في خضم التصاعد المُتسارع والمستمر للضربات والعمليات العسكرية المُتبادلة بين إسرائيل وإيران منذ يوم 13 يونيو 2025، ومع انخراط الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر فيها صباح يوم 22 يونيو بشن هجمة عسكرية موجهة ضد ثلاث منشآت نووية إيرانية في كل من فوردو ونطنز وأصفهان، ثم الوصول إلى اتفاق هش لوقف إطلاق النار لم ينه أسباب الصراع بين هذه الأطراف؛ تجد تركيا نفسها أمام واقع إقليمي جيوسياسي مُحتدم وشديد التعقيد، تتقاطع فيه الحسابات الأمنية والسياسية والاقتصادية والإنسانية جميعها معًا. إذ تعد تركيا أحد أبرز الأطراف المعنية بتبعات هذه الحرب، ليس فقط بحكم تماس حدودها الشرقية مع إيران، إنما أيضًا كونها مرتبطة إقليميًا ودوليًا بشبكة من المصالح والتحديات الأوسع نطاقًا.
فمن جانبها، تدرك تركيا أن أي تمادي في التصعيد العسكري أو تجاوز للخطوط الحمراء خلال هذه الحرب سواء من أطرافها المباشرة (إسرائيل وإيران) أو من أي أطراف خارجية أخرى، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، بما قد يؤدي إلى الإضرار بأمنها القومي واستقرارها الداخلي -على الأرجح- سيجرها إلى الانزلاق نحو مواجهة عسكرية مفتوحة مع أطراف الأزمة. إذ جاء موقف وزارة الخارجية التركية عقب الهجوم الأمريكي مُحذرًا من امتداد وتفاقم الصراع الإقليمي - الذي بدأته إسرائيل بالفعل بعدوانها على المنطقة - إلى مستوى عالمي.
ويمكن القول إن نص ما نشره الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عبر حسابه الشخصي على منصة "اكس" يوم 13 يونيو، قد عبر عن الموقف الرسمي للدولة التركية وعن الرؤية الأولية للعدوان الإسرائيلي على إيران، إذ تضمنت كلمته ثلاث رسائل أساسية:
الأولى، إدانة العدوان الإسرائيلي على إيران ووصفه بالأعمال الاستفزازية والشنيعة التي تتجاهل كافة المواثيق والأعراف الدولية، والتي تسعى الأولى من خلالها لإغراق منطقة الشرق الأوسط بالدماء، وهو الأمر الذي من شأنه إحداث كارثة أمنية وإنسانية ستمتد آثارها وتداعياتها مُتجاوزة الإقليم لتشمل العالم بأسره.
الثانية، دعوة المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لاحتواء التصعيد، والوقوف أمام هجمات نتنياهو وشبكته الإجرامية التي تُشعل المنطقة بأكملها. الثالثة، تسليط الضوء على تضمين العامل الجيواستراتيجي في رؤية بلاده لتطورات وتحديات الحرب الراهنة وارتداداتها على الأمن القومي التركي بصورة خاصة، وذلك من خلال تكرار كلمة "جارتنا إيران" مرتين في كلمته، في إشارة واضحة إلى التقارب الجغرافي والتماس الحدودي بين الدولتين.
مسار مزدوج
منذ الساعات الأولى من تصاعد الهجمات العسكرية بين إسرائيل وإيران، تبنت تركيا مسارًا مزدوجًا جمع بين الإجراءات الاستباقية الرادعة، وبين الدبلوماسية النشطة لاحتواء الأزمة والعمل دون توسع نطاقها العسكري، أو انخراط أطراف أخرى إقليمية أو دولية بها.
على صعيد الإجراءات الاستباقية، وفور بدء التصعيد العسكري بين الجانبين تبنت البلاد مسارًا وقائيًا أعلنت خلاله حالة التأهب الأمني القصوى، واستضافت وزارة الخارجية في أنقرة اجتماعًا رباعيًا ضم وزيري الخارجية والدفاع، إضافة إلى كل من رئيس الأركان، ورئيس جهاز الاستخبارات، دام قرابة 4 ساعات لبحث تطورات الأزمة وأبرز سيناريوهاتها، وارتداداتها سواء على مستوى الداخل التركي، أو على مستوى أجندة السياسة الخارجية التركية خلال المرحلة القادمة.
