سعيد عكاشة

خبير مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

أدى اندلاع احتجاجات واسعة في مصر في الخامس والعشرين من يناير عام 2011 إلى فرز القوى السياسية إلى تيارين :تيار محافظ غايته إحداث تغييرات طفيفة فى نظام مبارك السابق بهدف احتواء ثورة الشباب ومنع استمرار الاحتجاجات والاعتصامات والمواجهات مع الجيش والشرطة، والتيار الآخر ثوري يهدف إلى اقتلاع نظام مبارك وورثته من القوى التقليدية وعلى رأسها المجلس العسكري الحاكم، ومن ثم تبديل علاقات القوى الاجتماعية وإحلال طبقة جديدة محل طبقة رجال الأعمال المتحالفة مع السلطة بكل هيئتها إبان حكم مبارك.

ولا يزال الصراع بين الجانبين محتدماً وقد يطول لفترة ليست بالقليلة في ضوء المعطيات التالية: 1- القوة التي بات الشارع يتمتع بها ودخوله كمتغير اساسى فى الصراع المحتدم على السلطة.

2- تأرجح العلاقة بين جماعة الأخوان والرئيس مرسى من ناحية والمؤسسة العسكرية من الناحية الأخرى وإتخاذها أشكال غير منتظمة من الوفاق الحذر إلى الصدام المعلن.

3- بوادر صراع قابل للتحول إلى صدام واسع بين تيارات الإسلام السياسى من ناحية وتيارات الدولة المدنية من ناحية أخرى كصدى لصراع أعمق على هوية الدولة والمجتمع، وهو صراع متعدد الأبعاد تغلب عليه التحالفات الهشة والآنية.

أن أهمية المعطى الأول فى تحديد مسار المستقبل تتأتى من كونه أحدث متغيرات الصراع على السلطة تاريخيا، فلم تعد لعبة الحكم مرهونة بالصراع الفوقى بين النخب الأجتماعية والسياسية كما كان الامر فى الماضى البعيد والقريب، فمع الضربة القاسمة التى وجهتها الجموع البشرية التى أحتشدت فى ميادين مصر فى يناير من عام 2011 للشرطة ومن بعدها لجهاز أمن الدولة، ومع إنتشار شعار "يسقط حكم العسكر" تراجعت قوة المؤسسات التى أحتكرت العنف ووظفته لصالح بقاء النظام، وخلق ذلك مساحة من الفراغ قام بملئها جزئيا قطاع من معسكر القوى المحافظة والقوى الثورية فيما تحاول أربعة قوى هامشية وغير منظمة بالإضافة لقوة نظامية جديدة السيطرة على حركة الشارع وتوجيهه صوب أهدافها.

وجميع هذه التيارات والقوى الخمس التي سنتحدث عنها لاحقاً قادرة على البقاء في الشارع وإفشال أي محاولات للالتفاف على الثورة مثل تلك التي جرت بين المجلس العسكري وقوى الإسلام السياسي (الإخوان والسلفيين) حتى الآن.

ولكن يبقى عنصر آخر بوسعه أن يؤثر في الصراع القائم بين الاتجاهين الثوري والمحافظ ونعنى به الأغلبية الصامتة التي لا تعلن رأيها بوضوح ولا تتمتع بفاعلية ظاهرة حتى اليوم رغم كونها تشكل ما يقرب من 80% من المواطنين ..

ويبقى حدود هذا التأثير مرهوناً بمدى استطاعة الأغلبية الصامتة تحمل الأوضاع المنفلتة أمنياً وتدهور مستوى معيشتها وأيضاً مدى قدرة تيار الدولة الرسمي ممثلاً في المجلس العسكري ومؤسسة الرئاسة التى يقودها الأخوان عبر محمد مرسى على إخراج هذه الكتلة من حالة السلبية التي تتخندق داخلها حتى الآن.

بيئة الصراع من نافل القول إن الأسباب التى كانت وراء غضب أغلبية المصريين من نظام حكم مبارك مازالت قائمة حتى اليوم، وهى مع عوامل أخرى تشكل بيئة ضاغطة على اطراف الصراع الدائر على السلطة فهناك: 1- انتشار الفساد والمحسوبية في أغلب أجهزة الدولة وتحفز البيروقراطية المصرية للدفاع عن بقاءها سواء فى مواجهة مطالب التقليص والإصلاح أو إدخال ملايين المطالبين بحق العمل إلى مؤسساتها.

