محمد عبد القادر خليل

مدير برنامج تركيا والمشرق العربي - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

الثورات والانتفاضات الشعبية التي شهدتها بعض دول المنطقة وضعت تركيا في واجهة الأحداث، وشكلت اختبارا صعبا وتحديا كبيرا للسياسة الخارجية التركية، نظرا لكثافة الاستثمار التركي في منطقة الشرق الأوسط، وذلك على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي، حيث تحولت تركيا بفضل ديناميكية تحركاتها وميكانزمات تفاعلاتها حيال القضايا العربية إلى طرف رئيس وفاعل مركزي على مسرح أحداث الإقليم الذي حظى بوضع هامشي نسبيا ضمن أولويات السياسة التركية الخارجية خلال عقود سابقة.

الاستثمار التركي في منطقة الشرق الأوسط انعكس في المواقف الايجابية التي تبنتها أنقرة إزاء قضايا العرب المركزية، لاسيما حيال الغزو الأمريكي للعراق والصراع العربي الإسرائيلي، والموقف التاريخي الذي أقدم عليه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردغان في منتدى الاقتصادي العالمي DAIVOS)) عام 2009، وانفتاح تركيا على كافة الأطراف العربية سواء على مستوى الرسمي (الدول) أو على مستوى الفاعلين من غير الدول (كحزب الله وحركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الإخوان المسلمين)، هذا فضلا عن محاولة تركيا كسر الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، بما أثمر عن توترات غير مسبوقة في العلاقات مع إسرائيل، وارتفاع غير مسبوق في شعبية تركيا في الأوساط العربية.

لذلك فقد فرضت أحداث الربيع العربي على الدبلوماسية التركية تحديات مركبة تتعلق بالحفاظ على علاقات وثيقة مع دول "الربيع العربي"، في الوقت الذي وقفت فيه أنقرة بين شقي رحى فإما مساندة الجماهير الحاشدة التي انتفضت لإسقاط أنظمتها السياسية السلطوية من جانب، أو الحفاظ على تحالفات وعلاقاتها الوثيقة مع هذه الأنظمة من جانب آخر.

هذا في حين شكلت حركة الشعوب العربية غير المسبوقة تحديا لمبادئ السياسة الخارجية التركية التي قضت أدبياتها بالتزام عدم الانخراط في الشئون الداخلية للدول الأخرى.

وقد ضاعف من مأزق الموقف التركي حيال أحداث "الربيع العربي"، الطبيعة الفجائية لهذه الأحداث، فعلى الرغم من أن ثورتي مصر وتونس أسفرتا سريعا عن سقوط نظام بن علي (14 يناير 2011)، ونظام مبارك (11 فبراير 2011)، على نحو دفعت مؤشراته المبدئية بانحياز تركيا لإرادة ورغبة الجماهير العربية في إحداث تحول ديمقراطي حقيقي، غير أن تطورات الصراع على المسارين الليبي والسوري أظهرتا مدى الارتباك التركي وأوضحتا طبيعة التخوفات التركية على مسارات العلاقات الوثيقة مع نظامي القذافي في ليبيا وبشار الأسد في سوريا، نظرا للطبيعة الخاصة للروابط السياسية وتشعب العلاقات الاقتصادية وارتفاع حجم التكلفة البشرية والتداعيات الأمنية التي ستترتب على عملية التغير في الدولتين.

من هذا المنطلق فإن هذه الدراسة تسعى للتعرف على أسباب تباين المواقف التركية من عمليات التغير التي شهدتها دول "الربيع العربي"، والعوامل التي دفعت بتحول المواقف التركية حيال الثورات العربية، وكذلك تحديد أنماط المواقف التركية من هذه الثورات، وتأثرها بخصوصية كل حالة، وصولا من ذلك لرصد مستقبل العلاقات العربية- التركية.

أولا: محددات مواقف تركيا من "الربيع العربي": تنوعت المواقف التركية وبدا أنها تختلف من حالة لأخرى على نحو دفع بعض الاتجاهات للحديث عن "الميكافيلية التركية" في التعامل مع أحداث المنطقة المستجدة ، حيث أن المصالح التركية المتغيرة أفضت إلى مواقف متباينة.

ومع ذلك فاستقراء طبيعة المقاربة التركية إزاء ثورات الربيع العربي تكشف أنها تأسست على فرضيتين أساسيتين مرتبطتين ببعضهما البعض.

أولها أن تطورات الشرق الأوسط تشير أنه لا مفر من التغير بما يدفع إلى التكيف مع هذا التغير وليس مقاومته، وثانيهما، أن التكيف التركي مع هذه الأحداث بالصورة الملائمة من شأنه أن يعظم مصالح تركيا في المنطقة على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني.

على هذا الأساس يمكن رصد أبرز محددات المواقف التركية من ثورات "الربيع العربي"، وذلك على النحو التالي: 1- المحدد السياسي: عقب وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002 سعت أنقرة لإنهاء انفصالها المفتعل عن منطقة الشرق الأوسط.

كما عملت السياسة الخارجية التركية ضمن إطار عام وشامل يخدم عليه وتندرج ضمنه لتعظيم التواجد التركي في المنطقة وتكثيف العلاقات مع الدول العربية، من خلال عدد من الآليات التي ضمنت لتركيا التواجد في مركز الإقليم وفي "ميادين الأحداث" الملتهبة التى شهدتها المنطقة العربية وأفضت للإطاحة بزين العابدين بن على بعد 23 من حكمه لتونس، و"تنحي" حسني مبارك بعد حكم لمصر دام 30 عاما، وسقوط نظام القذافي بعد 42 عام من حكمه لليبيا، وتوقيع على عبد الله صالح لوثيقة تنحي بعد 33 سنة من دوام حكمه لليمن.

"التسونامي العربي" الذي ضرب أنظمة الحكم في المنطقة، اعتبره وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو بمثابة "تدفق طبيعي للتاريخ" وحدث "عفوي" و "ضروري" جاء متأخرا حيث كان ينبغي أن يحدث في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

واعتبر داوود أوغلو ما يجري بالعالم العربي "مسارا طبيعيا للأمور"، و أن التغييرات التي تشهدها دول الشرق الأوسط ناتجة عن ضرورة اجتماعية، مشددا على وجوب ابتعاد الزعماء العرب عن الوقوف أمام رياح التغيير .

وقد مثلت هذه الرؤية منطلقا أساسيا لصياغة مبادئ السياسة الخارجية التركية في تعاطيها مع هذه الثورات العربية، بحيث تجسدت في : أ) احترام إرادة الشعوب ورغبتهم في التغيير والديمقراطية والحرية.

ب) الحفاظ على استقرار وأمن الدول، وضرورة أن يتم التغيير بشكل سلمي، فالأمن والحرية ليسا بديلين ولابد من كليهما معا.

ج) رفض التدخل العسكري الأجنبي في الدول العربية، تجنبا لتكرار مأساة العراق وأفغانستان وتعرض البلاد العربية لخطر الاحتلال أو التقسيم.

