ظلت كينيا لسنوات طويلة توصف بكونها "واحة للاستقرار" و"قاطرة للاقتصاد" فى شرق أفريقيا مع إقرار دستورها مبادئ للحريات صورها كنموذج للديمقراطية، إلى أن جاءت انتخابات عام 2007 لترفع الغطاء عن أزمات متنوعة تعانى منها الدولة وتخرجها عن "حالة الاستثناء" التى ميزتها عن جيرانها فى الشرق الأفريقى، وتكشف عن أزمة متصاعدة للاندماج الوطنى عبرت عنها المواجهات الدامية بين الجماعات العرقية المكونة للدولة، ومجموعة من الإخفاقات والمشكلات الاقتصادية التى تتشارك فى جزء منها مع غيرها من الدول الأفريقية.
ومع قدرة الدولة على استعادة الاستقرار والعودة إلى حالة الهدوء النسبى واستعادة قدرتها على السير قدماً لتحقيق الاستقرار وما يتبعه من إنجازات بدعم من دستور عام 2010، جاءت أحداث الأربعاء الدامى فى 25 يونيو الجارى (2025) لتطرح العديد من التساؤلات عن مدى نجاح كينيا فى تحقيق طموحاتها من استقرار داخلى وقيادة إقليمية فى مواجهة طموحات جيرانها وفى مقدمتهم إثيوبيا، خاصة أن العديد من المنظمات الدولية فى أفريقيا تتخذ من عاصمتها مقراً لها، كما أنها من أبرز حلفاء الولايات المتحدة الامريكية فى أفريقيا، حيث تستضيف على أراضيها قاعدة أمريكية، كما أعلنت واشنطن فى مايو 2024 عزمها منح كينيا صفة "حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)" لتكون أول دولة أفريقية من جنوب الصحراء تنال هذا التصنيف، وبما يؤهلها للحصول على مزيد من المساعدات، هذا فضلاً عن توقيع الجانبين في سبتمبر 2023 على اتفاقية تعاون دفاعي مدتها 5 سنوات تستهدف إحلال السلام والأمن الإقليميين.
وللوصول إلى تفسيرات لما تشهده كينيا من احتجاجات على مدار عامى 2024، 2025، تقابل باستخدام مفرط للقوة من قبل الشرطة الكينية، وإخفاق حكومة الرئيس وليام روتو فى معالجة أسبابها، يسعى المقال الحالى إلى البحث عن تفسيرات لهذه الأحداث عبر المحاور التالية.
تطورات الأحداث الأخيرة
خرج آلاف الكينيين إلى الشوارع في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء 25 يونيو لتأبين أكثر من 60 شخصاً لقوا حتفهم خلال احتجاجات العام الماضي، والتي بلغت ذروتها في 25 يونيو 2024 باقتحام البرلمان. وعلى إثر احتجاجات الأربعاء، قتل ما لا يقل عن عشرة من الضحايا بالرصاص، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 400 آخرين، من بينهم متظاهرون وضباط شرطة وصحفيون، واعتقال 61 شخصاً على الأقل، وشملت الاشتباكات ما يقرب من 24 مقاطعة فى مقدمتها نيروبى ومومباسا الساحلية وكيتينجيلا وكيسي وماتو ونييري. كما شوهدت حشود غفيرة في وقت سابق تتجه نحو قصر الرئاسة، في مشاهد بثتها قناة NTV الكينية قبل أن تُقطع هي وقناة أخرى KTN عن البث بعد تحديهما أمراً بوقف البث المباشر للمظاهرات. فقد حظرت الحكومة التغطية التلفزيونية والإذاعية المباشرة للاحتجاجات، لكن المحكمة العليا في العاصمة نيروبي ألغت قرارها، واستأنفت القناتان البث في وقت لاحق من يوم الأربعاء بعد أن علّقت محكمة في نيروبي الأمر الصادر عن هيئة الاتصالات الكينية[1].
الأسباب الاقتصادية لاحتجاجات الشباب
قبل أحداث عام 2007 كانت المنظمات الدولية والعديد من الدول تنظر إلى كينيا باعتبارها واحة الاستقرار وقاطرة اقتصاد إقليم شرق أفريقيا، إلا أن أحداث 2007 أدت إلى خلخلة هذه الرؤية الطموحة.