هذا، كما صرح وزير الخارجية، هاكان فيدان، عقب الاجتماع بأن بلاده اتخذت كافة الاحتياطات اللازمة لمواجهة جميع السيناريوهات، وأعلنت وزارة الدفاع تبنيها استعدادات وقائية عبر تشغيل طائرات الإنذار المبكر من طراز "أواكس"، فضلاً عن طائرات الدرونز وأنظمة المراقبة الأوتوماتيكية، ومنظومة الرادارات المتصلة برادار "الناتو" في منطقة "كوريجيك" بولاية ملاطية شرق البلاد، وذلك بهدف مراقبة وتأمين المجال الجوي التركي عبر رصد وتحليل مسار الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، وتتبع أي تحركات جوية غير طبيعية على حدود البلاد، لاسيما مع اختراق طائرات إسرائيلية للمجال الجوي التركي في الليلة الأولى من الاعتداء الإسرائيلي على إيران.
وفي إطار هذا الشأن، أعلن أردوغان في كلمته أمام الكتلة النيابية لـ"حزب العدالة والتنمية" بمقر البرلمان التركي، يوم 18 يونيو، أن بلاده تدخل مرحلة جديدة في مجال التصنيع الدفاعي لا يتجرأ أحد على تحديها، وأنه أصدر توجيهات بتوسيع إنتاج الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، فضلاً عن إجراء تحسينات في المدى والقدرة الإنتاجية لصاروخ "تايفون" في إطار برنامج تطوير الصواريخ الباليستية، وذلك بهدف تسريع وتيرة تعزيز قدرات تركيا الدفاعية المحلية، وترسيخ مكانتها كقوة عسكرية إقليمية بما يُشكل عامل ردع حقيقيًا في مواجهة أي تهديدات خارجية، إذ صرح أردوغان قائلاً: "سنرفع من مستوى الردع إلى درجة تجعلهم لا يهاجموننا فحسب، بل لا يجرؤون حتى على التفكير في ذلك"[1].
يأتي هذا المسار الوقائي في ضوء استعداد تركيا لسيناريو إمكانية دخولها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، إذ أكد دولت بهجلي، رئيس حزب "الحركة القومية" وحليف أردوغان، أن التصدي لإسرائيل يعد مسئولية تاريخية تُمليها ضرورات الأمن القومي التركي، مُشيرًا إلى أن الوقت حان لاستخدام القوة لردع إسرائيل، خاصة أنه يرى العدوان الإسرائيلي على إيران بمثابة "رسالة خبيثة" موجهة إلى تركيا، وأن الهدف النهائي لإسرائيل في المنطقة هو تركيا. فقد سبق وحذر كل من أردوغان وبهجلي في أعقاب اتساع دائرة العدوان الإسرائيلي من أن الأخيرة تضع الأراضي التركية نصب عينيها بعد فلسطين ولبنان، وأن الهدف النهائي هو الأناضول. ولعل أبرز ما يُثير هذه الرؤية في الوقت الراهن هي تصريحات نتنياهو أمام الكنيست خلال زيارة الرئيس الأرجنتيني إلى إسرائيل، التي أعلن صراحة خلالها بأن الإمبراطورية العثمانية لن تعود على الإطلاق[2]، في إشارة مُبطنة إلى رفض التطلعات الإقليمية التركية، خاصة في ظل صعودها الإقليمي على الساحة السورية عقب سقوط نظام الأسد.
أما على صعيد المسار الدبلوماسي، فقد تمثلت أبرز إجراءات الإدارة التركية في سلسلة الاتصالات الهاتفية التي أجراها أردوغان مع عدد من القادة العرب في المنطقة لبحث فرص ومسارات احتواء التصعيد، بما يحول دون توسع دائرة المواجهة العسكرية بين الجانبين، إضافة إلى تواصله مع كل من نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، والأمريكي، دونالد ترامب، وكذلك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لبحث مدى إمكانية استئناف المفاوضات النووية بوساطة تركية - روسية، مؤكدًا أن استئناف المفاوضات النووية هي السبيل الوحيد لوقف الحرب.
