د. أحمد عسكر

باحث مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

بات إقليم "أرض الصومال" يهيمن على المشهد الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي، كأحدث ساحة للمناورات الدولية والإقليمية هناك، وذلك بفضل التحركات المحسوبة لإدارة الإقليم على الصعيدين الدولي والإقليمي خلال الفترة الأخيرة من أجل تحريك المياه الراكدة في مسألة نيل الاعتراف الدولي التي تسعى إليها منذ انفصالها من طرف واحد في عام 1991 عن دولة الصومال، مستغلة تعقد ديناميكيات التفاعلات الإقليمية التي يشهدها القرن الأفريقي، ليفرض بذلك "أرض الصومال" نفسه في قلب الصراع الجيوسياسي، خاصة في ضوء احتدام التنافسات الدولية والإقليمية في المنطقة، الذي يلعب تموضعه الجيوستراتيجي بالقرب من مناطق الصراع الساخنة وتحديدًا في الشرق الأوسط بما في ذلك البحر الأحمر والخليج العربي إضافة إلى إطلاله على مضيق باب المندب الذي يعد أكثر نقاط الاختناق أهمية، دورًا مهمًا في لفت انتباه العديد من القوى الدولية الفاعلة هناك.

وفي إطار النهج البرجماتي الذي يتبناه إقليم "أرض الصومال" مستفيدًا من سلسلة التحولات الجيوسياسية في القرن الأفريقي، يبدو الإقليم بمثابة نقطة اشتعال إقليمية، ربما تدفع أمن واستقرار المنطقة نحو مزيد من التعقيد والتشرذم، في ضوء ممانعة بعض الأطراف الإقليمية لخطوة الاعتراف الدولي بالنسبة للإقليم، في مقابل ترحيب بعض الأطراف الأخرى بهذه الخطوة اعتقادًا منها بوجود مباركة أمريكية محتملة مستقبلًا، بما يحقق مصالح تلك الأطراف على حساب وحدة الصومال وتقليصًا لأدوار بعض القوى الإقليمية الفاعلة بما يهدد مصالحها الحيوية في القرن الأفريقي، الأمر الذي قد يدفع نحو اندلاع صراع بالوكالة بين الأطراف المعنية، ومواجهات غير مباشرة ربما تنعكس آثارها سلبًا على أمن واستقرار المنطقة على المديين القريب والمتوسط.

تحركات محسوبة

تستمر محاولات إقليم "أرض الصومال" لنيل الاعتراف الدولي على مدار أكثر من ثلاثة عقود، منذ إعلانها الاستقلال من طرف واحد عقب انهيار نظام سياد بري في عام 1991، إلا أن نقطة التحول الرئيسية قد جاءت في يناير 2024 عقب توقيع إدارة الإقليم اتفاقًا مبدئيًّا مع إثيوبيا يقضي بامتلاك الأخيرة ميناء بحري وتجاري على مساحة 20 كيلومتر مربع، في مقابل الاعتراف الإثيوبي بأرض الصومال كدولة مستقلة.

فقد كانت "أرض الصومال" قاب قوسين من تحقيق أولى خطواتها المهمة في سبيل الاعتراف الدولي، لا سيما أنها تدرك أن اعتراف إثيوبيا أو غيرها سوف يفتح المجال أمام العديد من الأطراف والدول الأفريقية لاتباع نفس الخطوة، إلا أن الضغوط الدبلوماسية التي مارستها الصومال وتلويحها ببعض أوراق الضغط الإقليمية قد أجبرت أديس أبابا على تعليق تنفيذ الاتفاق ولو مؤقتًا وليس التراجع عنه أو إلغاؤه، خاصة عقب توقيع اتفاق أنقرة برعاية تركية في ديسمبر 2024. ورغم ذلك، لم تتراجع إدارة "أرض الصومال" بل حاولت توسيع دائرة تحالفاتها الدولية والإقليمية من أجل إنجاز خطوة استراتيجية في هذا الملف.

