د. ياسمين أحمد الضوي

باحثة في العلاقات الدولية متخصصة في الشئون الروسية

 

تعرضت دبلوماسية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية لانتقادات عدة بسبب عدم قدرتها على إحراز تقدم في إنهاء حرب تجاوزت ثلاث سنوات، فعلى الرغم من ثقة الرئيس ترامب التي ظهرت قبل توليه الرئاسة، حين أعلن قدرته على إنهاء الحرب في 24 ساعة والتفاؤل الذي برز من جانبه خلال قمة الاسكا بشأن قدرته على جمع الخصوم والتوفيق بين المصالح، فإن جهوده الدبلوماسية للتوسط في اتفاق سلام بين الطرفين لم تُسفر حتى الآن عن نتائج ملموسة. بل إن الوضع الميداني ازداد سوءًا، إذ واصلت روسيا تصعيد هجماتها على أوكرانيا، وتبع ذلك تسلل مسيّرات روسية إلى أجواء دول من شرق وشمال شرق أوروبا، مما استدعى ردًا مضادًا من الناتو عبر إقلاع مقاتلاته واعتراض تلك المسيّرات وإسقاطها.

وقد شكّل هذا التصعيد المستمر مؤشرًا على أن الطريق نحو إنهاء هذه الحرب لا يزال غير ممهد بعد وأن الدبلوماسية الترامبية لا تزل موضع شك واتهام من قبل حلفائها قبل أعدائها. وتأتي هذه المقالة كمحاولة لتسليط الضوء على العقبات التي تواجه دبلوماسية ترامب في سبيل إنهاء الحرب، منذ انطلاق المباحثات المباشرة بين ترامب وبوتين في ألاسكا، وصولًا إلى ما أعلنه  ترامب من استعداده لفرض جولة أخرى من العقوبات المشروطة على روسيا وتغيير موقفه لصالح أوكرانيا، وذلك في إطار تقييم مدى فاعلية دبلوماسيته من عدمها.

قمة ألاسكا: إرهاصات صفقة لا ترضي الجميع

على الرغم من رغبة ترامب في تحقيق اختراق دبلوماسي قد يفضي إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا انطلاقًا من قمته في ألاسكا، فإن مخرجات القمة قد أثارت جدلًا واسعًا حول فاعلية دبلوماسيته، ومدى قدرتها على إرغام الجانب الروسي على تقديم تنازلات تُقرّب وجهات النظر وتمهد لحل سريع لهذه الحرب، إذ بدا أن ترامب هو من تراجع عن مواقفه وليس بوتين. وقد تمثلت أبرز مخرجات القمة في الآتي:

1-انتصار دبلوماسي لبوتين: توجهت الأنظار إلى النصر الدبلوماسي الذي حققه بوتين من جراء هذه القمة، حيث ظهرت أولى مؤشراته في نجاحه بكسر حاجز العزلة الدبلوماسية المفروضة عليه من قبل الغرب منذ اندلاع الحرب، وذلك من خلال ترحيب رئيس قوة قطبية غربية به على أرضها. أما مؤشرات انتصار دبلوماسية بوتين الحقيقية، فقد تجلت في إقناع ترامب بعدة اقتراحات تصب في صالح روسيا، وتتمثل في ثلاث نقاط رئيسية:

أ-استطاع بوتين إقناع ترامب بأن جهود البيت الأبيض يجب أن تتركز على التوصل إلى حل شامل لإنهاء الحرب، لا على وقف إطلاق نار غير مشروط. وقد تبنى ترامب بالفعل هذا الرأي وعبر عنه عبر منصته "تروث سوشيال".[1] ويرى الغرب أن مثل هذه القناعة تصب في مصلحة روسيا أولًا، إذ تعد وسيلة تمكنها من كسب الوقت لمواصلة هجماتها.[2]

ب-نجح بوتين في أن يثني ترامب عن فرض عقوبات على روسيا، رغم رفض الكرملين وقف إطلاق النار، ورغم مطالب ترامب السابقة وضغوط القادة الأوروبيين وزيلينسكي قبل انعقاد القمة. ومع ذلك، خرج ترامب من القمة دون أن يظهر أي علامات امتعاض تجاه بوتين، بل وصف المحادثات بأنها مثمرة.

ج-تمكن بوتين من إقناع ترامب بفكرة "تبادل الأراضي"، من خلال إظهار جديته واستعداده لتقديم تنازلات إقليمية. وقد تجلى ذلك في عرض ترامب لمضمون الصفقة، بما يشير إلى قبول ضمني بمبدأ التبادل، وهو ما يعد مكسبًا دبلوماسيًا لروسيا في سياق الحرب.

مكاسب ترامب "الرمزية": بين التعهدات المسبقة ومعضلات الواقع التفاوضي

على الرغم من أن ما تعهد به ترامب للغرب قبل القمة والمتضمن العمل لوقف القتال، والتحضير للقاء ثلاثي والضمانات الأمنية لأوكرانيا، لم ينجح في استيفائها كاملة، إذ أسقط التعهد الأول، وتبنى طرح بوتين ولم يطرح التعهد الثاني، فيما لم تتضح طبيعة التعهد الثالث،[3] إلا أن تحليلات عديدة أكدت أن ترامب لم يخرج خاسرًا بل حصل على بعض المكاسب الرمزية:

أ-إظهار نفسه بأنه صانع سلام بخلاف إدارة بايدن التي جلبت الحروب والدمار.

ب-استغلال لقاء بوتين؛ لتجديد هجومه على التحقيقات المتعلقة بتواطؤ حملته مع الروس في انتخابات 2016.

