يتلخص الموضوع الرئيسي لكتاب "الثقافة أثناء الفترات الانتقالية: مصر بعد ثورة 25 يناير"، الصادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، بالتعاون مع المؤسسة الثقافية السويسرية "بروهيلفتسيا"، في رصد المشهد الثقافي فى مصر، وقد تم دعوة كتاب من سويسرا وبولندا للتعرف على كيفية وضع السياسات الثقافية وإدارة المشهد الثقافى هناك؛ خاصة أثناء فترة التحول الديمقراطى بعد ربيع أوروبا الشرقية.
كما تم دعوة كتاب من مصر للتعرف على كيفية إدارة المشهد الثقافى المصري، ولطرح رؤية للخروج من أزمة المشهد الثقافى الحالي، إلى مشهد آخر أكثر رحابة، وتجاوز حالة عدم وجود رؤية واضحة للثقافة، وحالة المركزية الشديدة التي تعاني منها الثقافة في مصر.
وقد لخص "تعريف الكتاب"؛ الهدف والرؤية من إصدار الكتاب بشكل واضح.
ومن الواضح أن الكتاب يهدف إلى رصد وتحليل تأثير الثقافة - بوصفها موجها للسلوك - على تصرفات القوة الفاعلة في المجتمع خلال الفترة الانتقالية عقب ثورة 25 يناير، وذلك بغرض معرفة الأسباب الحقيقية لما حدث بعد الثورة، وفهم تطورات الأحداث من منظور رؤية علمية والاستفادة من الأخطاء وتفاديها مستقبلاً وتعظيم الايجابيات إن وجدت؛ ويتضمن الكتاب عشر مقالات وحواراً، إضافة إلى حوار المائدة المستديرة، تسبقهم مقدمة.
- فى المقدمة توضح الدكتورة/ هبة شريف، أن هناك تحولات ثقافية جذرية طرأت على المجتمع المصرى منذ ثورة 25 يناير 2011، إذ أن الثورة فرضت واقع على جميع قطاعات المجتمع المصرى، من بينها المجال الثقافي، ومن هنا جاء اهتمام المؤسسة الثقافية السويسرية بأن تعيد النظر فى مشروعات التبادل التى تدعمها فى مصر فى ضوء تلك التحولات والمتغيرات الجديدة.
وعقدت د/ هبة؛ مقارنة بين المشهد الثقافى المصرى ونظيره السويسرى، وأوضحت أنه بالرغم من حداثة سويسرا كدولة، فإنها دولة راسخة فى مجال إدارة الثقافة وإدارة المال العام الموجه لخدمة الثقافة، وانتهت إلى أن المشهد الثقافى السويسرى وطريقة إدارته تختلف عن المشهد الثقافى المصرى الذى مازال يطمح إلى أن يبدأ طريق التحول نحو الحداثة.
- وفى المقال الأول من الكتاب المعنون بـ "الحداثة بين الغياب والحضور" ينطلق الدكتور/ أنور مغيث عارضاً تطور مفهوم الحداثة فى مجتمعاتنا موضحاً أنه منذ منتصف القرن التاسع عشر تبلور اصطلاح "فكر النهضة العربى" بتياراته المختلفة، ولكن لهدف واحد وهو اللحاق بالغرب، واختفى هذا التعبير متحولاً إلى "تحديث المجتمع".
ويشير د/ مغيث إلى أن الوصول إلى الحداثة أصبح الهدف الواقعى للمجتمعات المتأخرة بشرط أن تدرك تلك المجتمعات مواطن التأخر، وكذلك إدراك مفهوم الحداثة نفسه.
وينتقل بعد ذلك إلى الإشارة لصعوبات الحداثة كمشروع.
أما عن تعريف الحداثة فيوضح أنه ليس هناك تعريف أو تحديد واضح للحداثة بسبب تعدد وتشابك أبعادها، فلقد صارت تعريفات الحداثة متعددة مثلها مثل تعريفات الثقافة، فكل تعريف يلقى ضوءاً على بعد من أبعاد ظاهرة بالغة التعقيد.
كما أن الحداثة ليست محل إجماع فهناك من يصطف خلفها، وهناك من يدير لها ظهره، فهى بالنسبة للوطن العربى وعد بالنهضة وتهديد بالفناء على حد قوله، ثم ينتقل د/ مغيث بعد ذلك للحديث عن التحديث فى عهد محمد على والحملات العسكرية والبعثات التعليمية، مروراً بعصر إسماعيل ومحاكاة الغرب.