إذ تبنت أرض الصومال استراتيجية اللعب على المتناقضات الإقليمية والدولية، حيث استغلت حاجة إثيوبيا الشديدة إلى منفذ بحري للوصول إلى مياه البحر الأحمر، وأبدت مرونة للتعاون معها مستفيدة من دعم استثماري إقليمي، لتنخرط أرض الصومال في لعبة إقليمية على النفوذ والهيمنة في منطقة القرن الأفريقي، أملًا في حصد مكتسبات استراتيجية من شأنها القرب من تحقيق الاعتراف الدولي.

من جهة أخرى، تسعى إدارة "أرض الصومال" لاستغلال التطورات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك تهديدات جماعة الحوثي لإسرائيل وأمن البحر الأحمر، وذلك من خلال تقديم نفسها كشريك أمني يمكن أن تمثل منصة لإطلاق الطائرات والصواريخ الإسرائيلية تجاه أهداف الحوثيين في اليمن. يدلل على ذلك إشارة بعض التقارير في أكتوبر 2024 إلى ثمة تقارب سري بين إسرائيل وإقليم "أرض الصومال" الذي اقترح تأسيس قاعدة إسرائيلية في أرض الصومال يمكنها استهداف وردع الحوثيين، ومن خلالها يمكن للطائرات الإسرائيلية الانطلاق لضرب المفاعلات النووية الإيرانية مباشرة، لا سيما مفاعل بوشهر النووي القريب من الخليج العربي، دون التحليق فوق الحدود العربية وبما يمنح الطائرات الإسرائيلية فرصة الهروب من أنظمة الدفاع الجوي الإيراني، وذلك في مقابل الاعتراف الإسرائيلي الرسمي بالإقليم وضخ المزيد من الاستثمارات هناك[1].

ويعزز هذا الطرح ما ألمحت إليه بعض الدوائر البحثية الأمريكية إلى أن إقليم "أرض الصومال" كان مرشحًا لأن يكون طرفًا في اتفاقات أبراهام التي أبرمتها بعض الدول العربية مع إسرائيل في عام 2020. وكانت إدارة "أرض الصومال" قد أعلنت حينها دعمها العلني لاتفاق أبراهام بين الإمارات وإسرائيل. وفي أبريل 2025، أعرب وزير خارجية إقليم "أرض الصومال"، عبد الرحمن آدم، انفتاح أرض الصومال على التطبيع مع الجانب الإسرائيلي، مبررًا ذلك بأن حكومة الإقليم تنظر إلى علاقاتها الخارجية من منظور مصلحتها الوطنية والاستقرار الإقليمي، وأنها منفتحة على الحوار مع أي طرف.

وربما تعيد هذه التفاعلات بين الجانبين الرغبة الإسرائيلية التي ظهرت في عام 2010 عندما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية بأن بلاده مستعدة للاعتراف بإقليم "أرض الصومال" إذا ما طُلب منها ذلك[2]، وهو ما من شأنه تعزيز عمق إسرائيل الاستراتيجي في البحر الأحمر، كما يعزز المصالح الأمنية المشتركة بما في ذلك إتاحة الفرصة لإجراء تدريبات أمنية بحرية في البحر الأحمر تضم إسرائيل وحلفائها الإقليميين والدوليين لا سيما الولايات المتحدة.

أما على المستوى الدولي، تدرك "أرض الصومال" أن مكانتها الجيوسياسية تثير المنافسات الدولية بين الولايات المتحدة والصين، بما يجعلها أداة استراتيجية في التنافس المحتدم بين القوتين الكبريين في القرن الأفريقي. وبالتالي، هي تحاول استغلال هذا التنافس كوسيلة للاعتراف بها.

