مرة رابعة تتعرض فيها سيناء لعملية إرهابية كبيرة تفوق في حجمها وعدد ضحاياها كل العمليات الإرهابية التي شهدها وادي النيل في أثناء موجة العنف العاتية التي اجتاحت البلاد بين عامي‏1992‏ و‏1997وتحملت مسئولية95% من عملياتها الجماعة الإسلامية في أثناء تبنيها الفكر الجهادي.

فقد وقع التفجير الأول في طابا مساء السادس من أكتوبر2004 وجاء الثاني ليضرب شرم الشيخ فجر الثالث والعشرين من يوليو2005, بينما أصاب الثالث منطقة دهب في جنوب شرق سيناء علي خليج العقبة يوم الرابع والعشرين من أبريل2006, ليبلغ عدد ضحاياها جميعا أكثر من130 قتيلا ومئات الجرحي من مختلف الجنسيات. وتأتي العملية الإرهابية الرابعة التي وقعت في رفح ضد موقعين لقوات حرس الحدود المصرية لتشترك مع العمليات الثلاث السابقة في بعض الملامح وتختلف عنها في ملامح أخري.

فأما عن الاختلاف فإن أبرزه هو أن الهجمات السابقة قد وقعت ضد أهداف مدنية سياحية في المناطق الثلاث المشار إليها, وكان الضحايا جميعا تقريبا من المدنيين وغالبيتهم من الأجانب, بينما وقع الهجوم الأخير ضد مواقع عسكرية مصرية علي الحدود مع الدولة العبرية.

وبخلاف بعض الهجمات الصغيرة التي تمت بداخل سيناء خلال الشهور الأخيرة ضد بعض عناصر الجيش المصري, فإن هذه هي أول وأكبر عملية يتعرض لها هذا الجيش منذ اندلاع موجات العنف في التسعينيات, سواء من حيث الأسلوب أو عدد الضحايا. وربما يفتح هذا الاختلاف في طبيعة العمليات الإرهابية في سيناء بين العملية الأخيرة والعمليات السابقة ومعه أيضا ملامح التشابه فيما بينها الباب لتوقع طبيعة الأطراف القائمة ورائها.

والتشابه الواضح بين عملية رفح والعمليات الإرهابية الثلاث السابقة يتمثل أولا في الموقع الجغرافي لها جميعا, حيث تمت جميعها في أقصي الحدود المصرية الشرقية وليس في قلب سيناء أو مناطقها الشمالية المطلة علي البحر المتوسط أو الغربية المطلة علي خليج السويس.

وهنا يبرز التساؤل الرئيسي: لماذا تركزت تلك العمليات الإرهابية في تلك المنطقة دون غيرها ولماذا لم نر في وادي النيل حيث الأغلبية من المجتمع المصري أي نوع مشابه لهذه العمليات الكبيرة ذات الطابع المحترف؟ ويظهر هنا الملمح الثاني المشترك بين تلك العمليات الإرهابية وهو استهدافها مناطق يطلق عليها خبراء الأمن والإرهابص أهدافا صعبة, من طابا المتاخمة للحدود المصرية ـ الإسرائيلية إلي شرم الشيخ التي كانت تمثل المقر الثاني لإقامة الرئيس المخلوع حسني مبارك ولقاءاته الإقليمية والدولية, ثم أخيرا عملية رفح التي وقعت في النقطة العسكرية التي تبعد مسافة قليلة للغاية عن الحدود مع الدولة العبرية. والحقيقة أن المستوي النوعي العالي من التدريب والاستطلاع ثم في المواد والأسلحة المستخدمة في هذه العمليات الأربع يشير إلي أننا أمام مجموعات إرهابية ذات قدرات متميزة عن تلك الأولية التي كانت تملكها أكبر جماعات العنف في مصر وهي الجماعة الإسلامية في أثناء ممارستها له.

والحقيقة أيضا أن توقيت العملية الأخيرة والمستهدفين منها يثيران تساؤلات جادة حول طبيعة منفذيها, فهي قد تمت لحظة إفطار رمضان في ذكري غزوة بدر وضد موقع عسكري حدودي يواجه قوات دولة زاليهودس الغاصبة, أي ثغر للدفاع عن الأمة بحسب المصطلحات الإسلامية.

من هنا فإذا كانت الجماعة التي نفذته ذات توجه إسلامي جهادي, فالأرجح أن الملامح السابقة للتوقيت ولهدف العملية تشير إلي أنها أيضا ذات طابع تكفيري, حيث لم تر في هؤلاء الجنود مسلمين يفطرون بعد صيام ولا مرابطين للدفاع عن الأمة في أحد الثغور, فهم بالنسبة لها ليسوا سوي زكفارا أو مرتدين يدافعون عن نظام له نفس الطبيعة.