د) تقديم العون والدعم للتحولات الداخلية حسب الظروف الداخلية الخاصة بكل دولة.

هـ) رعاية المصالح التركية الوطنية العليا، وفي مقدمتها الاستثمارات والمصالح الاقتصادية والحفاظ على أرواح وممتلكات الرعايا الأتراك.

و) الاستناد إلى الشرعية الدولية والتحرك في إطار القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

س) عدم توجيه السلاح التركي إلى أي شعب عربي واقتصار الدور التركي على المهام الإنسانية غير القتالية والقيام بأعمال الإغاثة.

ح) مراعاة خصوصية كل دولة وظروفها ووضعها الداخلي وعلاقاتها الخارجية ومصالح تركيا المتشابكة معها.

وعلى الرغم من المخاوف التركية من أن تفضي أحداث المنطقة لتراجع علاقاتها مع الدول العربية، إلا أن استرجاع خبرة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي -بما مثله من مخاطر تراجع أهمية تركيا الإستراتيجية بالنسبة للتحالف الغربي، وما شكله من فرص وقدرة أكبر على الحركة في دول وسط آسيا وظهور تركيا باعتباره تمثل نموذج لدول العالم الإسلامي- قد دفع بضرورة إعادة تكيف الدور التركي في المنطقة سعيا لاستغلال الفرص التي يمكن أن يشكلها "الربيع العربي"، خصوصا بعد أن أكدت الثورات العربية أهمية تركيا "الدور" و"النموذج" بالنسبة لدول المنطقة.

وقد عبر عن ذلك مستشار رئيس الوزراء التركي إبراهيم كالين، حيث أكد أنه على عكس ما يرى البعض، فإن التغيرات في منطقة الشرق الأوسط ستعزز موقع تركيا، وستخرج تركيا رابحة في إطار عالم عربي أكثر ديمقراطية، معبرا عن قناعته بأن تركيا لا يجب أن تقلق من التغيرات الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة، لأن أنقرة تدرك أن الشعوب العربية تتقدم على حكامها من ناحية النظرة الايجابية للدور التركي في المنطقة .

وفي هذا الإطار اعتبرت اتجاهات عريضة في بعض الأدبيات التركية أن "الربيع العربي" من شأنه أن يسهم في تعزيز قدرة تركيا على وضع إستراتيجية "العثمانية الجديدة" موضع التطبيق، بحيث تتكامل تركيا بصورة أكبر وأعمق مع الدول العربية التي خضعت لسيطرة ونفوذ الإمبراطورية العثمانية.

وترى هذه الآراء أن "العثمانية الجديدة" تقوم في مرحلة ما بعد "الربيع العربي" على ركيزتين أساسيتين : أولهما، أن تركيا لا تسعى لاستغلال أحداث المنطقة لمحاولة السيطرة على المجتمعات والأنظمة السياسية العربية الجديدة، وإنما تسعى لدعم عملية التحول الديمقراطي في الدول العربية وتعميق الفهم العربي لمفهوم العلمانية.

وفي هذا الإطار شهدت المنطقة العربية وتركيا زيادة ملحوظة في الندوات العلمية والمؤتمرات الصحفية واللقاءات المشتركة بين الباحثين العرب والأتراك حول سبل الاستفادة من الخبرة التركية في مجال التحول الديمقراطي، والأدوات اللازمة لتعميق التفاهم العربي التركي على المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية.

ثانيهما، التركيز على الدبلوماسية والقوة الناعمة Soft Power من أجل تعميق التعاون الاقتصادي والدبلوماسي ومضاعفة نفوذ تركيا الثقافي، بما يضمن مصالح تركيا في أن تتحول إلى قوى إقليمية كبرى.

وعلى الرغم من أن التغيرات في منطقة الشرق الأوسط كان لها من الكثير من التداعيات على القدرة التركية على تطبيق إستراتجية "Zero Problems"، ومع ذلك رأت الكثير من الاتجاهات التركية أنه من المرجح أن تزداد أهمية الدور التركي في المنطقة إذا ما تم الاتفاق على توثيق العلاقات مع النظام المصري الجديد وطرح تركيا باعتبارها تقدم نموذج ملهم يمكن لدول "الربيع العربي" الاستفادة منه في هذه المرحلة.

بناء على ذلك فقد وضح أن الجدل الدائر في أنقرة حول تأثيرات "الربيع العربي" على الاستثمارات التركية المتنوعة في المنطقة قد دفعت إلى تنبي تصور للتعامل مع الربيع العربي على ثلاث مستويات: (1) استغلال الحدث لتوثيق علاقات تركيا الدولية: وذلك بمحاولة إعادة تأكيد محورية الدور التركي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال إعادة توظيف الدور التركي في خدمة الاستقرار الإقليمي في المرحلة الجديدة، مستغلة في ذلك نفوذها السياسي وقوتها الناعمة وتشعب علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة، وفي هذا الإطار تجلى تزايد التقارب التركي- الأمريكي في ضوء التنسيق المشترك حيال التعامل مع الملف السوري، وإزاء طرق استيعاب التيارات الإسلامية التي تصاعد حضورها في المشهد السياسي العربي.

(ب) دعم العلاقات مع أنظمة الحكم الجديدة: فقد سعت تركيا لإنهاء حال التوتر المكتوم أو عدم الأريحية التي وسمت علاقاتها بالنظام المصري السابق، من خلال الوقوف إلى جانب المتظاهرين المصريين هذا من جانب، ومن جانب آخر من خلال العمل على توثيق العلاقات في أبعادها المختلفة مع مصر مابعد 25 يناير، وصولا إلى التعاون العسكري والأمني، لاسيما وأن ثمة رؤية تركية بأن تقارب مصري –تركي سيكون من شأنه أن يعيد ترتيبات الأمن الإقليمي ويعيد تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية في المنطقة.

وفيما يتعلف بالملف الليبي، فقد كان لتخلى تركيا عن تحالفها الوثيق مع نظام القذافي، ودبلوماسيتها النشطة حيال ليبيا في مرحلة ما بعد سقوط "نظام العقيد" دورا كبير في تسهيل مهمة عقد شركات سياسية واتفاقات اقتصادية كبيرة مع النظام الليبي الجديد.

ويأتي كذلك في هذا الإطار التخلي عن مساندة نظام بشار الأسد في سوريا رغم العلاقات الشخصية الوثيقة التي ربطت أوردغان بالأسد ورغم تشعب العلاقات السياسية والاقتصادية مع "النظام البعثي"، وذلك بعدما توصلت أنقرة لقناعة بأن الأسد لن يقدم على إجراء إصلاحات جذرية تنقذ نظامه وتدفع سوريا نحو التحول الديمقراطي، استجابة لتطلعات الشعب السوري، الذي بدا أنه أكثر إصرارا على دفع كلفة هذا التحول، بما جعل تركيا من جهتها تركز على توثيق علاقاتها مع شركاء مرحلة ما بعد الأسد.