ج-حصل على تأكيد وإشادة بوتين على أن الحرب لم تكن لتحدث لو كان في السلطة آنذاك؛ وهي مكاسب رمزية تصب في إرضاء غرور ترامب ومهاجمة أعدائه.[4] لكن ردود الفعل الغربي التي جاءت بعد اتصالات ترامب بأوكرانيا والقوى الغربية عقب القمة ثم اجتماعه بهم في البيت الأبيض بعد ثلاث أيام، أوضحت الخلافات حول قضيتي التعويضات الإقليمية والضمانات الأمنية، وهي أهم المحاور من أجل تحقيق السلام بين الطرفين.

الخلاف حول "التعويضات الإقليمية"

شكَّلت التنازلات الإقليمية المُحتملة من جانب أوكرانيا إحدى أبرز القضايا الشائكة بين الأطراف، خاصة أنه مع وصول إدارة ترامب ظهر الانشقاق في الصف الغربي بخصوص هذه القضية، إذ ألمح ترامب ومسئولون في إدارته مرارًا بأن العودة إلى حدود أوكرانيا قبل عام 2014 هو هدف غير واقعي والسعى وراءه لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب.[5] وهذا الرأي عارضه الجانب الأوكراني والقادة الأوروبيون مصحوبًا باتهامات للولايات المتحدة بخيانة أوكرانيا. لكن اتضح أن مثل هذا الطرح قد عاد لطاولة النقاش مرة أخرى عقب قمة ألاسكا. ورغم النهج الذي حاول اتباعه زيلينسكي بعدم إثارة غضب ترامب، إلا أنه لوح بصعوبة قبول التنازل عن أي مناطق أوكرانية لروسيا بحجة أن يديه مقيدتان بالدستور الأوكراني[6].  

1-الخلاف حول "الضمانات الأمنية"

بعد تفاؤل ترامب باقتراح بوتين عن الضمانات الأمنية الروسية في قمة الاسكا وظهور آمال لإمكانية إبرام اتفاق أمني يمثل اختراقًا دبلوماسيًا لترامب، قامت الدول الأوروبية بتقديم خطة خاصة بها تتمثل في نشر "قوة طمأنة" أوروبية في أوكرانيا بعد الحرب بمساهمة محتملة من قبل عدد من دول الاتحاد الأوروبي، بينما وعد ترامب بـ"دعم جوي" غامض من الولايات المتحدة من دون توضيح كيف سيكون عمليًا. لكن سرعان ما قوبل هذا الطرح بمعارضة روسية وتوضيح لما تعنيه موسكو بفكرة الضمان الأمني، وجاء ذلك بموجب تصريح من وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف بأن فكرة موسكو للضمان الأمني ليست تعهدات ثنائية بين أوكرانيا والولايات المتحدة والحكومات الأوروبية بصيغ تشبه المادة 5، بل اتفاق مبني على إجماع مضمون من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن مع منح الكرملين حق النقض.[7] ونتيجة لهذين الموقفين المتعارضين، أصبحت فكرة التوصل إلى اتفاق عسكري حقيقي بين البلدين أمرًا بعيد المنال في الوقت الراهن.

مما سبق ذكره، نلاحظ أن العقبة الأولى التي واجهت دبلوماسية ترامب في مسيرة إنهاء الحرب تتمثل في التعارض الشديد بين مصالح الخصوم وصعوبة التوفيق بينها، هذا إلى جانب الانشقاق الواضح في الصف الغربي والخلاف في الرؤية بين الإدارة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين، إذ بدا الوسيط الأمريكي أقرب إلى النظرة الواقعية ومبدأ البقاء للأقوى مما جعله أكثر انسجامًا مع السردية الروسية،  وقد ظهر ذلك في الجولة الأولى من المحادثات العلنية مع ترامب بصفته وسيطًا لتسوية هذا الصراع المتمثل في قمة الاسكا مع بوتين واجتماعه الثاني مع الدول الغربية بعدها.

2-بوتين وزيلينسكي: مساران معاكسان ورهانات عدة

يبدو من مجريات المحادثات التي تمت حتى الآن بوساطة أمريكية وما تبعها من تصعيد عسكري بين الطرفين أن الطريق ليس ممهدًا أمام الدبلوماسية الأمريكية لإحراز نصرًا سريعًا كما كان يعتقده ترامب، وهو الأمر الذي جعله يخرج بتصريحات تعكس إدراكه العميق لتعقيدات الصراع، إذ إن طرفيه يسيران في مسارين مختلفين،  فروسيا لديها شروط واضحة لإنهاء الحرب، وهي الاعتراف بسيطرتها على المناطق الأربع فى شرق أوكرانيا، وهى جمهوريتا لوجانسك ودونيتسك ومقاطعتا زابوريجيا وخيرسون، إضافة لشبه جزيرة القرم، باعتبارها أراضٍ روسية، كما تشترط عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو وحيادها وتخفيض جيشها وعدم نشر الناتو لأسلحته الإستراتيجية فى شرق أوروبا بالقرب من الحدود الروسية، وهى شروط غير مقبولة من أوكرانيا، التي تطالب بانسحاب روسى كامل من تلك المناطق، ووضع ضمانات أمنية لكييف وضمان أن يكون الجيش الأوكراني قويًا بما يكفي لمنع غزو جديد[8]، إضافة إلى مطالبات بدفع روسيا تعويضات عن الحرب ومحاكمة المسئولين الروس، وهى بالطبع مطالب مرفوضة بالنسبة لروسيا[9]. والواقع أن التحدي أمام إحراز نصر دبلوماسي أمريكي لا يتمثل فقط في التعارض الشديد بين مصالح الطرفين وتمسك كل طرف بمطالبه منذ بدء الحرب فحسب بل يوجد تحدي آخر يرتبط برهانات أطراف هذه الحرب وهي التي تزيد من تمسك كل طرف بموقفه.

