صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

اهتمت الاتفاقات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة بالإرث المشترك للإنسانية منذ منتصف القرن العشرين، لكن مع بداية حقبة التسعينيات زاد اهتمام المنظمة الأممية بإقرار اتفاقات دولية تطالب المجتمع الدولى بالحفاظ على «حقوق الأجيال القادمة» باعتبارها قيمة عليا؛ فأصدرت عام 1992 - عبر الجمعية العامة - الاتفاقية الخاصة بحماية الإرث العالمى، الثقافى والطبيعى. وفى العام نفسه، أقرت اتفاقية إطارية حول تغيير المناخ بهدف حماية المناخ العالمى لمنفعة أجيال البشرية الحاضرة والمستقبلية. وفى عام 1997 أقرت منظمة العلوم والثقافة والفنون «اليونسكو» الإعلان الدولى الخاص بمسئولية الأجيال الحاضرة تجاه الأجيال اللاحقة. هذا الإعلان تحديدا عُد اتفاقًا مهمًا، لأنه أقر (12) بندًا جميعها يوضح مسئولية الأجيال فى صيانة حقوقهم واحتياجاتهم المستقبلية، بالإضافة إلى التقرير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة فى عام 2021، الذى جاء تحت عنوان «أجندتنا المشتركة»، واعتماد المبادئ التوجيهية لميثاق «ماستريخت» الخاص بحقوق الإنسان للأجيال القادمة –الصادر فى عام 1997- ضمن فعاليات مؤتمر الخبراء الأممى فى عام 2023. جدير بالذكر أن مبادئ «ماستريخت» هى التى أقرت بمسئولية السلوك البشرى للأجيال القائمة على مستقبل حقوق الإنسان للأجيال المقبلة وانعكاس ذلك على حرياتهم، كما اعترفت بأن الأجيال القادمة لها حقوق تماما كحقوق الإنسان المعترف بها بالنسبة للأجيال القائمة.

هذه الاتفاقات أسست لعلاقة مهمة بين الأجيال، مفادها أن الأجيال الحاضرة عليها مسئولية كبيرة تجاه الأجيال المقبلة، تتلخص فى الاستخدام الرشيد للموارد الموجودة بما يضمن بقاءها للأجيال التالية، من خلال خطط تضمن تنمية سياسية واقتصادية مستدامة، وتعتمد على معيار «العدالة» كأسس لها، أى صياغة خطط فاعلة للتنمية المستدامة تؤدى فى النهاية إلى تحقيق «العدالة الاجتماعية» باعتبارها الأساس المستهدف من أى عملية تنمية بشرية لها طابع الاستدامة.

انتقل هذا الاهتمام الدولى بحقوق الأجيال المقبلة، بشأن ضمان تنمية سياسية واقتصادية وبشرية مستدامة تعزز من العدالة الاجتماعية، إلى صياغة الدساتير؛ حيث اتجهت العديد من الدول إلى توفير «الحماية الدستورية» لحقوق الأجيال القادمة. لكن هذا الاهتمام لم ينعكس تنفيذيا؛ فلم تترجم فكرة حماية حقوق الأجيال القادمة فى إطار قانونى ملزم للدول؛ كما أن بعض الدول رأت أن تستبدل فكرة «النصوص الدستورية» بفكرة «الهيكلة الإدارية»؛ بمعنى أن بعض الدول التى تغاضت عن النصوص الدستورية المتعلقة بحماية حقوق الأجيال القادمة اتجهت لخيار بديل تمثل فى اعتماد هياكل لمنظمات ومؤسسات رسمية، إلى جانب منظمات المجتمع المدنى، بحيث تقوم هذه الهياكل بخلق بيئة عمل مواتية فى كل القطاعات –لاسيما القطاعات المتعلقة بالتعليم والصحة والطاقة والاتصالات والبنية التحتية والبيئة- بما يخدم الأجيال القادمة. ليس هذا فحسب، بل إن اعتراف الدول والمنظمات الدولية بحق الأجيال القادمة كأصحاب حقوق فى التنمية المستدامة يرتب تبعات والتزامات على الدول، بداية من حماية الموارد المتاحة وترشيد استخدامها بما يجعلها قائمة للأجيال القادمة، مرورا بتجريم التهديدات التى تنال من حقوق الإنسان وحرياته، بما يعنى إنشاء هياكل ومؤسسات للدفاع عن حقوق الأجيال القادمة وعدم تعرضها للانتهاك أو التهديد، وصولا إلى الدفع بالأجيال القادمة للمشاركة فى عملية صنع القرار. 

أيضًا، تعد العدالة الاجتماعية من أبرز حقوق الإنسان لاسيما فى ضوء العديد من التحديات التى تواجه المجتمعات، خاصة الفئات المهمشة والمحرومة وتلك الأكثر فقرا، حيث عملت الكثير من الدول على توفير شبكات الضمان الاجتماعى لهذه الفئات بهدف تحقيق الاستفادة المثلى من رأس المال البشرى، فضلا عن تحقيق العدالة وضمان الحريات بين الأجيال. فى هذا الإطار، تأتى هذه الدراسة تحت عنوان «دور آليات حماية حقوق الأجيال القادمة فى تحقيق العدالة بين الأجيال» للدكتور المستشار/ محمد الأدهم، يحاول فيها تقديم تحليل لأهم الآليات التى يمكن أن يلجأ إليها صانع القرار فى مجال حماية وتعزيز حقوق الأجيال القادمة، وذلك من واقع عدد من التجارب الدولية، بهدف الوقوف على أسباب نجاح أو فشل كل تجربة، من أجل تحديد النموذج الذى يمكن الاستفادة منه فى الحالة المصرية.