2- ارتفاع تكاليف المعيشة لأغلب المصريين وسقوط نسبة كبيرة منهم في جحيم الفقر حيث أوضح تقرير (الاتجاهات الاقتصادية) الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عام 2011: أن نحو 21.6% من السكان الذين بلغ عددهم حوالي 84 مليوناً عام 2010 كانوا يعيشون تحت خط الفقر وفقاً لأرقام وإحصاءات رسمية حكومية، ويذهب هذا التقرير إلى أن حجم الفقر يتجاوز حتى هذه البيانات وفقاً للمعايير الدولية التي تحدده عند مستوى دخل أقل من دولارين يوميا، ويرى التقرير أنه وفقاً لهذه المعايير فإن قرابة 40% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر وأغلبهم من سكان الريف وصعيد مصر.

3- الصراع بين التيار المحافظ والتيار الثوري يحمل خليطاً من الثقافة القديمة، ثقافة الخوف من التغيير والارتكان إلى الدولة الأبوية والثقافة الجديدة، ثقافة تحدى السلطة وتفعيل الشارع في مواجهة النظام والاستعداد لتحمل قدر من الفوضى لأمد طويل من أجل تحقيق مطالبه، ولا يدور الصراع بين التيارين فقط على السلطة وشكل الدولة والنظام المنتظر، بل أيضاً على من بوسعه اجتذاب الكتلة الصامتة لجانبه، فهي العنصر الذي يمكنه حسم المعركة وفقاً لحساباته الدقيقة القائمة على تحقيق معادلة صعبة يمكن صياغتها على الوجه التالى: الاستقرار = الحد الأدنى من الأمن + الحد الأدنى من الحياة الكريمة في ثورة 25 يناير وقفت الكتلة الصامتة خلف التيار الثوري دون أن تشارك في تظاهراته حيث بدا لها نظام مبارك وقد أخل تماماً بالمعادلة السابقة، فقد ركز على أمنه الشخصي تاركاً أمن المواطن نهباً لفساد الشرطة وقمعها بالمشاركة مع العصابات الإجرامية، كما كان انحيازه للطبقات الثرية ومصالح رجال الأعمال سبباً في انهيار الركن الثاني من معادلة الاستقرار.

وعقب سقوط مبارك مالت الكتلة الصامتة للوقوف في مواجهة التيار الثوري دون أن يعنى ذلك تأييدها للتيار المحافظ حيث بدا أن كليهما يهدد حدي المعادلة السابقة، فالثوار يهددون الأمن ببقائهم في الشارع والدخول في مواجهات مستمرة مع الشرطة والجيش، والتيار المحافظ غير موثوق به لعدم مواجهته لأركان النظام السابق وتواطئه في إطالة محاكمات الفساد وإخفاء الأدلة الدامغة التي تدين قتلة الثوار وناهبي الأموال العامة.

القوى المحافظة وثورة 25 يناير نعنى بالقوى المحافظة: الأحزاب والجماعات التي قبلت بالعمل تحت راية نظام مبارك وانتهجت طريقاً سلمياً في معارضته رغم التضييق على أنشطتها وحركتها، ورغم تزوير كافة الانتخابات التشريعية التي خاضتها دون ضمان بنزاهتها.

أو بمعنى آخر هي تلك القوى التي كانت تسعى في الحد الأقصى إلى إحداث إصلاحات في النظام وفى الحد الأدنى للبقاء في الخارطة السياسة وفقط، وينطبق هذا التوصيف على معسكرين: الأول الأحزاب الأربعة الكبرى التي نشأت في ظل التجربة الحزبية الثانية منذ عام 1976 (التجربة الحزبية الأولى امتدت من عام 1906 وحتى عام 1953) ونعنى بها أحزاب: التجمع (أسس عام 1976) والوفد (1978) والعمل (1978) والناصرى (1992) وخاضت هذه الأحزاب معظم الانتخابات التشريعية طيلة حكم مبارك رغم تزويره لها تباعاً، ولم يصطدم به فعلياً سوى حزب العمل الذي غير أيدولوجيته من اشتراكية إلى إسلامية وتم حظره عام 1990.

المعسكر الثاني جماعة الإخوان المسلمين و قطاع من التيارات السلفية.

