14/07/2013
مع فوز الدكتور حسن روحاني بانتخابات الدورة الحادية عشر لرئاسة الجمهورية الإيرانية التي أجريت في 14 يونيو الفائت، زادت التوقعات بأن ذلك سوف يوفر دفعة للعلاقات بين إيران ومصر.
وكانت هذه العلاقات قد شهدت تحسنا ملحوظا منذ نجاح ثورة 25 يناير 2011 في الإطاحة بنظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وحدوث تغير في السياسة المصرية تجاه إيران، عبر عنه وزير الخارجية الأسبق الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي بقوله أن "إيران ليست عدوا لمصر".
وقد استندت هذه التوقعات إلي عاملين: أولهما، أن روحاني معروف بانفتاحه علي الخارج وتبنيه سياسة مرنة ربما تساعد في حلحلة بعض القضايا التي ما زالت تمثل محور خلاف بين الدولتين، وهو ما يمكن أن يدفع هذه العلاقات إلي مزيد من التطور.
وثانيهما، أن تقليص حدة التوتر في العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما المملكة العربية السعودية، حظي بأولوية خاصة لدي روحاني، وهو ما يمكن أن ينعكس إيجابيا علي العلاقات مع مصر.
وذلك علي أساس أن التوتر الذي هيمن علي تفاعلات إيران مع دول مجلس التعاون، والذي اتخذ صورا عديدة بدءا من التهديدات المتكررة لأمن هذه الدول، مرورا بالتدخل في شئونها الداخلية علي غرار حالة البحرين، وانتهاءا بالكشف عن خلايا تجسس تابعة للحرس الثوري الإيراني داخل بعض هذه الدول، كان يفرض تأثيرات سلبية علي العلاقات مع مصر، التي وضعت دوما قضية "أمن الخليج" علي قمة أولوياتها.
لكن هذه التوقعات ربما لا تنسجم تماما مع المعطيات الموجودة علي الأرض التي تؤكد علي اعتبارين: أولهما، أن روحاني ليس صاحب الكلمة الفصل في قضايا السياسة الخارجية، إذ أن هناك مؤسسات أخري تشاركه في ذلك وربما تمتلك صلاحيات أوسع في هذا السياق، علي غرار مؤسسة المرشد الأعلي للجمهورية، إلي جانب الحرس الثوري، ما يعني أن حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمام الرئيس في قضايا السياسة الخارجية ليس واسعا بالشكل الذي يمكنه من إجراء تغييرات كبيرة وجذرية في هذه السياسة.
وبالطبع فإن ذلك لا يعني أن روحاني سوف يجد صعوبة في التحرك من أجل تطوير العلاقات مع مصر واستكمال الجهود التي بذلها الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد في هذا الإطار، لكنه يعني أن ذلك مرهون بقراءة المرشد للمشهد الإقليمي ومدي رغبته في تحسين علاقات إيران، خصوصا مع محيطها الإقليمي تحديدا، ورؤية المؤسسات الأخري لتأثير سياسة الرئيس الجديد علي مصالحها المختلفة وعلي موقعها داخل معادلة صنع القرار.
وثانيهما، أن الأزمة السورية سوف تبقي محورا رئيسيا للخلاف بين مصر وإيران، كما كانت في الفترة الماضية، خصوصا أن الرئيس الجديد لن يستطيع إجراء تغييرات جوهرية في السياسة الإيرانية تجاهها، لا سيما أنه أعلن أكثر من مرة تأييده لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد كرئيس شرعي حتي انتهاء ولايته الرئاسية في عام 2014، ورفضه لفكرة التدخل العسكري لتسوية الأزمة السورية، ما يشير إلي أن رؤيته تتطابق مع السياسة الإيرانية الحالية تجاه الأزمة، وهو ما يتعارض مع الموقف الذي تتبناه مصر.
مفاجأة 30 يونيو
وجاءت احتجاجات 30 يونيو وإطاحتها بالرئيس السابق محمد مرسي، لتخلط الأوراق من جديد أمام إيران، التي اعتبرت أن سقوط نظام الإخوان في مصر ربما لا يصب في مصالحها.
ومثلما كانت إيران من أوائل الدول التي سارعت إلي الترحيب بثورة 25 يناير 2011، حيث وصفتها بأنها "استلهام لروح الثورة الإسلامية الإيرانية" ما أثار ردود فعل عنيفة من جانب قوي ومؤسسات مصرية مختلفة، فإنها لم تنتظر كثيرا حتي يتبلور المشهد السياسي المصري في مرحلة ما بعد 30 يونيو، حيث حرصت علي إبداء ردود فعل سريعة، لكنها بقدر ما كانت سريعة بقدر ما كانت مرتبكة.
ففي بداية الاحتجاجات، ومع الإنذار الذي وجهته القوات المسلحة، في أول يوليو الحالي، إلي مختلف الأطراف السياسية بضرورة التوصل إلي حلول للأزمة السياسية في غضون 48 ساعة قبل أن تتدخل لوضع خارطة طريق، دعت إيران إلي "احترام تصويت الناخبين المصريين"، حيث قال نائب وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان أن "محمد مرسي انتخب بأصوات الناخبين، وفي هذه الظروف نتوقع من القوات المسلحة المصرية التي لها ماضٍ مجيد خصوصا في الثورة المصرية، أن تلعب دورها لدعم الحوار الوطني مع الأخذ بالاعتبار تصويت الناخبين الذي تم التعبير عنه في صناديق الاقتراع".
