شهد الأسبوع ألماضي حدثين مهمين أعادا فتح ملف المصريين في الخارج هما قضية الجيزاوي التي استدعت الحديث مرة أخرى عن مشاكل العمالة المصرية في السعودية والتي يقدر عددها بحوالي 2.5 مليون عامل، وقضية العاملين في لبنان حيث تم القبض على عدد من العاملين المصريين هناك بعد اشتباكهم مع القوات التي تحمي السفارة المصرية هناك وتم تحويل بعضهم إلى المحاكم العسكرية.

وتعتبر قضية المصريين بالخارج من القضايا التي كانت منسية في عهد مبارك، باستثناء ما يتعلق منها بالتحويلات المالية التي كانت ترد الى مصر وكانت ثورة يناير من الاحداث التي عززت من اهمية هذه القضية وطرحتها للنقاش مرة أخري نظرا للدور المهم الذي لعبه المصريون في الخارج في تعزيز الثورة المصرية من خلال المسيرات التي نظموها في الدول التي يعملون بها، خاصة الدول الأوروبية، دعما لمطالب ميدان التحرير. وتكتسب هذه القضية أهمية متزايدة كقضية في السياسة الخارجية المصرية كونها أحد ابعاد العلاقة بين مصر وأي من الدول التي تستضيف العمالة المصرية، خاصة بعد حصول المصريين في الخارج على حق التصويت في الانتخابات، مما يجعل منهم كتلة تصويتية مفيدة لأي من مرشحي الرئاسة الثلاثة عشر، ورغم أن عدد من سجل منهم للتصويت في انتخابات الرئاسة محدود حيث يبلغ حوالى 586 ألف من إجمالي ما يتراوح بين 7-10 مليون تقريبا، إلا أن أهمية هذا العدد تزداد في مرحلة الإعادة حيث تكون الخيارات المتاحة محدودة.

وفي إطار مناقشة برامج مرشحي الرئاسة، يكون من المهم تحليل كيفية تعاملهم مع هذه القضية خاصة عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى لكونهم الأوفر حظا استنادا لاستطلاع مركز الأهرام للدراسات الذي نشر الاسبوع الماضي حول مرشحي الرئاسة.

يكشف تحليل خطاب كل من المرشحين عن إدراكهما أهمية أصوات المصريين في الخارج، خاصة في الدول التي تشكل كتلة تصويتية مثل السعودية حيث بلغ عدد من سجل فيها للتصويت في انتخابات الرئاسة 261820 ألف، وهذا ما تؤكده الزيارات المتكررة لعبد المنعم ابو الفتوح للسعودية حتى قبل ترشحه الرسمي للرئاسة، ولقائه بالمصريين هناك، مثل زيارته في يناير 2012، والتي أكد خلالها على أن "كرامة المصريين بالخارج من كرامة مصر"، و كذلك مرافقة عمرو موسى لعصام شرف عندما كان رئيسا للوزراء في زيارته للسعودية والإمارات وقطر منتصف العام الماضي ولقائه في أثناء ذلك بالجاليات المصرية هناك. الى جانب ذلك، اهتم كلا المرشحين بالتعليق على قضية أحمد الجيزاوي، أكثر من اهتمامهما بقضية المصريين في لبنان، حيث أكد أبو الفتوح موقفه السابق من خلال حسابه الشخصي على تويتر حين اعتبر أن "قضية أحمد الجيزاوي ليست قضية فرد بل قضية كرامة وطن ومواطنين، دور البرلمان والخارجية والمجلس العسكري الحفاظ على كرامة المصريين وحمايتهم".

بينما جاء موقف عمرو موسى مختلف حيث قام بالاتصال بوزير الخارجية السعودي فورا من أجل متابعة الموقف وتبين أبعاد القضية، وحرص في تصريحاته على التمييز بين قضية الجيزاوي، وبين علاقات مصر والسعودية، حيث أشار إلى أن "قضية الجيزاوي مع أهميتها لا ينبغي أن نسمح بأن يستغلها البعض ويستثمرونها لتحقيق مآرب شخصية في أجواء مصرية صعبة للغاية يسودها التوتر والضبابية". إلى جانب ذلك، اهتمت برامج هذين المرشحين بالمصريين في الخارج، وسيتم تحليل ما ورد في برامجهما في ضوء مشاكل العمالة المصرية في الخارج، ويمكن تحديد ثلاثة مشاكل رئيسية للعمالة.

تتعلق المشكلة الأولى بنظام الكفالة، حيث تعاني العمالة المصرية في بعض دول الخليج ودول عربية أخرى كلبنان من تعسف الكفيل من حيث حجزه جواز سفر العامل وتعسفه في كفالة حقه في استقدام أسرته، كما يعاني العامل المصري في لبنان من تحميل الكفيل له النسبة الكاملة الخاصة بالضمان الاجتماعي والتي تبلغ 15%، في حين أن القانون اللبناني يلزم العامل بتحمل 2% فقط، مع عدم ضمان حصول العامل على هذا المبلغ في صورة مكافأة نهاية الخدمة عند مغادرته لبنان.

