يشهد العالم اليوم تحولات كبرى فى موازين الاقتصاد والسياسة الدولية، وفى قلب هذه التحولات يبرز قطاع التعدين باعتباره أحد أهم ركائز النمو والتنافسية. فالمعادن لم تعد مجرد موارد طبيعية تستخدم فى البناء والصناعة التقليدية، بل غدت مدخلًا أساسيًا لصناعات التكنولوجيا الحديثة والطاقة المتجددة والتحول الرقمى.
لذا، تبدو مصر - بما تمتلكه من ثروات معدنية متنوعة وموقع جغرافى فريد- أمام فرصة استثنائية لإعادة صياغة سياساتها التعدينية كى تتحول من مجرد بلد مالك للموارد إلى مركز إقليمى فاعل ومؤثر.
لقد قطعت مصر خطوات واسعة خلال الأعوام الأخيرة لإعادة الاعتبار لهذا القطاع، إدراكًا لما يمثله من قيمة مضافة للاقتصاد الوطنى. لكن التحدى الحقيقى لا يقتصر على الاستكشاف أو الاستخراج فحسب، بل يمتد إلى كيفية إدارة هذه الثروات بما يحقق الاستدامة ويحافظ على البيئة ويضمن نصيب الأجيال القادمة.
وفى ظل التحولات الجيوسياسية، تزداد أهمية المعادن الحرجة والنادرة التى تدخل فى صناعات المستقبل، من بطاريات السيارات الكهربائية إلى الشرائح الإلكترونية والأقمار الصناعية. هذه الموارد باتت أشبه بالنفط الجديد، وأصبحت محل تنافس دولى، ومن ثم فإن امتلاك مصر لمخزون منها يمنحها فرصة استراتيجية لتعزيز مكانتها على خريطة الاقتصاد العالمى.
إن سياسات التعدين فى مصر تقف الآن أمام لحظة فارقة، تجمع بين الفرص والتحديات. فإما أن نواصل الاعتماد على الأساليب التقليدية التى تستهلك الثروات دون أن تخلق قيمة حقيقية، وإما أن نرسم مسارًا جديدًا قائمًا على الاستدامة والرقمنة والشراكات الدولية، لنحول هذه الثروات الكامنة إلى قوة فاعلة تدعم الاقتصاد الوطنى وتفتح لمصر أبواب المستقبل.
يفتح هذا العدد ملف سياسات التعدين بوصفه أحد أهم ملفات التنمية، لنضع القارئ أمام صورة شاملة للواقع والآفاق.