أحمد عسكر

باحث مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 في إطار محاولات بلورة رؤية استراتيجية لمكافحة التطرف بكافة أشكاله وأطيافه، لما يشكله من خطورة، ولما له من تأثير سلبي وتداعيات خطيرة على المجتمع المصري بكافة شرائحه، كونه يضعف الدولة ويساهم في خلخلة أركان المجتمع ونسيجه الاجتماعي، وحول ما تقتضيه الظروف والأوضاع الداخلية بضرورة بناء حضانة مجتمعية من شأنها الحد من مظاهر التطرف في المجتمع، والعمل على توفير المقومات العازلة له اجتماعياً، تناولت موضوعات العدد الجديد من مجلة أحوال مصرية، قضية التطرف، ومنابعه وأسبابه، وتأثيراته على كافة المناحي، وطرق مجابهته.

وقد أشار الدكتور أيمن عبد الوهاب، رئيس تحرير المجلة والخبير بمركز الأهرام للدراسات، إلى أن اتخاذ المزيد من الخطوات في إطار مكافحة التطرف بكل أشكاله وأفكاره، يمثل خطوة مهمة وضرورية في السعي نحو تجفيف منابع الإرهاب، ونحو بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، إضافة إلى كونه يعزز تحصين الدولة المصرية والمجتمع من تداعيات ظواهر الإرهاب والفكر المتشدد، فضلاً عن أنه خطوة داعمة لاستعادة وسطية وغنى الشخصية المصرية وحضارتها.

كما أكد على ضرورة التصدي لمظاهر التطرف الخطيرة التي تواجه العديد من شرائح المجتمع المصري، لا سيما فئة الشباب، مثل تشتت الهوية، والارتكان لأفكار العولمة، الأمر الذي يقتضي ضرورة وجود رؤية استراتيجية في هذه المرحلة من عملية بناء الدولة، لمواجهة أفكار التطرف والتشدد الديني والمذهبي في المجتمع المصري، وتعني تلك الاستراتيجية بالإنسان المصري، من خلال مجموعة من السياسات العامة التي على الدولة أن تتبناها وتعمل على توفير المقومات الضرورية للبناء.

كما يجب أن يتحمل الجميع المسئولية، حكومة ومجتمعاً، من خلال القنوات المتاحة لكل جانب.

أضحى التطرف قضية تشغل دوائر صنع القرار في الدولة المصرية منذ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2014، ليس لكونها سبباً في انتشار الأفكار المتطرفة والإرهاب بأنواعه المختلفة، ولكن بسبب التداعيات غير المقصودة التي ترتبت على انتشار الأفكار المتطرفة بأنواعها المختلفة.

وعلى الرغم من وجود مشكلة خاصة بتحديد المقصود بمصطلح التطرف في الأدبيات المصرية، بل والعربية أيضاً، إلا أنه يمكن القول بأن التطرف هو مجموعة الأفكار التي تمثل خروجاً على التيار السائد المقبول في المجتمع، وعلى النظام المنصوص عليه في الدستور على نحو يترتب على تنفيذه تغير جذري في الأوضاع.

كما ميزت الباحثة بين عدة أشكال للتطرف، ما بين التطرف السياسي، والتطرف السياسي-العنيف، والتطرف الديني-العنيف، والتطرف السياسي-الديني-العنيف.

وتنقسم ظاهرة التطرف إلى ثلاثة أبعاد من التفاعلات، يمثل البعد الأول في كون ظواهر التطرف والتعصب والعنف ترتبط عادة بشريحة الشباب، نظراً لما يعانونه من بعض المشكلات في المجتمع، بينما يتعلق البعد الثاني ببناء المجتمع الذي يشهد التطرف، والذي ينتمي لمجتمعات الجنوب بما يعكسه من نمط الأبنية الانتقالية غير المستقرة، بسبب محاولتها الانتقال من الأوضاع التلقيدية لمرحلة الحداثة من خلال عملية التحديث، ويتصل البعد الثالث بالنظام العالمي الذي نعيش فيه، والذي يبحث عن الاستقرار من خلال فض التناقضات القائمة على ساحته، والمسببة لكثير من التوترات والإحباطات، التي تشكل الوقود للترف والعنف والإرهاب.