أ-رهانات بوتين

يستند بوتين في موقفه التفاوضي وتمسكه بمطالبه على عدة رهانات منها:

(1) الوضع الميداني والثقة بالنصر

يمثل الوضع الميداني واحدًا من أهم العوامل التي تلعب دورًا في موقفه التفاوضي، لذلك نجد أن بوتين لا يبدأ في مفاوضات جدية دون أن تسبقها تحضيرات سواء على المستوى الفكري بترتيب أفكاره بشكل جيد أو على الصعيد الميداني من خلال التصعيد وتمهيد الطريق مسبقًا لفرض أمر واقع ميداني يثقل كفته في التفاوض لتقليل فرص الحديث عن انسحابات أو تنازلات إقليمية محتملة.[10]. تذكر عدة تحليلات أن بوتين على قناعة تامة بأن القوات الروسية في أوكرانيا تملك زمام المبادرة في ساحة المعركة، وترجع ثقة بوتين الشديدة في تحقيق النصر العسكري رغم بطء تقدمه في ساحة المعركة إلى رؤية المراقبين الروس بأن روسيا أقدر من أوكرانيا على الفوز بأي حرب استنزاف طويلة بفضل كثرة سكانها ومواردها الاقتصادية والعسكرية.[11] ورغم اعتقاد بوتين أنه منتصر ميدانيًا، إلا أنه لا يتوانى في الرهان على الوقت من أجل مزيد من المكاسب الميدانية وهو ما حاول تحقيقه بالفعل أثناء قمه الاسكا ونجاحه في تحويل رغبة ترامب عن مطلبه الأول في وقف إطلاق النار. وتشير أفعال بوتين وأقواله سواء قبل لقائه بترامب أو بعد هذا اللقاء أنه ماضٍ في مساره الهادف للحصول على مزيد من المكاسب الميدانية، وعدم نيته في التنازل عنها أو مقايضتها مقابل تحسن العلاقات مع ترامب، خاصة أن خبرة بوتين في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية تجعله لا يثق في هذه العلاقة التي تتغير وتتقلب مع تغير النخب الحاكمة واختلاف توجهاتها.

(2) الصمود في وجه العقوبات الغربية

يأتي الرهان على الصمود الروسي في وجه العقوبات من واقع التجربة الحالية ذاتها، فقد كشف تقرير نشر بمجلة فورين بولسي الأمريكية أن العقوبات الغربية رغم قسوتها واتساع نطاقها لأكثر من 40 شهرًا لم تستطع إيقاف آلة الحرب الروسية-الأوكرانية أو إرغام بوتين على تقديم تنازلات حقيقية، الأمر الذي كشف محدودية هذه الأداة كوسيلة للردع أو الإكراه. كما أن رهان بوتين على صمود روسيا في وجه العقوبات يستمد قوته أيضًا من علاقات بوتين بدول الجنوب التي لم تلتزم بالعقوبات وتساعد بوتين على الالتفاف حولها من ناحية، ومن مدى سيطرة نظام بوتين على الداخل الروسي من ناحية أخرى. فقد نجح بوتين في إدارة الضغوط السياسية الداخلية الناتجة عن الخسائر المتزايدة بسبب الحرب وذلك من خلال ترويجه السردية التي تصر على أن غزوه كان ضروريًا لأمن روسيا وليس اختياريًا. كما أن الأوليجاركية الروسية والجنرالات لا تستطيع الاعتراض على إملاءات بوتين في الاستمرار ولو سبب ذلك تجميدًا لأرصدتهم.[12] فضلاً عن أن حكومة بوتين يمكن أن تتعامل مع تدهور المالية العامة عن طريق خفض الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية كما فعلت طوال الحرب. بالإضافة إلى قدرتها على استدعاء المزيد من القوى البشرية الروسية بالقوة إذا نضبت الحوافز المالية. ففي يوليو، أطلق الكرملين إخطارات تجنيد رقمية لدفع المزيد من الرجال الروس إلى الجيش؛ وفور استلام المجند للإشعار الإلكتروني يُغلق عليه حدود روسيا ويواجه عقوبات إذا لم يخدم. ويتضح من ذلك أن الكرملين يعد أموالاً وقوات لحرب مطولة حيث استراتيجيته الوحيدة هي الصبر على أوكرانيا عسكريًا واقتصاديًا.[13]

(3) نجاحه الدبلوماسي

يراهن بوتين على نجاحه في كسر عزلته الدبلوماسية وقدرته على توطيد العلاقات مع دول الشرق لاسيما الصين والهند وكوريا الشمالية، فمنهم من ساعد بوتين على الصمود في وجه العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه بالالتفاف عليها، من خلال زيادة المشتريات الهيدروكاربونية، ومنهم من قدم الدعم العسكري بأسلحة أو بقوات أو قدم دعمًا دبلوماسيًا في المحافل الدولية. ونظرًا للدور الذي يلعبه أصدقاء بوتين الجيوسياسيون في توجيه مسار الحرب وصمود الموقف الروسي، فقد هدد ترامب والغرب الأوروبي أن العقوبات التالية سوف تطال شركاء بوتين بدرجة كبيرة، ربما بتوسيع التعريفات الجمركية لتشمل الصين والهند.[14]