وأكد على أن للحداثة مؤشرات منها حرية المرأة فى مواجهة الأفكار الرجعية، وأشار إلى كثير من المفكريين الليبراليين الذين ناصروا هذه القضية مثل قاسم أمين، وسعد زعلول، ولطفى السيد، ومحمد حسين هيكل، وطه حسين، ومنصور فهمى، واعتبر د/ مغيث اليابان هى النموذج الاسترشادى الذى يوضح كيفية الوصول للحداثة فى مجتمع غير أوروبى.
وتبنى د/مغيث النظرة التاريخية للحداثة باعتبارها مساراً تاريخياً طويلاً يقتضى تحقيقه تغييرات هيكلية فى الشعوب المتحولة إليه.
وأن الحداثة تنتج عن الحراك الاجتماعى وفقاً للفئة صاحبة المصلحة فى التحديث، وأن تجارب التحديث فى الدول الغير أوروبية تكون معتمدة على النخب بشكل كبير.
ولقد أوضح أن هناك سمات فكرية وفلسفية كبرى ترافق الحداثة، وأكد على أن ما بعد الحداثة لا تعنى انتهاء تلك السمات؛ إذ أن المجتمع هو المجتمع، وإن كان هذا عكس ما جرى فهمه بشكل عام من أن "ما بعد الحداثة" حركة فكرية تقوم على نقد، بل ورفض الأسس التى ترتكز عليها الحداثة، فهى "تتضمن قطيعة جذرية مع ثقافة الحداثة" على حد قول "فريدريك جيمسون" فى تصديره لكتاب ليوتار "الوضع ما بعد الحداثى"، وأتصور أن هذا مرجعه إلى أن المقال استخدم مصطلحات من قبيل: الغياب والحضور (هيدجر ودريدا) ، ما بعد الحداثة (ليوتار وهابرماس) وما بعد الصناعى (آرثر بنتي)، وكلها مصطلحات نشأت فى بيئة مختلفة جذرياً عن البيئة المصرية، فنحن ما زلنا نحبو على عتبات الحداثة ذلك المشروع الذى لم يكتمل بعد على حد قول هابرماس.
وعلى أية حال، فقد استعرض المقال على نحو دقيق وممتاز مفهوم الحداثة، ولكنه لم يركز على تأثير مفهوم الثقافة في المرحلة الانتقالية، صحيح أنه أشار إلى دور المثقف والمثقفين في ذلك المشروع، لكنه كان حديثاً عارضاً، ولم يكن حديثاً مؤسساً.
- وتناول الدكتور/ عبد العليم محمد، فى مقاله الذى يحمل عنوان: "الثورة المصرية والتحول الديمقراطى"، معالجة التحول الديمقراطى فى مصر، والذى أعقب قيام ثورة 25 يناير 2011.
ويبدأ بشرح حالة مصر قبل الثورة مشيراً إلى حالة الجمود السياسى وتبنى سياسات اقتصادية واجتماعية أفضت إلى العديد من المشكلات، بالإضافة إلى سيطرة أجهزة الأمن ومبادرات الإصلاح من الخارج التى رفضت من قبل الشعب المصرى ناهيك عن الاحتجاجات الشعبية وظهور حركات معارضة أشعلت الثورة.
وينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الثورة المصرية والثورة التونسية، ويشير إلى أنهما لم تنخرطا فى أى من التقاليد الثلاثة الإيدولوجية التى انخرطت فيها ثورات القرن العشرين، وفي نفس الوقت الذي عاب فيه على الثورة المصرية عدم وجود قيادة لها اعتبر أن ذلك يعد ميزة.
ولقد تحدث بعد ذلك عن المشهد السياسى فى المرحلة الانتقالية الأولى بعد رحيل مبارك ومدى الصراع المشتعل وما ترتب عليه، ثم تحدث عن المرحلة الانتقالية الثانية والعوامل التى عززت الانتقال الديمقراطي.
ويوضح المقال بعد ذلك الشروط التى تساعد على التحول الديمقراطى بشكل عام، ويحاول استكشاف ما إذا كانت متوافرة فى الحالة المصرية أم لا.
وبعدها يقارن بين الثورة المصرية وغيرها من الثورات كالثورة البولندية والمجرية والأوكرانية موضحاً كيف افتقدنا في الثورة المصرية إلى حوار المائدة المستديرة.
