صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

يتولى الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» منصب الرئاسة للمرة الثانية وسط متغيرات إقليمية حادة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، جراء التداعيات الكبيرة الناتجة عن تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ عملية «طوفان الأقصى» التى قامت بها المقاومة الفلسطينية فى أكتوبر 2023، وكذلك الحرب الإسرائيلية على الجنوب اللبنانى فى أكتوبر 2024، فضلا عن سقوط نظام الأسد فى سوريا فى 8 ديسمبر 2024، مرورا بالتدافعات الدولية والإقليمية فى منطقة البحر الأحمر على أثر تفاعلات جماعة «أنصار الله» الحوثية اليمنية فى منطقة باب المندب وخليج عدن، إسنادًا للمقاومة الفلسطينية، من خلال تقييد حركة الملاحة الخاصة بالسفن الحربية، وناقلات النفط والسفن التجارية التابعة لدولة الكيان الإسرائيلى أو تلك التابعة لدول تدعم هذا الكيان، ما أثر على مجمل حركة الملاحة الفعلية فى البحر الأحمر وقناة السويس تأثيرا مباشرا. يحدث هذا بخلاف التطورات النوعية التى نتجت عن تراجع النفوذ الإيرانى فى المنطقة مع الانتكاسات التى تعرض لها محور المقاومة الإقليمى خلال مراحل إسناده للمقاومة الفلسطينية على مدار الفترة (أكتوبر 2023 - نوفمبر 2024)، وذلك بقبول حزب الله اللبنانى وقف إطلاق النار مع إسرائيل فى 27 نوفمبر 2024 من ناحية، وخروج نظام الأسد من حلقة النفوذ الإيرانى نفسه على إثر نجاح المعارضة المسلحة فى إقصائه من المشهد السياسى فى 8 ديسمبر 2024 من ناحية أخرى. 

هذه المتغيرات شكلت معطيات إقليمية استبقت وصول الرئيس الأمريكى الجديد لمنصبه فى يناير 2025، كما عكست بدورها أهمية استعادة الاستقرار والأمن فى المنطقة، وعكست كذلك الأهمية الاستراتيجية للدول الإقليمية المحورية فى منطقة الشرق الأوسط التى تحظى بقدر كبير من الاستقرار السياسى والأمني. وتأتى مصر كدولة محورية فى مقدمة تلك القوى الإقليمية التى تلعب دورا حاسمًا فى دعم الاستقرار الإقليمى؛ بالنظر إلى مكانتها السياسية والحضارية والتاريخية، فضلا عن دورها فى السياسة الإقليمية الذى تلعبه عبر آليات متعددة، منها ما يتعلق بدور الوساطة فى النزاعات الإقليمية، لاسيما التى تمس أمنها القومى مباشرة كحالة الصراع الإسرائيلى - الفلسطينى، والحالة الليبية، والوضع فى القرن الأفريقى، ومنها ما يتعلق بسياسات «تنويع الشراكات» مع القوى الدولية بما يخدم المصالح المصرية العليا الأمنية والاقتصادية على حد سواء. ولأن هذا الدور، المتعدد المهام، يمثل نقطة ارتكاز رئيسية فى دعم الاستقرار بالمنطقة، فإن القوى الدولية الكبرى تسعى دائما إلى نسج علاقات فاعلة مع الدول التى تمارس دورًا محوريًا فيها؛  أى أن الدول الكبرى دائما ما تستهدف فى استراتيجياتها العسكرية والسياسية والأمنية دعم شراكات متعددة المستويات مع دول بعينها فى المنطقة، تمتلك إمكانات الدور المحورى فيها.

من هذا المنطلق، تأتى أهمية العلاقات المصرية - الأمريكية، لاسيما مع تولى الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» منصب الرئاسة مجددا مند يناير ٢٠٢٥. وكانت فترة رئاسته الأولى قد شهدت تفاعلات إيجابية تجاه العلاقات مع مصر حيال بعض القضايا الجوهرية في المنطقة، ما يدفع إلى التساؤل حول ما إذا كان نمط التفاعل الإيجابى بين البلدين سيواصل استمراره على الوتيرة ذاتها، أم أنه قد يشهد بعض التغييرات؟ الإجابة عن مثل هذا التساؤل تتطلب الوقوف على ملامح ومؤشرات تفاعل الإدارة الأمريكية الجديدة فى ظل ولاية «ترامب» الثانية للقضايا الإقليمية التى قد تمثل «إشكاليات» فى مسار العلاقات مع مصر، بما قد يؤثر في نمط التفاعل الإيجابى بشأنها بين البلدين من ناحية، ويرتبط أيضا بالوقوف على الاستراتيجيات التى سيستخدمها «ترامب» عند صياغة وممارسة سياسته الخارجية حيال دول المنطقة التى تتمتع بمكانة سياسية لدى الولايات المتحدة من ناحية ثانية، وتتمتع أيضا بمكانة «متميزة» فى استراتيجياتها السياسية والأمنية من ناحية ثالثة.

يلاحظ هنا أن العلاقات المصرية - الأمريكية تتسم بقدر كبير من «الثبات» على الرغم من تغير الإدارات الأمريكية وتنوعها ما بين إدارات ديمقراطية وأخرى جمهورية؛ حيث تميزت مصر لدى جميع تلك الإدارات بمكانة «الشريك الاستراتيجى» فى المنطقة، وإن مرت العلاقات الثنائية مع بعض الإدارات الأمريكية بفترات من الفتور، ارتبطت بطبيعة التطورات التى شهدتها المنطقة على مدار عقود من الزمن، فإن هذه المكانة لم تثن مصر عن ممارسة دور يتمتع بقدر من الاستقلالية والتمايز، وأحيانا التعارض مع بعض السياسات الأمريكية، لاسيما التى تتعلق بثوابت الموقف المصرى من القضية الفلسطينية على سبيل المثال؛ وذلك انطلاقا من معادلة تحكم مسار العلاقات المصرية - الأمريكية، مفادها الحفاظ على مسار «التوازن»  فى العلاقات الثنائية بما يضمن تحقيق المصالح المشتركة.  

في هذا السياق، جاءت هذه الدراسة تحت عنوان «السياسة الخارجية الأمريكية ومستقبل الشراكة الاستراتيجية المصرية - الأمريكية (إدارة دونالد ترامب الثانية)»، للخبير فى الشأن السياسى الأمريكى  د. عمرو عبدالعاطى، مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، حيث يستشرف نمط العلاقات المصرية - الأمريكية خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» الثانية، حيث استعرض عددًا من استراتيجيات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، في محاولة منه لفهم ودراسة مستقبل العلاقات الثنائية المصرية - الأمريكية فى ظل التغييرات الحادة التى تشهدها المنطقة منذ أكتوبر 2023، فضلا عن تقديم عدة توصيات بشأن طبيعة هذه العلاقات وسبل تنميتها والارتقاء بها وفقا لقاعدة «توازن المصالح» بين البلدين.