، وتنفيذ الاستثمارات المشتركة عبر الحدود، وكذلك وضع استراتيجيات لتطوير الاقتصادات الأفريقية الزرقاء والخضراء، وتطوير القطاع الخاص الأفريقي.
3- تعزيز عملية تحديث الزراعة الأفريقية والأعمال التجارية الزراعية:
وذلك بحلول عام 2025، بالعمل على إزالة الجوع وانعدام الأمن الغذائي، وتخفيض الصادرات الغذائية ورفع التجارة الأفريقية البينية في الزراعة والأغذية، وتوسيع عملية إدخال النظم الزراعية الحديثة والتكنولوجيا والممارسات والتدريب.
4- تغير المناخ والبيئة:
ويتضمن تحديد خمسة مراكز تكنولوجية إقليمية، ترتبط بهيئات وطنية مخصصة لتكنولوجيا المناخ، وبرامج حول تغير المناخ تستهدف النساء والشباب.
5- ربط أفريقيا من خلال البنية التحتية ذات المستوى العالمي:
وذلك بحلول عام 2016، من خلال الجهود المنسقة لتمويل وتنفيذ مشاريع البنية التحتية الرئيسية، تبدأ بالسعي لربط جميع العواصم الأفريقية والمراكز التجارية من خلال مبادرة أفريقيا المتكاملة للقطارات العالية السرعة، وكذلك تسخير كافة موارد الطاقة الأفريقية لضمان توفير الطاقة الحديثة، والعمل على أن تصبح القارة على قدم المساواة مع بقية العالم كمجتمع للمعلومات.
6- تسريع إنشاء منطقة قارية للتجارة الحرة:
بحلول 2017، يتمثل ذلك في برنامج لمضاعفة التجارة الأفريقية البينية بحلول عام 2022، وإنشاء المؤسسات المالية كبنك الاستثمار الأفريقي والبورصة الأفريقية للأوراق المالية 2016، وصندوق النقد الأفريقي 2018، والبنك المركز الأفريقي 2028-2034.
7- دعم الشباب كمحرك لنهضة أفريقيا:
بحلول 2025، ويتم من خلال الاستثمار في صحة وتعليم الشباب وتوفير التكنولوجيا والفرص ورأس المال، فضلا عن وضع استراتيجيات موحدة لمكافحة البطالة ونقص العمالة بين الشباب.
8- إسكات البنادق بحلول عام 2020:
تعهد الاتحاد الأفريقي بعدم توريث الأجيال القادمة من الأفارقة عبء النزاعات المسلحة، بالعمل على تعميم السلام في القارة، وإنهاء جميع الحروب، والنزاعات الأهلية.
9- جواز السفر الأفريقي:
يتم إصداره بحلول عام 2018، وفقا لاتفاقيات بين الجهات المختصة بين الدولة الأعضاء داخل الاتحاد الأفريقي، وجدير بالذكر، أن كثير من دول القارة بدأت الاستفادة من التحول العالمي نحو جوازات السفر الإلكترونية، بالمسارعة بإدخال هذه المواصفات لتوحيد جوازات السفر الرقمية الأفريقية، بالإضافة إلى السعي نحو إلغاء متطلبات التأشيرة لجميع المواطنين الأفارقة.
آليات السلم والأمن الإفريقي:
وفقا لطبيعة تكوين الاتحاد الأفريقي، نجد أنه يتضمن أقسام متخصصة تعمل في مجالات متخصصة، فهناك إدارة السلم والأمن التي طورت برنامجا منذ عام 2005 عرف بهندسة السلم والأمن، والذي انبثق عنه مجلس السلم والأمن الإفريقي، الذي يعمل بكفاءة عالية، وتُحال إليه جميع القضايا الأفريقية، كما تأتي لجنة الحكماء الأفارقة كأداة من الأدوات الناعمة للاتحاد، وتتكون من 5 أعضاء، يشترط أن يكون مجيئهم إلى الحكم ديمقراطيا، وتركهم للحكم بطريقة ديمقراطية أيضا، ويتم اختيارهم من أقاليم القارة الخمسة، كما تبلورت آلية الإنذار المبكر، التي تتدخل في المناطق التي تشهد توترا وصراعا لتقوم بدورها المنوط بها لتخفيف درجات التوتر والتصادم، في ظل ما تشهده القارة من معضلة الصراعات والنزاعات، ويعلم الاتحاد الأفريقي جيدا أن خارطة النزاعات تُوزع في القارة حسب خارطة الموارد، مع استمرار النفوذ الخارجي الكبير للقوى الدولية الكبرى التي تعتبر السبب الرئيس في خلق المشكلات والصراعات والنزاعات.