ونجد أن برنامجي ابو الفتوح و موسى لم يتطرقا لهذه القضية بالتفصيل، ولكن اهتم موسى في برنامجه بالإشارة الى "مشاكل" المواطن المصري في دول الخليج والتي قد تكون أكثر من مشاكل المواطنين المصريين في الدول العربية الأخرى أو الدول الغربية، ولكنه لم يتحدث عن آلية محددة لحل هذه المشاكل، ورغم ذلك اعتبر أن تعامل السفارات مع هذه المشاكل معيار لتقييم السفراء كل عام، وهو ما يعتبر خطوة مهمة، حيث أن جزء مهم من مشاكل العمالة المصرية مرتبط بعدم تعاون السفارات معهم مما يجعلهم في موقف ضعف في مواجهة الكفيل في حال وجود أية مشاكل معه.

وجدير بالذكر أن الحكومة المصرية سعت لعلاج هذه المشكلة من خلال إبرام اتفاقيات بين وزارة العمل المصرية ونظيراتها في الدول الأخرى، تجعل الحكومة هي الكفيل للعامل المصري وليس صاحب العمل.

كما طرحت الحكومة مؤخرا مسألة إنشاء هيئة مشتركة تكون هي الكفيل للعامل.

وتتعلق المشكلة الثانية بعدم اهتمام السفارات المصرية في الخارج بالجاليات المصرية، خاصة السفارات الموجودة في دول الخليج، كما أنها عادة لا تسهل الاجراءات الادارية الخاصة بالعفو من الخدمة العسكرية أو تسوية أوضاع المواطنين بعد وصولهم سن 30 سنة فيما يتعلق بموقفهم من التجنيد أو تسهيل استصدار بطاقات الرقم القومي، وهو ما انعكس في عدم وجود إحصاء دقيق لعدد العمالة المصرية في الخارج.

ويتضح أن هناك إدراك من قبل موسى لهذه المسألة حيث تحدث عن مسألة التقييم السنوي لأداء السفير كما سبقت الإشارة.

ونجد أن برنامج أبو الفتوح قدم رؤية أكثر شمولا للتعامل مع هذه المشكلة من خلال اهتمامه أولا بحصر أعداد المصريين في الخارج وأماكن تمركزهم، وتدعيم حقهم في تشكيل تنظيمات تعبر عنهم، وتفعيل أداء البعثات الدبلوماسية في الخارج من أجل تكريس مفاهيم "خدمة المواطن" والحفاظ على كرامته.

ويرتبط بهذه المشكلة، خاصة بالنسبة للعمالة المصرية في الدول الأوروبية،عدم اهتمام السفارات بتنمية الانتماء بالنسبة للجيل الثاني والثالث من أبناء العمالة لمصر، ونجد أن برنامج موسى اهتم بتنمية هذه العلاقة من خلال التركيز على خلق مصلحة اقتصادية تربطهم بمصر، حيث تحدث عن تخصيص أراض تباع للمصريين بالخارج يتراوح حجمها بين 40 -50 الف فدان بقيمة تتراوح بين 14-15 مليار دولار.

وهذا الطرح لا يختلف كثيرا عن السياسات التي تتبعها الحكومة الحالية، حيث تقدمت بخطة اقتصادية لمجلس الشعب تضمن توفير السيولة اللازمة لتمويل العجز في الموازنة، من خلال بيع أراض سكنية للمصريين في الخارج ومن خلال شهادات الإيداع الدولارية، ولكن تظل المشكلة الخاصة بالثقة في إجراءات التعامل مع الحكومة المصرية قائمة. بينما اهتم أبو الفتوح بتنظيم هذه العلاقة الاقتصادية من خلال حديثه عن تكوين مؤسسة اقتصادية كبرى للمصريين بالخارج، كما اهتم بالحديث عن ربط المهاجرين وأبنائهم بمصر من خلال مجموعة من البرامج والأنشطة التي تنفذها سفارات مصر في الخارج.

وتنصرف المشكلة الثالثة،إلى توفير الدعم والحماية للعمالة المصرية في حال تعرضها لأي مشاكل، وهو ما لم يتضح في برنامجي أبو الفتوح و موسى، في حين أن هناك مطالب بإنشاء صندوق "رعاية المصريين في الخارج"، بحيث يقدم لهم الخدمات اللازمة، بما فى ذلك الخدمات والاستشارات مع أصحاب الأعمال. يبدو أن الاهتمام بالمصريين في الخارج لا يزال اهتمام ضيق مرتبط بكيفية توجيه تحويلات هذه العمالة إلى مجالات استثماريه.

كما أنه يبدو أن الاهتمام بهم اهتمام مؤقت، خاصة وأن برامج مرشحي الرئاسة خلت من أي حديث عن توسيع الحقوق السياسية التي يتمتع بها المصريون في الخارج من قبيل ضمان تمثيلهم في اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور أو ضمان تعديل إجراءات التصويت في المستقبل لتكون بجواز السفر وليس ببطاقة الرقم القومي، والتي تعتبر عائق حقيقي أمام مشاركتهم في الانتخابات الرئاسية.