انصرف كلا المعسكرين لإدارة معركة تقسيم تركة النظام السابق بالتركيز على قضايا لا تمس الجمهور الواسع ولا الشارع بقواه التى هي قيد التبلور مثل قضية النظام الانتخابى والدستور وصلاحيات الرئيس ووضع المؤسسة العسكرية فى النظام الجديد، ورغم أولوية هذه القضايا كونها الأساس الذى ينبغى ان تقام عليه الدولة منطقيا، إلا أن الشارع لم يهتم بها إلا من زاوية إرتباطها اللحظى بمصالحه العاجلة (إستعادة الأمن والأنضباط، تحسين الخدمات، معالجة البطالة وإنخفاض مستوى العيش) القوى الثورية وثورة 25 يناير إذا كان تعريف القوى المحافظة أمراً سهلاً لكونها تنتمي لأحزاب وجماعات سبق لبعضها ممارسة العمل السياسي والحزبي منذ سبعينات القرن العشرين، ولبعضها الآخر مثل الوفد والإخوان العمل منذ العشرينات، فإن تعريف القوى الثورية يبدو أمراً شاقاً، إما لحداثة تكوينها وعدم تبلورها في حركات وأحزاب متماسكة فكرياً أو سياسياً، وإما لحركة الفك والتركيب التي غلبت على هياكلها وبشكل متسارع إلى الحد الذي أدى إلى انزواء بعضها أو اختفاؤه كلياً قبل الثورة مباشرة أو بعدها، وتحول بعض الأحزاب الجديدة التى ولدت من رحم الثورة إلى المسار الذى تبنته الأحزاب والقوى التقليدية بالتركيز على بناء هياكلها وإقامة حوار مع القوى الفوقية المتصارعة على السلطة مع إهمالها للشارع ومطالبة.

غير أن بعض القوى الثورية الهامشية مثل جماعة "الاشتراكيين الثوريين" و"الأناركيين" تنبهت إلى أهمية القوى المهمشة غير الممثلة فى البنية السياسية الفوقية رغم كونها تضم ملايين من الأفراد المستعدين للعمل المباشر فى الشارع أثناء الأزمات التى تنشب على خلفية الصراع على السلطة ليس للإنخراط فى هذا الصراع بل باستغلاله كوسيلة لتأكيد غضبها من التجاهل الذى تلاقيه من النخب الحاكمة والحزبية، ومن أجل رفع مطالبها الخاصة بتحسين أوضاعها.

وخلال معظم الفترة الأنتقالية نشط الاشتراكيون الثوريون والأناركيين وبعض الفصائل المتشددة من اليسار فى اتجاه الإصرار على إنهاء النظام القديم بأكمله مع رفض الحكم العسكري بأي صورة من الصور، وهو ما تمثل في استمرار احتلال الشباب المنتمين لتنظيمات "6 أبريل" وائتلافات الثورة المختلفة لميدان التحرير ودخولهم في مواجهات عنيفة مع الشرطة والجيش كما وقفت القوى المحافظة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد والجماعات السلفية التي ظهرت بعد الثورة في مواجهة القوى الثورية دون أن تستطيع احتوائها حتى بعد أن فازت تيارات الإسلام السياسي (الإخوان والسلفيين) بـ 70% من مقاعد البرلمان قبل أن يتم حله بعد اربعة اشهر من إنتخابه، حيث أظهرت الحشود الضخمة التي قادتها الحركات الشبابية في الذكرى الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير والتي فاقت أعدادها في القاهرة، وعدة محافظات أخرى أعداد من شاركوا في الثورة نفسها أن شرعية البرلمان" الذي كان يسيطر عليه الإسلاميون غير قادرة على إنهاء شرعية "الميدان" ميدان التحرير الذي أصبح رمزاً للثورة ومقراً لها فى ظل مطالبته بإنهاء الحكم العسكري وتسليم السلطة للمدنيين، واستعداده لخوض معارك ممتدة من أجل الحفاظ على مدنية الدولة وعدم تمكين التيار الإسلامي من فرض رؤيته وأيديولوجيته على المجتمع.

الشارع وقواه الخفية!! ذكرنا فى مقدمة المقال أن هنالك اربعة قوى هامشية وأخرى منظمة تشكل معا كتلة خماسية الأضلاع تضغط بقوة على التيارين الثورى والمحافظ لتحديد الأولويات وتشكل تحديا هائلا للإستقرار فى حالة تجاهلها ونعنى بهذه القوى: 1- العاطلين وهم في أدنى التقدير 12.5% من قوة العمل أي حوالى3.5 ملايين شخص أغلبهم من الشباب الذي يقل عمرهم عن ثلاثين عاما و الحاصلين على مؤهلات تعليمية متوسطة وفوق متوسطة وجامعية وفوق الجامعية.