كما أوضح بنية الهيكل الديمقراطى، واختتم دراسته بالعناصر التى افتقدتها الثورة المصرية.
والواقع إن المقال طرح وعرض إشكاليته بشكل مفصل أثرى الكتاب؛ خاصة تركيزه على الجانب السياسي إبان ثورة 25 يناير، وإن كان مفهوم الثقافة أوسع بكثير من السياسة ذلك إذا أخذنا في الاعتبار تعريف الثقافة بأنها "ذلك الكل المؤلف الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل المقدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع" على نحو ما عرفها "تايلور" في كتابه الثقافة البدائية.
- وتحت عنوان: "لا ثقافة بدون تعليم" جاء حوار أجرته أ/ منحه البطراوي مع "أندريا راشيه" حول السياسات الثقافية في سويسرا، ففى البداية عقد مقارنة بين أوضاع سويسرا فى القرن التاسع عشر، وأحوال مصر فى القرن الواحد والعشرين، وبعد ذلك طرح مجموعة من الأسئلة عن المشهد التاريخى لسويسرا، وعن الحرب التى قامت فيها، وعن الأسباب التى أدت إلى إيقاف تلك الحرب.
وعرض السياسة الثقافية فى سويسرا وعلاقة التعليم بالثقافة والتعددية الثقافية.
ثم انتقل إلى إشكالية الأقليات وموقعهم من الثقافة، وبعدها أجاب على بعض الأسئلة منها على سبيل المثال سؤال عن الدعم الذى تقدمه المؤسسة الثقافية بسويسرا ومعايير تقديم هذا الدعم، كما عرض لكيفية إدارة المؤسسات الثقافية السويسرية وكيف أنها تقوم على اللامركزية فتعطي لكل مقاطعة حرية التنوع الثقافي، وأوضح الاهتمام بالشباب، واختتم بالإجابة عن تساؤل حول القوانين التى تحمى الإنتاج الفنى والمبدع بالأساس.
وفي الحقيقة مثل الحوار عرضاً لتجربة ناجحة يمكن الاستفادة منها فضلاً عن توضيحه لإدراك الدول المتقدمة للدور الذي تلعبه الثقافة في حياة الفرد وكيف أن الثقافة يمكن أن تستخدم كوسيلة لفرض معتقد سياسي على نحو ما فعلت ألمانيا النازية، وعلى نحو ما توظف جماعات العنف اليوم التراث لفرض معتقدات معينة.
- وفي المقال المعنون بـ "الثقافة فى أوقات التحول"، يتحدث "بيوس كنوزيل" عن ما أطلق عليه متاهة المفاهيم في تحديد ما نعنيه بالثقافة هل هي الفن أم السياسة أم الآدب وعن دور التعليم فى تشكيل وعى الجماهير، ويذكر أن هناك سياسات ثقافية مختلفة لكل ثورة تحدث فى العالم.
كما يتحدث عن النخب وكيفية تشكيلها والدور الذي تلعبه في المجتمع، وتحدث كذلك عن التحديات التي تواجه السياسة الثقافية الحالية فعليها تحمل التوتر بين التطلعات الثقافية المعيارية للنخبة والتنوع المتنامي لنماذج الحياة الثقافية أو التباين الاجتماعي، كما تحدث عن السياسة الثقافية وضرورة أن يكون لها هدف.
وانتقل بعد ذلك إلى دور الفن من حيث كونه ضمن أعمدة الثقافة، ومن حيث كونه وسيلة للتمايز الاجتماعى وتحديث النخب.
وأوضح أن من يمول الفن يجعله في خدمة مفهومه الاجتماعي الخاص، كما أوضح أن الثقافة الجماهيرية لها القدرة الاجتماعية على التغيير بالمعنى الحديث وأكد على أن هناك تحديات كثيرة تواجه السياسة الثقافية الحالية.
وطرح بعد ذلك بعضاً من الأسئلة والإجابة عنها منها: هل يحتاج الفن إلى مساندة الدولة؟ وهل يغير الفن المجتمع؟ وهل يمكن للفن أن يكون ناقداً للنظام الحاكم؟ وأخيراً هل ما زال الفن يحتاج إلى الدعم الحكومى؟ ثم يوضح البديهيات الأكثر أهمية التى يرتكز عليها النظام السويسرى، وهى الفيدرالية الإدارية، والبعد عن السياسة، والتداول والثقة.
