صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تحتل منطقة القرن الأفريقى أهمية قصوى فى أجندة السياسية الخارجية المصرية باعتبارها أحد الأبعاد الاستراتيجية لمنظومة الأمن القومى المصرى؛ حيث تتمتع المنطقة بموقع جيواستراتيجى بالغ الأهمية بالنسبة لممرات الملاحة الدولية فى جنوب البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، فضلا عن قربها من المحيط الهندى ومنطقة الخليج العربى عبر خليج عدن. كما يمكن النظر إلى الموقع الجغرافى لمنطقة القرن الأفريقى بنظرة أكثر اتساعا لتشمل السودان وجنوب السودان وكينيا وتنزانيا، الأمر الذى يجعل من منطقة الشرق الأفريقى ككل بؤرة اهتمام وتفاعل من قبل العديد من القوى الدولية والإقليمية على حد سواء.

 يمثل الموقع الاستراتيجى للقرن الأفريقى بالنسبة للتجارة العالمية أساس التفاعلات بين تلك القوى كونه معبرا رئيسيا لنقل النفط عبر الأسواق العالمية. أما بالنسبة لمصر فتشكل منطقة شرق أفريقيا -وفى القلب منها منطقة القرن الأفريقى- أساس الاهتمام المصرى فى أفريقيا خلال المرحلة الراهنة؛ كونها تمس بشكل مباشر المصالح المصرية الحيوية، خاصة ما يتعلق منها بقضية مياه نهر النيل وأزمة «سد النهضة» الإثيوبى وتأثيراتها على الأمن المائى لمصر مستقبلا، والأوضاع فى السودان فى ظل الحرب المستعرة بين قوات الدعم السريع والجيش الوطنى، وتأثيرات ظاهرة الإرهاب، إضافة إلى التنافس الإقليمى على إقامة قواعد بحرية على بعض سواحل البحر الأحمر ضمن منطقة القرن الأفريقى، الأمر الذى يجعل أجندة المصالح المصرية فى القرن الأفريقى متعددة الأبعاد ما بين مصالح سياسية وأخرى أمنية وثالثة اقتصادية.

وعلى مدار العامين الماضيين، سعت مصر جاهدة إلى بناء أطر تعاون إقليمية فى منطقة القرن الأفريقى بما يؤِّمن مصالحها هناك، ويدعم عملية الاستقرار الأمنى؛ وتجلى ذلك فى العديد من الاتفاقات الأمنية التى عقدتها مصر مع عدد من دول شرق أفريقيا والقرن الأفريقى، فضلا عن دعم الجيش الوطنى فى السودان عبر التنسيق الأمنى والعسكرى فى مواجهة ميليشيا الدعم السريع، كما كانت قضية حماية الحق التاريخى فى مياه نهر النيل ضمن أولويات سياسة مصر تجاه منطقة القرن الأفريقى التى أكدت القاهرة من خلالها على ثوابت الموقف المصرى، القاضى بضرورة التوصل إلى اتفاق شامل وملزم يضمن حقوق دولتى المصب مصر والسودان فى مياه النهر، إلى جانب مساعى مواجهة نفوذ القوى الإقليمية الأخرى فى منطقة القرن الأفريقى وشرق أفريقيا؛ إما عبر سياسة الاحتواء، أو عبر اكتساب مزيد من النفوذ فى بعض بلدان المنطقة من خلال نسج علاقات تعاون اقتصادية وأمنية مع بعضها.

لم تتوقف حدود إعادة تفعيل الدور المصرى فى أفريقيا على القرن الإفريقى فحسب، وإنما اتسع ليشمل دول حوض نهر النيل عبر عدة استراتيجيات، منها دعم قدرة الدولة الوطنية من خلال دعم مؤسساتها، واستخدام آلية الوساطة فى النزاعات الداخلية أو النزاعات البينية، والحرص على ديمومة آلية «دبلوماسية القمم» لدعم المصالح المتبادلة بين مصر، وغيرها من دول القرن الأفريقى. وقد عبرت القمة الثلاثية، التى جمعت مصر وإريتريا والصومال فى أسمرة (نوفمبر 2024)، عن ذلك كونها اتفقت على دعم الصومال ووحدة أراضيه، بالإضافة إلى تقديم المساعدات الاقتصادية، فضلا عن التعاون العسكرى الذى انعكس بوضوح فى توقيع بروتوكول التعاون الدفاعى مع الصومال فى أغسطس 2024، الأمر الذى أسهم فى خلق حالة من التوازن الاستراتيجى فى الأدوار الإقليمية فى منطقة الشرق الأفريقى ككل من ناحية، وعكس حرص مصر على تبادل المصالح مع دول المنطقة ودعم أمنها واستقرارها وتعزيز مبادئ التعاون الإقليمى فيما بينها من ناحية أخرى.

فى المقابل، تواجه المصالح المصرية فى منطقة القرن الأفريقى عدة تحديات تتمحور معظمها حول عدم ثبات التحالفات الإقليمية؛ حيث تؤثر حالة عدم الثبات سلبيا فى استقرار المصالح المتبادلة بين مصر ودول القرن الأفريقى فى ظل وجود المتغير الإثيوبى الذى تتعارض مصالحه مباشرة مع المصالح المصرية؛ سواء بسبب أزمة سد النهضة من ناحية، أو بسبب اتفاقات الدفاع العسكرى مع الصومال من ناحية أخرى.

اتساقًا مع هذه الرؤية، جاءت هذه الدراسة تحت عنوان «التوجه المصرى نحو منطقة القرن الأفريقى.. معادلة الاستقرار والأمن والتنمية» للدكتور أحمد عسكر -الباحث المشارك بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- لتلقى الضوء على المصالح المصرية فى منطقة القرن الأفريقى وأهميتها الجيواستراتيجية بالنسبة لمصر، وما تمثله من فرص سياسية وأمنية واقتصادية، فى ظل العديد من التحديات التى تؤثر بصورة أو بأخرى فى مسار التعاون بين مصر ودول المنطقة على مختلف الأصعدة. كما تقدم الدراسة مجموعة من التوصيات المهمة فى سبيل الدفع نحو تعزيز فرص التعاون، بشأن العلاقات المصرية مع دول القرن الأفريقى على المستويين الثنائى والجماعى من ناحية، وآليات مواجهة هذه التحديات من ناحية أخرى.