وعلى الرغم من تصنيف اقتصاد كينيا باعتباره أكبر اقتصاد فى إقليم شرق أفريقيا، ويمثل الشباب تحت سن 35، نحو 80% من السكان، إلا أن المشكلات الاقتصادية لم تترك هذا الاقتصاد يسير دون عوائق، فخلال شهر مايو عام 2025 أعلن البنك الدولى عن خفض توقعاته لنمو كينيا لهذا العام بنصف نقطة مئوية عن توقعاته الأوّلية إلى 4.5%، مشيراً إلى ارتفاع مستويات الدين، وارتفاع أسعار الفائدة على الإقراض، وتراجع ائتمان القطاع الخاص، هذا على الرغم من تسجيل الاقتصاد الكينى معدلات نمو سنوية قوية، لكن ارتفاع الدين العام، ومدفوعات السداد، والتفاوتات الاقتصادية، وتساؤلات حول الحوكمة، حدّت من أدائها.
فقد أشار تقرير "تحديث الاقتصاد الكينى" الذى يصدره البنك الدولى إلى أن الاقتراض المحلي، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة على الإقراض، يُهددان بإقصاء القطاع الخاص، كما أن الحكومة استخدمت السوق المحلية لتمويل ميزانيتها بسبب انخفاض التمويل من مصادر خارجية، في حين قوّضت الفواتير غير المسددة ونقص عائدات الضرائب جهودها الرامية إلى ضبط أوضاع المالية العامة[2].
وكانت السلطات الكينية قد نججت في الحفاظ على استقرار التضخم وأسعار صرف العملات الأجنبية منذ العام الماضي، مما سمح لصانعي السياسات ببدء تخفيف القيود، لكن أسعار الفائدة الحقيقية على الإقراض لم تُتبع، وأدى ذلك إلى انخفاض في نمو الائتمان، مما أثر على قطاعات مثل التصنيع والتمويل والتعدين، ويعزى ذلك جزئياً إلى انخفاض الطلب. وذكر التقرير أن القروض المتعثرة زادت أيضاً، لا سيما بين صغار المُقرضين التجاريين، مما فاقم الوضع.
وأفاد البنك الدولي في التقرير أن نمو ائتمان القطاع الخاص بلغ -1.4% في ديسمبر 2024، مقارنةً بنمو قدره 13.9% في العام السابق. وتواجه كينيا أيضاً مخاطر ناجمة عن ديونها، التي تُمثل 65.5% من الناتج المحلي الإجمالي، نظراً لتصنيف البلاد على أنها معرضة لخطر ضائقة مالية شديدة.
وعلى الرغم من فترات النمو الاقتصادي القوي العديدة، لم تخفف المعالجات الاقتصادية منذ ثمانينيات القرن الماضي من حدة عدم المساواة بين السكان. ففي عهد الرئيس أوهورو كينياتا (2013-2022)، لم يكن هناك تخطيط اقتصادي شامل لمعالجة عدم المساواة الاقتصادية. إذ يتجاوز عدم المساواة في الدخل في كينيا المتوسط العالمي بقليل، حيث يبلغ معدل الفقر 36.1%، في حين أن أكثر من 80% من السكان دون سن 35 عاماً، حيث ترتفع نسبة البطالة الديموغرافية في هذه الفئة العمرية.
واندلعت مواجهات فى يونيو 2024 بسبب ضرائب جديدة على البنزين والإسكان والسلع والخدمات، والتي أثرت سلباً على الفقراء. وقد كان من الصعب على الرئيس روتو تقبّل هذا، حيث انتُخب بناءً على برنامج يُطلق عليه "أجندة التحول الاقتصادي من القاعدة إلى القمة"، والمعروفة أيضاً باسم أجندة "المتحايل على الظروف hustler" - أي الشخص العادي الذي يعمل بجد لكسب عيشه-. ولم تكن جهوده لتعزيز الإنتاج الزراعي وتمويل المشاريع الصغيرة كافية لإقناع الشارع. ووعد روتو بنمو شامل، لكنه وجد صعوبة في تحقيقه في ظل ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وارتفاع مستويات الدين العام الموروثة، لا سيما منذ عهد الرئيس أوهورو كينياتا، واقتصاد غير رسمي ضخم يحد من عائدات الضرائب. كما أن سعيه إلى معالجة فساد الدولة المتجذر منذ زمن طويل لم يُجدي نفعاً.
ومع ذلك، لا يقع اللوم على روتو وحده. فموقع كينيا في الاقتصاد السياسي الدولي لا يتركها - كمعظم الدول الأفريقية - إلا بخيارات محدودة لتحقيق ازدهار مستدام. وتُشكل خدمة الدين حوالي نصف الإيرادات السنوية للحكومة. فكينيا معرضة بشكل خاص لآثار تغير المناخ؛ ويعتمد اقتصادها بشكل كبير على الزراعة والسياحة، وهما ليسا من نقاط القوة من منظور اقتصادي عالمي[3].
وفى أعقاب الانتخابات العامة التي جرت عام 2022 زاد الاستياء من حكومة الرئيس روتو فى ظل الصعوبات الاقتصادية، وعجز الحكومة الملحوظ عن معالجة هذه الصعوبات بفعالية مما أدى إلى تأجيج الاحتجاجات والاضطرابات المدنية، حيث استغلت شخصيات المعارضة الوضع لحشد مؤيديها لرفض التدابير الضريبية الجديدة التي طُرحت في عام 2023 في البداية، مما أدى في النهاية إلى "تسوية سياسية" بين الخصمين السياسيين الرئيسيين.
وفي مايو 2024، قدمت حكومة كينيا مشروع قانون المالية 2024، أثار نقاشاً عاماً واسع النطاق واستياءً من تعامل الحكومة مع القضايا الاقتصادية والبطالة والفساد، وطرح تساؤلات عامة لدى شريحة كبيرة من السكان ذوي الدخل المنخفض حول المساءلة والشفافية والبذخ الذي أظهرته الشخصيات السياسية البارزة، واتسمت الفترة التي أعقبت تقديم مشروع قانون المالية 2024 باضطرابات مدنية واسعة النطاق، مدعومة بمظالم سياسية واقتصادية متجذرة. وقد كشفت هذه الفترة من الاضطرابات المدنية عن انقسامات راسخة في النسيج السياسي والاجتماعي للبلاد، مما أثار مخاوف بشأن الاستقرار السياسي للبلاد.
وخرج آلاف المتظاهرين، وغالبيتهم من الشباب، والذين يُعرّفون أنفسهم بجيل زد، إلى الشوارع في البداية للاعتراض على مشروع قانون المالية 2024 المثير للجدل، ثم وسّعوا نطاق مطالبهم لمطالبة الحكومة بمعالجة عدم المساواة والفساد وسياسات النخبة. كما كان اقتحام الجمعية الوطنية في نيروبي في 25 يونيو 2024 ذروة الغضب الشعبي، حيث أحرق المتظاهرون سيارات أمام المحكمة العليا وأضرموا النار في مكتب حاكم مقاطعة نيروبي.
أزمة سياسية
لم تكن الاضطرابات التى شهدتها كينيا خلال عام 2024 وتجددت فى الأيام الأخيرة وليدة مشكلات لحظية ولكنها جاءت كردود فعل على تراكمات من المشكلات المرتبطة بأزمة سياسية تعيشها البلاد منذ انتخاب وليام روتو رئيساً فى عام 2022، فوفقاً للدستور يُنتخب الرئيس ونائبه، اللذان يحق لهما شغل المنصب لفترتين كحد أقصى، مدة كل منهما خمس سنوات، مباشرةً بأغلبية الأصوات، ويشترط فوزهما بنسبة 25% من الأصوات في نصف مقاطعات كينيا الـ 47 على الأقل.