ويختتم مقاله بالإشادة بالنظام السويسرى، من حيث أنه نظام ناجح بوجه عام، فالعلاقة بين الفن والثقافة والرأى العام علاقة حية ومتجددة باستمرار .
ويأتي هذا المقال متوافقاً في المسمى والمضمون مع عنوان الكتاب، كما أنه عكس بشكل واع ودقيق الإحاطة بمفهوم الثقافة، وطرح رؤية للتعامل معها في تجربة يمكن أن تكون استرشادية.
- أما المقال المعنون بـ "السياسات الثقافية فى زمن التحولات"؛ للدكتور/ عماد أبو غازي؛ يستعرض تلك السياسات الثقافية، فيبدأ بتعريف السياسة العامة والسياسة الثقافية ، ويحاول بعد ذلك إلقاء الضوء على أهم الثورات فى التاريخ المصري، والتى أدت إلى تغيرات فكرية واجتماعية وثقافية مهمة ابتداء من انتفاضة يوليو 1795 مروراً بثورة 1805، وما بعدها وثورة 1919، وثورة الضباط الأحرار فى يوليو 1952.
وقد ركز المقال على الدور الذي لعبه المبدعون في تشكيل هذه الثورات ومساندتها والتعبير عن روحها على نحو ما فعل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبدالله النديم ويعقوب صنوع ، نجيب محفوظ ويحي حقي ومحمود مختار.
بعد ذلك ينتقل د/ أبو غازي إلى الحديث عن نشأة المؤسسات الثقافية الحديثة، وتطورها فى مصر، وكذلك عن التشريعات التى تحكم العمل الثقافى، ويوضح أن الثقافة في مصر تتقاسمها ثلاثة مسارات هي الحكومي والأهلي والخاص فضلاً عن جماعات المصالح من نقابات واتحادات وجمعيات.
وأوضح المقال الدور الذي لعبته حركات المعارضة مثل كفاية و6 ابريل ومصريين ضد الفساد والجمعية الوطنية للتغيير، وأوضح كذلك دور الفن من شعر وموسيقى وغناء في فضح النظام وفساده، وضرب أمثلة بفيلم "هي فوضى" و"حين ميسرة" كل ذلك قبل قيام ثورة يناير.
كما أوضح أن الواقع الثقافي والإعلامي شهد حراكاً على مستويات متعددة فأنتشر فن الجرافيك كما ظهرت المدونات قبل وبعد الثورة، كما ظهرت أعمال سينمائية ومسرحية توثق أحداث الثورة .
كما تناول المقال محاولة جماعات الاسلام السياسي لوضع استراتيجية لمواجهة الثقافة والابداع والاعلام، وكيف أن هذه الجمعات تسعى لفرض ثقافة أحادية على المجتمع انطلاقاً من منهجها الذي يقوم على السمع والطاعة واعتقدت أنه من خلال سيطرتها على مفاصل الدولة بما فيها الثقافة تستطيع أن توجه العقل في إتجاه أفكارها .
واختتم د/ أبو غازي؛ بتطور السياسات الثقافية فى مصر، إشكاليات أطر العمل، إشكاليات التطبيق، إشكاليات التنمية الاقتصادية وآليات تنفيذ السياسة الثقافية الجديدة والعقبات التى تواجهها والتى كان أبرزها صعود تيارات سياسية معادية لحرية الفكر وضعف المخصصات المالية لوزارة الثقافة، وطالب بأن يتولى صياغة السياسة الثقافية فريق من المهتمين بالشأن الثقافي العام.
والحق أن المقال يعرض لرؤية واضحة ويطرح مشكلات الثقافة وحلولها.
- أما مقال الأستاذ/ سعيد عكاشة، المعنون بـ "السياسات الثقافية فى برامج الأحزاب المصرية بعد ثورة 25 يناير" فيلقى فيه الضوء على ما أطلق عليه "الانتفاضة الشعبية" فى الفترة من 25 يناير إلى 11 فبراير، ويستعرض دوافعها والصراع القائم بين الجماهير والإخوان المسلمين أو السلفيين والأحزاب المدنية الإصلاحية، وكيف كان الاختلاف حول أولويات المرحلة الانتقالية ونتائج هذا الخلاف.