وقد جاءت زيارة بوتين إلى بكين في أوائل شهر سبتمبر الماضي في وقت حرج بالنسبة للتسوية السياسية بخصوص أوكرانيا، ويرى محللون روس أن أهم أهدافها هو توحيد مواقف البلدين بشأن الحرب في أوكرانيا في ظل جهود أمريكية لإنهاء القتال، وتهديدات الغرب بتشديد العقوبات على روسيا في حال استمرارها.[15] كما أن الزيارة حققت هدفًا آخر رمزيًا من خلال إرسال رسالة للغرب بقوة العلاقة بين البلدين.[16]

(4) شخصية ترامب وتجنب التشدد مع بوتين

 يراهن بوتين على شخصية ترامب التي تسعى لإحراز انتصار دبلوماسي على سابقيه الديمقراطيين وإظهار سوء تقديرهم وعدم نجاعة سياساتهم أمام العالم، فهو يدرك صدق ترامب في تحسين العلاقات الروسية-الأمريكية سواء لأسباب شخصية أي إظهار نفسه كصانع سلام أو لأسباب براجماتية تخص سياساته الخارجية ومصلحته في التعاون مع بوتين في عدة ملفات كملف إيران أو سوريا أو في الملفات التجارية والاستثمارات، فهو تاجر صفقات بالدرجة الأولى كما أن خصمه الجيوسياسي الرئيسي هو الصين وليست روسيا ولا يستبعد من تفكيره محاولة استقطاب روسيا للحيلولة دون مزيد من التقارب مع الصين[17]. لذلك نجد أنه على عكس الإدارة السابقة، دعا بوتين إلى الاسكا لعقد قمة في وسط ترحيب كبير به، كما أن سياسته تجاه بوتين بدت أقل تشددًا عن سابقيه فيما يخص فرض العقوبات حيث هدد بها ترامب مرارًا وتكرارًا، وأعطى إنذارات ومواعيد نهائية لكنه لم ينفذ تهديداته. ومع مطالبة الجانب الغربي برد فعل حازم أمريكي تجاه تصعيد بوتين، جاءت تهديدات ترامب لبوتين بفرض عقوبات أشد مشروطة باستيفاء حلفائه الأوروبيين مطالب صعبة التحقق على المدى القصير  كتوقف أوروبا شراء النفط الروسي وتشديدها لإجراءاتها العقابية بفرض عقوبات على الصين شريك أوروبا التجاري.[18] وهذا سبب آخر للثقة الروسية والرهان الروسي على شخصه، وظهر ذلك في استمرار بوتين في التصعيد ومواصلة أهداف الحرب.

(5) شق الصف الغربي

وهو رهان غالبًا ما اعتمد عليه بوتين في سياساته تجاه الغرب وصراعه معه، إذ لم يكتف بوتين باستقطاب حلفاء له معادين للهيمنة الغربية بل كان يسعى إلى شق الصف الغربي ذاته واستقطاب حلفاء الغرب وأصدقائه، وقد اتضح ذلك جليًا من قبل في علاقة بوتين بتركيا. وقد جاءت فرصة أخرى لبوتين في ظل رئاسة ترامب، خاصة أن هذه الإدارة تثير التساؤلات حول علاقتها بحلفائها التقليديين ودرجة تمسكها بالتزاماتها. إذ يؤمن ترامب بشعار أمريكا أولاً ويعني أن على الولايات المتحدة ألا تتدخل في حروب لا تخدم مصالحها، وألا تسمح باعتماد حلفائها على إنفاقها العسكري الكبير، بل إن عليهم زيادة إنفاقهم العسكري، وتحمل مزيداً من المسئوليات.  وقد ظهر ذلك الانشقاق في المعسكر الغربي في الأمم المتحدة، في الذكرى الثالثة لاندلاع حرب أوكرانيا، إذ تحركت الولايات المتحدة عكس حلفائها التقليديين، فامتنعت عن التصويت على قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة طرحته أوروبا يدعم وحدة أوكرانيا، وقدمت قراراً في مجلس الأمن دعا إلى وقف الحرب، بدون إدانة روسيا، وقد امتنعت كل من فرنسا وبريطانيا على التصويت[19]. ومثل هذه المواقف تظهر اختلاف الأولويات الجيوسياسية للطرفين ورؤيتهما للخصوم. وهذا الانشقاق في الرؤية يصب في صالح روسيا بالدرجة الأولى، فهي مدركة لحقيقته وتسعى للاستفادة منه من خلال استغلال فترات عدم الحسم وعدم التوافق بين الحلفاء الغرب بالتصعيد الميداني إلى جانب عدم إضاعة فرص التقارب مع ترامب ومحاولة مهادنته وكسب وده كما حدث في قمة الاسكا.

