قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2013-9-2
صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

02/09/2013 بدأ الموقف الأمريكى من الأزمة السورية يشهد تحولات واضحة باتجاه تصاعدي منذ تم استخدام السلاح الكيماوى على بلدة الغوطة بريف دمشق فى الحادى والعشرين من أغسطس الماضى، وسط اختلاف دولى حول مسئولية أى من طرفى الصراع السورى عن تلك المذبحة.

إذ "تجزم" واشنطن باستخدام النظام للسلاح الكيماوى وفقا لمعلومات وتقارير استخباراتية، بينما تشير روسيا وإيران إلى تورط بعض عناصر المعارضة المسلحة لاسيما الجهادية المتشددة منها لتسهيل خيار التدخل العسكرى الخارجى فى الصراع.

وبين هذاوذاك يأتى الدفع من جانب واشنطن نحو ضرورة عقد مؤتمر جنيف -2 قبل نهاية العام الجارى وسط رغبة دولية بالتوصل لحل سياسى انتقالى يضع الأسس لإنهاء ثلاثة أعوام من النزاع المسلح فى سوريا، الأمر الذى دفع إلى القرار الأمريكى بتوجيه ضربة عسكرية محدودة النطاق من الناحيتين الجغرافية والزمنية تستهدف مواقع عسكرية ومطارات وترسانة المخزون من السلاح الكيماوى.

هذا إضافة إلى ضرب مواقع للفصائل الجهادية المتشددة التى تسيطر على مناطق عدة فى الشمال تم تحريرها من الجيش السورى النظامى ولا تخضع فى الوقت نفسه لسيطرة الجيش السورى الحر.

إذ ترى واشنطن أن هذه الفصائل تشكل تهديدا فعليا لارتباطها بتنظيم القاعدة عبر التنسيق مع تنظيم الدولة الإسلامية فى الشام والعراق، ولوجود معلومات تشير إلى وقوع جزء من مخزون السلاح الكيماوى تحت سيطرتها، وأيضا نتيجة لخطورة هذه الجماعات - من وجهة النظر الأمريكية والروسية معا- على مصالحهما في المنطقة، وعلى ترتيبات خريطة الداخل السورى فى المرحلة الانتقالية القادمة، وعلى أمن دول الجوار وبالتحديد إسرائيل.

فى الوقت نفسه فإن الضربة الأمريكية المحدودة لن تستهدف إسقاط الدولة أو اسقاط بشار الأسد، وإنما تهدف فقط لإضعافه بصورة تتيح الفرصة للمعارضة المسلحة إحراز تقدم فعلي على الأرض فى مواجهة الجيش السورى، وبما يفرض واقعا متوازنا بين الطرفين ويكبح حالة التفوق العسكرى التى حققها النظام السورى على الأرض خلال الشهرين الماضيين.

ويسهل ذلك من مهمة التمهيد لطرح حل سياسى انتقالى جديد من قبل الدول الراعية لمؤتمر جنيف -2.

فى هذا السياق ستحمل الضربة العسكرية الأمريكية بالضرورة العديد من السيناريوهات بشأن نطاقها وأهدافها وتداعياتها الإقليمية، ويتأثر مدى جدواها فى هذا التوقيت بمواقف الدول المؤيدة والمعارضة لها على حد سواء.

موقف أمريكى حاد ومرتبك : تبنت الإدارة الأمريكية مباشرة رؤية أولية مفادها أن النظام السورى هو من استخدم السلاح الكيماوى على الغوطة، وقد جاءت تصريحات مسئوليها بدءا من الرئيس أوباما ومرورا برئيس هيئة الأركان مارتن ديمبسى ووصولا لوزير الخارجية جون كيرى حاملة لرسائل متضاربة ومرتبكة.

فالرئيس الأمريكي يرى أن دولته على استعداد لضرب دمشق حتى بدون غطاء أممى نظرا لاستخدام كل من روسيا والصين لحق الاعتراض (الفيتو)، وفى مرحلة متقدمة من تصريحاته أوقف الضربة على مشاركة الناتو كما فعل فى ليبيا، ولكنه فى الوقت نفسه عاد ليؤكد أن "قدرة" واشنطن على تسوية الصراع فى سوريا بأبعاده ومشاكله الطائفية والعرقية محدودة.

أما رئيس هيئة الأركان فصرح مباشرة بأن تدخل واشنطن فى الصراع عسكريا على "نطاق واسع" أو عبر "التدخل العسكرى المباشر" لن يخدم المصالح الأمريكية لأن جزءًا كبيرًا من المعارضة يتشكل من الفصائل الدينية المتشددة والتي تتمتع بثقل ميدانى كبير، ومن ثم فلا يمكن خوض حرب ميدانية فى سوريا وتسليمها بعد ذلك لتنظيم القاعدة هناك.