(ج) تعميق العلاقات مع التيارات الإسلامية: وضح من رصد التحركات التركية في المنطقة خلال مرحلة ما بعد الثروات أن هناك تركيز تركي على دعم حركة الإخوان المسلمون وبقية التيارات الإسلامية التي نشطت على الساحة السياسية بعد الثورات العربية، وذلك عبر تشجيعهم على العمل السياسي وفق منهج يتسم نسبيا بالبراجماتية من خلال الاستفادة من الاستشارات واللقاءات السياسية التي عقدتها تركيا مع الكثير من هذه التيارات.

وفي هذا الإطار نشط عدد من أعضاء حزب العدالة والتنمية التركي على عدد من الساحات العربية من أجل تقديم دعوات لعدد من أعضاء التيارات والأحزاب ذات التوجهات الإسلامية لزيارة أنقرة للاستفادة من تجربة إسلامي تركيا، التي تفيد بأن تدخل الدولة في حياة المواطنين من خلال المبادئ الإسلامية مسألة تخطاها الزمن.

كما عقدت ندوات ومؤتمرات مشتركة في عدد من الدول العربية كان أغلب المشاركين فيها من التيارات الإسلامية.

وقد تجلت إستراتجية تركيا في دعم تجربة مشاركة الإسلاميين في العمل السياسي العربي، في حديث أوردغان -أثناء زيارته لكل من مصر وليبيا وتونس- عن العلمانية التركية، حين أشار أن العلمانية لا تختلف أو تتناقض مع الهوية الإسلامية، بما جلب عليه عاصفة من الانتقادات من التيارات الإسلامية نفسها.

وفي هذا الإطار شنت سوريا من جهتها أيضا حملة ضارية على الحكومة التركية بسبب دعمها لحركة الإخوان المسلمين السورية، مشيرة إلى أن تركيا تسعى لإعادة الهيمنة على المنطقة عبر إستراتيجية "العثمانية الجديدة" .

ويمكن القول، إن المحددات السياسية لطبيعة الدور التركي في المنطقة ظلت حاكمة للأنماط المتغيرة للسياسة الخارجية إزاء الثورات العربية ووفقا لخصوصية كل حالة، وفي هذا الإطار بدا جليا خفوت الموقف التركي حيال الوضع في كل من البحرين واليمين، حيث ارتبط التوجهات التركية بالحرص التركي على العلاقات السياسية مع دول مجلس التعاون الخليجي، بما جعل المقاربة التركية حيال الملفين تقوم على ضرورة إنهاء الأزمات الداخلية في الدولتين وإنهاء الانقسامات المجتمعية عبر الأدوات السلمية، بالترافق مع رفض التدخلات الخارجية، خصوصا الإيرانية منها لما لها من تأثير وتداعيات سلبية على عملية التغير السلمي والمتدرج الذي راعته دول الخليج في الحالتين.

2- المحدد الاقتصادي: تخوفت تركيا من أن تتأثر استثماراتها الضخمة في المنطقة بالتغيرات التي تشهدها الدول العربية، وقد اعتبرت أن مشكلات سياسية وأمنية في المنطقة من شأنها أن تفضي لمشكلات اقتصادية قد تقلص من حجم الصادرات التركية لدول المنطقة، بما قد يسفر عن زيادة الأعباء المالية التي قد تؤثر سلبا على معدلات نمو الاقتصاد التركي.

كما تخوفت تركيا من التداعيات الاقتصادية للثورات العربية، لاسيما فيما يتعلق باتفاقات التجارة الحرة التي أبرمتها مع عدد من الدول العربية، ومنها الاتفاقية الموقعة مع كل من مصر وليبيا، وكذلك اتفاق إقامة منطقة مشتركة بين لبنان وسوريا والأردن وتركيا، وهى الاتفاقية التي علقت بعد ذلك بسبب الموقف التركي من الأحداث فى سوريا .

وتخوفت تركيا كذلك من ارتفاع أسعار النفط عالميا بسبب أحداث المنطقة الملتهبة، لما لذلك من تأثيرات على ارتفاع معدل العجز في الميزان التجاري، بالنظر لاعتماد تركيا على استيراد أكثر من 90 في المائة من احتياجاتها من الخارج.

وتكشف المقارنة بين حجم الصادرات والواردات التركية عن تضاعف حجم العجز في ميزان التجارة الخارجية من 505 مليار دولار في ابريل 2010 إلى 9 مليار دولار في ابريل 2011 .

هذا في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من صعوبات بسبب ارتفاع الطفرة الاستهلاكية المدفوعة بالائتمان لذروتها، وتجاوز العجز في الحساب الجاري نسبة 10 في المائة، وهو وضع كان محددا رئيسا في إن يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض نسبة النمو الاقتصادي إلى 2.2 في المائة خلال عام 2012 .

وعلى الرغم من الحذر الذي أبدته تركيا في التعامل مع أحداث المنطقة، غير أنه كان من الواضح أن مواقفها من الثورة المصرية قد ساهم في تعطل توقيع اتفاقية التجارة الحجرة مع دول الخليج وذلك بسبب طلب الأخيرة توقيع الاتفاقية دون إبداء أي أسباب، وهى اتفاقية كان من المقرر توقيعها في ديسمبر 2011.

كما ساهمت الأحداث التي شهدتها دول "الربيع العربي" في تراجع إجمالي صادرات تركيا إليها بنسبة 13 في المائة.

ففي حين كان نصيب مصر وسوريا وليبيا وتونس واليمن 6.48 في المائة من إجمالي الصادرات الخارجية التركية في عام 2010، تراجعت هذه النسبة إلي 4.74 في المائة نتيجة أحداث ثورات الربيع العربي.

ووفقا لإحصائيات مجلس المصدرين الأتراك، فإنه خلال عام 2010 تم تصدير منتجات تركية إلي مصر بقيمة مليارين و323 مليون دولار وإلي سوريا بقيمة مليار و852 مليون دولار وإلي ليبيا بقيمة مليارين و7 مليون دولار وإلي تونس بقيمة 751 مليون دولار وإلي اليمن بقيمة 338 مليون دولار.

هذا فيما تراجع إجمالي الصادرات التركية خلال عام 2011 إلي هذه الدول العربية الخمس من 7 مليارات و272.5 مليون إلي 6 مليارات و323 مليون دولار .

وقد عكست وزيارة رئيس الوزراء التركي إلى دول الربيع العربي على رأس وفد وزاري عالي المستوى وبرفقة 280 من رجال الأعمال الأهمية الاقتصادية لعلاقات تركيا مع الدول العربية، حيث حرص على تأكيد استعداد تركيا للمساهمة في إعادة أعمار دول "الربيع العربي" وإمداد هذه الدول بخدمات الاتصالات، والمشاركة في قطاع التشييد والبناء ، كما أعُلن عن الرغبة التركية في مضاعفة الاستثمارات التركية في مصر، بما يوفر فرص عمل أكبر أمام العمالة المصرية التي يوجد منها بالفعل قرابة 75 ألف مصري يعملون في الشركات التركية بمصر.