ومع ذلك، ترى السلطات في "أرض الصومال" أن التقارب مع الولايات المتحدة على حساب الصين يمثل مصلحة حيوية للإقليم، ربما يعزز مكاسبه الاستراتيجية خلال المرحلة المقبلة، خاصة أن واشنطن أبدت بوادر إيجابية للتعامل مع "أرض الصومال" خلال السنوات الأخيرة، فهي تستضيف مكتب اتصال لها. في حين دعت لجنة فرعية في الكونجرس الأمريكي في يناير 2025 وزارة الخارجية الأمريكية إلى فتح مكتب تمثيلي في هرجيسا لمواجهة النفوذ الصيني هناك، واعتبرتها خطوة مهمة لتعزيز المصالح الأمريكية. كما حذرت من أن غياب الوجود الأمريكي قد يتيح الفرصة لبكين في الانقضاض على الإقليم لتعزيز نفوذها المتصاعد في القرن الأفريقي. كما أقر الكونجرس الأمريكي تشريعات تشجع الشركات الأمريكية على الاستثمار في "أرض الصومال". وهو ما يعكس نوايا إدارة الرئيس ترامب في تعزيز التعاون المباشر مع هرجيسا[3].

فيما تشير تقارير أمريكية أيضًا إلى أن توثيق العلاقات مع "أرض الصومال" من شأنه أن يعزز الجهود الرامية إلى مواجهة التنظيمات الإرهابية في القرن الأفريقي. وبالتالي هي تمثل شريكًا أمنيًّا ودبلوماسيًّا حاسمًا للولايات المتحدة، ربما يساعدها في تعزيز مصالحها الأمنية في المنطقة، خاصة أنها يمكن أن تصبح مركزًا أمنيًّا مهمًا، وشريكًا أساسيًّا في الأمن البحري وعمليات مكافحة الإرهاب، لا سيما أن التموضع الجيوستراتيجي لأرض الصومال على طول خليج عدن يتماس بشكل مباشر مع المصالح الأمريكية في البحر الأحمر.

ويعزز ذلك المزاعم بأن الاعتراف الأمريكي بإقليم "أرض الصومال" سيكون بحلول عام 2028 قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك بالرغم من تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بأن الولايات المتحدة لا تجري مناقشات مع هرجيسا بشأن الاعتراف، وهو ما تدركه الأخيرة أن نيل الاعتراف الرسمي من قبل القوى الفاعلة لا سيما واشنطن غير مرجح على المدى القريب نظرًا لالتزام المجتمع الدولي بسياسة الصومال الواحد، خوفًا من سلسلة جديدة من النزعات الانفصالية في منطقة القرن الأفريقي المضطرب منذ سنوات طويلة[4].

ومع ذلك، سعت سلطات هرجيسا إلى مغازلة واشنطن رغبة في استمالتها للمضي قدمًا نحو خطوة الاعتراف الرسمي بها، حيث عرضت على الجانب الأمريكي في أغسطس 2025 الحصول على قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، بالإضافة إلى الوصول إلى المعادن الحيوية، خاصة بعدما اكتشفت هرجيسا مؤخرًا معدن الليثيوم، ومعادن حيوية أخرى مثل النحاس والحديد، مستغلة مساعي واشنطن إلى تنويع سلاسل توريد المعادن الاستراتيجية بعيدًا عن مناطق النفوذ الصيني في أفريقيا[5].

في المقابل، تبدو العلاقات متوترة بين الصين وإقليم "أرض الصومال"، حيث حذرت بكين هرجيسا من الحفاظ على علاقاتها مع تايوان، وهو ما قوبل بالرفض، حيث تتوطد العلاقات بين الأخيرتين مع وجود دعم أمريكي نكاية في الجانب الصيني، الذي يمارس المزيد من الضغوط للالتزام الأفريقي بمبدأ الصين الواحدة. وبالتالي تقف بكين ضد مساعي أرض الصومال للاعتراف، خاصة بعدما اعترفت بتايوان في عام 2020، ورفضت بشكل صريح المغريات الصينية المتمثلة في ضخ المزيد من الاستثمارات التنموية والقروض الصينية المشروطة بقطع العلاقات مع تايبيه[6].

