مثَّل نجاح رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، في تشكيل أول حكومة يمينية إيطالية زلزالًا سياسيًا في أوروبا وبعض العواصم العالمية؛ إذ كان ذلك امتدادًا لحالة الصعود اليميني داخل أوروبا، بل يمكن وصفه بأنه أحد أكبر تجلياتها. وفيما واجهت حكومة ميلوني العديد من التحديات الداخلية بدايةً من الاقتصاد المتردي، وتداعيات جائحة كوفيد- 19، وتأزم الأوضاع الاجتماعية، ظلت السياسة الخارجية إحدى مساحات الاهتمام الرئيسية، ليس للحكومة الجديدة فحسب، وإنما أيضًا للحلفاء والخصوم على السواء، نظرًا للنزعة القومية والتصريحات الشعبوية لميلوني، والمخاوف من سعيها لتغيير توجهات السياسة الخارجية الإيطالية في ظل واقع دولي وإقليمي شديد التغير.
تمثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مساحة اهتمام استراتيجي رئيسية للسياسة الخارجية الإيطالية؛ نظرًا لتشابك الملفات والمصالح، وكذا التهديدات التي تواجه الطرفين، ما يدفع حكومة ميلوني إلى تكييف سياستها تجاه المنطقة، مع التوجهات العامة للسياسة الخارجية الإيطالية، وتطلع روما للعب دور أكثر فعّالية في المنطقة والعالم. ومع ذلك، فيما يطرح التحرك الإيطالي الخارجي في منطقة الشرق الأوسط فرصًا مهمة لروما، فإنه يضعها أمام العديد من التحديات والمعوقات التي قد تعرقل إمكانية تطوير هذا الدور، ارتباطًا بالإمكانات السياسية والاقتصادية والأمنية التي توفّرها إيطاليا بوصفها فاعلًا سياسيًا وأمنيًا بالمنطقة.
في هذا الصدد، تطرح الدراسة تساؤلًا رئيسيًا حول طبيعة التوجهات الخارجية لإيطاليا في عهد رئيسة الوزراء اليمينية، جورجيا ميلوني، تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يندرج تحت هذا السؤال الرئيسي مجموعة من التساؤلات الفرعية التي ستسعى الدراسة إلى استكشاف سبل الإجابة عنها، من قبيل: ما الأطر الحاكمة للسياسة الخارجية الإيطالية؟، وما العوامل المؤثرة في تشكيل هذه السياسة؟ وكيف تتفاعل هذه العوامل مع بعضها بعضًا لصنع التأثير الذي ينعكس في قرارات السياسة الخارجية؟، وما الأهداف والمصالح الاستراتيجية لإيطاليا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟، وما الأدوات التي تستخدمها روما لتحقيق هذه الأهداف؟ وإلى أي مدى كانت هذه الأدوات فعَّالة في تنفيذ أدوارها؟، وأخيرًا ما طبيعة الفرص والتحديات التي تطرحها السياسة الخارجية الإيطالية لتعزيز دورها ونفوذها في هذه المنطقة الاستراتيجية؟
تنبع أهمية هذه الدراسة من عاملين؛ أولهما ندرة الدراسات البحثية المنشورة باللغة العربية عن السياسة الخارجية الإيطالية بشكل عام، والآخر محدودية البحوث التي تتناول تحركات حكومة ميلوني الخارجية خلال العامين الماضيين، ومن ثم تأتي هذه الدراسة لمحاولة سد الفجوة البحثية العربية في هذا الإطار، من خلال تقديم فهم أشمل وأعمق لطبيعة السياسة الخارجية لحكومة ميلوني اليمينية المتطرفة، بعد مرور عامين على وجودها في السلطة في إيطاليا بالتركيز على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.