وتزداد أهمية وخطورة هذا المعني في ظل أن رئيس الجمهورية اليوم في مصر هو إسلامي منتم لجماعة الإخوان المسلمين ومن المفترض أنه هذه القوات التي هوجمت هي تحت قيادته, وهو أمر لا يحول دون قيام أصحاب المنهج التكفيري بمثل هذه العمليات, حيث أنهم يضعون الجماعات الإسلامية الأخري ومنها الإخوان المسلمين ضمن الخارجين عن صحيح الدين. بالنظر إلي ملامح التشابه والاختلاف بين العمليات الإرهابية الأربع يبدو واضحا أن هناك بالفعل في سيناء, خاصة مناطقها الشمالية الشرقية وجودا لبعض المجموعات الجهادية ذات المنحي التكفيري منذ عشر سنوات علي الأقل, كما يبدو واضحا أن تركزها في هذه المنطقة ليس منفصلا عن بعض المؤثرات الفكرية والسياسية التي قد تكون قادمة سواء من غزة أو عابرة لها من منطقتي الشام والعراق.

كذلك فإن نفس الملامح تشير إلي أن هناك بعض المؤثرات وربما المساعدات الفنية والتسليحية واللوجستية التي ليس هناك من مصدر لها في هذه المنطقة سوي الدولة العبرية المجاورة والتي وقعت معظم العمليات علي مسافة قليلة من حدودها.

والحقيقة أن مثل هذه المؤثرات والمساعدات التي قد تكون قادمة من الجانب الإسرائيلي لمثل هذه الجماعات المتطرفة لا يمكن أن تصل إليها مباشرة, بل هي تمر عبر خطوط معقدة ومتداخلة من العناصر والعملاء بما يعطيها في محطتها الأخيرة سمة البراءة والبعد عن مصدرها الأصلي, وهو أمر تجيده أجهزة الأمن الإسرائيلية. والسؤال الطبيعي هنا هو: لماذا تقدم الدولة العبرية علي هذا الأمر والتلاعب بورقة الإرهاب علي أرض سيناء المصرية؟ والإجابة تأتي من الجانب الإسرائيلي الذي تصر أجهزة أمنه منذ عام2003 في تصريحات إعلامية واسعة علي أن تنظيم القاعدة يتمتع بوجود قوي في سيناء إلي الحد الذي يسيطر فيها بحسب زعمها علي نحو20% من مساحتها.

فهذه التصريحات ومعها وبعدها هذه العمليات الإرهابية الكبيرة التي تصيب أجانب ومصريين وبعض الإسرائيليين ترمي إلي أن يقتنع العالم الغربي الذي عاني من تنظيم القاعدة ويخشي من تهديداته بأن السلطات المصرية باتت غير قادرة وحدها علي حماية هذا الجزء من أراضيها.

وبالتالي يكون البديل الوحيد هو أن يتم فرض نوع من التعاون الأمني الدولي والإقليمي لحماية سيناء تشارك فيه إسرائيل ومعها مصر والولايات المتحدة وربما الاتحاد الأوروبي, ويتم من خلاله وضع سياسات وإجراءات لضمان الأمن الذي هو في حقيقته أمن الحدود الغربية للدولة العبرية بما في ذلك تحديد منطقة عازلة بينها وبين سيناء تخضع لهذا الإشراف الأمني الدولي. وهذا الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي لم يتغير خلال السنوات العشر الأخيرة بل قد تكون مجريات الثورة المصرية وآخرها وصول الإخوان المسلمين إلي الحكم قد زادت من أهميته وضرورة السعي إلي تحقيقه فورا, خاصة في ظل الخشية الإسرائيلية من توطيد العلاقات بين حكم حماس في غزة والإخوان المسلمين في مصر.

وربما أضافت التطورات السياسية الداخلية المصرية أهمية أخري لتنفيذ مثل هذه العملية في التصور الإسرائيلي علي يد مجموعات ذات طابع إسلامي مختلطة العضوية ما بين مصريين وفلسطينيين من قطاع غزة.

فهذا من شأنه من ناحية أن يضع القوات المسلحة المشتبكة من نجاح الثورة في صراعات السياسة الداخلية في موضع الاتهام والتشكيك في قدرتها علي أداء مهمتها الأصلية وهي حماية البلاد.

ومن ناحية ثانية أن يدفع بحالة من الخلاف والصراع بداخل صفوف التيار الإسلامي المصري الواسع ما بين معتدلين سلميين ومتطرفين يمارسون العنف حول أساليب مواجهة الأوضاع الداخلية والعلاقات الخارجية.

ومن ناحية ثالثة يضيف عبئا جديدا علي كاهل الثورة المصرية وهي بالكاد بدأت في التحول لنظام سياسي, بما يمنعها من الاستقرار والتحول الكامل إلي دولة ذات ملامح جديدة مختلفة عن دولة مبارك.