وفي هذا الإطار تشير التقديرات التركية إلى احتمال تزيد استثمارات تركيا في مصر من 1.5 مليار دولار إلى 5 مليارات خلال العامين المقبلين وأن تزيد المبادلات التجارية من 3.5 مليار دولار إلى 5 مليارات دولار قبل نهاية عام 2012 وإلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2015، وهو أمر من شأن تحققه أن يزيد من الروابط السياسية والاقتصادية بين البلدين، وقد يدفع بتحقق نبوءة رئيس الوزراء رجب طيب أوردغان بأن تكون أنقرة مفتاح القاهرة لأوروبا وأن تكون القاهرة مفتاح أنقرة لأفريقيا .

وقد ابرم رجال الأعمال الأتراك خلال زياراتهم لمصر برفقة رئيس الوزراء التركي، اتفاقيات تجارية تقدر 850 مليون جنيه، كما ازدادا إقبال رجال الأعمال الأتراك على الاستثمار في كل من مصر وتونس باعتبار أنهما الدولتين اللتين شهدتها استقرارا نسبيا، بما أدى إلى ارتفاع قيمة الصادرات التركية إلي مصر خلال عام 2011 بنسبة 23 في المائة وفي تونس بنسبة 12.3 في المائة مقارنة بعام 2010.

هذا في الوقت الذي تراجع في حجم الصادرات التركية إلي ليبيا بنسبة 63 في المائة وإلي اليمن بنسبة 15 في المائة وإلي سوريا بنسبة 14 في المائة مقارنة بعام 2010 بسبب الأحداث في هذه الدول.

وقد ساهمت المجهودات التركية لدعم العلاقات مع ليبيا بعد هدوء الأحداث نسبيا إلى زيادة الصادرات التركية لليبيا بمقدار 139 في المائة خلال شهر ديسمبر 2011 مقارنة بشهر نوفمبر من العام ذاته.

هذه التطورات الإيجابية من المتوقع أن تستمر خلال الفترة المقبلة، لاسيما بعد إعلان الحكومة الليبية أنها ستقدم فرص استثمارية بقيمة 100 مليار دولار للشركات التركية، كما أُعلن عن منح الشركات التركية استثمارات في قطاع التشييد والبناء وصلت قيمتها إلى 15 مليار دولار .

وتسعى تركيا في هذا الإطار أن تتضاعف الصادرات التركية لكل من مصر وليبيا، من خلال الإسراع في استكمال خط "RORO" الملاحي بين مينائي مرسين التركي، والإسكندرية المصري، والذي سيجعل من مدينة الإسكندرية بوابة تركيا للدول العربية وأفريقيا .

ويمكن القول أن مواقف تركيا حيال ثورات "الربيع العربي" تأثرت بمصالح تركيا الاقتصادية في المنطقة التي شهدت تطورات مهمة بفعل فاعلية إستراتجية تركيا في "البحث عن أسوقا جديدة" وازدهار سياسات التصدير بديلا عن أية "برامج أيديولوجية"، وذلك فيما أطلق عليه "السياسات التجارية" الجديدة لأنقرة.

وقد انعكس ذلك في مواقف تركيا المتغيرة من "ثورات الربيع العربي"، حيث ساندت مبكرا كل من الثورة المصرية والتونسية، وذلك بسبب انخفاض حجم الاستثمارات التركية في الدولتين مقارنة ليبيا على سبيل المثال.

ففي ليبيا وحدها يوجد زهاء 25 ألف مواطن تركي، وتقدر الاستثمارات التركية فيها بزهاء 15 مليار دولار.

كما يشكل السوق الليبي السوق الثاني للمتعاقدين الأتراك في الخارج بعد روسيا، ويوجد في ليبيا زهاء 120 شركة تركية.

ووصل التبادل التجاري بين الدولتين في عام 2010 إلى 9.8 مليارات دولار.

3- المحدد الأمني: لعبت المحددات الأمنية دورا أساسيا في تشكيل معالم السياسية الخارجية التركية في الفترة السابقة على وصول حزب العدالة والتنمية، غير أن قادة الحزب صاغت مفهوم مغاير للأمن التركي، ينطلق من أن الجوار الإقليمي ليس بضرورة مصدر لتهديدات الأمن القومي التركي، وإنما قد يكون التعاون المشترك مع دول الجوار سبيل التعامل مع كافة التهديدات التي يمكن أن تؤثر على سلامة الأمن والاستقرار التركي.

وقد لعبت العوامل الأمنية دورا أساسيا في تحديد المقاربة التركية حيال الثورات العربية، حيث انطلقت تركيا من قناعة مؤداها أن استمرار حالة الاحتجاجات والثورات قد تؤثر في مستقبل استثماراتها السياسية والاقتصادية في المنطقة، بما قد يخدم المصالح والسياسات الإسرائيلية، ويرفع من التكلفة الأمنية لانخراط تركيا في تفاعلات منطقة الشرق الأوسط.

وقد تأسست هذه القناعة على الخبرة التركية من حرب العراق في 1990-1991، حيث الخسائر الاقتصادية الضخمة والتداعيات الأمنية التي قضت مضاجع الأتراك ومازالت بسبب تشكل إقليم شمال العراق، وتزايد هجمات حزب العمال الكردستاني ضد تركيا انطلاقا من الأراضي العراقية، هذا فضلا عن تزايد الدور الإيراني في العراق، بما ضاعف من التحديات الأمنية والسياسية بالنسبة لأنقرة.

ارتبط بذلك أيضا أن "النموذج التعاوني" الذي نادت به أنقرة للتعامل مع المشكلات الأمنية والتهديدات التي تواجهها المنطق، لم يعد يجدي نفعا في ظل تضرر العلاقات التركية – السورية بفعل الثورة السورية ومن قبلها ما شهدته العلاقات مع إسرائيل من توترات بسبب أزمة أسطول الحرية.

هذا فضلا عن تضرر العلاقة مع طهران بفعل إقدام أنقرة على نشر صواريخ الدرع الصاروخي على أراضيها.

هذا بالإضافة إلى الصراع بين طهران وأنقرة للـتأثير على مجريات الأحداث الدائرة على الأراضي السورية، ففيما تدعم إيران النظام البعثي، فإن أنقرة تدعم المعارضة سواء في شقها السياسي أو العسكري (الجيش السوري الحر).

على هذا الأساس أوضحت الثورات "الربيع العربي" أن المحدد الأمني مازال يشكل ضلعا رئيسيا في تشكيل السياسة الخارجية التركية، بما أفضى إلى تشكل مواقف تركية متباينة حيال الثورات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية مؤخرا، ففيما يتعلق بسوريا باعتبارها الدولة الأقرب إلى تركيا وتربطها معها بحدود تمتد إلى زهاء 877 كم، فقد ارتبط حرص تركيا على استقرار سوريا بالتخوفات التركية من تداعيات الأزمة السورية بملفاتها السياسية والاجتماعية وبشقيها العلوي والكردي على الوضع الداخلي في تركيا، والخشية من احتمالات انتقال الأزمة إلي حدودها الجنوبية إذا ما خرج الوضع الأمني عن السيطرة، أو تطور إلى مواجهة عسكرية بين القوى الغربية وسوريا كما حدث في ليبيا.