وقد عبر ديمبسي عن ذلك بعد اجتماعه بعدد من قادة جيوش دول المنطقة فى العاصمة الأردنية عمان فى 25 أغسطس الماضى، لكنه بات من المفضل لديه توجيه ضربة عسكرية محدودة النطاق وقوية التأثير على النظام وعلى التنظيمات الدينية المتشددة فى آن واحد.

أما كيرى فسلك طريقا دبلوماسيا يقوم على "تجميع وترميم" موقف دولى مساند لواشنطن يقوم على التوافق - يشمل روسيا - بشأن توجيه الضربة العسكرية المحتملة تمهيدا لذهاب الجميع بما فيهم النظام السورى نفسه والمعارضة لجنيف - 2. فى هذا السياق تبدو واشنطن "مترددة" بشأن الضربة نتيجة للكلفة الإقليمية المتوقعة لها أو بمعنى أكثر دقة نتيجة لحسابات التصعيد الإقليمى المحتملة من جانب حزب الله فى لبنان ومن جانب إيران ناهيك عن طبيعة العلاقات مع روسيا، ولكنها فى الوقت نفسه مضغوطة بتأثير دورها كقطب دولى قائد سيكون سكوته على مجزرة السلاح الكيماوى ضد مواطنين عزل له ثمنه "الأخلاقى".

ويدفع فى هذا الاتجاه طرفان أحدهما داخلى متمثل فى عدد لا بأس به من أعضاء الكونجرس - الذى سيعود للانعقاد فى التاسع من سبتمبر الجارى – والآخر خارجى متمثل فى الدول الحلفاء فى الأزمة السورية كتركيا والسعودية وبريطانيا وفرنسا والجميع يضغطون فى اتجاه توجيه ضربة عسكرية للنظام السورى شريطة أن لا تتضمن نشر قوات برية أو فرض منطقة حظر جوى.

وخروجا من هذا المأزق أقنعت واشنطن أطراف الأزمة من حلفائها الأوروبين والإقليمين وكذلك الأطراف المقابلة لها وبالتحديد روسيا بأن ثمة ضرورة ملحة للتوصل لحل سلمى عبر تسريع انعقاد مؤتمر جنيف -2 من ناحية، وضرورة قصوى فى مواجهة القاعدة والفصائل المرتبطة به كجبهة النصرة وكتائب أحرار الشام بالداخل السورى من ناحية ثانية، وذلك دون المساس بلواء الإسلام الخاضع للإدارة المخابراتية السعودية مباشرة.

على أن يمهد لذلك كله عبر ضربة عسكرية محدودة لا تكون لها كلفة بشرية أو عسكرية كبيرة ويتسع بعدها المجال لحديث "الصفقات الإقليمية" كمرحلة تالية.

وتستحضر التحليلات السياسية هنا الموقف الأمريكى من توجيه ضربة عسكرية دون الحصول على تفويض أممى من مجلس الأمن تماما على غرار ما قامت به من ضربات جوية نفذتها ضد قوات الرئيس اليوغسلافى الأسبق سلوبودان ميلوشيفيتش خلال عامى 1998 – 1999 فى إقليم كوسوفو، بعد أن اتبعت تلك القوات سياسة الأرض المحروقة وكان نظام سلوبودان متمتعا بمساندة روسية منعت حصول واشنطن على إجماع من مجلس الأمن بضربه، واستطاعت واشنطن بمساندة حلف الأطلسى من توجيه ضربات للقوات الصربية الموجودة فى الإقليم باعتبارها قامت بجرائم ضد الإنسانية.

معنى ما سبق أن احتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية ضد سوريا أصبح خيارا مطروحا وبقوة وأنه لا مجال لتراجع الإدارة الأمريكية بعد كل هذا الحشد السياسى فى اتجاه توجيه الضربة.

أضف إلى ذلك دعم حلف الأطلسى للتوجه الأمريكى حيث أصدر الأمين العام للحلف راسموسن فى 27 أغسطس بيانا حمل فيه النظام السورى مباشرة مسئولية استخدام السلاح الكيماوى، معتبرا أن هذا التجاوز من جانب النظام السورى للخطوط الحمراء فى الصراع لن يمر دون رد حاسم مع إشارته فى البيان إلى أن تركيا دولة تخضع لحماية الأطلسى.

