قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2014-2-6
كرم سعيد

باحث متخصص في الشأن التركي- مجلة الديمقراطية، مؤسسة الأهرام

في اشتعال مبكر لمعركة الانتخابات الرئاسية في الجزائر التي ستجرى في 17 أبريل المقبل، دعت حركة مجتمع السلم (حركة محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين بالجزائر وتعد أكبر حزب إسلامي) إلى مقاطعة الاستحقاق الانتخابي، لتتسع بذلك جبهة الأحزاب المقاطعة بعد إعلان حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" أيضا قراره بالمقاطعة.

وكانت جبهة التغيير بقيادة الوزير الأسبق عبد المجيد مناصرة قد أعلنت هي الأخرى قبل ذلك مقاطعتها للانتخابات؛ مبررة ذلك بكون الاستحقاق المقبل لا يتوافر له الشروط التي تجعله حراً وديمقراطياً.

أهمية الانتخابات تكتسب الانتخابات الرئاسية المقررة أبريل المقبل أهمية كبيرة استناداً إلى عدة اعتبارات، أهمها أنها أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد بعد موجة الربيع العربي التي أزاحت نظم حكم كانت قد أحكمت قبضتها على شعوبها لعقود طويلة.

كما أنها الانتخابات الاولى التي تأتى في إطار من التلاقي والتنسيق بين قوى المعارضة السياسية.

وكان بارزاً هنا، تأسيس ما يعرف بتكتل "أحزاب الذاكرة والسيادة" في 2012، والذي ضم أكثر من 10 تشكيلات سياسية وتنظيمات جماهيرية مدنية بالإضافة إلى تكتل "الجزائر الخضراء" الذي ضم ثلاثة أحزاب إسلامية هي حركة مجتمع السلم والنهضة والإصلاح.

أضف إلى ذلك أن هذه الانتخابات تجرى وسط حراك شبابي غير مسبوق سواء في الفضاء الإلكتروني أو على أرض الواقع يدعو إلى ضرورة التغيير، وتجديد الوجوه السياسية التي أصابها العطب، كما أنها تأتى في ظل إصرار النظام على الدفع بالرئيس بوتفليقة للسباق الانتخابي رغم ظروفه الصحية القاسية.

سخونة الانتخابات الرئاسية أثارت التكهنات التي تؤكد ترشح بوتفليقة المريض لفترة رئاسية رابعة عاصفة من الجدل داخل الساحة السياسية الجزائرية.

ولم تكن صحة بوتفليقة وحدها وراء رغبة قطاع معتبر من الشارع السياسي في استبعاده، وإنما إلى تحول خطوات الإصلاح التي بدأها العام 2011 إلى طقس احتفالي.

والأرجح أن الاحتقان السياسي الذي تشهده الجزائر اليوم بسبب الحديث عن ترشح بوتفليقة لم يكن هو الأول من نوعه، فقد سبقته سلسلة طويلة من الأزمات على مدار الأعوام الثلاثة التي خلت، تجلت ملامحها في أمور عدة: أولها إجماع الطبقة السياسية الجزائرية على اختلاف اتجاهاتها وتوجهاتها على ضرورة إنهاء حكم الفرد وترسيخ نظام ديمقراطي ينهى جمهورية دولة الحزب وحزب الدولة، وهو الأمر الذي أدخلها في مناوشات مع نظام الحكم.

وثانيها فشل الإصلاحات السياسية التي تبناها الرئيس بوتفليقة بفعل ضغوطات الربيع العربي في تحقيق أهدافها ناهيك عن تنامى روائح الفساد وتباطؤ معدلات النمو.

خلف ما سبق يقف قمع السلطة للقوى السياسية المعارضة، والتي تدعو إلى مقاطعة الاستحقاق الانتخابي الرئاسي بعد رفض السلطات توفير ضمانات لنزاهته، وبالتالي ليس من الوارد من وجهة نظرها أن يشكل هذا الاستحقاق أية فرصة للإصلاح السياسي، وإنما سيكون أشبه بدائرة مغلقة على ذاتها.

وتجلت الأزمة مجدداً في تصاعد غضب قطاعات شعبية واسعة على النظام السياسي، وخاصة احتجاجات منطقة غرداية الجزائرية، التي تعيش على وقع العنف منذ أكثر من شهرين، ويعاني شبابها من البطالة والتهميش، ويعتبرون أنفسهم ضحايا لممارسات جائرة للسلطات السياسية.

والواقع أن القمع الأمني، وسوء معاملة المحتجين دفع قطاع معتبر من الشباب إلى التكنولوجيا الحديثة والفضاء الإلكتروني لفضح ممارسات النظام، واستعارة هتافات الربيع العربي، والدعوة إلى بناء الجمهورية الثانية على أسس ديمقراطية.

مفارقات مثيرة على الرغم من أن ثمة اعتراضات لترشح بوتفليقة لا تخطئها عين، ولا حتى عين بوتفليقة نفسه، إلا أن أجواء العملية الانتخابية حفلت بالعديد من المفارقات المثيرة والتي سيكون لبعضها بلا شك آثارها القوية على مجريات عملية الاقتراع وعلى الخريطة السياسية الجزائرية.

من هذه المفارقات، إعلان ما يقرب من 26 حزباً عن دعمها لبوتفليقة باعتباره الأكثر ملائمة للمرحلة.

