تتشابه الرياضة والحرب وتشتركان في العديد من الخصائص والسمات التي تتجلى في جوانب التنافس والعنف المنظم. فكل منهما يتضمن تحديات قد تشمل المجهود البدني والذهني، وتخطيطًا استراتيجيًا، وتنظيمًا صارمًا. في الحرب، كما في الرياضة، يتم وضع استراتيجيات متقنة لتحقيق النصر، ويشارك فيها أفراد يتبعون تكتيكًا موحدًا لتحقيق هدف مشترك. كلاهما أيضًا يستدعي قدرًا كبيرًا من الحماسة والعاطفة، حيث تتحكم مشاعر، مثل الرغبة في الفوز أو تفادي الهزيمة في مسار الأحداث.
أيضًا، تتشابه الرياضة مع السلام، فكلاهما يتطلب التعاون لتحقيق نتائج إيجابية. فكما أن السلام يعتمد على التنسيق والتفاهم بين الأطراف المختلفة لتحقيق الاستقرار، فإن الرياضة تروج لقيم مشابهة من خلال العمل الجماعي والاحترام المتبادل بين الفرق. السلام، مثل الرياضة، يعزز التفاهم وتقدير التنوع، حيث يُحتفل بالفروق الثقافية والتكامل بين أفراد المجتمع. في كلتا الحالتين، تكمن القوة في العمل الجماعي والتفاعل البنّاء بين الأفراد، ما يعزز فكرة أن الرياضة ليست مجرد منافسة، بل وسيلة لتحقيق التفاهم والتناغم بين الأفراد والمجتمعات.
لذا ظهر مفهوم "دبلوماسية الرياضة" الذي يجمع بين التنافس الرياضي وإدارة الدولة لعلاقاتها الدولية. فدبلوماسية الرياضة هي إحدى أدوات تعزيز التفاهم والتواصل بين الدول والشعوب بالاستثمار في تنظيم الفعاليات الرياضية الدولية، ودعم تبادل الرياضيين، وتفعيل الأنشطة الرياضية المشتركة بين الدول المتنازعة أو ذات الخلفيات الثقافية المتباينة، سعيا لتجاوز الحدود السياسية والتوترات الاجتماعية، وتوفير منصة للحوارات غير الرسمية التي قد تسهم في تخفيف الصراعات وتعزيز التعاون بين الدول.
وعلى الرغم من المساحات المتزايدة التي باتت تشغلها دبلوماسية الرياضة في التفاعلات الدولية، فإنها لا تحظى حتى الآن بالاهتمام الكافي الذي يعكس قدرتها على تحقيق المصالح القومية للدول في أوقات السلم والحرب معا. الشاهد أن هناك فجوتين: الفجوة البحثية والفجوة العملية في استخدام دبلوماسية الرياضة، وتشيران إلى نوعين مختلفين من التحديات التي يمكن أن تواجه استخدام الرياضة كأداة دبلوماسية، لكن كل منهما يتعامل مع جوانب مختلفة من التطبيق والتنفيذ.
تشير الفجوة البحثية إلى النقص أو الفراغ في المعرفة الأكاديمية المتعلقة بتأثيرات وأبعاد دبلوماسية الرياضة، خاصة على مستوى الأدبيات العربية، وكذلك نقص الدراسات التي تدرس كيف يمكن للرياضة أن تؤثر في القضايا السياسية والاجتماعية، سواء في تعزيز السلام، وبناء الثقة بين الدول المتنازعة، أو حتى في التعامل مع التحديات المعقدة، مثل حقوق الإنسان أو العنصرية. كما أن هناك نقصًا في الأدوات والنماذج النظرية التي يمكن أن تساعد في تقييم فعالية دبلوماسية الرياضة كأداة للتواصل بين الثقافات أو بين الحكومات المختلفة. فلا تزال الأطر النظرية التقليدية في دراسة العلاقات الدولية مستخدمة في دراسات دبلوماسية الرياضة (كالنظرية الواقعية الجديدة).