من ثم، مع فشل استراتيجية الإغراء الصينية فقد انقلبت إلى إجراءات عقابية، حيث تمارس بكين مزيدًا من الضغوط على هرجيسا من خلال توسيع علاقاتها مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، والتأكيد على مبدأ الصومال الواحد.

في سياق متصل، يَعتبر إقليم "أرض الصومال" احتضانه لعدد من المكاتب التمثيلية لعدد من الدول مثل إثيوبيا وجيبوتي وتركيا والإمارات والدنمارك والمملكة المتحدة، بمثابة خطوة استراتيجية مهمة يمكن البناء عليها في المستقبل، من خلال إقناع المزيد من الدول الأخرى بإمكانية تبادل المكاتب التمثيلية تمهيدًا للدخول في مفاوضات حول الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، في مقابل الاستفادة من المزايا والفرص الاقتصادية والاستثمارية التي يوفرها الموقع الجيوستراتيجي للإقليم في منطقة القرن الأفريقي المطلة على البحر الأحمر[7].

وتجدر الإشارة إلى أن هرجيسا تنطلق في تحركاتها على الصعيدين الإقليمي والدولي من إدراكها بأهميتها الاستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي، بما يجعلها نقطة استراتيجية يمكنها استضافة المزيد من القواعد العسكرية على ساحل البحر الأحمر، لا سيما أنها تقع في موقع استراتيجي يلتقي فيه خليج عدن بالبحر الأحمر، وهو ما يوفر بيئة أمنية مستقرة لمكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي، بما في ذلك توجيه هجمات ضد جماعة الحوثي اليمنية على الضفة الأخرى من ساحل البحر الأحمر.

كما ترى أرض الصومال في نفسها ملتقى للأمن البحري العالمي بفضل موقعها على خليج عدن وساحلها البحري الممتد على طول 460 ميلًا بالقرب من مضيق باب المندب. ومع مرور ما يقرب من 20% من عمليات الشحن العالمي عبره، فقد أثارت تهديدات القرصنة وعمليات تهريب الأسلحة وتنامي نشاط التنظيمات الإرهابية مثل حركة الشباب المجاهدين الصومالية المزيد من القلق الدولي، بما يجعل أرض الصومال المستقرة أمنيًّا نسبيًّا بمثابة فرصة للتعاون الاستراتيجي بالنسبة للقوى الفاعلة في المنطقة لا سيما الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين.

بالإضافة إلى ذلك، تُروج هرجيسا لنفسها باعتبارها معقلاً للديمقراطية وواحة للاستقرار وسط منطقة مضطربة بما في ذلك الصومال الذي يعاني على مدار السنوات الماضية من تنامي التهديدات الإرهابية، والتوترات السياسية بين الحكومة الفيدرالية وبعض الولايات الصومالية في أنحاء البلاد. وبالتالي، هي تحاول تقديم نفسها كشريك ديمقراطي راسخ في القرن الأفريقي المضطرب لتصبح عنصرًا لا غنى عنه، في إطار مساعيها لاستقطاب القوى الكبرى بما في ذلك واشنطن والبحث عن شركاء دوليين آخرين لدعم الاعتراف الدولي بها[8].

حسابات متباينة

تحول إقليم "أرض الصومال" إلى ساحة تنافس في ضوء تدافع العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين نحوه، بهدف إيجاد موطئ قدم استراتيجي وخلق النفوذ الذي يعزز المكانة الاستراتيجية للفاعلين في القرن الأفريقي، وهو أمر يلقى قبولًا لدى هرجيسا التي تحاول الاستفادة من هذا الزخم في الترويج لمطالبها بشأن نيل الاعتراف الدولي. ومن المتوقع أن تغذيه لكي تظل على رأس الاهتمام الدولي والإقليمي في القرن الأفريقي الذي يعج بالعديد من التفاعلات المعقدة بما في ذلك الصراعات والتوترات الإقليمية على مدار السنوات الأخيرة.