وعلى الرغم من توقعات استطلاعات الرأي بفوز زعيم المعارضة المخضرم رايلا أودينجا، الذي أيده الرئيس السابق أوهورو كينياتا، انتُخب نائب الرئيس آنذاك ويليام روتو رئيساً في عام 2022 بنسبة 50.49٪ من الأصوات، متجنباً بذلك جولة إعادة بفارق ضئيل. ففي انتخابات أغسطس 2022، حقق ائتلاف كينيا واحدة "كينيا كوانزا" بقيادة روتو أفضلية بمقعد واحد في مجلس الشيوخ، بينما فاز تحالف "أزيميو لا أوموجا" أو قرار الوحدة بقيادة أودينجا بفارق مقعد واحد في الجمعية الوطنية. ورغم أن النتائج كانت مدعومة بفرز الأصوات بالتوازي، إلا أن أودينجا وأنصاره رفعوا دعوى قضائية إلى المحكمة العليا بعد الانتخابات بوقت قصير مطالبين بإلغاء النتائج، زاعمين أن أجانب حصلوا على وصول غير مصرح به إلى النظام الرقمي للجنة الانتخابات المستقلة، وأن نماذج النتائج قد تم تعديلها. وفي النهاية، رفضت المحكمة العليا ادعاءات مقدمي الالتماسات وأيدت نتائج الانتخابات بالإجماع.
وُصفت هذه الانتخابات على نطاق واسع بأنها الأكثر شفافية وتقدماً من الناحية التكنولوجية في كينيا حتى الآن. فقد استخدمت اللجنة أدوات تحديد هوية الناخبين البيومترية، وحمّلت نماذج النتائج على بوابة إلكترونية عامة، حيث تم تحميل أكثر من 90٪ منها في غضون يوم واحد من الانتخابات.
ومع ذلك، وردت تقارير عن مخالفات وحالات ترهيب وعنف، بما في ذلك اختطاف وقتل مسئول انتخابي. وأفاد شباب في بعض المناطق بتوظيفهم لعرقلة حملات المرشحين المنافسين. وتأخر تسجيل الناخبين الشباب، وأبلغت بعض مراكز الاقتراع عن مشاكل في أدوات تحديد هوية الناخبين البيومترية واستخدام غير صحيح لسجل النسخ الاحتياطي اليدوي، هذا فضلاً عن الخلافات داخل اللجنة المستقلة للانتخابات The IEBC. وفي أكتوبر 2023، دعا تحالف أزيميو لا أوموجا أو قرار الوحدة (Azimio la Umoja) إلى تدقيق الانتخابات، وهو ما أيدته عدة منظمات غير حكومية، بينما عارضه تحالف كينيا كوانزا أو كينيا أولاً (Kenya Kwanza).
وفي يوليو2023، اتفق أزيميو لا أوموجا والائتلاف الحاكم، كينيا كوانزا، على إنشاء لجنة الحوار الوطني (NADCO) لمعالجة القضايا الدستورية، وشواغل غلاء المعيشة، وتمثيل المرأة في السياسة، من بين أمور أخرى. وفي نوفمبر2023، قدمت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في كينيا (NADCO) توصياتها، بما في ذلك مراجعة الانتخابات الرئاسية لعام 2022 وإعادة تشكيل لجنة اختيار اللجنة المستقلة للانتخابات والحدود (IEBC).
إلا أن المنافسة بين التحالفين: التحالف الحاكم الذى يقوده الرئيس روتو، وتحالف منافسه رايلا أودينجا ظلا يؤثران على حالة الاستقرار فى البلاد خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.
الأبعاد العرقية كمُحرِّك للاضطرابات
لا تزال العرقية هي المبدأ التنظيمي الأبرز في السياسة الكينية، وعلى الرغم من كون الانتماءات العرقية لم تكن مؤثرة فى السياسة الكينية منذ استقلال الدولة فى عام 1963، إلا أن أحداث انتخابات 2007 أظهرت التأثيرات الخطيرة للانتماءات العرقية على الاستقرار والنظام السياسى فى كينيا واستمرت هذه التأثيرات على الرغم من الجهود التى تبذلها القوى السياسية المختلفة للتخفيف منها، فقد هيمنت مجموعتان عرقيتان - الكيكويو والكالنجين - على الرئاسة منذ الاستقلال. وقد أدى دستور عام 2010، الذي كان يهدف إلى تقليص دور العرقية في الانتخابات، بالإضافة إلى اللامركزية المالية والسياسية، التي طُبقت عام 2013، إلى زيادة التنافس العرقي الداخلي على مستوى المقاطعات. ومع ذلك، لا يزال تسييس العرقية على المستوى الوطني يعيق التمثيل الفعال لمختلف شرائح سكان كينيا المتنوعين، ويحد من خيارات الناخبين، ويعرقل إجراء نقاشات سياسية هادفة. وبينما لعب العرق دوراً أقل بروزاً في الانتخابات الرئاسية لعام 2022 - حيث ركزت حملة روتو على القضايا الاقتصادية، وصوّت الناخبون في معاقل الكيكويو لصالح الكالنجين روتو على حساب أودينجا، المرشح المدعوم من الكيكويو - ربما يكون انعدام الثقة السياسي طويل الأمد بين الكيكويو وجماعة لوو العرقية، التي ينتمي إليها أودينجا، قد ساهم في خسارته.