أما الفجوة العملية، فتشير إلى التحديات التي تواجه تنفيذ دبلوماسية الرياضة في الواقع. حتى إن كانت هناك بعض الدراسات التي تركز على التطبيقات المثالية لاستخدام الرياضة في تعزيز العلاقات الدولية أو السلام، فإن ترجمة هذه الأفكار إلى ممارسات عملية قد تواجه صعوبات كبيرة. على سبيل المثال، قد تتعثر المبادرات الرياضية عند تطبيقها في ظروف نزاعات مترسخة معقدة، حيث يمكن أن تتداخل المصالح السياسية والاقتصادية مع الأهداف الإنسانية التي تسعى الرياضة لتحقيقها. قد يواجه المنظمون للفعاليات أو المبادرات الرياضية صعوبة في بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة، أو قد يتم استخدام الرياضة لتحقيق أهداف سياسية ضيقة بدلًا من تحقيق السلام أو التعاون الشامل. علاوة على ذلك، فإن توافر الموارد والتمويل والقدرة على تنظيم فعاليات رياضية دولية قد يكون محدودًا، ما يجعل تنفيذ المبادرات الرياضية الدبلوماسية أمرًا صعبًا في كثير من الأحيان.
تأتى تلك الدراسة في هذا الإطار، فتحاول تناول تطور دبلوماسية الرياضة، وصولًا إلى دورها الذي تلعبه في النظام الدولي الحالي، مع النظر إلى المستقبل وآفاق تطورها في العلاقات الدولية.
ويعود تطور دبلوماسية الرياضة إلى بدايات القرن العشرين، حيث كانت الرياضة جزءًا من مظاهر الحياة الاجتماعية والدولية، ولكن لم تكن تُستخدم بشكل واضح كأداة للتفاعل السياسي بين الدول. في تلك المرحلة، كانت الرياضة تُعتبر نشاطًا ترفيهيًا وصحيًا لا علاقة له بالسياسة أو العلاقات الدولية، لكن هذا التصور بدأ يتغير مع بداية الأحداث الرياضية الكبرى التي جذبت اهتمامًا دوليًا، مثل الألعاب الأوليمبية وكأس العالم. شهدت هذه الفعاليات الرياضية مشاركة دولية واسعة، حيث كانت الدول تتسابق للمشاركة في هذه الفعاليات بهدف تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، خاصة في إطار الأيديولوجيات المختلفة والتنافسات السياسية القائمة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية.
مع بداية الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، بدأ استخدام الرياضة كأداة للدعاية السياسية، حيث كانت الدول الكبرى تستخدم الفعاليات الرياضية العالمية كوسيلة لإظهار قوتها السياسية والاجتماعية والثقافية. على سبيل المثال، سعى كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لإظهار تفوقه في المجالات المختلفة عبر الإنجازات الرياضية، وكان الرياضيون يُعتبرون سفراء غير رسميين يعكسون صورة الدولة في المحافل الرياضية الدولية.
وقد تطورت دبلوماسية الرياضة مع تطور شكل النظام الدولي، حيث بدأت الدول النامية والناشئة تستخدم الرياضة كوسيلة لتعزيز نفوذيها السياسي والإعلامي في الساحة الدولية. إذ كانت الألعاب الأوليمبية، التي تجمع بين دول من مختلف القارات والأيديولوجيات، أحد الأمثلة البارزة على استخدام الرياضة لتخفيف التوترات وتحقيق التواصل بين الدول. تلك الأحداث الرياضية لم تعد تهدف فقط إلى إظهار التفوق الرياضي، وإنما أصبحت ساحة يمكن فيها للمجتمعات المختلفة أن تتفاعل وتتشابك بعيدًا عن السياسة.