وفيما يتعلق بالوضع في كل من البحرين واليمن، فقد برز المحدد الأمني في تشكيل السلوك التركي، الذي بدت عليه ثمة تخوفات من تحول الأزمة إلى صراع طائفي ومذهبي يكون له امتدادات إقليمية، لاسيما في ظل اشتداد المواجهة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية بين العديد من دول الخليج من جانب وإيران من جانب آخر.

ومع أن أنقرة أوضحت الكثير من أدبيات سياساتها الخارجية وتصريحات مسئوليها رفضها لإستراتيجية المحاور، غير أن المحددات الأمنية أيضا وقفت وراء الحركة الدبلوماسية والسياسية التركية النشطة حيال القاهرة في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير، من أجل تأسيس محور "القاهرة –أنقرة"، وذلك بهدف مواجهة التحديات السياسية والأمنية التي تحيط بالمنطقة.

ثانيا: أنماط المواقف التركية من الثورات العربية حرصت تركيا على تدرج مواقفها لحين وضوح مؤشرات الحسم لتعلن مع تصاعد الأحداث انحيازا نسبيا ووفقا لطبيعة كل حالة للحقوق المشروعة للشعوب العربية في تحقيق إصلاح اقتصادي وتحول حقيقي نحو الديمقراطية، ورغم تفضيل تركيا لأن يغدو هذا التحول عبر الأدوات السلمية، إلا أن تسارع وتيرة وتفاقم الأحداث في الحالتين الليبية والسورية وجلاء الموقفين العربي والدولي حيالهما دفع تركيا للابتعاد عن نظامي الدولتين، عبر دعم التدخل العسكري لحلف الناتو لإسقاط نظام القذافي في ليبيا، ودعم الضغوط الدولية والعربية على نظام الأسد في سوريا.

هكذا تعددت أنماط المواقف التركية من الثورات العربية، تبعا لاختلاف المصالح السياسية والروابط الاقتصادية والتقديرات الأمنية، بما وضع تركيا في مأزق حتمية تبرير المواقف، خصوصا بعد اختلاف موقف تركيا من ثورتي مصر وتونس عن بقية الثورات العربية.

وفي هذا الإطار يمكن رصد أنماط المواقف التركية من الثورات العربية على النحو التالي: - الموقف من الثورة التونسية .."المراقب": لم تتدخل تركيا في الأزمة السورية من منطلق الحرص على عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية، حيث لم يكن من المتوقع أن تفضي الأحداث سريعا عن سقوط نظام بن على، أو أن تكون الثورة التونسية فاتحة الثورات العربية.

وعندما قام بن على بمغادرة الأراضي التونسية متجها للمملكة العربية السعودية فقد أعلنت أنقرة دعمها للثورة التونسية.

وفي هذا الإطار قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أن الثورة التونسية قد تمثل نموذجا تحتذي به بلدان أخرى تسعى للإصلاح.

كما عملت تركيا بعد سقوط نظام بن على من أجل توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية مع النظام التونسي من خلال تقديم الدعم على الصعيد الاقتصادي، حيث وقعت البلدين أربع اتفاقيات تعاون بينها، منها اتفاقية تقضي بتقديم قرض لتونس بقيمة نصف مليار دولار -يجري سداده على فترة عشر سنوات وبفائدة ضعيفة- مخصص لإنعاش الاقتصاد الذي تراجعت بعض قطاعاته الهامة في 2011.

واتفقت الدولتان أيضا على إلغاء نظام التأشيرات بينهما.

كما وقع البلدان مذكرات تفاهم بشان إقامة منطقة تبادل حر وتبادل المنتجات الزراعية.

ويسمح هذا الاتفاق الأخير لتونس برفع حصتها من صادرات المعفاة من الرسوم الجمركية لتركيا.

وأعلنت البلدان أيضا اتفاقيهما على قيام أنقرة بتدريب بعض الكوادر الشابة التونسية على العمل في مجالي السياحة والتجارة الخارجية.

- الموقف من الثورة المصرية..

"الرهان": راهنت تركيا مبكرا على نجاح الثورة المصرية وخاطرت بعلاقاتها مع النظام السابق، من خلال قيام رئيس الوزراء التركي بعد 6 أيام وحسب من تفجر ثورة 25 يناير، بدعوة مبارك للاستجابة لتطلعات شعبة والتخلي عن الحكم، وعلى الرغم من أن ذلك كان مؤشرا على مدى التباعد بين حكومتي الدولتين وقتذاك، إلا أنه عكس في ذات الآن أن تركيا راهنت على نجاح الثورة المصرية وقررت الاستثمار في العلاقات مع مصر ما بعد الثورة.

وعلى هذا الأساس كانت مصر محطة رئيسية لزيارات وزير الخارجية التركي كأول وزير خارجية يزور مصر بعد تولى نبيل العربي وزارة الخارجية، كما قام الرئيس التركي بأول زيارة لمصر على هذا المستوى بعد الثورة، حيث التقى برئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كما التقى بعدد من شباب القوى والائتلافات الثورية وممثلين عن الأحزاب المصرية.

هذا فيما قام رئيس الوزراء التركي رجب أوردغان في سبتمبر الماضي بزيارة إلى مصر، وذلك على رأس وفد وزاري عالي المستوى وبرفقة عدد كبير من رجال الأعمال.

وقد جاءت الزيارة بعد غياب دام عقد ونيف، وقد أسفرت الزيارة عن توقيع العديد من الاتفاقات الاقتصادية بين الدولتين.

وفي هذه المناسبات المختلفة حرصت تركيا على تأكيد الرغبة في توثيق العلاقات مع مصر.

وأعلن وزير الخارجية التركي داوود أوغلو في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" في سبتمبر 2011، أن بلاده ستتحالف مع "مصر الجديدة" لتأسيس "محور ديمقراطية جديدا في الشرق الأوسط بين الدولتين الأكبر في المنطقة"، ونفى وزير الخارجية التركي وجود تنافس بين مصر وتركيا، مشددا على أن بلاده ترغب في أن تكون مصر دولة قوية جدا من أجل توازن القوى الإقليمي، ولما لهذا من مصلحة لبلاده .

- الموقف من الثورة الليبية..

"التردد": كانت الثورة الليبية كاشفة لطبيعة المواقف التركية المتناقضة، فتسارع وتيرة الأحداث في ليبيا وارتفاع حدة المواجهات بين الثوار والنظام الليبي السابق، كشف عن تراجع تركيا عن الالتزام بمبادئ الانحياز للإرادة الشعبية في مواجهة الأنظمة السلطوية، وقد بررت الحكومة التركية ذلك بأن ارتفاع حدة أعمال العنف في ليبيا قد دفعتها للدعوة لأن تكون المقاربة السلمية هى طريق إنهاء الأزمة الليبية.