هذا، كما تزامنت تطورات الأحداث مع انعقاد الدورة 51 لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة "التعاون الإسلامي" برئاسة وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، وبحضور وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في إسطنبول يوم 21 يونيو 2025، والتي أكد خلالها أردوغان على حق إيران المشروع في الدفاع عن نفسها، وعلى ضرورة اتخاذ خطوات فورية نحو الدبلوماسية لوقف التصعيد العسكري بين الجانبين، مُشيرًا إلى أن بلاده مستعدة للعمل على تسهيل الحوار، وداعيًا إلى وضع حد فوري لـ"التدمير المُمنهج" الذي تقوم به إسرائيل في المنطقة.
التحديات المُرتقبة
يظل نجاح تركيا في الدفع نحو المسار الدبلوماسي لاحتواء الأزمة – التي ما زالت قائمة حتى بعد الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 24 يونيو الجاري - مرهونًا بتطورات المسرح العملياتي بين إسرائيل وإيران، وكذلك بأجندة الأهداف الأمريكية والإسرائيلية من هذه الحرب، ومدى تجاوزها لمسألة التفاوض حول وقف أو تعطيل البرنامج النووي، إلى تفكيك النظام الإيراني، وهو الوضع الذي قد يحمل في طياته عددًا من التحديات المُرتقبة بالنسبة لتركيا، على النحو التالي:
1- استهداف المصالح الأمريكية في تركيا: فضلاً عن الموقف المؤيد والداعم -سياسيًا وعسكريًا- الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية من العدوان الإسرائيلي ضد إيران، جاءت الضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة ضد المنشآت النووية الإيرانية، والتي تجاوزت خلالها الخطوط الحمراء التي كانت قد وضعتها إيران، بمثابة دافع ومبرر شرعي للأخيرة أمام المجتمع الدولي لتبني كافة الخيارات العسكرية للرد والدفاع عن سيادتها، حيث أعلن مستشار المرشد الأعلى الإيراني، علي أكبر ولايتي، في تصريح نقلته وكالة "إرنا" للأنباء عقب الهجمة الأمريكية، أن أي دولة في المنطقة أو خارجها تستغلها أو توظفها القوات الأميركية لضرب إيران، سيتم اعتبارها هدفًا مشروعًا للقوات المسلحة الإيرانية، الأمر الذي مثل تهديدًا صريحًا لأمن واستقرار عدد من دول منطقة الشرق الأوسط، ومن بينها تركيا.
إذ تضم تركيا واحدة من بين أكبر وأهم القواعد الأمريكية العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وهي القاعدة الجوية "إنجرليك" الواقعة قرب مدينة "أضنة" جنوب البلاد، حيث تتمركز فيها وحدات من القوة الجوية الأمريكية، إلى جانب الآلاف من الجنود من الأمريكيين والأوروبيين التابعين لقوات حلف "الناتو"[3]. ضف إلى ذلك، وجود عدد من القواعد العسكرية والرادارية الأخرى التابعة لحلف "الناتو"، من أبرزها القاعدة الرادارية في منطقة "كوريجيك" بولاية ملاطية التركية، التي تتهمها إيران بتسريب معلومات حول المجال الجوي الإيراني إلى إسرائيل، خاصة أنها تعمل على رصد وتتبع انطلاق التهديدات الصاروخية الباليستية -قصيرة ومتوسطة المدى- في منطقة الشرق الأوسط، وبذلك فهي تلعب دورًا مركزيًا في مراقبة المجال الجوي الإيراني ضمن منظومة الإنذار المبكر التابعة للحلف.
وعلى الرغم من دحض مركز مكافحة المعلومات المُضللة التابع لرئاسة الجمهورية التركية لتلك التهم، مُؤكدًا أن البيانات التي تجمعها القاعدة الرادارية يتم تبادلها حصريًا مع دول الحلف[4]، إلا أن ذلك لا ينفي إمكانية شروع واشنطن في مشاركة تلك البيانات مع إسرائيل استنادًا إلى الاتفاقيات العسكرية القائمة بين الجانبين، وبالتالي اعتبار وجود هذه القاعدة على الأراضي التركية، بمثابة تهديد واختراق مباشر لأمن وسرية بيانات المجال الجوي الإيراني، وبالتالي عامل مؤثر في كفاءة وفاعلية العمليات العسكرية الإيرانية الموجهة ضد إسرائيل.