وخلال العقود الثلاثة الماضية زاد التنافس على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى ودخلت الدول النامية في حالة التنافس بقوة، لقناعتها بالأثر أو المردود الذي يمكن أن تجنيه من تلك الاستضافات، حيث دخلت أفريقيا في التنافس على استضافة كأس العالم (دورة 2010)، كما تنافست قطر على دورة 2022 من الفعالية ذاتها، وقبلهما تنافست الصين على استضافة أوليمبياد 2008 لقناعة بأن الحدث الرياضي العالمي الأكبر على الإطلاق هو خير منصة لاطلاع العالم على حجم الإنجاز الذي حققه نموذج التنمية الصيني.
بالتالي، أصبح تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى، مثل كأس العالم لكرة القدم والألعاب الأوليمبية ليس فقط بهدف الترفيه وإنما أيضًا بهدف الترويج للثقافة الوطنية، وجذب الاستثمارات، وتعزيز العلاقات مع الدول الأخرى، الأمر الذي يزيد من أهمية دبلوماسية الرياضة في النظام الدولي الراهن.
من الأمثلة على ذلك، استضافة قطر لكأس العالم 2022، الذي كان جزءًا من استراتيجية الدولة لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية، ولإظهار قدراتها التنظيمية والاقتصادية، علاوة على تعزيز استثماراتها في قطاع السياحة. بالإضافة إلى قطر، فإن دولًا أخرى، مثل الصين، استغلت الألعاب الأوليمبية 2008 لتعزيز صورتها كقوة عظمى على المستوى الدولي، ولإظهار تطورها الاقتصادي والثقافي. يشير هذا الاتجاه لسؤال مفاده كيف يمكن أن تكون الرياضة محركًا للتغيير في العلاقات الدولية من خلال خلق فرصة للحوار والتفاهم بين الدول.
فالرياضة تتشابه مع الحرب ومع السلام، وهي في الواقع تستطيع أن تقوم بدور في إدارة العلاقات في حالتي السلم والنزاع، مع الأخذ في الحسبان محدودية الأثر في بعض الأحيان. وقد أظهرت الرياضة قدرتها على كسر الحواجز وتخفيف التوترات. على سبيل المثال، شهدت بعض الأحداث الرياضية التاريخية، مثل اللقاءات الرياضية بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، خلق مساحة من التفاهم والاحترام المتبادل بين الدول.
ويواجه واقع التوسع في استخدام دبلوماسية الرياضة كأداة في السياسة الخارجية عددًا من التحديات، حيث تعاني العديد من الدول نقصًا في الموارد المالية والبشرية الضرورية لتفعيل دبلوماسية الرياضة بشكل فعال. أيضا، على الرغم من أن استضافة الأحداث الرياضية الكبرى قد تترك تأثيرًا إيجابيًا على المدى القصير، فإن هذا التأثير لا يتجسد بشكل ملموس في تحقيق أهداف سياسية واقتصادية مستدامة على المدى البعيد.
مع هذه التحديات، يظل تأثير دبلوماسية الرياضة محتملًا، ولكن يعيق هذا التأثير المنافسة القوية من أدوات أخرى، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو تنموية، خاصة في الدول التي تعاني ضعفًا في أدائها الاقتصادي أو تباطؤًا في معدلات نموها. وبالتالي، تظل الرياضة في العديد من الحالات أداة ثانوية في السياسات الخارجية للدول. ورغم ذلك، فإن الفرص التي يمكن أن تتيحها الرياضة داخليا من خلال الأثر التنموي، ودوليا من خلال تعزيز العلاقات الدولية وبناء الثقة وتعزيز السلم والأمن الدوليين، تتطلب إعادة التفكير في استراتيجيات أكثر تكاملًا للاستفادة منها بشكل أكبر وأكثر فعالية. بمعنى آخر، فإن الاهتمام بدبلوماسية الرياضة في السلم والنزاع يتزايد، ولكن ببطء، لأنه لا يزال حبيسًا لحسابات "التكلفة والعائد" السياسية والاقتصادية.