ب-رهانات أوكرانيا

(1) استمرار الدعم الأوروبي

تراهن أوكرانيا على استمرار الدعم الأوروبي لها وتستمد ثقتها في استمراره من الدوافع الأوروبية الجيوسياسية والمتمثلة أولًا في الحفاظ على الأمن الأوروبي واستقرار المنطقة، إذ تعتبر أوروبا أن الصراع في أوكرانيا يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها واستقرارها، حيث تعد أوكرانيا جبهة أمنية حدودية لها. ثانيًا مواجهة التوسع الروسي والحفاظ على توازن القوى، فالدعم يرسل إشارات واضحة لروسيا بأن أوروبا لن تقبل بعودة النفوذ الروسي على حساب سيادة دول مستقلة.[20] ثالثًا، أهمية أوكرانيا كمركز جيوسياسي وإستراتيجي، فهي دولة مركزية من الناحية الجغرافية والسياسية، تقع على مفترق طرق بين روسيا وأوروبا، وتمثل عقدة مهمة في شبكات الطاقة والتجارة والنفوذ ودعمها يمنع روسيا من استخدام أوكرانيا كورقة ضغط على أوروبا عبر إمدادات الطاقة والتجارة[21]. واخيرًا فإن الدول الأوروبية ترى أن دعم أوكرانيا يعد جزءًا من استراتيجية الردع الجماعي ضد التهديدات الروسية، وسبيلاً لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية والدفع نحو بناء منظومة دفاعية أقوى في القارة. وتزداد ثقة أوكرانيا في الدعم الأوروبي مع سياساته التي تؤكد ذلك، فالدول الأوروبية مستعدة الآن على عكس قبل ثلاث سنوات لتقديم الضمانات الأمنية التي تطالب بها كييف، أوعلى الأقل تصرح بذلك علنًا. والأهم من ذلك ما تم من تعاون عميق بين أوكرانيا والناتو الذي يفوق بكثير المستوى الذي كان يخشاه بوتين قبل الحرب، وذلك بسبب الغزو الروسي. فالحلف مشترك في بناء واختبار الأسلحة مع أوكرانيا، وتدريب جيشها، وتزويدها بالاستخبارات والأسلحة، بما في ذلك الأسلحة القادرة على ضرب داخل الأراضي الروسية. لذلك ترى أوكرانيا أن موقفها التفاوضي أقوى مما كان عليه في 2022.[22]

(2) نفاد صبر ترامب من السياسات التصعيدية لبوتين

يؤمن زيلينسكي بأن بوتين لا يريد سوى الحرب ويروج دائمًا لهذه الحقيقة ويستشهد باستمرار تصعيده الميداني وعدم سعيه الجاد للقاء معه لإنهاء هذه الحرب، ويدرك رئيس أوكرانيا أن مثل هذه السياسات من قبل خصمه تحرج ترامب وتظهر فشله الدبلوماسي أمام العالم، وهذا الأمر قد يثير غضب ترامب ويسئ إلى صورته وينال من هيبته باعتباره رئيس الدولة القطبية المهيمنة وقائدة العالم. لذلك فإن الرهان على نفاد صبر ترامب يعد من رهانات زيلنسكي التي تصب في صالحه إذا حدثت لأنها قد تؤدي إلى مزيد من الضغط الأمريكي على بوتين وقد تسرع طرح عقوبات أكثر شدة وحزمًا في مواجهة روسيا.[23] ويبدو زيلنيسكي متفائلاً من خلال تصريحاته خصوصًا بعد  إعلان الاتحاد الأوروبي عن حزمة عقوباته التاسعة عشرة على موسكو وهو يتوقع اتخاذ عقوبات قوية من جانب الولايات المتحدة أيضًا.[24] 

(3) سلاح العقوبات المشدد

يرى زيلينسكي أن استمرار الحرب دون تحرك نحو السلام يرتبط بفرض مزيد من العقوبات على روسيا، معتبرًا أن هذه العقوبات تشكل شرطًا لا غنى عنه لتحقيق وقف إطلاق النار والتقدم نحو السلام.[25] وقد اقترح زيلينسكي عدة تدابير محددة لنجاح العقوبات ضد روسيا، أهمها: مواجهة محاولات روسيا للالتفاف على العقوبات من خلال استخدام العملات المشفرة وغيرها، حيث أكد أن أوروبا ستتصدى لهذه المحاولات لمنع تفادي العقوبات، وضرورة فرض حزمة عقوبات صارمة تشمل سد منافذ التحايل من خلال منع عدد كبير من السفن من الدخول إلى موانئ الاتحاد الأوروبي وفرض عقوبات على شركات وأفراد يدعمون روسيا.[26]

(4) حاجة ترامب لحليفه الأوروبي

 إن "أوروبا تمثل خط المواجهة الأول مع روسيا، التي طالما كانت خصم الولايات المتحدة الأمريكية في القرن الماضي. وبينما يظهر اليوم تحول أمريكي يركز على المنافسة مع الصين، فإن واشنطن لن تستطيع فعل ذلك دون الدعم الأوروبي. فإذا أرادت الولايات المتحدة سحب جزء من وجودها العسكري في أوروبا وتحويل تركيزها نحو مسرح عمليات المحيط الهادئ، فإنها ستحتاج أوروبا لسد الفراغ، وإلا فستنشأ فجوة، وربما يشكل ذلك حافزًا للصين وروسيا للتنسيق معاً.[27] لذلك فإن ترامب سيحتاج إلى الحلفاء، مهما بلغت القوة الأمريكية ومهما كانت حاجة هؤلاء الحلفاء إليه أكبر وأكثر. كما أن ترامب يحتاج حلفائه الأوروبيين من أجل إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية، إذ أن أي اتفاق يستثني الأوكرانيين والأوروبيين قد يكون هشًا وقد ينهار، مما سيؤدي إلى خسارة ترامب لما يريد أن يعتبره إنجازًا كبيرًا.