وتتباين حسابات الأطراف المعنية والقوى الفاعلة في المنطقة تجاه مسألة "أرض الصومال"، ما بين الترحيب والدعم لمساعي هرجيسا، وبين ممانعة بعض الأطراف التي ترى في هذا الأمر تهديدًا لأمنها ومصالحها الحيوية في القرن الأفريقي.

فعلى الصعيد الإقليمي، أفضى اتفاق يناير 2024 بين أديس أبابا وهرجيسا إلى حالة من الاستقطاب الإقليمي تجلت في تكتلات إقليمية متضادة في المصالح والتوجهات، فهناك اتجاه إقليمي داعم لطموحات إقليم "أرض الصومال"، وآخر داعم لوحدة الدولة الصومالية.

إذ تَعتبر إثيوبيا إقليم "أرض الصومال" بمثابة فرصة للحصول على منفذ بحري وتجاري على ساحل البحر الأحمر، بعد سنوات من المحاولات الفاشلة في إقناع دول جوارها الإقليمي بتنفيذ الاتفاقات المبرمة بينهما منذ عام 2018، وذلك في ضوء التخوفات الإقليمية من الأطماع التوسعية الإثيوبية في المنطقة. وتدرك إثيوبيا أن إيجاد بدائل بحرية لها سيقلل من اعتمادها الرئيسي على ميناء جيبوتي الذي يكلفها سنويًّا نحو ملياري دولار، كما سيعزز نفوذها الإقليمي والبحري في القرن الأفريقي لمواجهة خصومها الإقليميين، ويدعمها في ذلك بعض الأطراف الإقليمية التي تمتلك مصالح اقتصادية وتسعى إلى خلق نفوذ إقليمي مهم هناك.

وفي مقابل ذلك، برزت ممانعة إقليمية للخطوة الإثيوبية في أرض الصومال تجلت في تكتل إقليمي مناهض عبر عنه اجتماع أسمرة الذي عُقد في أكتوبر 2024 الذي ضم إلى جانب إريتريا دولتي مصر والصومال، وهو ما دفع إثيوبيا إلى التراجع خطوة للوراء فيما يتعلق بتنفيذ اتفاقها مع هرجيسا، في محاولة لتقويض أركان التكتل المضاد لها، خاصة أن علاقاتها مع أسمرة يسودها المزيد من التوتر منذ توقيع اتفاق بريتوريا في نوفمبر 2022 وسط تكهنات باندلاع صراع عسكري محتمل بين البلدين. في الوقت الذي ترفض فيه القاهرة بشكل قاطع أي وجود للدول غير الساحلية في البحر الأحمر، في إطار مساعيها لحماية مصالحها الأمنية الحيوية عند مضيق باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

بينما أبدى الصومال رفضه القاطع أي مساس بسيادته الوطنية معتبرًا أن اتفاق أديس أبابا مع هرجيسا انتهاكًا صريحًا للسيادة الوطنية الصومالية، باعتبار أن إقليم "أرض الصومال" هو جزء لا يتجزأ من أراضي الدولة الصومالية. ويبدو أن إثيوبيا قد فضلت تخفيف حدة موجة الاستياء الإقليمي لتجاوز الضغوطات التي واجهتها خلال العامين الأخيرين، في انتظار الفرصة المناسبة للانقضاض مجددًا من أجل تحقيق خطوة استراتيجية في هذا الملف، لا سيما أن التصريحات الإثيوبية الرسمية تعكس إصرار أديس أبابا على النفاذ إلى المياه الدافئة عبر البحر الأحمر.