وقسم مقاله إلى أربعة أقسام، الأول: وهو الجدل حول مفهوم السياسة الثقافية واختلاف التعريفات والمناهج والأبحاث التى وضعها الباحثون لدراسة السياسة الثقافية بالإضافة إلى المقاربات التى تؤطر صنع السياسة الثقافية فى أى مجتمع.
كما أوضح حالة النفي التي يمارسها كل فريق ضد الفريق المعارض له على الساحة الثقافية والسياسية في مصر، وطالب بضرورة أن يصبح تعريف الثقافة بأنه إدارة التنوع، على أساس أن احترام الاختلاف الثقافي أساس المجتمع العادل.
أما القسم الثانى من المقال: فيتحدث عن مدى إدراك النخبة لمفهوم الثقافة السياسية ومدى تسلط الدولة فى قيامها بالدور الأوحد فى تحديد مضمون وتوجهات هذه السياسة دون تحديد دور المجتمع المدنى والأحزاب المختلفة.
وفى القسم الثالث: يتحدث أ/ عكاشة، عن السياسات الثقافية فى بعض الأحزاب العلمانية، أما القسم الرابع فيتحدث عن معركة وضع الدستور ونقاط الاختلاف حوله، ويختتم موضحاً إخفاق الأحزاب السياسية المصرية إجمالاً فى الإسهام فى معركة التحول الديمقراطى مبيناً مببرات ذلك.
ويمتاز هذا المقال بأنه حاول الكشف عن دور الثقافة من خلال توضيح الممارسات العملية - في مجال السياسة وصياغة الدستور- التي تكشف القناعات الخفية التي تختبيء عادة تحت عبارات إنشائية تكيل المديح والنفاق لكل الأطياف الثقافية، وضرب أمثلة واقعية كما حدث في انتخابات برلمان 2012، وصياغة دستور 2012.
- وفى المقال المعنون بـ "السينما المصرية أزمة صناعة أم أزمة مجتمع: بداية فنية وتحول رأسمالى"، يفتتح الأستاذ/ ضياء حسنى، بسؤال: هل بدايات السينما سعياً وراء الربح أم تحقيقاً للذات الوطنية؟ فيتحدث عن بدايات السينما المصرية وكيف أنها كانت بدايات رأسمالية تسعى وراء الربح إلا أن الدافع بعد ذلك أنطلق من الروح الوطنية، وكيف تطور شكل السينما فى مصر، وكيف لعبت استوديو مصر دوراً حضارياً مهماً، وكيف اعتبرت مرحلة الأربعينيات مرحلة انتعاش للفيلم المصرى.
وينتقل إلى دور السوق الخارجى فى تشكيل اقتصاديات السينما واعتمادها على نجوم لهم شعبية كبيرة.
بعد ذلك يتحدث أ/ حسنى عن ثورة يوليو والتغيرات التى أحدثتها فى طبيعة الثورة المصرية واهتمامها بالحياة الريفية التي ما كان لها أن تصل إلى السينما في ظل توجه المنتجين إلى الطبقة المتوسطة بوصفها الطبقة التي تتردد على السينما وشباك التذاكر مصدر الدخل.
كما نوه إلى المسار الجديد الذى اتخذته بعد إنشاء مصلحة الفنون عام 1955، والمؤسسة المصرية العامة للسينما وأهدافها، وبعدها تجربة القطاع العام ومشكلاتها وإنتاجها الكلاسيكى، وبعد ذلك قام بإجراء إحصاءات، وتحدث عن السينما فى فترات مختلفة من التاريخ.
ولم يشر المقال إلى الدور الذي لعبته السينما قبل وبعد ثورة 25 يناير كما فعل أبوغازي، والحقيقة أن المقال يتحدث عن التحديات والصعوبات التي واجهت وتواجه السينما المصرية أكثر مما يتحدث عن دور السينما بوصفها ثقافة في التأثير على سلوك الأفراد وتوجيه سلوكهم.
- وترصد الدكتورة/ نوال المسيرى، فى مقالها "الصناعات الثقافية التراثية المصرية"، القيمة الثقافية للصناعات الثقافية المصرية؛ خاصة التراثية منها.
وتتحدث عن مفهوم الصناعات الثقافية والإشكاليات التى دارت حول التعريف، واهتمام المنظمات العالمية بتعريف ذلك المفهوم.