دبلوماسية ترامب والخروج من المأزق

لم تكن محاولة تسوية الحرب الروسية-الأوكرانية بالنسبة لترامب سوى اختبار حقيقي لمهاراته السياسية، فقد راهن فيها ترامب على فاعلية دبلوماسية الصفقات التي يتبناها في سياسته الخارجية. تلك الدبلوماسية التي ينتهجها في مواجهة الحلفاء قبل الخصوم، وهي وإن كانت تساعد على تقريب وجهات النظر بينها وبين أعدائه فهي تزيد الفجوة بينه وبين حلفائه التقليديين وتزيد من عدم الثقة بينهم. فهذه الدبلوماسية لا تجعل ترامب يميز كثيرًا بين الحلفاء والخصوم وتجعله يختزل كل معضلات السياسة الخارجية إلى صفقات تجارية وعدم التعاون لحلها تعني بالنسبة له إهدارًا لوقته وماله وطاقات وأموال بلاده[28]. وقد استمد ترامب ثقته في دبلوماسيته من كونها نجحت -على حد زعمه- في حل حروب كانت مستعصية على الحل سابقًا ومن علاقته الجيدة ببوتين، لكن سرعان ما ظهر تعقد هذه الحرب عن سابقاتها، وهو الأمر الذي أحرج ترامب وأثار الشكوك حول فاعلية دبلوماسيته وطبيعة علاقته الغامضة ببوتين، فجاءت تصريحاته لتظهر إحباطه الشديد من شخص بوتين مع تبرير اعتقاده الخاطئ بسهولة الحل إلى "العداء الشديد بين الطرفين والكراهية التي تمنعهما من التحادث معًا". لم يكتف ترامب بهذا التبرير للخروج من المأزق الدبلوماسي بل فاجأ العالم بتصريحاته ومواقفه التي مثلت تحولاً خطيرًا في رؤيته لإنهاء الحرب وذلك تزامنًا مع لقائه بزيلينسكي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الماضي وتمثل ذلك في:

1- التخلي عن صفقة الأرض مقابل السلام: فبعد محاولات ترامب الضغط على الأوكرانيين للتنازل عن أراضٍ احتلها الروس معتبرًا أنه لا أمل لهم في السلام بدون ذلك، فاجأ ترامب الجميع في الأمم المتحدة بعد لقائه بزيلينسكي بتغيير موقفه من صفقة الاسكا معلنًا أن أوكرانيا قادرة على استعادة جميع الأراضي التي احتلتها روسيا وبإمكانها استعادة المزيد أيضًا[29]. كما أخذ يروج لقوة أوكرانيا وتفاؤله بإحرازها للنصر إذا ما توافر الصبر والوقت والدعم الأوروبي.

2- إظهار ضعف روسيا والتصعيد اللفظي ضدها: حاول ترامب تبرير تغير موقفه من الحرب عبر منشور له في 23 من سبتمبر في حسابه بمنصة تروث سوشيال. فقد أشار إلى أن تقييمه الجديد للحرب يستند إلى فهم دقيق للوضع العسكري والاقتصادي الحالي في روسيا وأوكرانيا، وأن معلومات استخباراتية أمريكية جديدة أظهرت أن الكرملين يتجه نحو الدمار الاقتصادي والهزيمة الميدانية[30]. وقد استند ترامب عبر منشوره على عدد من الدلالات لكي يظهر الضعف الروسي، فقد ذكر أن "الحرب كان من المفترض بالنسبة لقوة عسكرية حقيقية أن يحسم النصر فيها خلال أقل من أسبوعٍ"، مضيفًا: "هذا لا يُميز روسيا، بل في الواقع يُظهرها وكأنها نمرٌ من ورق".[31] كما أنه أشار إلى إخفاقها ميدانيًا في هجومها الصيفي الأخير، إذ أنها لم تحرز أي اختراقات كبيرة وحققت تقدمًا ضئيلًا نحو إقامة منطقة عازلة على الحدود في شمال أوكرانيا.[32] هذا إلى جانب الإشارة إلى الخسائر البشرية التي تكبدتها روسيا واستعانتها بجنود من كوريا الشمالية، بالإضافة إلى ما واجهته من تقلص نفوذها في الساحة الجيوسياسية العالمية. كما أوضح ترامب عدم قدرة روسيا عن الدفاع عن صناعتها الاقتصادية الحيوية للطاقة ضد الطائرات المسيّرة الأوكرانية الطويلة المدى وغيرها من الدلالات التي تدعم صحة موقفه الداعم لأوكرانيا.

3- استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا: مع تأكيد ترامب على الورطة الاقتصادية والعسكرية التي تتعرض لها روسيا وأن الوقت أصبح مناسبًا للتحرك الأوكراني، أعلن أن الولايات المتحدة ستواصل توريد الأسلحة إلى الناتو ليفعل بها ما يشاء. وهذا الإقرار صاحبه تأكيدات من جانب مسئولين أمريكيين بأن الولايات المتحدة ستزود أوكرانيا بمعلومات استخباراتية لتوجيه ضربات بأسلحة بعيدة المدى في العمق الروسي واستهداف البنية التحتية للطاقة الروسية.[33] كما أشارت بعض التقارير إلى وجود محادثات حول تزويد الولايات المتحدة أوكرانيا بصواريخ توماهوك، الأمر الذي سيشكل تحديًا جديدًا للدفاعات الجوية الروسية، فقد تصبح المباني الحكومية والبنى التحتية الضخمة لوزارة الدفاع في موسكو أهدافًا مفتوحة[34]. لكن يبقى مصير نقاش توماهوك مجهول وغير مؤكد حتى وقت كتابة المقال إذ سيكون مرهونًا بقرار ترامب وحساباته المستقبلية.