على جانب آخر، تدرك جيبوتي أن التوجه الإثيوبي نحو أرض الصومال سوف يفقدها العديد من المزايا الاقتصادية خاصة أن أديس أبابا تعتمد في مرور أكثر من 95% من تجارتها مع العالم الخارجي على ميناء جيبوتي. كما أن توسيع "أرض الصومال" لدائرة تحالفاتها الإقليمية قد يعني زيادة الاستفادة من ميناء بربرة الاستراتيجي بما يعني احتدام التنافس مع ميناء جيبوتي الذي من المرجح أن يتأثر بشكل ملحوظ. في الوقت الذي تسعى فيه جيبوتي إلى حماية احتكارها للموانئ البحرية على ساحل البحر الأحمر، والحفاظ على نموذجها الاقتصادي، وعلى مكانتها كمركز رئيسي للقوى الأجنبية في القرن الأفريقي، الأمر الذي ربما يعزز التوترات الإقليمية في المنطقة، بما في ذلك احتمال قيام جيبوتي بدعم بعض الأطراف المحلية في إقليم "أرض الصومال" المعارضة لاتفاق يناير 2024 وخاصة في منطقة أودال المتاخمة لجيبوتي، التي أعلن قادتها في مارس 2024 رفضهم للاتفاق الأخير، وأصدروا قرارًا بعدم اعترافهم بحكومة الإقليم، وولائهم للحكومة الفيدرالية الصومالية.

من جهة أخرى، ترى إسرائيل في البحر الأحمر شريانًا حيويًا لتجارتها ومنظومتها الدفاعية، وبالتالي يعزز تواجدها هناك الارتباط الاستراتيجي مع شركاء إقليميين في أفريقيا والخليج العربي وشرق آسيا. ومن ثم؛ يحقق التقارب الإسرائيلي مع هرجيسا العديد من المزايا الاستراتيجية في مقدمتها تعزيز أمنها وقدرتها على مراقبة مضيق باب المندب والتحكم في التجارة الإقليمية ومواجهة التهديدات الإقليمية -خاصة أن الطرفين يتوافقان على أن جماعة الحوثي هي عدو مشترك يجب الحد من مخاطرها وتهديداتها- إضافة إلى خلق فرص اقتصادية جديدة، كما أنها فرصة لإسرائيل لتحسين علاقاتها الدبلوماسية في الساحة الأفريقية لا سيما أن "أرض الصومال" ستكون بوابة مهمة لها للانخراط في القرن الأفريقي ومنه إلى العمق الأفريقي في وسط القارة[9].

وفي سبيل ذلك، تحاول إسرائيل تقديم نفسها كشريك اقتصادي وتنموي لأرض الصومال من خلال اقتراح تنفيذ مشروعات في قطاعات المياه والصحة والزراعة هناك، بالإضافة إلى تفعيل دور بعض المنظمات الإسرائيلية غير الحكومية مثل "انقذ قلب طفل" في الإقليم، بهدف الترويج لصورة إيجابية لإسرائيل لدى السكان المحليين. 

في حين تنظر هرجيسا إلى توثيق العلاقات مع الجانب الإسرائيلي كوسيلة لتعزيز موقفها في سعيها إلى مزيد من التفاعل الدولي أملًا في تحقيق الاعتراف الدولي، وهو ما يجعل من المنطقي تزايد الدعوات لإنشاء مكتبي اتصال لدى الطرفين ليضفي طابعًا رسميًّا عل الحوار بينهما[10].

وفي إطار تلك التوجهات الإسرائيلية، من المرجح أن تتزايد مخاوف كل من إيران وتركيا باعتبارها تهديدًا لنفوذهما في القرن الأفريقي، وهو ما يعكس ثبات الموقف التركي تجاه وحدة الصومال وسيادته على كامل أراضيه بما في ذلك إقليم "أرض الصومال". في حين ربما تلجأ طهران إلى وكلائها الإقليميين لرفع تكلفة الإضرار بمصالحها الاستراتيجية في حالة تقديم التسهيلات لإسرائيل لاستهداف جماعة الحوثي في اليمن، ذراعها الاستراتيجي في البحر الأحمر، أو استغلال أرض الصومال كمنصة انطلاق للطائرات الإسرائيلية لاستهداف الأراضي الإيرانية، وهو ما ينذر بتحول منطقة القرن الأفريقي إلى ساحة صراع إقليمي ودولي بما يهدد أمن واستقرار دول المنطقة.

أما على الصعيد الدولي، ربما لا ينظر الغرب بما في ذلك واشنطن إلى الاعتراف بأرض الصومال من أجلها، وإنما من أجل تطويق النفوذ الصيني في القرن الأفريقي[11]، وهو ما تتبناه إدارة الرئيس ترامب في مشروع 2025 الذي يرى أن الاعتراف هو تحوط استراتيجي ضد تدهور موقف واشنطن في جيبوتي، في إشارة إلى المنافسة مع الصين التي تمتلك قاعدة عسكرية هناك منذ عام 2017.

ومع ذلك، ترى واشنطن في "أرض الصومال" شريكًا أمنيًّا محتملًا، لا سيما أن هناك إحباطًا في معظم الدوائر الأمريكية من سياسة الصومال الواحد، خاصة بعد إخفاق الحكومات الصومالية المتعاقبة في الحفاظ على استقرار الدولة الصومالية وإعادة بنائها. إلا أن خطوة الاعتراف الأمريكي لا تزال مستبعدة في ضوء تأكيد الإدارة الأمريكية على وحدة وسيادة الصومال على كامل أراضيها بما في ذلك إقليم "أرض الصومال"، وذلك خوفًا من فتح المجال أمام المزيد من النزعات الانفصالية في المنطقة وأفريقيا ككل، إلى جانب عدم رغبة واشنطن في تكرار بعض التجارب التي تواجه تحديات جمة مثل جنوب السودان[12].

في المقابل، تدرك الصين أن التحركات الأمريكية نحو إقامة اتصال مباشر مع إقليم "أرض الصومال" ودعم تقاربه مع تايوان، إنما هو موجه بالأساس لتهديد النفوذ الصيني في محاولة لتقويضه في الساحة الأفريقية، فضلًا عن كونه يشكل تحديًّا مباشرًا للوجود العسكري في القرن الأفريقي. وبالتالي، تعارض بكين مسألة الاعتراف الدولي بالنسبة لأرض الصومال، خاصة أن هذه الخطوة قد تضعها أيضًا في مأزق دولي فيما يتعلق ببعض المطالبات الإقليمية لا سيما تايوان التي تعتبرها جزءًا من أراضيها، وهي تستهدف بالأساس عزلها دبلوماسيًّا في القارة الأفريقية، إضافة إلى المساعي الصينية للحفاظ على الهيمنة في القرن الأفريقي، وحماية مصالحها الاقتصادية بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق.

خطوة مستبعدة

بالرغم من نجاح إقليم "أرض الصومال" في إحداث حراك إقليمي بعدما تحول إلى مسرح مركزي للتنافس متعدد الأقطاب بين القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في القرن الأفريقي، ظنًّا أن ذلك سيترتب عليه اتخاذ خطوات إيجابية في مسألة الاعتراف الدولي بالإقليم، إلا أنه يظل هناك العديد من المعوقات التي قد تعرقل هذه الخطوة الاستراتيجية بالنسبة لهرجيسا.

إذ لا يمكن التكهن برد الفعل الصيني حال اعتراف الولايات المتحدة بأرض الصومال، حيث تمتلك الصين عددًا من أوراق الضغط على رأسها العقوبات الاقتصادية التي ربما تشكل حصارًا على إقليم أرض الصومال، وكذلك على بعض دول الجوار الإقليمي مثل إثيوبيا من أجل إعادة النظر في علاقتها مع هرجيسا. وربما تدفع بكين الحكومة الصومالية نحو تأجيج الأعمال العدائية مع أرض الصومال، فضلًا عن تأليب بعض الأطراف الداخلية المعارضة في هرجيسا في محاولة للإطاحة بإدارة الإقليم.