الأهداف والمخاطر: تتعدد الرؤى السياسية والعسكرية لسيناريوهات الضربة الأمريكية المحتملة وإن كانت تتفق جميعها على مجموعة من الأهداف ومجموعة من المخاطر والتداعيات التى كانت سببا مباشرا فى تأجيل استخدام الخيارات العسكرية لعلاج الأزمة السورية؛ بعض من هذه السيناريوهات يشير إلى توجيه ضربة على غرار الضربات التى وجهتها واشنطن لتنظيم القاعدة فى العراق عام 1998، والبعض الآخر يرى فى نموذج كوسوفو النموذج المناسب.

وفى كل الأحوال فإن الضربة ستكون ووفقا لمصادر أمريكية إما هجمات بصواريخ طراز توماهوك الموجهة، أو هجمات جوية عبر مقاتلات أمريكية موجودة فى قاعدة انجليرك التركية، أوهجمات من مقاتلات أمريكية تتواجد فى شمال العاصمة الأردنية عمان.

إضافة إلى ذلك فهناك احتمالية استخدام عدد من القاذفات الإستراتيجية الموجودة فى قاعدة العيديد العسكرية الأمريكية بقطر والتى تستخدم قاذفات قادرة على خداع دفاعات الجو وإلقاء قنابل خارقة للتحصينات، كما لم تستبعد تلك المصادر أن يكون الهجوم خليطا من الضربات الصاروخية والجوية معا.

وترجح العديد من الرؤى العسكرية والسياسية الأمريكية توجيه ضربات جوية انتقائية ضد عدة أهداف مهمة واستراتيجية على الصعيد الميدانى مثل: مراكز القيادة ومنشآت التحكم، والقواعد الجوية الأساسية، ومناطق تمركزالمدفعية، سلاح الجو السورى، قواعد صواريخ سكود حيث تستهدف الضربة القضاء على حوالى 80 % من تلك القاعدة، مراكز اتصال قيادة الجيش السورى النظامى، مناطق تمركز المدرعات، المطارات العسكرية، مخزون السلاح الكيماوى، مقرات لإدارة العمليات يقال أنها تضم عناصر من الجيش السورى والحرس الثورى الإيرانى، ومعسكرات اللواء 155 والتى تستخدم فى إطلاق الصواريخ وتقع بالقرب من دمشق، وكذلك ضرب طرق الإمداد وأماكن تخزين الأسلحة.

ويستهدف هذا السيناريو الحد من قدرات الجيش السورى النظامى وإضعافه بما يزيد من فعالية الجيش السورى الحر على الأرض.

لكن هذا السيناريو رغم ترجيحه لا يخلو من محاذير أهمها: أن ضرب مخزون السلاح الكيماوى يتطلب وجود قوات خاصة داخل الآراضى السورية على درجة عالية من التدريب والاستعداد تكون مهمتها سرعة السيطرة على هذا المخزون حتى لا يقع تحت سيطرة تنظيم القاعدة والجماعات المتشددة، وهو ما يصطدم مع رفض واشنطن فكرة وجود قوات برية على أرض المعركة.

أيضا من المحاذير التى يفترضها هذا السيناريو أن تستمر الضربات العسكرية لمدة طويلة تحقيقا لأهدافها، ما يعنى تورط الولايات المتحدة وحلفائها فى حرب طويلة الأمد وليس ضربة عسكرية محدودة وهو ما سيرتب بالضرورة أعباء إقليمية متزايدة فى المنطقة.

وفى سياق تحديد أهداف الضربة العسكرية الأمريكية على سوريا على الصعيد السياسى فثمة أهدافا ثلاثة مرجوة من الضربة العسكرية المحتملة؛ الأول: التمهيد لعقد مؤتمر جنيف -2 فى أكتوبر القادم على أسس من توازن القوى الجديد الذى سيسفر عنه الوضع بين الجيش السورى النظامى والجيش الحر بعد الضربة والذى غالبا ما سيكون لصالح الأخير .

الثانى: إجبار نظام الأسد على المشاركة فى المؤتمر المذكور، مما يعنى قبوله بقواعد اللعبة الجديدة وصفقاتها المحتملة فى حل سياسى انتقالى جديد سيحظى غالبا بموافقة روسيا مما يقلل من هامش المناورة للنظام السورى الذى أجاد اللعب به طوال فترة الصراع.

الثالث: حضور المعارضة بكل مكوناتها للمؤتمر بعد أن تكون موازين القوى على الأرض قد تغيرت لصالحها، وهو المطلب الذى طالما أوقفت المعارضة مشاركتها فى أى فعاليات دولية جديدة خاصة بالأزمة السورية بعد جنيف-1 على تحقيقه.

