صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تتعدد وسائل تمويل خطط التنمية الاقتصادية، كما تتعدد روافد تمويل عملية التنمية المستدامة؛ حيث يعد «التمويل الأخضر» إحدى الآليات النوعية لتمويل مشروعات التنمية المستدامة، وهو برنامج مشترك يقدمه البنك الأوروبى لإعادة الأعمار والتنمية، ووكالة التنمية الفرنسية، وبنك الاستثمار الأوروبى، وتقوم فكرته على إعادة تشكيل الأنشطة الاقتصادية، بحيث تكون أنشطة أكثر مساندة للبيئة، وداعمة للتنمية الاقتصادية.

ويلعب «التمويل الأخضر» دورًا مهمًا فى الحفاظ على البيئة، كونه يهتم بالبعد البيئى للمشروعات من ناحية، ويهتم أيضًا بتقليل المخاطر البيئية من ناحية أخرى؛ ومنها على سبيل المثال: مشروعات معالجة النفايات، والمشروعات التى تستخدم تكنولوجيا صديقة للبيئة، وهى المشروعات التى تتسم بقلة الانبعاثات الكربونية، هذا إلى جانب دعم مشروعات توليد الطاقة المتجددة، ورفع كفاءة ومستوى استخدام الموارد المتاحة؛ بمعنى أن التمويل الأخضر ـ ووفقًا للمتخصصين ـ  يعتمد توجيه رأس المال نحو مشروعات تهدف إلى تقليص الانبعاثات الكربونية، والتخفيف من الآثار السلبية لتغير المناخ، بالإضافة إلى فتح المجالات أمام الاستثمار فى المشروعات الخضراء، من خلال توجيه التمويل الأخضر إلى مشروعات البنية التحتية الأفضل والأكثر حماية للبيئة.

تسهم مشروعات التمويل الأخضر بصفة عامة فى تحقيق النمو الاقتصادى القائم على الاستثمار فى مجالات مواجهة التلوث البيئى، وتحسين نوعية وجودة الحياة البيئية الممتدة للأجيال القادمة، بما يسهم إجمالا فى تعزيز فرص وخطط التنمية المستدامة، كما يعزز التمويل الأخضر أيضا من فرص مواجهة آثار التغيرات المناخية وتداعياتها البيئية.

وقد أولت الحكومة المصرية على مدار السنوات الخمس الماضية اهتمامًا ملموسًا بقضايا البيئة وتداعيات التغيرات المناخية، عبر الاهتمام بمصادر التمويل القادر على معالجة تلك القضايا على المدى الطويل، سواء من خلال المساهمات الوطنية، أو التعاون مع شركاء التنمية الخارجيين من هيئات ومنظمات ومؤسسات وحكومات. وتتركز مهمة التمويل الأخضر بالأساس على دعم عملية التحول للاقتصاد الأخضر، من خلال ضخ استثمارات فى مجال تحسين وكفاءة الطاقة، والطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، ومعالجة النفايات؛ وهو ما يعنى تمويل المشروعات التى تقلل من تنامى المخاطر البيئية، والعمل على دعم وتطوير منظومة شاملة للاقتصاد الأخضر.

هذا فضلًا عما تمتلكه الدولة من إمكانات تعزز من عملية التمويل الأخضر بما يدعم من فرص التحول نحو الاقتصاد الأخضر المستدام؛ خاصة تلك المتعلقة بتعزيز فرص «استدامة الطاقة»، المعتمدة بالأساس على روافد الطاقة المتجددة.

 ولا يزال «التمويل الأخضر»، كإحدى أدوات المساهمة فى التنمية المستدامة، يواجه عدة تحديات، أبرزها: عدم توافر بيئة تشريعية شاملة، من شأنها تحفيز الاستثمار فى مجالات بيئية تعتمد مشروعات الطاقة المتجددة أساسًا لها، هذا إلى جانب عدم انخراط شريحة كبيرة من القطاع الخاص فى مشروعات تعتمد على التمويل الأخضر والمشروعات البيئية، الأمر الذى يسهم فى تراجع فرص تعزيز الاستدامة الاقتصادية، فضلا عن عدم توافر قاعدة بيانات شاملة لأنشطة الشركات الصديقة للبيئة، ما يؤدى إلى صعوبة جذب التمويل الأخضر، إلى جانب صعوبة تقييم الأثر البيئى للمشروعات بما يترتب عليه اتخاذ قرارات يغلب عليها «عدم اليقين». بالإضافة إلى غياب الوعى المجتمعى بأهمية التمويل الأخضر والتحول نحو اقتصاد أخضر مستدام؛ ما يؤثر فى دوره كإحدى أهم أدوات التنمية المستدامة.

إتساقًا مع هذه الرؤية، جاءت هذه الدراسة تحت عنوان «واقع وآفاق التمويل المستدام فى مصر.. دراسة حالة التمويل الأخضر» للدكتورة/جيهان عبدالسلام، أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، حيث تتناول فيها آليات التمويل المستدام التى أقرتها مصر، وفقا لرؤية 2030، بشأن متطلبات خطط التنمية المستدامة. أيضا، تركز الدراسة على تحليل أدوات عملية تمويل التنمية وفقا للمصادر التمويلية المختلفة الداخلية والخارجية. بالإضافة إلى توضيح أهم البدائل التمويلية المتاحة التى يمكن لمصر الاعتماد عليها فى تحقيق التنمية المستدامة. فضلا عن استعراض بعض التجارب والخبرات الدولية فى مجال التمويل الأخضر ودوره فى تحقيق التحول نحو الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة.