رابحة سيف علام

خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

 

أطلق الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تصريحات نارية يوم الجمعة 18 أبريل 2025 يرفض فيها تخلي حزب الله عن سلاحه الذي اعتبره صمام الأمان للبنان ضد الاعتداءات والأطماع الإسرائيلية. وفي كلمته المتلفزة، اعتبر قاسم أن تخلي حزب الله عن سلاحه ليس مطروحاً بالكلية بل إن المطروح هو الدخول في حوار مع الدولة ومختلف الأحزاب والقوى المعنية برعاية رئيس الجمهورية وبعيداً عن الإعلام للبحث في استراتيجية دفاعية تعزز قوة لبنان من خلال سلاح المقاومة وليس بالتخلي المجاني عنه.

تأتي هذه التصريحات بعد أسبوع من الإعلان عن عقد مفاوضات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في سلطنة عمان. إذ يبدو أنه تحريك لملف سلاح حزب الله لرفعه على قائمة المساومات الإقليمية بين الطرفين وممارسة الضغط من أجل انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني في مقابل تحجيم دور حزب الله الإقليمي.

إدراك حزب الله لدور سلاح "المقاومة" في المرحلة الجديدة

استرسل قاسم في شرح السياق المحلي والإقليمي اللازم توافره من أجل انتقال الحزب لمناقشة الإستراتيجية الدفاعية، حيث اعتبر أنه لابد أولاً أن يكتمل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية لأن إسرائيل لم تنفذ بعد التزاماتها وفق اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع بين البلدين عبر وساطة أمريكية في 27 من نوفمبر 2024. كما اعتبر قاسم أن البحث في الاستراتيجية الدفاعية سيأتي ضمن إطار معين من التشاور اللبناني اللبناني وليس تحت ضغط الاحتلال القائم. وأضاف أن إعادة الإعمار التي أخذت الدولة اللبنانية عهداً بتنفيذه لابد أن يتم فعلياً لإقناع المواطنين بأن الدولة تسهر على أمنهم وتدافع عنهم وتعيد بناء ما تهدم من جراء العدوان الإسرائيلي. وهكذا يرى قاسم أن فتح ملف سلاح حزب الله لن يكون ممكناً قبل إتمام الانسحاب الإسرائيلي وإعادة إعمار الجنوب والبقاع وعودة السكان بشكل طبيعي إلى بلداتهم.

اعتبر نعيم قاسم في كلمته المتلفزة أن سلاح المقاومة هو نقطة قوة للبنان وضمان لأمنه وسيادته وأن أي تفريط في هذا السلاح يعني أن يبقى لبنان مكشوفاً وعرضةً للاعتداءات والأطماع التوسعية الإسرائيلية بشكل متواصل. وأكد قاسم أن حزب الله قد نفذ تعهداته للدولة اللبنانية وفق اتفاق وقف إطلاق النار وسحب سلاحه بالكامل من جنوب نهر الليطاني بالفعل خلال المرحلة السابقة. ولكن في المقابل انتقد قاسم عدم وفاء إسرائيل بتعهداتها، حيث لم تنسحب من الجنوب كما كان مقرراً وفق الاتفاق، بل احتفظت بوجود عسكري في خمس تلال أساسية تشرف على مساحات واسعة من الجنوب وتمتد على طول الحدود من الشرق للغرب. إذ شرح قاسم أن الأطماع الإسرائيلية لا تقتصر فقط على البقاء في هذه التلال وإنما تسعى لقضم مساحات واسعة من أراضي الجنوب حتى تستخدمها في توطين الفلسطينيين الذين تنوي تهجيرهم من غزة وربما من مناطق أخرى في الضفة الغربية. فقد اعتبر أن المشروع الصهيوني التوسعي يتطلع للاحتفاظ بالأراضي في لبنان، كما يسعى لتطويق حزب الله داخلياً من خلال دعوات نزع سلاحه وإنهاء نفوذه. ودعا قاسم للإتعاظ مما حدث في سوريا بعد تدمير سلاح الجيش السوري بعد سقوط الأسد وكيف أصبح الجنوب السوري مرتعاً للاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية المتكررة. 