التداعيات الإقليمية: هناك تساؤلات عدة مهمة تُطرح حاليا على دائرة النقاش وتفرضها طبيعة تطورات الأحداث حول التداعيات الإقليمية إذا ما وقعت الضربة ؛ فهل سيسكت نظام الأسد ويتلقى الضربة فى هدوء وصمت دون أى رد فعل؟ وماذا لو قرر النظام السورى الرد وتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة حرب إقليمية شاملة؟ ماذا عن موقف ايران وحزب الله من ناحية، وموقف إسرائيل إذا استهدفتها صواريخ سكود السورية من ناحية ثانية؟ وهل ستتوقف دائرة التأثير والتأثر بالضربة ورد الفعل عليها على تلك الدول المذكورة أم ستتسع الدائرة لتشمل تركيا والأردن والعراق؟ ويمكن رصد بعض التداعيات الإقليمية للضربة العسكرية الأمريكية على دمشق فى النقاط التالية : 1- تخوفات أمريكية من أن تؤدى التطورات الناتجة عن الضربة إلى التحول من مجرد معاقبة النظام السورى على استخدامه السلاح الكيماوى عبر ضربة محدودة النطاق الجغرافى والزمنى إلى تورط أكثر اتساعا فى حالة رد النظام على الضربة.

وتأتي تلك التخوفات بعد فشل الإدارة الأمريكية فى الوقوف على رد فعل واضح من جانب إيران على التسريبات المتعلقة بالضربة؛ وبصورة أكثر تفصيلا لم تحدد واشنطن حتى هذه اللحظات ما هى حدود السقف الذى لا يمكن للضربة العسكرية الأمريكية أن تتجاوزه من وجهة النظر الإيرانية، وإلا سيكون رد الفعل الإيرانى فى هذه الحالة إلزاميا وحادا وغير متوقعا؟ حقيقة تدرك واشنطن أن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف بأن "روسيا لن تخوض حربا مع أحد من أجل سوريا" قد مثلت لها قدرا من الارتياح، ناهيك عن موقف روسى إيرانى مشترك كان قد تبلور فى تصريحات الرئيسين الإيرانى روحانى والروسى بوتين خلال زيارة الأول لموسكو فى 28 أغسطس الماضى مؤداه "أن استخدام السلاح الكيماوى غير مقبول".

لكن تظل حدود ونطاق الضربة الأمريكية المطروحة هى الحاجز الذى سيقف عنده رد الفعل الإيرانى والروسى النهائى، وبالتالى تكون المعضلة هى كيف تستطيع واشنطن التحكم فى الفعل ورد الفعل على حد سواء بحيث لا يؤدى تطورهما إلى انتقال الموقف الروسى والإيرانى من حالة الموافقة الضمنية على الضربة إلى حالة الرفض لها.

2- اتجاه النظام السورى إلى ضرب العمق الإسرائيلى خاصة إذا شعر بتخلى حلفائه عنه لاسيما روسيا، وإبقاء ايران على علاقاتها مع الغرب فى حدود تسمح لها بتسوية جديدة بشأن برنامجها النووى فى ظل رئاسة إيرانية جديدة تتسم بالاعتدال.

إذ فى هذه الحالة سيجد النظام السورى نفسه وبعد إضعافه عبر ضرب مقدرات جيشه يخوض آخر معاركه للبقاء ووقتها سيشعل المنطقة بأكملها إما بضربه مباشرة لإسرائيل أو بتولى حزب الله هذه المهمة، وفى الحالتين سيكون رد الفعل الإسرائيلى هو المحدد لاتجاهات كرة اللهب التى ستضرب المنطقة بأكملها؛ فإما تصمت إسرائيل على أى ضربات من جانب الأسد أو حلفائه تماما كما فعلت عام 1991 خلال حرب الخليج الثانية عندما استهدفها العراق بصواريخ سكود، وإما توجه له ولحزب الله ضربات موجعة.