وكانت تركيا قد طرحت ما أسمته خريطة طريق لتجاوز الأزمة الليبية من خلال عدد من النقاط : - وقف إطلاق النار بين قوات القذافي وقوات المعارضة، على أن يراقب ذلك هذا الموقف من جانب الأمم المتحدة.

- توفير الاحتياجات الأساسية في المدن التي تعصف بها الاضطرابات، تحت رعاية الأمم المتحدة.

- إنشاء لجنة للإعداد لمرحلة ما بعد القذافي، من خلال خمس أشخاص أثنين منهم من طرابلس ينالان قبول المعارضة والعكس، ويتوافق الأربع الأشخاص على شخص خامس، ويناط بالجنة الإعداد للنظام السياسي الجديد والدستور الليبي.

- إنهاء أية إجراءات من شأنها إثارة أعمال انتقامية لما لذلك من تهديد لسلامة الدولة واستقرارها.

وقد أدى رفض المعارضة الليبية لهذه المبادرة ومعارضة أية تدخلات من تركيا في الشأن الليبي، والتنديد بـ"الازدواجية التركية" التي تستهدف منع تسليح الثوار، وتعويم نظام القذافي وإبقائه في السلطة، وكذلك تشدد الموقف العربي والدولي حيال نظام القذافي، وتحقيق الثوار الليبيين نجاحات ملموسة، أدي كل ذلك إلى تغيير المقاربة التركية حيال الوضع الليبي وإعادة النظر في طبيعة المحددات الأمنية والاقتصادية التي وقفت وراء الموقف التركي المتردد والمضطرب حيال الأزمة الليبية.

على هذا الأساس يمكن القول إن الموقف التركي تدرج مع تصاعد الأحداث إلى أن تأكد أن ثمة موقف دولي وعربي قد تشكل حيال الأزمة يقضي بضرورة تنحى معمر القذافي، فانتقل الموقف التركي من الدعوة لإعطاء فرصة للحل السلمي للأزمة، ومعارضة اتخاذ قرار أممي بفرض عقوبات على النظام الليبي، إلى المطالبة في 3 مايو 2011 بتنحي القذافي.

وقد كان الملف الليبي بمثابة تحدى كبير بالنسبة للسياسة الخارجية التركي، بالنظر للحسابات المتداخلة للسياسة التركية التي لم تبتغ أن تظهر كقوة مشاركة في التدخل العسكري ضد ليبيا، لكونه يخالف محددات سبق أن تبنتها حيال الثورات العربية.

هذا بالإضافة لاعتبارات أخرى، منها أن القذافي سبق أن درس في تركيا، ووقف إلى جانبها أثناء التدخل العسكري في قبرص عام 1974، وعمل على تهيئة كافة السبل لتعزيز العلاقات مع تركيا من خلال منحها مزايا تفضيلية.

ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في التردد التركي حيال الملف الليبي الارتياب من حقيقة أهداف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تحمس للتدخل العسكري لإسقاط نظام القذافي، وقد شهدت اجتماعات الناتو خلافات كبيرة بين الطرفين بهذا الإطار.

هذه الخلافات يمكن فهمها في سياق المنافسة التركية -الفرنسية حيال جنوب المتوسط ومد النفوذ في القارة الأفريقية، ومن خلال تصريحات سابقة لوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في 24 نوفمبر 2010، ففي لهجة ساد فيها نزوع للتحدي قال: "لقد أعطيت أوامري للخارجية التركية بأن يجد ساركوزي كلما رفع رأسه في أفريقيا سفارة عليها العلم التركي" .

وبصفة عامة، فقد أفضت التحولات التركية حيال الأزمة الليبية في تحسن العلاقات بين تركيا والمجلس الانتقالي الليبي، وفي هذا السياق قام مصطفي عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي بزيارة تركيا في ديسمبر الماضي، والتقي بكل من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردغان والرئيس التركي عبد الله جول.

هذا فيما قام أوردغان بزيارة ليبيا خلال جولته في دول الربيع العربي.

وقد عمل أوردغان خلال الزيارة على ضمان سلامة استمرار الاستثمارات التركية في ليبيا، مؤكدا حرص تركيا على المشاركة في عمليات البنية التحتية مثل المدارس ومطارات ليبيا ومراكز قوات الشرطة.

- الموقف من الثورة اليمينية .."التجاهل": لم تجد الثورة في اليمن من تركيا أي اهتمام مقارنة بالكثير من الأحداث التي شهدتها مصر وتونس وليبيا على سبيل المثال، حيث لم يلق الثوار اليمنيين غير تحايا عابرة من القادة الأتراك، وذلك بسبب أن مصالح تركيا مع اليمن ليست كبيرة.

لذلك يمكن القول إن الثورة اليمينية لم تلق اهتماما حقيقيا من قبل القيادات والنخب التركية كما لقيت ليبيا الغنية بالنفط، أو مصر الغنية بالعمالة والسوق الاستهلاكية الكبيرة والنفوذ الإستراتيجي المحوري أو تونس الملهمة.

ومع ذلك سعت تركيا لتكثيف التعاون الاقتصادي مع اليمن في مرحلة ما بعد على عبد الله صالح.

وفي هذا الإطار قام الرئيس التركي في يناير 2011 بزيارة لليمن، تم خلالها توقيع اتفاق مشترك لإلغاء تأشيرات المرور بين مواطني الدولتين.

- الموقف من الثورة السورية .."التحول": نظرت تركيا للأزمة السورية باعتبارها أزمة تركية داخلية، لذلك حاولت مبكرا تفادى تداعي الأحداث وارتفاع حدة المصادمات بين الجيش والمواطنين السوريين من خلال دفع الرئيس السوري بشار الأسد لتقديم تنازلات تسمح بتحول تدريجي لسوريا نحو الديمقراطية، غير أن تجاهل الأسد للنصائح التركية –التي جاءت عبر العديد من اللقاءات منها 14 زيارة لوزير الخارجية داوود أوغلو- جعل تركيا تدرك أنه لا حل للأزمة السورية بعد ارتفاع أعداد القتلى والمصابين غير الحل على طريقة "الصدمات الكهربائية".

بيد أن تجاهل السلطة البعثية في سوريا للمساعي التركية، دفع أنقرة لإدراك أن مصالحها السياسية تقتضي التزام الموقف العربي والدولي من الأزمة.

وقد عكست الأزمة السورية ارتباكا كبيرا في الموقف التركي الذي وجد نفسه أمام تحديات قد تعصف بكل استثماراته السياسية والاقتصادية في سوريا، والتي كانت المحطة الأكثر استقبالا للساسة الأتراك.

على جانب آخر ارتبط مأزق الموقف التركي بالمشكلات الأمنية التي قد تترتب على زيادة المواجهات في سوريا، حيث ترتبط تركيا بحدود كبيرة مع سوريا، وهناك تداخلا على جانبي الحدود في العلاقات العائلية والثقافية والعادات والتقاليد.