على الرغم مما يبدو من مواقف ترامب وتصريحاته في الآونة الأخيرة تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية وتقلباته الحادة من الضغط على أوكرانيا لقبول صفقة سلام مواتية لروسيا ثم التحول لدعم أوكرانيا والتحدث علنًا عن إمكانية انتصارها، إلا أن المدقق في سياسته يجد أن ترامب لم يخرج بعيدًا عن السياق العام لسياسة الصفقات الهادفة إلى الحصول على المكاسب بأية طريقة ومن أي مصدر حتى ولو كان ذلك على حساب حلفائه التقليديين. فتحول موقفه لصالح زيلينسكي لم يشر إلى استعداد أمريكي لتكثيف الدعم لأوكرانيا أو توسيع العقوبات على موسكو، فقد اقتصر على تأكيد أن الولايات المتحدة ستستمر في بيع الأسلحة لأوكرانيا عبر شركاء الناتو. كما أن المزاعم بيع صواريخ توماهوك لضرب العمق الروسي لاتزال في موضع شك من جديتها، إذ لا ترق حتى الآن عن كونها إحدى المناورات الأمريكية للضغط على روسيا.

فمن الواضح أن ترامب يتبع خطة "أللا خطة" في سبيل إنهاء هذه الحرب ويبحث فقط عن الورق الرابح. فتحول موقف ترامب لصالح أوكرانيا سواء كان مقتنعًا حقًا بقوتها وقدرتها على النصر أو مدعيًا ذلك لتبرير موقفه، يحقق له عدة مكاسب، فهو محاولة لإخراج نفسه من مأزقه الدبلوماسي واعتقاده الخاطي بقدرته على حل هذه الحرب، كما أنه وسيلة للضغط على روسيا ودفعها إلى مائدة المفاوضات، بالإضافة إلى أنها أداه لتحقيق مزيد من الأرباح التي تصب في صالح آلة التصنيع الحربي الأمريكي.

خلاصة القول، يتضح مما سبق أن رهانات أطراف الحرب والتعارض الشديد في المصالح لا يمثل سوى معوقات أمام دبلوماسية ترامب، لكنها لا تعد سببًا كافيًا للحكم عليها بالفشل. فدبلوماسية الصفقات الترامبية لا تزال تمتلك العديد من أوراق الضغط على كلا الطرفين. ولعل الموقف الأخير لترامب من الحرب وترك ساحة المعركة لأطرافها مع استمرار التزامه ببيع الأسلحة لأوروبا، أي اتباع "سياسة النأي بالنفس" يعد في حد ذاته ورقة ضغط على أطراف الحرب خاصة الجانب الأوروبي الذي يخشى أن يكون هدفه تكليفهم بمهمة صعبة ألا وهي مسئولية إنهاء الحرب والتي تسمح له بإلقاء اللوم عليهم إذا تعثرت كييف في الحرب، كذلك لا تزال ورقة إرسال أسلحة أمريكية تضرب العمق الروسي في يد ترامب يلوح بها من حين لآخر للضغط على روسيا.

كما أن المعوقات التي تقف أمام إنهاء الحرب لا تنجم عن أطرافها فحسب، فهناك عدة أسباب نابعة من دبلوماسية ترامب ذاتها وأهدافها وطبيعة شخصية ترامب و تقلباتها.  فسوء إدراك ترامب لحقيقة الفكر الجيوسياسي للطرفين الذي يدفعهما للمماطلة في إنهاء الحرب واختزاله لدوافعهما بمجرد شعور بالكراهية بين الطرفين، يعد استهانة بالواقع الجيوسياسي المعقد لهذه الحرب والذي يمتد جذوره في التاريخ السياسي لقارة أوروبا ويترسخ في الفكر الجيوسياسي لقادتها الذي يدور حول معضلة "قلب الأرض الأوراسي". لذلك فإن فهم هذه المعضلة واستيعاب الهواجس الأمنية للطرفين وأخذها بعين الاعتبار هي الخطوة الأولى لأي دولة تسعى للوساطة في هذه الحرب. وهذا الشرط لا يتوفر في الوسيط الأمريكي الذي لا يؤمن إلا بمنطق الصفقات والمكسب السريع، لذلك فالرهان الأوكراني على نفاد صبره من بوتين الذي يتبع سياسة النفس الطويل قد يكون الأقرب للتحقق.

 ومن جانب آخر، فإن أولويات دبلوماسية ترامب ورغبته الحقيقية في إنهاء الحرب لاتزال محل جدل، فهو يري بحسب تصريحاته أن هذه الحرب ليست حربه. كما أشارت عدة تحليلات إلى أن ترامب يسعى إلى تكريس الهيمنة الأمريكية والتغلب على نقاط ضعفها، إذ يدرك أن نقطة الضعف الأمريكية ترتبط بشح المخزون الأمريكي وضعف سلسلة التوريد الخاصة بالعناصر الأرضية النادرة والفلزات اللازمة لصناعات التكنولوجيا والطاقة والصناعات العسكرية. وذلك مقارنة بالتفوق الصيني الكاسح على هذا الصعيد والذي يعد مهددًا حقيقيًا للهيمنة العسكرية والاقتصادية الأمريكية في المديين المتوسط والبعيد. لذلك يرى أن حربه الحقيقية تكمن في استعادة السيطرة الأمريكية على المعادن النادرة، لذلك تعد السيطرة عليها أو على خطوط إنتاجها من أولويات سياسة ترامب، وبما أن الأرض الأوكرانية هي أحدى المحطات الغنية بهذا المورد الاستراتيجي، فسيظل رجل الصفقات غير آبه بانتهاء الحرب أو بهوية المنتصر بقدر اهتمامه بعقد صفقة مع هذا المنتصر تُؤمِّن له نصيبًا وفيرًا من هذه الموارد.