كما أن اشتراط حصول جميع الناخبين على بطاقة هوية وطنية يعيق الفئات المهمشة تاريخياً من الوصول إلى العملية السياسية بشكل أكبر، وخاصةً ما يقرب من سبعة ملايين من الرعاة من منطقة الوادي المتصدع الأعلى والمقاطعة الشمالية الشرقية. وهناك عوائق ضمنية كبيرة أمام مشاركة غير المسيحيين في السياسة الوطنية. وكان الصوماليون الكينيون، وخاصةً في منطقة إيستلي بنيروبي وفي المناطق الساحلية والشمالية الشرقية، هدفاً لحملات قمع حكومية بدعوى مكافحة حركة الشباب المسلحة، وهم ممثلون تمثيلاً ناقصاً سياسياً. كما أن الأشخاص ذوي الإعاقة ممثلون تمثيلاً ناقصاً في المناصب المنتخبة، على الرغم من الحصص المخصصة لضمان إدماجهم[4].
ويرى العديد من المحللين أن الكينيين يختارون ولاءاتهم السياسية بناءً على انتمائهم العرقي، على الرغم من أن انتخابات عام 2022 أظهرت عكس ذلك. وفي غياب بيانات تُثبت بشكل قاطع أوجه عدم المساواة بين المجموعات العرقية، تستخدم بيانات حول أوجه عدم المساواة بين المناطق. وغالباً ما يُخلط بين المنطقة والعرق، بحيث أصبح مصطلح "الشمال والشمال الشرقي" اختصاراً للصوماليين العرقيين، والبورانا، والجابرا، والتركانا، والسامبورو، وغيرها من المجموعات الرعوية الأصغر، بينما ارتبط مصطلح "الغرب" باللوو. وتفسر البيانات الإقليمية على نطاق واسع على أنها دليل على عدم المساواة العرقية.
وفي عام 2010، صوّت الكينيون على دستور جديد يُلغي مركزية الحكومة ويُنشئ 47 مقاطعة. وقبل عام 2010، كانت السلطة مركزية بالكامل في يد الرئاسة، مع استقلالية محدودة للمستويات الحكومية الأدنى أو حتى للبرلمان. وكان الهدف من تفويض الصلاحيات الذي أحدثه الدستور الجديد هو التخفيف من حدة هذا الوضع، وما تلاه من توترات سياسية. فأصبحت السلطة متاحة الآن على مستويات محلية (المقاطعات)، مما يُخفف من حدة التوتر السياسي ومن حدة المنافسة العرقية التي اتسمت بها الانتخابات الرئاسية.
كما نقل الدستور الجديد مسئولية التخطيط الاقتصادي وإدارة الموارد إلى المقاطعات، لتحقيق المساواة في التنمية بين المناطق. وقد أدى هذا إلى شعور العديد من الكينيين المتضررين بأنهم مُدمجون في الاقتصاد لأول مرة، وقادرون على المشاركة في صنع القرار الاقتصادي والاستفادة منه على المستوى المحلي (المقاطعات). وغالباً ما يُنظر إلى هذا الشكل الجديد من النفوذ ويُختبر على أنه تأثير عرقي.