ومن ثم، تظهر بعض الإجراءات التي من شأنها تشكيل سياسة اجتماعية تعني بمواجهة التطرف وتقليص وجوده، تتمثل في ضرورة تأسيس ميثاق شرف أخلاقي ومهني، فضلاً عن قيام دول الجنوب الفقيرة بالعمل على حل مشكلات الشباب وإشباع احتياجاتهم، إضافة إلى قيام المؤسسات الفكرية للدولة بالدور المنوط بها في إطار مواجهة ظاهرة التطرف في المجتمع.

هنا، يمكن الإشارة إلى مجموعات الإسلام الحركي في مصر وكيفية ظهورها، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين، وكيف أن أفكارها وأهدافها تتناقض مع فكرة الدولة الوطنية الحديثة، وكيف أنها صاحبة الدور الأبرز في نشر ثقافة التطرف في المجتمع المصري منذ العقد الثاني لظهورها في العام 1928، حيث قدمت الجماعة مجموعة من الأفكار التي جسدت مشروعاً تفكيكياً للدولة الوطنية، من شأنه أن يعيد إنتاج القضايا التي تفرق الأمة وتجعل المفاضلة بينها على أساس المعتقد الديني وليس على أساس المواطنة الواحدة، كما أطلقت سهامها نحو بنى الدولة الوطنية من أجل تعزيز ثقافة معادية للدولة الحديثة ولمؤسساتها.

ويرتبط التطرف بالعمليات النفسية، حيث تبين أن العمليات النفسية تساعد على التطرف بشكل كبير من خلال اقترابات ناعمة محترفة نحو الأفراد والمجتمعات المعتدلة لدفعهم نحو التطرف، كما تعمل على زيادة التطرف للأفراد والجماعات المتطرفة ليصل إلى التطرف العنيف الذي يصل إلى درجة الإرهاب.

وعقب اندلاع ما يعرف بانتفاضات بالربيع العربي، وما ترتب عليها من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية في عدد من بلدان المنطقة، وظهور موجة التطرف العنيف التي لم تشهده المنطقة من قبل، الأمر الذي أفضى إلى ظهور مفهوم التطرف الفكري، كأحد أبرز التحديات التي يواجهها العقل البشري في الآونة الأخيرة، كونه أحد المشكلات التي تواجه الأنظمة السياسية الصاعدة في فترات التحول السياسي، التي تشهد استقطابات حادة.

كما أولت الأحزاب المصرية، خاصة تلك التي نشأت بعد ثورتي 25 يناير، و 30 يونيو، أهمية خاصة بالنسبة لقضية الإرهاب والتطرف، ليس فقط في وثائقها الرسمية، وإنما في البرامج الانتخابية التي خاضت بها الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2015، كما عقدت بعض الأحزاب العديد من الأنشطة والندوات لمواجهة قضية التطرف والإرهاب، وأصدرت العديد من البيانات الداعمة للدولة في مواجهة العمليات الإرهابية التي شهدتها الدولة خلال الفترة الماضية.

وفي نفس السياق، قد تناول الفن والإبداع أيضاً قضية التطرف، حيث تعاطت الرسوم الفكاهية مع قضية الإرهاب بانطباعات أو دلالات عدة، تمثلت بعضها في الصورة التي أضحت نمطية للإرهابي، بجسمه الضخم وزيه المميز وملامحه التي تتميز بالقبح، مما ينفر القارئ من شخصيته، ولا يدع أي مجال للتعاطف معه.

أما البعض الآخر، يتمثل في تفنيد الكثير من مزاعم الإرهابيين حول بعض القضايا التي تثار حول الخلافات كالحجاب وتعليم الفتيات.

كما نجحت السينما المصرية في تجسيد قضايا التطرف في المجتمع، وفي أن تكون مرآة عاكسة للواقع وقضاياه، حيث ركزت بشكل أكبر على ما يدور بالشارع المصري ومتابعة أحداثه وتطوراته، منذ الثمانينيات والتسعينيات التي شهدت فيها مصر تصاعد للعمليات الإرهابية من قبل العديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة.

وتجدر الإشارة إلى أن السياسات التي تقوم بها الدولة في إطار مكافحتها للتطرف بها نوع من الغموض في معايير تصنيف الجماعات المتطرفة، وغياب الرؤية الكلية لجهود الدولة، وافتقاد الجاذبية وعنصر الإثارة، ومحدودية الاستفادة من الخبرات السابقة.