يرى نعيم قاسم أن سلاح حزب الله ودوره المقاوم يحظى بشعبية كبيرة في لبنان تفوق المليون، وهو مجموع من حضر في تشييع الأمينين العامين السابقين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين. إذ يرى أن هذا الحشد الكبير لم يكن فقط من أجل وداع الرجلين بل من أجل تجديد الوفاء لسلاح المقاومة والتمسك بالسير على نفس الدرب وعدم التخلي عنه. وهو في ذلك يداعب مشاعر جمهور حزب الله الذي تربى على خطابات حسن نصرالله التي تعد بالانتصارات بشرط الصمود وتحمل التضحيات الكبيرة. ويذكر أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان قد أودت بحياة اثنين من كبار القادة السياسيين بالحزب وهما نصر الله وصفي الدين، كما قضت على أغلب قادة الصف الأول من العسكريين فضلاً عن المئات من القادة الميدانيين. ولم يصدر حزب الله حصيلة شاملة لعناصره الذين قضوا خلال الحرب، بينما تقدرهم إسرائيل بالآلاف. فيما وصل عدد الضحايا من المدنيين إلى 4047 شهيداً و16638 جريحاً حتى صبيحة إعلان وقف إطلاق النار، بينما استمر عدد الضحايا بالتزايد بسبب الخروقات الإسرائيلية للهدنة حيث تخطى العدد أكثر من 100 شهيداً فضلاً عن المئات من الجرحى في أكثر من 1500 خرقاً اسرائيلياً منذ بداية الهدنة. وكان الجيش الإسرائيلي قد صعّد من قصفه على قرى الجنوب والبقاع عقب تصريحات نعيم قاسم النارية فيما يبدو رداً عملياً [1] يؤكد قدرة إسرائيل على خرق السيادة اللبنانية بشكل خطير[2].  

ورغم هجوم نعيم قاسم الشامل على من يريد نزع سلاح حزب الله، فإنه لم يتصادم لا من قريب ولا من بعيد مع رئيس الجمهورية جوزيف عون. بل ذكّر بالتعهدات التي أطلقها الرئيس خلال خطاب القسم من حيث تعهده بإطلاق حوار حول استراتيجية دفاعية شاملة على المستوى الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي[3]. واعتبر قاسم أن حزب الله منسجم تماماً مع رؤية رئيس الجمهورية ورؤية قيادة الجيش من حيث تحصين لبنان ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وأنه لا تعارض بين موقف الطرفين. ولذلك يتفق حزب الله مع المبدأ الذي أطلقه رئيس الجمهورية وورد في البيان الوزاري لحكومة نواف سلام من حيث "حصر السلاح بيد الدولة"، ولكنه يفهم أن هذا السلاح الذي يكون بحوزة القوى الأمنية داخلياً، أما سلاح الدفاع الخارجي فيكون بحثه عبر الاستراتيجية الدفاعية المرتقبة.

تعارض طروحات "حصر السلاح بيد الدولة"

وكان الرئيس جوزيف عون قد أطلق عدة أفكار حول "حصر السلاح بيد الدولة" خلال حوار مطول بُث بالتزامن مع زيارته لقطر الأسبوع الماضي، حيث اعتبر أن عناصر من حزب الله يمكن إعادة تأهيلهم وتنظيمهم في دورات عسكرية ليكونوا لائقين للالتحاق بالجيش اللبناني أسوةً بما تم من إلحاق بعض عناصر الميليشيات بالقوى الأمنية والجيش بعد انتهاء الحرب الأهلية مطلع التسعينيات. بينما اعتبر حزب الله أن البحث في هذه الأفكار بشكل تفصيلي يعد سابقاً لأوانه ولا يمكن أن يتم قبل أن تنسحب إسرائيل بالكامل من الأراضي اللبنانية. فيما هدد قاسم بمواجهة كل من يحاول نزع سلاح حزب الله بالقوة، معتبراً أن في ذلك تهديد للسلم الأهلي ولتماسك المجتمع اللبناني. 

واستبعد الرئيس جوزيف عون أن يكون استيعاب عناصر حزب الله في الجيش اللبناني على غرار ما جرى مع الحشد الشعبي العراقي، حيث دخل مقاتلوه ككتلة واحدة في القوى الرسمية، وتعهد الرئيس عون بأن عام 2025 سيكون عام "حصر السلاح بيد الدولة" دون تأخير بل مع توخي الظروف الملائمة. وأفصح عون في حديثه عن أنه يقول للأمريكيين اضغطوا على إسرائيل للانسحاب وستتكفل الدولة اللبنانية فيما بعد بإبعاد حزب الله عن المواجهة[4]. وهو ما يتسق فعلياً مع ما طرحه قاسم الذي طالب الدولة اللبنانية بدعوة الأمريكيين لإلزام إسرائيل بالانسحاب قبل أن يتم البحث في تجريد حزب الله من سلاحه. ويذكر أن الجيش اللبناني يقوم فعلياً بالانتشار في الجنوب والبقاع ويتولى إتلاف ومصادرة ذخائر وأنفاق وبنى تحتية عسكرية تعود لحزب الله دون أي اعتراض من هذا الأخير أو تحدي لهذه العمليات. كما نفذ الجيش مؤخراً عدة مداهمات لمواقع كانت تُعَد لإطلاق صواريخ منها نحو إسرائيل وصادر المقذوفات واعتقل العناصر الضالعة في هذه المحاولة، فيما يبدو أنها مجموعات غير منظمة ولا تتبع لحزب الله[5].