أيضا فك الارتباط القائم لأول مرة بين السلطة من جهة وقوى المعارضة التي طالما ارتبطت بها من جهة أخرى، وفي مقدمتها حركة مجتمع السلم الحليف الأول للرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم في العام 1999 في إطار ما سُمى "التحالف الرئاسي" إلى جانب حزبي جبهة التحرير الوطني الحاكم والتجمع الوطني الديمقراطي، فقد وقع الطلاق بينهما مطلع العام 2012، إذ انتقلت إلى صفوف المعارضة احتجاجاً على مسار الإصلاحات التي أطلقها الرئيس بوتفليقة ناهيك عن رفض مطلبها المتعلق بإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات.

في المقابل كان مثيراً للدهشة والإعجاب، دخول الفن الجزائري على خط الأزمة السياسية، وتجلى ذلك في أغنية الراب للفنان أنس تينا، والتي يدعو فيها بوتفليقة إلى عدم الترشح لولاية رابعة، ويلامس فيها القضايا المجتمعية والسياسية التي تؤرق جنبات المجتمع الجزائري.

وكان الأمر المثير بالفعل هو سعى الدولة الحثيث للبحث عن وسائل لتهدئة المناخ المشحون، والكشف عن بعض قضايا الفساد أملاً في دحض دعاوى المعارضة فيما يخص تنامى معدل الفقر والبطالة التي وصلت إلى 21.5%، وساعدتها في ذلك البحبوحة المالية، فاستجابت الحكومة لمطالب العمال بزيادة الأجور وأنفقت المليارات على وكالات تشغيل الشباب وتمويل مشاريعهم ورفع منحة العاطلين عن العمل وأغدقت على مشاريع هيكلية حيوية مثل السكن والطرق.

غير أن ذلك لم يكف لمنح الجزائريين الحرية والعدالة الاجتماعية التي يريدونها، فقد كشفت خريطة الاحتجاجات وكذلك الحركات الشبابية والتحالفات الحزبية التي باتت لقمة غليظة في حلق النظام عن عمق الأزمة التي يعيشها المجتمع الجزائري.

لذلك وبعد ما يقرب من 14 عاماً، يتراجع زخم المسيرات المؤيدة لبوتفليقة والكتابة على الجدران الداعمة لترشحه لولاية رابعة، والتي كانت مع كل دورة انتخابية هي عنوان المشهد الرئيسي في العاصمة ومحيطها.

سيناريوات المشهد دخل المناخ الجزائري مرحلة الشحن بسبب إصرار الحكومة على الالتفاف على مرض الرئيس، وعدم الإفصاح عن وضعه الصحي، وهو الأمر الذي هيأ فرص التقارب بين قوى المعارضة، لذلك ترى المعارضة الجزائرية بشقيها الإسلامي والمدني دون مواربة أن نظام بوتفليقة مصَّر على خداع شعبه، لغياب الشفافية في التعاطي مع ظروف مرضه.

ناهيك عن أن بوتفليقة المريض لا يزال يصر على أن يفرض حضورا طاغيا ويسخر موارد الدولة في خدمة قضية واحدة هي البقاء في الحكم.

تأسيسا على ما سبق يفتح الباب واسعاً أمام تساؤل رئيسي حول مستقبل الوضع السياسي في الجزائر في ظل عدم الإعلان أو النفي لترشح بوتفليقة لفترة رابعة من جهة، ومن جهة أخرى في إطار تنامى نفوذ جبهة الممانعة لبقاء الرجل على قمة السلطة؟ والأرجح أن ثمة سيناريوات تلوح في الأفق: أولها الإعلان الرسمي عن ترشح عبد العزيز بوتفليقة، ومن ثم عودته مجدداً إلى قصر المرادية وجمع كامل خيوط اللعبة، وبالتالي تذهب أحلام المعارضة سدى.

إذ لن يكون هناك معنى لمزاعمهم حول صحة بوتفليقة وقدرته على السيطرة، لاسيما وأن المؤسسات التي تشكل العصب الحساس للدولة الجزائرية تدين بالولاء للرئيس، وفي القلب منها المؤسسة العسكرية.

أما السيناريو الثاني، فهو أن يعود بوتفليقة إلى صفوف الجماهير، ويعلن استراحة المحارب، تاركاً الباب مفتوح على كل الخيارات الوطنية، وهو الأمر الذي يدفع الجزائر خطوات إلى الأمام على طريق التطور الديمقراطي، وإنهاء تكريس السلطة الأبوية التي ظلت ركيزة بوتفليقة طوال العقود التي خلت.

ويتعلق السيناريو الثالث بإمكانية تراجع المعارضة عن دعوات المقاطعة، وخوض غمار السباق الانتخابي من خلال شخصية توافقية، لاسيما وأن المعارضة حققت زخماً كبيراً في الشارع الجزائري في الفترة الماضية.

خلف ما سبق يأتي السيناريو الرابع، وهو دخول الجيش من وراء ستار عبر شخصية عسكرية متقاعدة أو مدنية مدعومة من طرفه، خصوصا وأن الجيش منذ عهد الرئيس الراحل هوارى بومدين يلعب دوراً رئيسيا في الحياة السياسية، وإن ظل غير مباشر وبعيد عن الأضواء.

هناك إذا احتمال ترشح شخصية عسكرية بدلا من بوتفليقة، خصوصا وأن العسكر لديهم من النفوذ والموارد ما يجعلهم الطرف الأقوى في المعادلة السياسية الجديدة، ناهيك عن أن بوتفليقة ليس أكثر من رأس جبل الجليد لنظام الحكم الذي يشكل قاعدته جنرالات الجيش.

القصد أن الحراك السياسي غير المسبوق الذي تعيشه الجزائر منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، ربما يعيد صياغة المشهد السياسي في البلاد، أو على الأقل إعادة تقسيم الخريطة السياسية بما يسمح بدور أكبر للقوى السياسية التي تختلف في توجهاتها مع نظام الحكم.