في زمن تتسارع فيه التحولات الرقمية، وتتزايد فيه التهديدات غير التقليدية، أصبح الأمن السيبراني واحدًا من أبرز ملفات الأمن القومي على الإطلاق. فلم تعد الحروب تُخاض بالسلاح فقط، بل باتت تدار من خلف الشاشات، وباستخدام أدوات رقمية دقيقة، لا تقل خطرًا عن الصواريخ والطائرات.
إن التحديات السيبرانية المعاصرة لم تعد محصورة في حماية البيانات أو صدّ الهجمات الإلكترونية فحسب، بل أصبحت تمسّ جوهر السيادة الوطنية، وتهدد قدرة الدولة على حماية مواردها، ومؤسساتها، ومجتمعها الرقمي. ولم يعد الأمر ترفًا تقنيًا أو مسؤولية قطاع بعينه، بل قضية وطنية شاملة تتطلب تنسيقًا عاليًا بين المؤسسات، واستثمارًا في البشر والتقنيات، وتحديثًا مستمرًا للتشريعات والاستراتيجيات.
وقد أولت الدولة المصرية هذا الملف اهتمامًا متزايدًا، بتأسيس المجلس الأعلى للأمن السيبراني، وتطوير البنية التحتية الرقمية، واعتماد استراتيجيات وطنية متكاملة، وهو ما مكّن مصر من أن تحتل موقعًا متقدمًا ضمن أقوى 12 دولة عالميًا في مجال الأمن السيبراني لعام 2024.
في هذا العدد من رؤى مصرية، نسلّط الضوء على أبرز الأبعاد المرتبطة بهذا الملف الحيوي، ومنها ؛ الأمن القومي في عصر الرقمنة، والتجارب الدولية في التعاون السيبراني، والجهود المصرية التشريعية والمؤسسية، واستراتيجيات الردع الرقمي وبناء القدرات الوطنية.
ونأمل أن يساهم هذا العدد في تعميق الفهم العام والمهني بأهمية الأمن السيبراني كرافعة استراتيجية للدولة المصرية، ورسم ملامح طريق آمن نحو المستقبل الرقمي، يرتكز على السيادة، والكفاءة، والجاهزية.
وفي ظل هذا الواقع المتغير، تبرز الحاجة إلى تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر الفضاء السيبرانى. فالأمن السيبراني لا يتحقق بالتقنيات وحدها، بل يتطلب مواطنًا واعيًا، ودولة تمتلك رؤية شاملة للأمن في أبعاده الجديدة.