ونعني مما سبق ذكره أن دبلوماسية ترامب لا تزال محل اختبار، ولا أحد يستطيع حتى الآن إصدار حكم عليها بالإخفاق، بل إنها بدأت بالفعل في تحقيق نجاحات على الأرض، بدليل الإعلان عن وقف إطلاق النار في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس في 10 أكتوبر الجاري، ما يعني أن ترامب لديه أوراق ضغط على الطرفين رغم التحديات التي تواجهه، والتي يفرضها تعارض مصالح أطراف الحرب ورهاناتهم الكثيرة التي قد تتسبب في إطالة أمدها. لكن يبقى التحدي الأكبر كامنًا في شخصية ترامب ذاتها وأولويات سياسته الخارجية.


1- ترمب أِم بوتين... من خرج منتصراً من قمة الاسكا؟ ، 17/8/2025، https://www.independentarabia.com

2- تحالف الراغبين" يبحث خطة ترمب للسلام في أوكرانيا، 17/8/2025، https://www.independentarabia.com

3- رائد جبر، بوتين «المنتصر» في ألاسكا يرسم ملامح التسوية المحتملة، 17/8/2025، https://aawsat.com

4- نيويورك تايمز: 6 خلاصات من قمة ترامب وبوتين، 16/8/2025 ، https://www.ajnet.me/politics

5- توم واتلينغ، هولي بانكروفت، ما المناطق الأوكرانية المحتلة في صفقة تبادل يقترحها ترمب للسلام؟، 15/8/2025، https://www.independentarabia.com

6- تحالف الراغبين" يبحث خطة ترامب للسلام في أوكرانيا، مرجع سابق

7- Gabuev , Alexander ,  Putin’s Play for Time: How Trump’s Performative Diplomacy Strengthens Russia’s Hand, 26/8/2025, https://www.foreignaffairs.com

8- ستيف روزنبرغ،  ثلاثة أسباب وراء موقف بوتين المتشدد تجاه أوكرانيا، 6/9/2025، https://www.bbc.com/

9- أحمد سيد أحمد، رهانات قمة ترامب وبوتين، جريدة الأهرام،  11/8/2025، السنة 150 العدد 50652، https://gate.ahram.org.eg

10- رائد جبر، مرجع سابق

11- قبيل لقاء ترامب.. خبير أميركي يتحدث عن "نوايا بوتين"،14/8/2025، https://www.skynewsarabia.com

12- إسراء ممدوح، بعد ربع قرن.. مبتكر نظرية العقوبات يقر بعجزها عن كبح روسيا،11/9/2025،https://akhbarelyom.com

13- Gabuev , Alexander , op.cit

14- Walsh, Nick Paton,  Trump’s misreading of Russia has cost Ukraine. Now Putin is making his intentions clearer than ever, 8/9/2025, https://edition.cnn.com/

15- فهيم الصوراني ، ماذا أراد بوتين من زيارته للصين؟ خبراء يجيبون، 4/9/2025 ،https://www.ajnet.me

16- بكين تستعرض قوتها.. ورسائل صورة شي وبوتين وكيم تصل ترمب، 3/9/2025 ،https://asharq.com/politics/150914

17- عبد الوهاب المرسي، خطة التفريق بين الصين وروسيا.. هل ينجح ترامب في عكس ما فعله كيسنجر؟، 3/6/2025، https://www.ajnet.me

18- Collinson, Stephen,   Trump tramples Reagan’s tough-on-the-Kremlin legacy ahead of UK state visit, 16/9/2025 , https://edition.cnn.com

19- رافد جبوري،  هل سيدمر ترامب الغرب أم ينقذه؟،  26/2/2025 ، :https://www.bbc.com  

20- نوال السيد، عام على الحرب.. أسباب ودوافع أوروبا لدعم أوكرانيا ضد روسيا، 24/2/2023، https://www.elbalad.news

21- محمد أبو غزالة،  التداعيات الجيواستراتيجية للأزمة الأوكرانية على أوروبا، 4/5/2022، https://trendsresearch.org

22- Gabuev , Alexander , op.cit

23- ترامب يهدد موسكو بعقوبات جديدة ويكشف نفاد صبره على بوتين، 12/9/2025، https://www.alborsaanews.com

24- زيلينسكي: نتوقع فرض عقوبات أميركية قوية ضد روسيا، 20/9/2025،: https://www.alarabiya.net

25- زيلينسكي يحث واشنطن والأوروبيين على تشديد العقوبات ضد روسيا ، 20/9/2025،  https://arabic.rt.com

26- زيلينسكي: أوروبا ستواجه خطط روسيا للالتفاف على العقوبات ، 20/9/2025، https://alqaheranews.net

27- هل سيدمر ترامب الغرب أم ينقذه؟، 26/2/2025، https://www.bbc.com

28- ترامب يلوح بفرض عقوبات كبيرة على روسيا.. ويطرح شرطين، 13/9/2025، https://www.alarabiya.net

29- Ukraine war briefing: Trump ‘growing incredibly impatient’ with Russia over war, warns Vance, 25/9/2025, https://www.theguardian.com

30- أحمد محمد فال، حرب أوكرانيا وتحولات ترامب، 28/9/2025 ، https://www.ajnet.me

31- المرجع نفسه.

32- Dickinson , Peter, Trump called Russia a ‘paper tiger’ because he believes Putin is losing, 25/9/2025, https://www.atlanticcouncil.org

33- ترامب يساعد أوكرانيا لضرب العمق الروسي، 2/10/2025، https://www.nabdalkhalij.com

34- Walsh,  Nick Paton,  Trump’s latest policy 180 on the war in Ukraine could strike deep into Russian territory, 0/9/2025, https://edition.cnn.com