ومن ثم، وفي إطار جهود الدولة المصرية لمكافحة التطرف إبان ثورة 30 يونيو 2013، تمثلت تلك الجهود في المواجهة الدينية، من خلال استعادة السيطرة على المساجد والزوايا، وإنشاء مراصد لمحاربة انتشار الفتاوى الشاذة والتكفيرية، علاوة على تكثيف أنشطة التوعية الدينية بين الشباب في المحافظات، والمواجهة الفكرية والإعلامية، من خلال الاهتمام باستعراض الآثار السلبية لظاهرة التطرف، عن طريق الندوات التثقيفية ولقاءات المثقفين والمفكرين، فضلاً عن الاهتمام بتطوير وتحديث وتنقيح المناهج التعليمية والكتب الدينية، علاوة على الاهتمام ببرامج التوعية ضد التطرف في الجامعات المصرية، والوقاية الأمنية، من خلال عدد من المبادرات التي اتخذتها الدولة بدءاً من الاهتمام بشمال سيناء التي تواجه فيها الدولة عدد من التنظيمات المتشددة، حيث أطلقت مؤسسة الرئاسة البرنامج الرئاسي العاجل للشباب من أبناء قبائل المحافظات الحدودية، من أجل تنمية مهاراتهم، وانفتاحهم على شباب المحافظات الأخرى، فضلاً عن حزمة المساعدات الإنسانية للمواطنين المقدمة من الحكومة، نهاية بالإجراءات الحكومية حول حظر السفر للأشخاص ما بين 18-40 عاماً إلى دولة تركيا دون إذن أمني مسبق، خوفاً من انضمام الشباب المصريين إلى تنظيم داعش.

وينبغي التوصل إلى خطة عمل، من شأنها تعزيز الدولة لجهودها وتحويلها لسياسات مستدامة، يكون مفادها؛ اتخاذ النظام السياسي لمزيد من الإجراءات نحو فتح المجال العام، وملء حالة الفراغ السياسي الذي يعيشها قطاع كبير من الشباب، فضلاً عن تحديد الرسائل السياسية والإعلامية التي تسعى الدولة لإيصالها في مجال محاربة التطرف، واستحداث الإطار المؤسسي اللازم، من خلال تشكيل مجموعة عمل وزارية خاصة بمكافحة التطرف والإرهاب، أو منسق وطني مختص بتنسيق جهود المكافحة على المستويين الداخلي أو الخارجي، إضافة إلى إمكانية إنشاء خريطة تفصيلية بأماكن انتشار التيارات المتطرفة خاصة في المحافظات، والبناء على خبرة عملية المراجعات وتشجيعها، وإعداد البرامج المتكاملة للتعامل مع العائدين من داعش، والتأكيد المستمر على عناصر القوة الناعمة المصرية في مجال مكافحة التطرف.

أما فيما يتعلق بالخطاب الديني، والتحديات التي تواجه تجديد الخطاب الديني، يتضح أن تجديد الخطاب الديني هي عملية بمقتضاها يتم تحويل الفكر الديني من حديث دائم حول المعتقدات والطقوس فقط إلى اعتبار الدين قوة دافعة في تغيير مسار المجتمع.

كما أن تجديد الخطاب الديني ليس تغييراً في لغة، أو ما يطلق عليه تصحيح للمفاهيم، ولكن الإشكالية في النظر إلى التدين والمتدينين، كما أن البديل هو تقديم خطابات دينية تحرر الإنسان، وهو ما يمكن تسميته بالتدين التقدمي.

لكن، ولكي تنجح أي سياسة أو استراتيجية في مجال مكافحة التطرف وممارسة العنف، ينبغي أن تنبني على فهم دقيق للأسباب التي تدفع الأفراد والجماعات إلى انتهاج هذا الطريق، ولطالما أن السلطات الحاكمة في أي دولة لا تدرك هذه الأسباب بدقة أو تخطئ في تقدير أولوياتها، لن تؤت السياسات التي تضعها من أجل مكافحة التطرف ثمارها بالضرورة.

وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من المسئولية الحكومية تجاه مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، إلا أن هناك مسئولية تنصب أيضاً في مجابهة التطرف إلى القوى المجتمعية بكافة تنظيماتها الأهلية، والدور المنوط بها في مواجهة الأفكار المتطرفة من خلال أدوارها الاجتماعية والثقافية، فضلاً عما يفترض القيام به من تنظيم للتفاعلات الاجتماعية وصهرها في إطار الشخصية والهوية المصرية الوسطية، التي أثبتت قدرتها على امتصاص الأفكار والرؤي الغريبة عن المجتمع في بوتقة الصهر، مما جعل الدولة المصرية واحدة من أقدم دول العالم.