وحول آليات مجلس السلم والأمن الإفريقي، أشار السفير فتح العليم إلى أنه من بين تلك الآليات، وفقا للفقرة 12 من البروتوكول المؤسس لمجلس السلم والأمن، إنشاء قوة أفريقية جاهزة، مع الأخذ في الاعتبار أن ضمن أدبياتها ألا تنتشر قوة أفريقية من نفس الإقليم، مع استثناء ما حدث في الصومال من تدخل إثيوبي، أوغندي، وكيني، لعدم جاهزية القوة الإفريقية آنذاك، كما أن تمويل تلك القوات ذاتيا من الاتحاد الأفريقي، فلا يتم إرسال أية قوة إلى الأرض ما لم يرصد لها الاتحاد تمويلا لمدة 6 أشهر قادمة.
وعن التهديد القائم لجماعة بوكو حرام في الداخل النيجيري وسريانه لدول الجوار، أشار فتح العليم إلى أنه قد تم رصد الميزانية الخاصة بالقوة الإفريقية لمواجهة التنظيم خلال القمة الأخيرة بأديس أبابا، وتحول القرار من أجهزة صنع السياسات إلى الجهة المختصة الجاهزة.
وشدد السفير فتح العليم على أن أجندة الاتحاد الأفريقي لعام 2063، تركز على الإنسان الأفريقي، حيث تقوم أساسا على تقوية الشرائح الضعيفة في المجتمع الأفريقي " الطفل، المرأة، ذوو الاحتياجات الخاصة "، وكذلك تقوية المناهج التعليمية، الابتكار، وامتلاك الحلول العلمية، حيث تعاني القارة من محدودية في قطاع التكنولوجيا، والذي يجعلها لا تستفيد بالشكل المطلوب من مواردها.
وعن محاربة وباء إيبولا، أكد السفير فتح العليم أن الاتحاد الأفريقي نجح في محاربة هذا المرض بالإنابة عن البشرية جمعاء، حيث تطوع كثير من الشباب الأفريقي من معظم دول القارة، للذهاب للدول التي تعاني انتشار المرض، للمساهمة في التصدي له ومكافحته، وهو ما أدى إلى السيطرة على المرض بشكل كبير.
وحول المعايير الخاصة بالاتحاد الأفريقي في التعامل مع الانقلابات العسكرية بالقارة، وتدخل دول الجوار في الصراعات والنزاعات في الدول الإفريقية، أوضح السفير فتح العليم، أن الآلية الوحيدة التي وُضعت لدرء الانقلابات العسكرية في مؤتمر لومي الذي عقد في عام 2000، حيث رفعت الأجندة بعد تداول بين الدول الأعضاء في قمة الجزائر 1999، ومن ثم أجمع القادة الأفارقة على إصدار إعلان لومي، الذي تحدث بدوره عن الإعلانات غير الدستورية، وأشار إلى أن هناك فرق بين الإعلان غير الدستوري وبين الانقلاب العسكري، وأضاف أن دولة توجو أول من طُبق عليها هذا الإعلان، بعد وفاة رئيسها في عام 2005، وأعلن المسئولون هناك إجراءات غير دستورية وفقا للإعلان، قام الاتحاد على إثرها بحظر أنشطة دولة توجو، وأجبرها على تسليم الرئاسة لرئيس البرلمان حسب الدستور التوجولي، وقد أشار فتح العليم إلى حالة الدولة المصرية بعد 30 يونيو التي أدت إلى تجميد أنشطتها في الاتحاد الأفريقي، كون حدوث تعديل غير دستوري بعد تولي الرئيس عدلي منصور رئاسة مصر مؤقتا، في حين أن الدستور المصري لعام 2012 يقضي بتعيين نائب الرئيس، ومن ثم فإن ما حدث لم يصفه الاتحاد في أدبياته انقلابا عسكريا، عكس ما جرى تداوله في أدوات الإعلام المصرية.
وختاما أشارت الدكتورة أماني الطويل، إلى أنه لم يتم تدشين كل الجوانب التطبيقية للإطار العام الخاص بأجندة الاتحاد الأفريقي 2015-2063، الأمر الذي يتطلب وجود آليات يتم التوافق عليها.
وفي الوقت الذي تفاءلت فيه بمستقبل القارة الأفريقية، لما تمتلكه من إمكانيات تؤهلها للعب دور عالمي بارز، إلا أنها أكدت على وجود تحديات تواجهها، ويجب التغلب عليها، خاصة المتعلقة بالحكم الرشيد، توطن الفساد، عدم الشفافية، والصراعات المسلحة.
مؤكدة على تحقيق الاتحاد الأفريقي خطوات متقدمة وملموسة عن جامعة الدول العربية، في إطار السعي الحثيث من أجل مستقبل أفضل للقارة الأفريقية.