إلا أنه مع عزل الرئيس السابق محمد مرسي واندلاع مواجهات بين أنصاره والقوات المسلحة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحي، اتجهت إيران إلي تأكيد وقوفها إلي جانب الرئيس السابق، حيث اعتبرت علي لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس عراقجي أن "تدخل الجيش غير مقبول ويثير القلق".
لكن الموقف الأقوي جاء علي لسان رئيس هيئة الأركان العسكرية الجنرال حسن فيروز أبادي الذي قال أن "إقدام الجيش المصري على اعتقال مرسي يعد خطأ استراتيجيا، فنحن نأمل أن يقدم إخواننا في الجيش المصري على الانسحاب من الساحة السياسية على وجه السرعة".
وبالطبع، فإن هذا التصريح تحديدا الذي يتنافي مع السياسة التي تتبناها المؤسسة العسكرية الإيرانية نفسها، والتي تعتبر رقما مهما لا يمكن التغاضي عنه في صنع القرار السياسي في إيران، يطرح دلالات عديدة:
أولها، أن إيران رأت في نظام الرئيس السابق محمد مرسي "حليفا محتملا" يمكن أن يساعدها في الخروج من العزلة الإقليمية التي تواجهها بسبب السياسة المتشددة التي تتبناها.
وقد سعت إيران في هذا السياق إلي تجاوز الخلافات القائمة بين الطرفين بهدف تحقيق قفزة نوعية في العلاقات بين الطرفين، رغم أنها كانت تدرك جيدا أن نظام مرسي كان يستثمر "ورقة" التقارب معها، لمساومة دول مجلس التعاون الخليجي، دون أن يقدم علي اتخاذ إجراءات ملموسة في سبيل تطوير العلاقات بين الطرفين.
وثانيها، أن إيران ورغم تأييدها لظاهرة ـ"الربيع العربي" التي اجتاحت العديد من الدول العربية منذ عام 2011، والتي وصفتها بأنها "صحوة إسلامية مستلهمة من روح الثورة الإسلامية الإيرانية"، إلا أنها بدت حذرة ومتحفظة تجاه مسألة "تغيير الأنظمة السياسية" عن طريق الثورات والاحتجاجات.
ولايعود ذلك فقط لكون تلك الظاهرة هددت طموحاتها ودورها الإقليمي بعد أن وصلت لحليفها الرئيسي في المنطقة وهو نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن لأن هذه "الأحداث التاريخية" التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط اكتسبت زخما خاصا علي الساحة الداخلية الإيرانية.
خاصة أن ذلك يتم في ظل فشل النظام الإيراني في احتواء "بقايا" التداعيات التي فرضتها الأزمة السياسية التي أثارتها نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أجريت في عام 2009، وأدت إلي فرض الإقامة الجبرية علي المرشحين الرئاسيين السابقين مير حسين موسوي ومهدي كروبي واعتقال عدد كبير من كوادر وأنصار التيار الإصلاحي.
ورغم أن فوز روحاني ربما قلص من حدة الاحتقان السائدة علي الساحة الداخلية الإيرانية، خصوصا أنه محسوب علي الجناح "المعتدل" من التيار المحافظ، وحظي بتأييد واسع من جانب عدد كبير من أنصار التيار الإصلاحي، ما أدي إلي نجاحه في الفوز بالانتخابات الرئاسية الأخيرة من الجولة الأولي وبفارق شاسع عن أقرب منافسيه.
إلا أن ذلك لا يعني أن تداعيات أزمة عام 2009 انتهت، لا سيما في ظل غموض موقف روحاني تجاه مسألة رفع الإقامة الجبرية عن موسوي وكروبي، والإفراج عن عدد كبير من المعتقلين السياسيين، وهو ما يحفز النظام الإيراني علي الحذر تجاه مسألة "تغيير الأنظمة" عبر الثورات والاحتجاجات الشعبية.
ومع ذلك، فإن إيران دائما تثبت قدرتها علي التأقلم مع التطورات التي تطرأ علي الساحة الإقليمية، وهو ما بدا جليا في مسارعة وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، خلال اتصاله بنظيره المصري محمد كامل عمرو، إلي تأكيد أن "الشعب المصري هو الذي يقرر مصيره بنفسه"، وأن "المستقبل السياسي لمصر رهن بقرار وإرادة شعبها" وأن "الجيش المصري وطني"، وذلك بهدف تجنب حدوث تصعيد مع مصر التي أبدت استياءها من التصريحات التي جاءت علي لسان بعض مسئوليها، وردت عليها بإدانة تدخل إيران في شئونها الداخلية.
وبالطبع، فإن إيران تسعي من خلال تغيير موقفها بشكل نسبي تجاه التطورات السياسية في مصر، إلي توجيه رسالة مفادها أنها حريصة علي تطوير العلاقات مع مصر رغم تغير المشهد السياسي، لكنها تدرك أن هذه القضية ربما تكون "مؤجلة" في الوقت الراهن لاعتبارات عديدة أهمها أن مصر سوف تبقي مهتمة في المقام الأول بترتيب أوضاعها الداخلية وحماية أمنها القومي.
هذا فضلا عن أن تحسن علاقات مصر مع دول مجلس التعاون الخليجي، والذي انعكس في قيام كل من السعودية والإمارات والكويت بتقديم مساعدات اقتصادية تقدر بـ12 مليار دولار، من شأنها أن تعيد ترتيب الأولويات لدي القاهرة خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يمكن أن يتسبب في استمرار ارتباك الموقف الإيراني من تطورات المشهد المصري خلال مرحلة ما بعد 30 يونيو.