2- تصاعد التهديدات الأمنية عبر الحدود: تمتد المخاوف التركية إلى إمكانية حدوث انفلات وفوضى أمنية على الشريط الحدودي مع إيران، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تسلل مجموعات وعناصر الجريمة المنظمة إلى الداخل التركي، فضلاً عن فرص تسلل العناصر الكردية المسلحة التي تنشط في مناطق حدودية متقاطعة بين إيران وتركيا والعراق، مُستغلة الأوضاع الأمنية الهشة في إنشاء ممرات لتهريب الأسلحة والبشر إلى تركيا.
إذ يمكن القول أن ملف حزب العمال الكردستاني (PKK) قد تعود تهديداته الأمنية إلى الواجهة بالنسبة لتركيا، خاصة في ظل الدعم الإسرائيلي والأمريكي المباشر للأكراد، وإمكانية استغلال القوات الكردية المسلحة في أي مواجهة مستقبلية مع تركيا، لاسيما على الأراضي السورية من خلال قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي لا تزال تتهمها تركيا بتعطيل عملية تسليم المعابر والمناطق الحدودية الحيوية، وكذلك البنية التحتية النفطية، فضلاً عن استمرار تواجدها في مناطق نفوذها التقليدية إلى جانب الجيش السوري تحت ستار الاندماج الرسمي، ما قد يُمكنها من المناورة والمُماطلة في تنفيذ مطالب تركيا بشأن ضرورة تفكيك ترسانتها الحربية ونزع سلاح مقاتليها ونقلهم إلى مناطق أخرى في سوريا، بعيدًا عن الحدود التركية. بالتالي، من المُتوقع أن يستمر توظيف ملف الأكراد كورقة ضغط رئيسية على تركيا، بما يحول دون التنفيذ الكامل لدعوة عبد الله أوجلان بشأن حل الحزب وتفكيك كافة أجنحته العسكرية.
3- تدفق موجات اللجوء الجماعية إلى تركيا: من بين أبرز التحديات التي سبق أن عانت منها تركيا، وتم توظيفها في العديد من الملفات السياسية والأمنية، ولاتزال الدولة تسعى للتعافي منها على المستويين الاقتصادي والمجتمعي؛ هي أزمة تدفق اللاجئين من دول الجوار الإقليمي المنكوبة جراء الحروب والأزمات إليها. فمع استمرار وتصاعد استهداف إسرائيل للمدن الغربية القريبة من الحدود الإيرانية - التركية، تتنامى مخاوف تركيا من تدفق موجات لجوء جماعية إلى أراضيها عبر حدودها الشرقية، تحمل معها المزيد من الأعباء الاقتصادية، والتوترات المجتمعية، وكذلك الخلافات السياسية مع المعارضة والأحزاب القومية التي لطالما انتقدت سياسة الباب المفتوح التي تبناها أردوغان، وأسفرت عن وجود ملايين اللاجئين السوريين في البلاد.
4- تصاعد التوترات التركية– الإسرائيلية في سوريا: تشهد الساحة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد تنافسًا محتدمًا بين تركيا وإسرائيل في إطار مساعي كل جانب لملء الفراغ الذي خلفه تراجع النفوذ الإيراني في البلاد. فمع تنامي دائرة الأطماع الإسرائيلية في المنطقة، وتصاعد العدوان الإسرائيلي على إيران بما قد يؤدي إلى سقوط نظامها الحالي أو القضاء على برنامجها النووي، وبالتالي تقويض نفوذها في منطقة الشرق الأوسط؛ من المُتوقع أن تحمل الساحة السورية مزيدًا من التحديات بالنسبة لتركيا، لاسيما أن إسرائيل تدعم مشروع تقسيم سوريا وإقامة دولة درزية على حدودها مع الجنوب السوري بحجة الحفاظ على أمنها القومي، الأمر الذي يهدد أيضًا بإمكانية قيام كيان كردي مستقل-بدعم من تل أبيب وواشنطن- على الحدود التركية - السورية، بما يُمثل خطرًا أمنيًا وتهديدًا لوحدة تركيا واستقرارها الداخلي.