هذه المعطيات زادت مخاوف تركيا من تدفق اللاجئين السورين لتركيا وانتقال المشكلة لتركيا كما حدث أبان حرب الخليج الثانية، لذلك أقدمت تركيا على إقامة معسكر للهلال الأحمر التركي داخل الأراضي التركية.

وقد بدا في هذا الإطار أن هناك تنسيق تركي – أمريكي للتعامل مع الأزمة السورية، ففي البداية سُربت معلومات أن هناك خطة للتعامل مع الوضع السوري حال قبول الأسد التنحي.

كما بدا واضحا من سياق الأحداث أن الإدارة الأمريكية قد أوكلت للحكومة التركية مهمة نسج خيوط الاتصال مع المعارضة السورية وإعداد مؤتمرات للتنسيق بينها وفتح مقرات لها داخل الأراضي التركية.

هذا في وقت انخرطت فيه تركيا بالتنسيق مع الجامعة العربية والقوى الدولية لفرض عقوبات سياسية واقتصادية على نظام الأسد، وهو ما دفع بعض رموز النظام السوري لإعلان أن أنقرة ستدفع ثمن مواقفها، وذلك في إطار التلويح بإمكانية توظيف الورقة الكردية.

هذا فيما أوقفت السلطات التركية بعض الشحنات العسكرية التي كانت متجهة من إيران إلى دمشق على مختلف المعابر، ففي مارس 2011 أجبرت تركيا عدد من الطائرات القادمة لسوريا من إيران، وأجبرتها على الحدود وقامت بتفتيشها.

كما أوقفت السلطات التركية في 19 مارس 2011 إحدى هذه الطائرات عبر أجوائها، وذلك من أجل تفتيشها، وقامت باعتقال طاقمها وصادرت حوملتها المخالفة للقوانين، والتي كانت تضم شحنة من الأسلحة الإيرانية.

وعلى الحدود البرية أوقفت السلطات التركية أيضا بعض الشاحنات التي كانت تنقل أسلحة من إيران لدمشق، وذلك في أغسطس 2011.

وفي المجال البحري، فقد صرح رئيس الوزراء التركي رجب أوردغان في سبتمبر 2011، أن بلاده اعترضت إحدى السفن التي تحمل العلم السوري، وهى محملة بالأسلحة والذخائر .

ثالثا: مستقبل العلاقات العربية التركية : بدا واضحا من كثافة الحركة التركية الدبلوماسية والسياسية حيال دول "الربيع العربي" أنها تسعى إلى إعادة صوغ المقاربة التركية حيال المنطقة، من خلال التركيز بدرجة أكبر على القوة الناعمة، وذلك في مرحلة تشهد فيها العديد من الدول العربية حالة من السيولة.

المقاربة التركية ترتكز على مخاطبة النخب والمثقفين والرأي العام العربي، من خلال المؤتمرات والندوات والجمعيات الأهلية المشتركة وترجمة الإصدارات العلمية والثقافية التركية للغة العربية والتوسع في المنح الدراسية.

نشطت تركيا أيضا في دعوة عدد من القيادات السياسية وشباب الائتلافات الثورية والأحزاب السياسية في دول عربية، لزيارة تركيا والتعرف على تجربتها الذاتية والتطور السياسي والاقتصادي والثقافي التي شهدته تركيا خلال السنوات الأخيرة.

وتعتبر تركيا أن المرحلة الانتقالية هى مرحلة مهمة لإعادة صوغ العلاقات التركية مع دول الربيع العربي، بما يخدم مصالحها الحيوية في المنطقة، من خلال التركيز على الأبعاد الثقافية للعلاقات، الذي يصب لصالح زيادة النفوذ التركي في المنطقة العربية ويدعم مصالحها السياسية والاقتصادية.

بناء على ذلك فقد توصلت الدراسة لعدد من الاستنتاجات الرئيسية، يمكن رصدها على النحو التالي: أولا: تبنت تركيا مواقف متغيرة من الثورات العربية تبعا للتقديرات الخاصة التي ترتبط بمصالح تركيا الوطنية، دون النظر لأية اعتبارات أخرى، فقد اتسم التفاعل التركي مع الأحداث في البحرين بالحذر الشديد بسبب العلاقات الوثيقة مع مجلس التعاون الخليجي.

وفي هذا الإطار اكتفت أنقرة بدعوة أطراف الأزمة إلى ضبط النفس، محذرة من تحول الأزمة إلى صراع سني-شيعي، وهو موقف التزمت به ولم يتغير، فيما تغيرت مواقفها حيال الثورة السورية والليبية تبعا لمجريات الأحداث على الأرض، فيما تمسكت بموقفها من الثورة المصرية لأن تطورات الأحداث في مصر أشارت بوضوح إلى قرب سقوط النظام ونجاح الثورة.

لذلك يمكن استنتاج أن تركيا خرجت من موجتي التغيير في تونس ومصر بأقل الخسائر والأضرار، غير أنها تعثرت على الطريق الليبي ولم تسترد يقظتها إلا حينما صرحت بأنه "حان وقت رحيل القذافي".

هذا فيما مازالت تركيا تواجه مأزق تدهور الوضع الأمني السوري وانفلات الاستقرار السياسي، وسير النظام السوري في طريق اللاعودة.

بناء على ذلك فمن المرجح أن تتجه تركيا خلال الفترة المقبلة لتبني مقاربة جديدة حيال عدد من الملفات التي تفاعلت معها خلال السنوات الماضية تحت غطاء سوري مباشر، سواء أكان ذلك في ملف الأزمة اللبنانية أو في العلاقات التي بنيت وترسخت مع حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) .

كما يمكن أن تشهد العلاقات التركية الإيرانية توترات ومنافسة أكثر حدة على أكثر من ساحة إقليمية، وذلك بعد غياب العامل المحفز على الانفتاح التركي على إيران وتوسيع رقعة التعاون الثلاثي بين البلدان الثلاث حيال أكثر من أزمة إقليمية .

ثانيا: على الرغم من أن تركيا مازالت ترى أن هناك فراغا إقليميا على ضوء التراجع الاستراتيجي للولايات المتحدة تحت رئاسة أوباما، والمشكلات التي تعاني منها مصر، بما يجعلها تحاول أن تملأ هذا الفراغ بمزيج من السياسة والدبلوماسية والتجارة والقوة الناعمة، ومع ذلك فإن تركيا لن تعول لحل قضايا المنطقة على مواقف كل من الصين وروسيا بعد خبرة التعامل مع الأزمة الليبية.