كما عرضت لأهم القضايا المتعلقة بالفنون والحرف التقليدية فى مصر وأوضحت أن بعض الحرف يمكن أن تكون مصدراً للدخل وتوفير فرص عمل سهلة وغير مكلفة كما حدث في جزيرة شندويل التي اتخذت من صناعة التلي مصدراً للرزق، ثم عرضت لأهم القضايا المتعلقة بالفنون والحرف التقليدية فى مصر وعلاقة تلك الحرف بالصناعات الثقافية والتراثية وبالوثائق والأرشيف.
ثم انتقلت للحديث عن الصناعات الثقافية الحديثة والإشكاليات التى تواجه السياسات الثقافية.
وبعد ذلك ألقت كاتبة المقال الضوء على السياسات الثقافية فى الحقب التاريخية المختلفة، وامتدحت تأسيس طلعت حرب لشركة غزل المحلة واعتبرتها مثالاً نادراً خلق كيان صناعي، ولم تلتفت إلى أن هذا الأمر تكرر في شركات أخرى مثل شركة الحديد والصلب المصرية، وذكرت بعض الوزارات والمؤسسات موضحة ما إذا كانت تقوم بأنشطة تختص بالصناعات الثقافية أم لا، واقترحت بعض المستويات للتعامل مع الحرف التقليدية؛ من حيث عدم وجود جهاز إدارى حكومي موحد لرعاية الحرف والفنون كأحد فروع الصناعة الثقافية.
وعددت الجهات المسئولة عن الحرف منها: وزارة الثقافة ويتبعها وكالة الغوري ومركز الفسطاط والمدرسة الأميرية للحرف التقليدية، ووزارة الشئون الاجتماعية والتضامن الاجتماعي ويتبعها الجمعيات الأهلية والصندوق الاجتماعى.
واختتم المقال بحصر أسماء الحرف وتبويبها وأماكن تكلاتها.
وبشكل عام؛ فإن المقال يقوم برصد الحرف والسياسات التي اتبعت في التعامل معها ولا يركز على الدور الثقافي وهو بعيد عن غاية الكتاب.
- يفتتح الدكتور/ أحمد زايد، مقاله "الثقافات المصرية فى المحيط العربى: جدل الازدهار والانحصار" بتوضيح دور مصر التاريخى فى نشر الثقافة، ويشير إلى الجدل الذى يدور الآن حول انحسار هذا الدور، ويحاول توضيح إلى أى مدى انحسر هذا الدور.
فيبدأ بإلقاء الضوء على تاريخية الدور الثقافى المصرى وريادته، بدءً من مكتبة الاسكندرية مروراً بالعصر الحديث؛ حيث لمعت أسماء محمد عبده وقاسم أمين ولطفي السيد وطه حسين والعقاد وشوقي وحافظ، وكذلك ما شهده الغناء والموسيقى والفن، وبعد ذلك يوضح الجدل الذى يدور حول تراجعه، وينتقد الرأيين لافتقادهما الموضوعية، كما ذكر الاعتبارات التى يجب أن ننظر فى ضوئها إلى انحسار هذا الدور وربط بين تراجع الدور الثقافي وتراجع الدور السياسي.
ثم ينتقل للحديث عن التحديات المعاصرة التى تواجه الثقافة المصرية، ويحدد العوامل الداخلية متمثلة في الاتهامات المتبادلة بين السلطة والمثقفين بالمسؤلية عن تدهر الثقافة ورداءة الابداع وسياسة الانفتاح التي أدت إلى سيادة ثقافة الاستهلاك بكل ما تعنيه من سلبية، والجرى وراء المكاسب، والعوامل الخارجية كنشأة مراكز ثقافية منافسة لمصر ومدعومة من دولها كالمجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب بالكويت، ومؤسسة الملك فيصل بالرياض، ومؤسسة العويس بالامارات.
ولقد قام هذا المقال بتحليل حالة الثقافة فيما بعد 25 يناير.
ولقد ذهب كاتب المقال إلى أن الثورة ثورة ثقافية، وإن كان من المعروف أن الثورة حدث اجتماعي سياسي اقتصادي ثقافي، وهناك فارق كبير بين أن يقود المثقفون الثورة وبين وصف الثورة بأنها ثقافية.
ويختتم المقال بالحديث عن أثر الثورات في الانتاج الثقافي، وكان أحرى بالمقال التحدث عن تأثير الثقافة في الثورة وقيامها.