فمع تزايد مخاوف إسرائيل من تنامي الحضور التركي على الأراضي السورية، لاسيما مع استمرار تراجع النفوذ الإيراني، ومع وجود أنباء عن إمكانية توقيع اتفاقية دفاع مشترك يُسمح بموجبها لتركيا بإنشاء قواعد عسكرية جديدة في سوريا واستخدام المجال الجوي السوري لأغراض عسكرية؛ تُكثف إسرائيل عمليات التوغل داخل أراضي جنوب غرب البلاد، وتستمر في توجيه الغارات الجوية ضد المنشآت العسكرية والقواعد الجوية والبحرية، وهو ما تعتبره تركيا تهديدًا مباشرًا لمصالحها وحساباتها السياسية والأمنية والاقتصادية، ليس فقط في سوريا، لكن أيضًا بما ينعكس على أمنها واستقرارها الداخلي، لاسيما أن أي انزلاق في مواجهات عسكرية مع إسرائيل على الأراضي السورية من شأنه أن يُكبد تركيا المزيد من الخسائر العسكرية والاقتصادية، والتي بطبيعة الحال ستكون أحد الملفات الضاغطة التي تستثمرها المعارضة في الداخل لتأليب وحشد الرأي العام ضد أردوغان وحكومته.
ختامًا، يمكن القول إن موقف تركيا من التصعيد العسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من جانب، وإيران من جانب آخر؛ محكوم بعدة محددات استراتيجية أهمها وأبرزها تبني المسار الوقائي الاستباقي، سواء لردع أي قوة عدوان خارجية، أو لتعزيز تماسك الجبهة الداخلية في تركيا، وذلك بالتوازي مع تبني المسارات الدبلوماسية وبذل جهود الوساطة للحيلولة دون تصاعد الأزمة وتوسع دائرة الصراع، لما سيكون لذلك من تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية بالغة الخطورة على مستقبل المنطقة بشكل عام، وبشكل خاص على تركيا باعتبارها الهدف الإسرائيلي غير المُعلن حتى الآن، لاسيما لتنافسهما في العديد من الملفات الاستراتيجية، ومن منطلق أن تراجع الأذرع الإيرانية يُفسح المجال للمزيد من الحضور والنفوذ الـتركي، الأمر الذي يُهدد مصالح وأطماع المشروع الإسرائيلي في المنطقة.
لكن يظل أي مستوى من التصعيد العسكري من أي جانب ضد تركيا مرهونًا بالعديد من الاعتبارات، التي يأتي في مقدمتها عضوية تركيا في حلف "الناتو". إذ تنص المادة الخامسة من ميثاق الحلف على أن الهجوم على أحد أعضاء الحلف هو هجوم على جميع أعضائه، بالتالي لهم حق الدفاع الذاتي عن أنفسهم، بشكل فردي أو جماعي، وبما في ذلك استخدام القوة العسكرية. هذا، فضلاً عن أن تركيا تعد واحدة من أهم أعضاء "الناتو"، لموقعها الجيوسياسي الحيوي، ولامتلاكها ثاني أكبر الجيوش في الحلف بعد الولايات المتحدة الأمريكية. أي أن الحفاظ على عضويتها، ونفوذها، وتماسكها الداخلي يعود بالعديد من المصالح الاستراتيجية بالنسبة لباقي الأعضاء، لاسيما تلك المرتبطة بدفع التهديدات الأمنية المُحتملة، ما يجعلها إحدى دعائمه الأساسية ما بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط.
[1] الصناعة الدفاعية التركية تستعد لزيادة إنتاج الصواريخ، موقع الدفاع العربي، 18 يونيو، 2025، متاح على: https://shorturl.re/7gyrz
[3] القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط... أيها ستختار واشنطن إذا هاجمت طهران؟، إيرو نيوز، 4 أبريل، 2025، متاح على: https://shorturl.re/7h0vz
[4] تركيا ترد على تقارير عن تورطها في نقل بيانات حساسة عن إيران من رادار "الناتو" إلى إسرائيل، آر تي عربي، 14 يونيو، 2025، متاح على: https://shorturl.re/7gyse