ومع ذلك، فقد أدى هذا إلى بروز مشكلة "الأقليات داخل الأقليات" minorities within minorities، وهي جماعات عرقية أصغر من أن تسيطر على مقاطعة. وبالنسبة لهذه الجماعات، يتضمن الدستور صندوقاً للمساواة، وهو شكل من أشكال التمييز الإيجابي في جزء مخصص من الميزانية الوطنية لتحسين تقديم الخدمات الأساسية في المناطق الأكثر تهميشاً. ويحمل هذا الصندوق بعض الأمل في معالجة أسوأ تجاوزات عدم المساواة، إلا أنه لم يُصرف بعد بشكل كبير بسبب الخلافات السياسية. ويُخصص الصندوق أساساً حسب المنطقة، وليس حسب المجموعة، باستخدام بيانات التعداد السكاني، بما يعني أن استهداف جماعات عرقية معينة هو أمر عرضي، باستثناء أربع "جماعات عرقية مهمشة بشكل خاص".
خاتمة
تُلقى الاحتجاجات الأخيرة فى كينيا الضوء على العديد من المشكلات التى تعانى منها الدولة التى تسعى لتكون نموذجاً "استثنائياً" فى أفريقيا، فتقدم نفسها كواحة للديمقراطية والحريات وكذلك كحليف للغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والداعمة لإسرائيل التى تتغلغل باستثماراتها فى كل قطاعاتها. وعلى الرغم من وجود انقسامات فى الراى العام الداخلى حول هذا الدعم وكذلك استياء العديد من الدول الأفريقية، استمرت كينيا فى دعم الإبادة الجماعية التى تمارسها إسرائيل فى قطاع غزة، ليتوازى موقفها مع مواقف العديد من الدول الأوروبية[5].
وعلى الرغم من أن احتجاجات العام الماضي قد تلاشت بعد أن سحب الرئيس ويليام روتو مقترحات زيادة الضرائب، إلا أن الغضب العام لا يزال قائماً بسبب استخدام الشرطة القوة المفرطة فى مواجهة احتجاجات الشباب بل ووصفها تحركات الشباب بأنها "انقلاب مدبر" على الحكم، فضلاً عن قتلها المدون والمعلم ألبرت أوجوانج البالغ من العمر 31 عاماً أثناء احتجازه لدى الشرطة، حيث وُجهت تهمة القتل إلى ستة أشخاص، بينهم ثلاثة ضباط شرطة، في 24 يونيو 2025.
وقد أصبحت وفاة أوجوانج بمثابة صاعقة للكينيين الذين ما زالوا ينعون ضحايا مظاهرات العام الماضي. وأمام هذه التحديات، لا يجب أن تقتصر معالجة حكومة الرئيس روتو على ملف الضرائب فقط بل هناك ملفات اقتصادية عديدة تهم قطاعات السكان الفقيرة التى يمثل الشباب 80% منها.
وأخيراً، لا يجب أن تعتبر كينيا تحالفها مع الغرب واسرائيل يكفى لتحقيق الاستقرار الداخلى، فمع تطور الأحداث قد تواجه انتقادات وتنديداً من هؤلاء الحلفاء، حيث تتغير المصالح مع مرور الوقت وفقاً لمقاربة التحالفات غير المستقرة.
[1] Edwin Okoth, Humphrey Malalo and Vincent Mumo, Sixteen deaths recorded in Kenya protests, most killed by police, Amnesty Kenya says, June 26, 2025, https://www.reuters.com/world/africa/kenyans-brace-protests-one-year-after-storming-parliament-2025-06-25/
[2] Duncan Miriri, World Bank cuts Kenya's 2025 growth forecast as private sector squeezed, May 27, 2025, https://www.reuters.com/world/africa/world-bank-cuts-kenyas-2025-growth-forecast-private-sector-squeezed-2025-05-27/
[3] Dr Sam Balaton-Chrimes, Ethnicity and Economic Inequality in Kenya, 11 Aug 2023, https://www.internationalaffairs.org.au/australianoutlook/ethnicity-and-economic-inequality-in-kenya/
[4] https://freedomhouse.org/country/kenya/freedom-world/2024
[5] Andrew Wasike , 1 year of Gaza genocide: Will Kenya change tack on supporting Israel? Kenya has been among Israel’s strongest supporters despite its devastating war on Palestinians, October 7, 2024 , https://www.aa.com.tr/en/1-year-of-gaza-genocide/1-year-of-gaza-genocide-will-kenya-change-tack-on-supporting-israel/3353524