ومن المرجح أنها لن تكون طرفا حتى لا يؤدى تدخلها إلى كسب بشار الأسد تعاطفا عربيا معه، خاصة وأنها من أكبر المستفيدين فعليا من ضرب الجيشين السورى النظامى والحر المعارض على اعتبار أن الاخير تنضوى تحت عملياته على أرض الميدان بعض الفصائل الدينية المتشددة كتنظيم الدولة الإسلامية فى الشام والعراق وكجبهة النصرة التى ستوجه لها واشنطن ضربات مماثلة لتلك التى ستوجهها لنظام الأسد بما يجعل سوريا دولة هشة ضعيفة وهو ما يخدم الوضع الإسرائيلى . 3- رد الفعل الإيرانى؛ حيث أن نجاح واشنطن فى توجيه ضربة لدمشق سيبعث برسالة لطهران حول جدية واشنطن وأن بإمكانها ليس فقط التهديد بتوجيه ضربات ولكن أيضا ترجمة ذلك التهديد إلى واقع.

وهنا لابد من ملاحظة أنه وفى حالة اتساع نطاق الضربة جغرافيا وزمنيا مما يزيد من احتمالية سقوط النظام ستكون إيران أمام انحسار فعلى لنفوذها فى المنطقة بسقوط حليفها العربى، لاسيما وأن ذلك سيتبعه بالضرورة إنهاء نفوذ حزب الله فى لبنان خاصة بعد تراجع صورته كحركة مقاومة فى مواجهة إسرائيل عقب تورطه فى حرب طائفية إلى جانب النظام السورى فى القصير وغيرها من المناطق السورية.

هذا الانحسار المتوقع فى النفوذ الإيرانى أمر لن تسمح به طهران إلا إذا كانت قد توصلت مع الغرب لصفقة تنجز بها برنامجها النووى وتسوى فيها أوضاعها فى العراق.

4- فى حالة توجيه واشنطن الضربة لدمشق وفى ظل حالة الاستعداد العسكرى التى عليها حزب الله منذ مواجهته الأخيرة مع إسرائيل عام 2006، وفى ظل حالة الغموض حول موقفه من إعلان واشنطن المباشر بتوجيه ضربة لدمشق يمكن القول أن احتمالات القلق بشأن توجيه الحزب ضرباته لإسرائيل واردة، ويتوقف ذلك أيضا كغيره على طبيعة ونوعية وأهداف الضربة.

5- تمسك إيران بشدة بنفوذها فى العراق ومن ثم بدعمها للحكومة المالكية الحاكمة، لأنها ستكون معقل نفوذها الوحيد والأخير على جوارها العربى بعد سقوط سوريا أو إضعافها، أو عدم وجود تأثير لها على الداخل السورى فى ترتيبات العملية السياسية فيما بعد بشار الأسد نظرا لموقفها المساند له فى مواجهة المعارضة.

ولذا فإنه فى حالة سقوط النظام السورى مع اتساع الضربات فمن المتوقع أن تدافع إيران عن نفوذها فى العراق كموقع متقدم لضمان استمرارية وجودها فى المنطقة وترجمة مشروعها الإقليمى فيها وهو الدور الذى كانت تلعبه دمشق جيدا. 6- مخاوف دولية وإقليمية من أن تؤدى الضربة العسكرية، إذا كانت محدودة للغاية وغير مؤثرة أو استطاع بشار الأسد استيعابها، إلى عدم إحداث التغيير الجذرى المستهدف والمرغوب فيه والذى يدفع الأسد للتوجه لمائدة المفاوضات. 7- توقع ازدياد حدة المواجهات الطائفية والعرقية فى دول الجوار السورى لاسيما لبنان والعراق على وجه الدقة، وبدرجة أقل تركيا لاسيما إذا أقدم أكراد سوريا، المتمتعين حاليا بوضع أشبه بالحكم الذاتى فى مناطقهم المسيطرين عليها فى الشمال الشرقى، على الاستقلال الفعلى ما يحفز النزعة نفسها لدى نظرائهم أكراد تركيا وهو ما ترفضه تركيا جملة وتفصيلا.

مما سبق عرضه يتضح أن ضربة عسكرية أمريكية لنظام بشار الأسد باتت تلوح فى الأفق وسط قبول غربى وصمت روسى إيرانى أشبه بالموافقة الضمنية شريطة أن تكون ضربة محدودة تسفر عن انتقال نحو حل سلمى للأزمة.

لكن تظل تطورات الأوضاع فى المنطقة جراء الضربة المحتملة متوقفه على نطاق الضربة جغرافيا وزمنيا وعلى تفاعلات دول الجوار معها ومع نتائجها، مما يجعل المجال مفتوحا أمام خيارات عدة بعضها متوقع وبعضها قد يتجاوز حدود التوقع.

ومن ثم تبقى المواجهة بين نظام الأسد وواشنطن بأبعادها الإقليمية الحادة جميع الاحتمالات فى المنطقة مفتوحة خلال المرحلة القادمة.