وقد يتفاقم التوتر الصيني الأمريكي في القرن الأفريقي، بما قد يعني تحول "أرض الصومال" إلى نقطة اشتعال إقليمي من شأنه احتمال اضطراب الأوضاع في القرن الأفريقي وانعكاسات ذلك السلبية على أمن واستقرار المنطقة.

ختامًا، تظل خطوة الاعتراف بإقليم "أرض الصومال" مستبعدة على الأقل في المدى القريب، خاصة أن السياق الإقليمي غير ملائم في القرن الأفريقي في ضوء تشابك وتعقد التفاعلات الدولية والإقليمية هناك. ورغم ذلك، من المتوقع أن تستمر إدارة "أرض الصومال" في نهجها الذي يستهدف إثارة قضية الاعتراف بها على رأس الأجندة الإقليمية، ومغازلة العديد من القوى الفاعلة وإغرائها بالحصول على مزيد من المكاسب والفرص الاقتصادية والاستثمارية والأمنية في الإقليم مقابل انفراجة في مسألة الاعتراف الدولي بأرض الصومال. وإن كان ذلك ربما يترتب عليه تفاقم الخلافات الإقليمية في القرن الأفريقي بما يعزز زعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي هناك خلال المرحلة المقبلة.


[1]. Amit Yarom, Gateways to the Red Sea: The case for Israel–Somaliland normalization, The Atlantic Council, 31 July 2025, accessible at: https://tinyurl.com/4zs989d6

[2]. Mark Townsend, Somaliland president says recognition of state ‘on the horizon’ following Trump talks, The Guardian, 30 May 2025, accessible at: https://tinyurl.com/4b4ufwpe

[3]. Aleksi Ylönen, Somaliland’s 30-year quest for recognition: could US interests make the difference?, Democracy in Africa, May 2025, accessible at: https://tinyurl.com/jnkjr4ad

[4]. Maxwell Webb, There’s a rare opportunity to deepen US-Somaliland ties. But several obstacles stand in the way, The Atlantic Council, 17 December 2024, accessible at: https://tinyurl.com/3sjjubza

[5]. Mercy Fekadu Mulugeta and Leulseged Girma, Unconventional Transactions and Alliances in the Horn of Africa: Statehood, Dams, Ports, and Peace Support Operations, Georgetown Journal of International Affairs, 15 April 2025, accessible at: https://tinyurl.com/56wah3ah

[6]. Peter Kagwanja, What Somaliland’s 2024 elections mean for the China-Taiwan rivalry in the Horn, The Pan African Review, 21 November 2024, accessible at: https://tinyurl.com/26dchc6j

[7]. Jalene Tesfaye, US-China Rivalry in the Horn: Is Somaliland The Next Taiwan?, The Horn Review, 27 March 2025, accessible at: https://tinyurl.com/3ka3kda3

[8]. Abigail Kabandula, Rising Tensions in the Horn of Africa: Ethiopia, Somaliland, and the Potential for Further Regional Instability, The Wilson Center, 28 January 2025, accessible at: https://tinyurl.com/52f7rb62

[9]. Sheriff Bojang Jnr, The Battle for Berbera: Inside the global scramble for Somaliland’s strategic Red Sea port, The Africa Report, 7 April 2025, accessible at: https://tinyurl.com/yy386wza

[10]. Yinka Adegoke, US House committee calls for Somaliland office to counter China, SEMAFOR, 17 January 2025, accessible at: https://tinyurl.com/3dfxjmp2

[11]. Jethro Norman, Somaliland at the centre of rising tensions in the Horn of Africa, The Danish Institute for International Studies, 25 January 2024, accessible at: https://tinyurl.com/4uzf9tmt

[12]. Tom O'Connor, This Aspiring Nation Wants to Be Trump's New Weapon Against China in Africa, The News Week, 9 September 2025, accessible at: https://tinyurl.com/2uhavb9u