- تبدأ "إلينا جاتاسكا"، مقالها المعنون بــ "المنظمات غير الحكومية: هل تمثل مستقبل الثقافة" بالتحدث عن حرية تأسيس المنظمات التى يكفلها دستور جمهورية بولندا اعتباراً من 1997، والتحدث عن القيود القانونية لحظر الجمعيات التى تتعارض أهدافها وأنشطتها مع القانون، مع ذكر أكثر اللوائح والقوانين المتعلقة بالمنظمات، منها قانون المؤسسات الوقفية فى بولندا فى عام 1952؛ إذ تم تصفية تلك المؤسسات الوقفية عام 1952 بناء على مرسوم حكومي باعتبارها صنيعة رأسمالية.
ثم تنتقل للحديث عن قانون الجمعيات الذى تم تمريره فى إبريل عام 1989.
وبعد ذلك تم إلقاء نظرة تاريخية على تطور المنظمات بعد عام 1989.
وقد تم طرح بعض الأسئلة منها: هل المنظمات غير الحكومية مستقلة؟ وهل عمل المنظمات متغير؟ وبعد ذلك تم الانتقال إلى الحديث عن تمويل تلك المنظمات؟ وعقب ذلك قامت إلينا بتقديم محاولة لتصنيف المنظمات الثقافية من حيث طريقة سير العمل، وتحليل المزايا والتحديات التى تواجه تلك المنظمات.
ويختتم هذا المقال ببعض الاتجاهات الإيجابية فى الثقافة كان أبرزها الرقمنة والتشبيك أو الإنتاج المشترك.
- أما المقال الأخير من الكتاب المعنون بـ "بين البعثة والسوق: المؤسسات البولندية الثقافية بعد التحول"، لـ "رومان بافلوفسكى"؛ فى بدايته يلقى نظرة تاريخية على النظام الثقافى فى بولندا عقب الشيوعية، وما كان لهذا النظام من مزايا وعيوب مستشهداً ببعض الظواهر الفنية التى سادت بعد الحرب العالمية الثانية مروراً بأواخر المرحلة الشيوعية إلى أن وصل إلى سنوات التسعينيات.
وبعد ذلك ينتقل إلى مزايا ومشكلات اللامركزية، وفى هذا الإطار يعرض مشروع الإصلاح الكلى المسمى بـ "خطة هاوزنر للثقافة"، ذلك الاقتصادى الذى لفت الانتباه إلى ظاهرة سلبية فى القطاع العام، والذى اقترح بأن يكون لقطاعات الثقافة الثلاثة: العام، والخاص، وغير الحكومية فرص متساوية للوصول إلى الأموال العامة.
وعرض المقال للصعوبة التي واجهت قطاع الفنون المسرحية بطريقة توضح كيفية الاعتماد على النفس لحل وتجاوز الصعوبة، فكان على المسارح لكي تنتج شيئاً جديداً أن تجد المال اللازم بطريقتها الخاصة لأن التمويل الأهلي بمعنى الخاص لم يكن موجوداً ...
وتمثل المصدر الرئيسي في إيرادات بيع التذاكر .
ثم قدم المقال طريقة للإصلاح عن طريق تحرير القواعد وتعديل اللوائح، وتغير نموذج عمل المؤسسات كمطلب ضروري للإصلاح، ويختتم المقال ببعض المقترحات والواقع أن المقال يعرض تجربة لها خصوصية يمكن أن تكون استرشادية خاصة في الاعتماد على الذات وتغيير اللوائح وطبيعة عمل المؤسسات بهدف منحها مرونة أكبر في إدارة نفسها ودون الإخلال بالقانون .
- وعرض الكتاب لحوار دار في مائدة مستديرة حول موضوع الثقافة أثناء التحول الديمقراطي.
وكانت من أهم الأسئلة التى طرحت: ما هو موقع الدين فى ثقافة المصريين؛ خاصة الدين الشعبى كمنطق ثقافة وليس كدين وعقيدة؟ وهل يمكن الجمع بين التراث المصري والحداثة أم لا؟ وهل يتعارض الدين عموماً مع ثقافة المجتمعات الحديثة؟ بمعنى القدرة على التفكير العلمي والحريات، وما هو مفهوم الثقافة لدى تيار الإسلام السياسى؟ وهل يتم حظر قراءة نصوص بعينها على المنتمين إلى التيار الإسلامي؟