2- أطفال الشوارع الذين يقدر عددهم بـ 2 مليون طفل منهم نحو نصف مليون في القاهرة وحدها.

3- الجماعات الهامشية التي يتشكل أغلبها من الباعة الجائلين المحرومين من أية حقوق اجتماعية ولا يوجد لديهم نقابة تدافع عن مصالحهم (ليس هناك احصائية بعددهم).

4- التشكيلات العصابية التي جندتها الشرطة على مدى ثلاثين عاماً ووظفتها في قمع التيارات السياسية وقوامها حسب بعض التقديرات يصل الى نصف مليون شخص.

هذه القوى الأربعة ليست لديها مصلحة حقيقية في الإستقرار وإنهاء وضع الصدام فى الشارع مع الجيش والشرطة فقد خلقت الثورة لها مجالا للتنفيس عن حرياتها المكبوته وإكتساب الرزق بدون مطاردة من الشرطة، بل ان الثورة مكنت بعضا منها من التخلص من وضع إجتماعى مهين فالعاطلون عن العمل على سبيل المثال شاركوا فى إعتصامات الميدان للهروب من المواجهه مع ذويهم الذين يعيرونهم بعدم قدرتهم على كسب عيشهم، وظلوا أثناء الثورة وبعدها يقدمون انفسهم كثائرين تستضيف الفضائيات بعضهم مضفية عليهم وضعا إجتماعيا لائقا ومعترف به، فهم ليسوا عاطلين بل ثوار يعيشون فى ميدان تحول إلى ما يشبه "الكميونة"، فالكل يتعاون من أجل البقاء والدفاع عن الميدان والكل يتقاسم الطعام وساعات الترفيه وأيضا خطر المواجهه مع الشرطة والجيش وفى هذا الإطار لن يتنازلوا عن الميدان وسيظلون يبحثون عن شعارات ومطالب تبقى سيطرتهم عليه، فإما ان تتحقق أهدافهم بالحصول على عمل وحد ادنى للدخل وإما البقاء فى الميدان كثوار دائمون، وقد وجدت هذه الفئة ضالتها فى الجماعات اليسارية التى تتبنى أيدولوجيات تخدم هذه الاهداف مثل الأناركيين والإشتراكين الثوريين وأدى التحالف بينهما إلى إجبار المجلس العسكرى على تقديم التنازل تلو الآخر بدءاً من إقالة آخر حكومة عينها مبارك قبل رحيله (حكومة أحمد شفيق) مرورا بإنتزاع قرار حل مجلسى الشعب والشورى وتقديم مبارك وعدد من رجاله للمحاكمة، وأخيرا إلغاء قانون الطوارئ وتقصير فترة بقاء المجلس العسكرى فى السلطة عبر الأسراع ببدء عملية انتخاب رئيس الجمهورية التى وصلت إلى نهايتها بتولى محمد مرسى الرئاسة كأول رئيس مدنى منتخب منذ الخمسينيات من القرن الماضى.

وينطبق الأمر ذاته على القوى الثلاث الأخرى فالباعة الجائلين الذين تعرضوا باستمرار لمطارده الشرطة ومنعهم من بيع بضائعهم فى ميادين القاهرة والأسكندرية أو السماح لهم بذلك مقابل تقديم رشاوى من رزقهم القليل لرجال الشرطة الفاسدين رأوا فى ميدان التحرير وفى غيره من الميادين سوقا واسعة تم تحريرها من قبضة الدولة ولا يجب التفريط فيه إلا بأن تعترف الدولة بهم وتعطيهم أماكن ثابتة لعرض بضاعتهم ومن ثم فقد كانوا فى حاجة إلى خطاب اليساريين المصرين حول اجتثاث نظام مبارك لكى يحتموا به ويبرروا بقائهم فى الميدان عبر تبنيه وترديد شعارات إطلاقيه.

وفيما يتعلق بالبلطجية والعصابات المسلحة فقد فقدت هذه الطائفة أيضا الرواتب التى كان يدفعها لها جهاز الشرطة فى الماضى مقابل التعاون معه فى أغراض شتى واصبح من مصلحتهم البقاء فى الميدان ليقدموا انفسهم كمؤيدين للثورة، ولكى يرتزقوا من بيع بضاعتهم من المخدرات دون رقابة أو فرض إتاوات على الباعة الجائلين فى الميدان، أو بتلقى عروض من جانب الشرطة ورجال الحكم السابق للعمل أحيانا ضد الثوار إذا ما عاودوا النزول للميدان، وفى كل الأحوال ليس من مصلحة هذه الفئة ايضا إنتهاء المد الثورى الأن ولوقت طويل مستقبلا.

ويبقى اطفال الشوارع الذين حصلوا على تعاطف واهتمام الثوار فى فترات كثيرة أثناء الثورة وبعدها ووفر لهم ميدان التحرير الفرصة للحصول على الطعام وبعض المعاملة الإنسانية وبدورهم أصبحوا يعون مصلحتهم فى الإبقاء على ميدان التحرير والميادين الأخرى التى يعيشون داخلها وحولها محررة من قبضة الشرطة والدولة.

إن التحالف بين هذه القوى الأربعة وبين الجماعات الثورية لا يمكن فصمه بسهوله ما لم يقم أى نظام حكم حالى أو محتمل بمعالجة مشكلات هذه الفئات الأربع وإقناعها بالتخلى عن دعم الثوار.

وبمعنى أخر لقد وجد الثوار فى القوى الأربع المشار إليها جمهوراً يكفل لهم الحماية من بطش الأمن إثناء المواجهات التى وقعت والتى ستقع لاحقا من أجل إخلاء الميدان ووقف الثورة عند الحدود التى وصلت اليها، بينما وجدت هذه القوى الأربع المهمشة فى خطاب الثوار وقدرتهم على مخاطبة الإعلام فرصة للبقاء فى ساحات توفر لها فرص كسب العيش وبعض الحرية والكرامة، ولا يستطيع الطرفين البقاء فى الميدان دون الاستمرار فى هذا التحالف ومن العبث أن يبحث أى نظام حكم عن حل لمواجهة هذا التحالف بدون التوجه للقوى الأربع المذكورة وتلبية مطالبها وليس عبر التفاهم مع القوى الثورية التى لن تقبل أى مهادنة معه إلا عبر تحقيق أهدافها بإستكمال الثورة حتى النهاية.

أما القوة الخامسة التى نعنيها فتتمثل فى إتحاد النقابات المستقلة الذى تشكل فى مطلع شهر فبراير 2012 ويضم ما يقرب من مليون ونصف من العمال والفلاحين وموظفى الدولة ويسعى هذا الإتحاد لوقف برنامج الخصخصة وإستعادة المصانع التى تم بيعها من خلال هذا البرنامج وإعادة العمال الذين تمت تصفيتهم إلى أعمالهم ورفع الحد الأدنى للأجور لألفى جنيه، وبوسع هذه الفئة إثارة الاضطرابات فى مواجهة أي سلطة حيث أن مطالبها إجتماعية بحتة ولن يكون بوسع السلطة الحاكمة تشويهها كما تفعل مع الحركات الثورية الشبابية بدعوى أنها تعمل وفقا لاجندة أجنبية، وبالتالى ستشكل قوة مضافة إلى القوى الأربع السالفة الذكر للإبقاء على ميادين الثورة محررة من قبضة السلطة حتى يتم الإستجابة لمطالبها.

وخلاصة القول إن فوز الأسلاميين بأغلبية البرلمان (قبل حله)، وحتى بعد فوزهم بمنصب الرئيس واستعدادهم للتفاهم مع العسكريين لن يؤدى إلى عودة الإستقرار سريعا فشرعية المطالب الإجتماعية وروح التحرر التى ميزت الميادين وفى القلب منها ميدان التحرير لن تعطى لأية جهة القدرة على تهدئة ثورة بدأت ولم تنتهى من أجل تحقيق شعارها الأول: حرية، كرامة، عدالة إجتماعية.

ولن يتمكن الأسلاميون ومعهم العسكريون من الحكم إلا بتلبية هذه المطالب أو على الأقل الحد الأدنى منها والبديل الآخر هو استخدام الترهيب الدينى والقمع الأمنى بأعنف صوره لاستعادة السيطرة على الأمور وإن كان من المشكوك أن تنجح هذه السياسة أيضا فى ظل إنكشاف الانظمة القمعية سريعا أمام الضغوط الدولية وفى ظل هذه القدرة على الصمود التى ميزت شوارع الثورات العربية وما تزال.

*سعيد عكاشة باحث مشارك بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية *الآراء الواردة بهذه الدراسة تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز أو مؤسسة الأهرام