هذا بالتوازي مع العمل على الإعداد لمرحلة ما بعد "التغيير العربي"، التي قد يكون من شأنها تقليل الفراغ عربي على الصعيد السياسي والدبلوماسي، بفعل ظهور الجامعة العربية كفاعل رئيس في عدد من الملفات الإقليمية، واتجاه دول المغرب العرب لإعادة إحياء "الاتحاد المغربي"، ومحاولات مصر للنهوض بأعباء بدورها الإقليمي مرة أخرى، بما من شأنه أن يفضي لتراجع النفوذ والتمدد التركي على الأرض بعد اكتمال الثورات العربية، وبما يقودها إلى ضرورة تعديل سياساتها وإستراتيجياتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية .

ثالثا: إنهاء الرفض التركي لسياسة المحاور الإقليمية، بعد أن أعلنت على أكثر من مستوى مساعيها لتدشين محور "القاهرة- أنقرة".

وقد ضح الحرص التركي على توثيق العلاقات مع مصر باعتبارها الدولة المحورية في المنطقة، بل أن الكثير من الاتجاهات في الأدبيات التركية ربطت مستقبل الدور الإقليمي لتركيا في منطقة الشرق الأوسط، بطبيعة الدور المصري، وطبيعة العلاقات بين الدولتين، فالتعاون بين البلدين يخدم المصالح التركية مقارنة بالتنافس.

وبدا واضحا من ذلك أن تركيا تعتقد أنها كانت مؤهلة لأن تغدو "الدولة القائد" في المنطقة، غير أن أحداث "الربيع العربي" قد أعادت تشكيل المشهد الإقليمي، بما يدفعها لإعادة ضبط مقارباتها حيال الدول العربية بصفة عامة، ومصر على نحو خاص.

ولعل ذلك يفسر حرص تركيا على تدعيم العلاقات في شقها العسكري من خلال إجراء مناورات عسكرية بين البلدين تحت أسم "بحر الصداقة".

هذا بالتوازي مع العمل على توثيق العلاقات في أبعادها السياسية والاقتصادية، باعتبار أن مصر من أهم بلدان المنطقة، ولديها دور محوري ومسؤوليات كبيرة حيال قضايا الدول العربية، ولكونها كذلك أكثر البلدان سكاناً في العالم الإسلامي وأكثرها في العالم العربي.

رابعا: التركيز على تنشيط التعاون الاقتصادي والاستمرار في إتباع إستراتيجية "فتح أسواق جديدة"، وقد أوضحت زيارة أوردغان للكل من مصر وتونس وليبيا على رأس وفد اقتصادي مكون من 280 من رجال الأعمال الأتراك، أن تركيا تريد أن تستفيد من الانطلاقة الاقتصادية والمناخ الاقتصادي الجديد في الدول العربية لتعظيم مصالحها الاقتصادية.

وفي هذا الإطار تعمل تركيا على تكثيف استثماراتها في مصر بمبلغ 1.5 مليار دولار، وتوجد في مصر أكثر من 250 شركة تركية.

ومن المرجح أن تتوازن العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

مؤشرات ذلك ما كشفت عنه بيانات صادر وزارة الخارجية المصرية عن ارتفاع حجم الصادرات المصرية إلى تركيا بنحو 50 في المائة لتبلغ 1.4 مليار دولار خلال العام الماضي وبذلك تتصدر مصر المرتبة الثالثة بين الدول العربية المصدرة لتركيا.

وتأتي المملكة العربية السعودية في المرتبة الأولى حيث تقدر صادراتها لتركيا بنحو ملياري دولار تليها الإمارات العربية المتحدة بقيمة صادرات تصل إلى 1.6 مليار دولار .

وتتمثل أهم الصادرات المصرية إلى تركيا في مواد أولية مثل القطن والكربون والإسمنت والبترول ومشتقاته ورمل الزجاج والفوسفات والألياف النسيجية وأدوات غير إلكترونية.

خامسا: من المرجح أن تؤثر أحداث "الربيع العربي" على الوضع السياسي والاجتماعي في تركيا، بما قد يهدد لعبة التوازنات العرقية الداخلية في تركيا.

لذلك فإن أنقرة تخشى من تداعيات الأحداث في سوريا على أمنها القومي، بما يجعلها وإن كانت ترغب بأن يتنحى الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنها تهدف أولا إلى تقوية المعارضة لتفادي كارثة حرب طائفية تفضي إلى تقسيم الدولة التي يقطنها 22 مليون نسمة.

على هذا الأساس يمكن فهم أسباب تحول تركيا لتغدو أشبه بمركز رئيسي لتنظيم مؤتمرات المعارضة السورية كالمجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر المكون بصفة أساسية من المنشقين السنة عن الجيش.

سادسا: أفضت أحداث "الربيع العربي" إلى إتباع تركيا أسلوب غير مباشر للترويج لنظامها السياسي باعتباره يمكن أن يغدو نموذج للنظم السياسية العربية الجديدة.

الترويج للنموذج التركي يتضح من خلال عدد كبير من المؤتمرات واتساع نطاق الكتابات التركية التي تشير إلى كيفية التأثير في المنطقة العربية عبر الترويج إلى مفهوم العلمانية التركية التي لا تتعارض مع الإسلام، غير أن مشكلة تركيا الرئيسية في هذا الإطار أنها مازالت تتعامل مع التيارات الإسلامية العربية وكأنها نسيج واحد، كما أنها تعتقد أن أعضاء حزب العدالة يتشابهون مع إسلامي الدول العربية.

يضاف لذلك أن تركيا مازالت تتغاضى عن أن التعايش بين الإسلام والديمقراطية لم يتحقق في تركيا بفضل إصلاحات حزب الحرية والعدالة السياسية، كون الإسلاميين أنفسهم قبلوا الإطار القانوني العلماني- الديمقراطي للدولة التركية.

وقد ارتبط ذلك بعملية "الانتقال النيوليبرالي" الذي عرفته تركيا خلال ثمانينيات القرن العشرين، والذي أدى بنهاية المطاف لظهور طبقة جديدة وسط الناخبين تحولت لقوة اعتدال أيديولوجي، نادت بتعزيز البراجماتية السياسية والاستقرار السياسي، ثم انفصلت -باعتبارها قوة تمثل الإسلاميين المعتدلين الذين يتشكلون من طبقة من رجال الأعمال النافذين- عن البرجوازية الأكثر تدينا لتشكل حزب العدالة والتنمية .

يبقى تأكيد على أن تركيا ترى أن صعود التيارات الإسلامية للحكم في دول "الربيع العربي" من شأنه أن يدعم النفوذ التركي في المنطقة، ويخدم إستراتجية "العثمانية الجديدة"، غير أن ما لا تدركه أنقرة حتى الآن أنها برزت في المنطقة باعتبارها تمثل الدولة الديمقراطية ذات الهوية الإسلامية والعلمانية، وذلك وسط منطقة يسودها علمانية قومية شمولية، بما جعل النموذج التركي يحظى بشعبية كبيرة بين الحركات الشبابية والإسلامية من صنعاء لتونس .

بيد أن تحقق الرغبة التركية وظهور تيارات إسلامية عربية معتدلة قد يجعل في النهاية من تركيا ليست إلا واحدة من بين أصوات عدة في المنقطة، أبرزها القاهرة وتونس.