تطرح إثيوبيا نفسها باعتبارها القوة الإقليمية المهيمنة في منطقة القرن الأفريقي، متجاوزة بذلك ضعف مقوماتها للعب دور إقليمي بارز، خاصة أنها تواجه سلسلة من التحديات والأزمات الداخلية المقيّدة لها، بما في ذلك النزاعات والصراعات الداخلية، وضعف القدرات الاقتصادية في ضوء ارتفاع معدلات الفقر والأزمات الهيكلية للاقتصاد الإثيوبي. لكنها في الوقت نفسه تستغل الدعم الخارجي القوي الذي يساندها من أجل لعب دور إقليمي بارز في المنطقة، لا سيما الولايات المتحدة والغرب اللذين ينظران لأديس أبابا باعتبارها ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي في القرن الأفريقي. وقد عزز ذلك أيضًا افتقار دول المنطقة الأخرى للقدرة على المنافسة من أجل الزعامة الإقليمية في المنطقة، لأسباب متباينة، يتعلق بعضها بالأزمات والصراعات الداخلية، فيما يتعلق بعضها الآخر بغياب الطموح في لعب دور إقليمي قيادي، إلى جانب افتقاد القوة السياسية، وكذلك القوة الاقتصادية للعب هذا الدور.
تسعى إثيوبيا بشكل دائم إلى أن تكون فاعلًا رئيسيًّا في خريطة التوازنات الجيوسياسية في القرن الأفريقي، وعدم السماح لأي قوة أخرى بملء مساحة أكبر في المنطقة على حسابها، خاصة في ضوء التطلع الإثيوبي لتأكيد أحقيتها في قيادة المنطقة التي تعد بمنزلة المسرح الرئيسي للسياسة الإثيوبية الإقليمية. وتستمر إثيوبيا في النظر بعين الشك للتحركات المصرية في القرن الأفريقي، وتخشى من حشد القاهرة لدول المنطقة ضدها في قضية سد النهضة بما قد يشكل ضغطًا إقليميًّا عليها، كما تتخوف من توظيف القاهرة لإحدى دول جوارها المباشر للتورط في تنفيذ تهديدات أمنية في العمق الإثيوبي.
وقد شهدت السياسة الخارجية الإثيوبية، منذ صعود آبي أحمد للسلطة في عام 2018، تحولًا ملحوظًا من كونها سياسة شديدة الانغلاق تركز بشكل أساسي على نقاط ضعف الدولة الإثيوبية، إلى تبني نهج أكثر توازنًا على الصعيد الخارجي بهدف إحباط التهديدات الخارجية واغتنام الفرص المشروعة لتعزيز النفوذ الإثيوبي في القرن الأفريقي، وهو ما تجلى في تنويع تحالفاته الدولية، خاصة عقب اندلاع الحرب الأهلية الأخيرة في شمال البلاد بهدف تعزيز صموده أمام الانتقادات الغربية والأمريكية خلال السنوات الثلاث الماضية.
أيضًا، تتبنى أديس أبابا سياسات إقليمية توسعية على حساب جيرانها بصورة جعلت بعض دول المنطقة هدفًا ووسيلة للتوسع الإقليمي خارج حدودها بحجج واعتبارات عديدة. وقد نجح آبي أحمد، خلال السنوات الأخيرة، في تعزيز موقعه في بيئة التحالفات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، حيث كثف علاقاته مع روسيا والصين، وهو حليف تقليدي للولايات المتحدة الأمريكية، وعزز علاقاته مع تركيا ودول الخليج العربي.
غالبًا ما ترتبط مساعي الهيمنة الإثيوبية في القرن الأفريقي بحاجة أديس أبابا إلى شراكة مع قوى خارجية، كشرط للعب دور إقليمي بارز، من أجل تحقيق أهداف سياستها الخارجية في المنطقة، ما يعني أن إثيوبيا تستفيد بدورها من السياق الدولي وتناقضاته، في محاولة لكسب الشرعية الدولية للقيام بدور القوة المهيمنة في المنطقة، لكنها لا تزال أسيرة الجغرافيا وغيرها من التحديات الداخلية التي تجعل من الصعب تسميتها قوة مهيمنة كاملة.