ولا يخفى على أحد أن طروحات "حصر السلاح بيد الدولة" وإن كانت تشترك في نفس العنوان، إلا أنها متباينة للغاية. فحزب الله مثلاً لا يتحدث عن "نزع سلاح" بل يتحدث عن شروط وسياق عام لابد أن يتحقق قبل بدء البحث في إدارة هذا السلاح ضمن الاستراتيجية الدفاعية. وهذه الشروط تشمل انسحاب إسرائيل وإتمام إعادة الإعمار وعودة الأهالي للجنوب بشكل نهائي، وهذه مهام لا تتحقق بين يوم وليلة بل قد تستغرق عدة سنوات تتراوح بين عامين إلى أربعة أعوام مثلاً. بينما يتحدث رئيس الجمهورية عن إتمام مهمة "حصر السلاح بيد الدولة" خلال عام 2025، مما يعطي الانطباع بأن هذه المهمة يمكن أن تُنفَذ في المدى المنظور. كما أن الرئيس جوزيف عون يتحدث عن "سحب السلاح" من خارج سلطة الدولة إلى سلطة الدولة، وهو تعبير قد يشمل انتقال السلاح ليكون تحت تصرف الدولة بدلاً من أن يكون بيد حزب الله بشكل مباشر. وهو يعطي الانطباع بأن الجيش سيتسلم القدرات العسكرية لحزب الله كما سبق وتسلم أسلحة وذخائر الميليشيات الضالعة في الحرب الأهلية اللبنانية في بداية التسعينيات، وهكذا أصبحت هذه الذخائر نواة تسليح الجيش الجديد وجزءاً من عتاده العسكري. أما فيما يخص "احتكار قرار الحرب والسلم" فقد اعترف نعيم قاسم في خطابه بأن الدولة تقرر إذا ما أرادت إشعال المواجهة مرة أخرى مع إسرائيل، وأبدى جهوزية حزب الله لخوض هذه المواجهة وفق قرار الدولة. وهو ما يبدو معه أن الحزب قد تخلى عن فكرة إشعال الحرب بقراره الخاص كما حدث في 8 أكتوبر 2023، مما يجعل هذا الأمر من أهم مكتسبات توصل الدولة اللبنانية إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر الماضي بوساطة أمريكية.

ولكن في المقابل يتحدث تيار السيادة المعارض لحزب الله عن "نزع السلاح"، مما يوحي بأنه نزع بالقوة وكأن القرار 1701 قد أضيفت له آلية ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولكن هذا فعلياً لم يحدث. بينما يشدد هؤلاء أيضاً على أهمية تنفيذ القرار 1559 وهو يشمل نزع سلاح المليشيات في المجمل وليس متعلقاً بإبعاد سلاح حزب الله إلى شمال نهر الليطاني فقط، بل يعني نزع السلاح من كامل الخريطة اللبنانية. وهذا الأمر يتطابق مع تحول الخطاب الإسرائيلي بشأن سلاح حزب الله من الرغبة في إخلاء منطقة جنوب الليطاني من القدرات العسكرية لحزب الله إلى الرغبة في إنهاء السلاح الذي بحوزة حزب الله بشكل عام ومنع أي سبيل لاقتناءه أو تصنيعه من جديد. يكتسب هذا الأمر أهمية إضافية في ضوء التغيرات الهيكلية التي جرت في سوريا من حيث سقوط نظام الأسد وصعود نظام معادٍ لنفوذ حزب الله وإيران يعمل بشكل حثيث على السيطرة على الحدود بين البلدين.

إذ ركز الجيش السوري الجديد في حملات متتابعة خلال الأسابيع الماضية على غلق المعابر غير الرسمية وإنهاء نفوذ ما يُسمى "العشائر" في هذه المنطقة، وهم سكان محليون يسيطرون على المعابر غير الرسمية ويديرون تجارة مربحة عبرها بعيداً عن سلطة الدولة. ولذا فقد جرى تنسيق الجهود بين الجيشين اللبناني والسوري لمحاربة التهريب والمعابر غير الرسمية بين البلدين، فيما يبدو أنه محاولة لتطويق تجارة وتهريب المخدرات. ولكنه قد ينعكس أيضاً على طرق تهريب السلاح التي كان يستخدمها حزب الله لتزويد ترسانته العسكرية أو لنقل سلاح النظام الساقط في سوريا إلى لبنان. ولكن اللافت أن نعيم قاسم لم يذكر نهائياً مسألة الحدود السورية-اللبنانية، ولم يعلن حزب الله أي صلة له مع الاشتباكات التي جرت على الحدود اللبنانية-السورية في مارس الماضي. في حين أن السلطات السورية قد حملته المسئولية عن إشعالها، بل وحملت غرفة عمليات بقيادة إيرانية عبر الحدود مسئولية شن هجمات على قوات الأمن العام السوري في محافظتيّ اللاذقية وطرطوس يومي 6 و7 مارس الماضي. 

ضغوط دولية متزايدة

وكانت نائبة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط مورجان أورتاجوس قد أعادت نشر تصريحات قاسم الأخيرة في تغريدة مصحوبة بتعليق ساخر ينم عن الملل من ترديد هذا الكلام عن التمسك بسلاح المقاومة ورفض الاستسلام للإرادة الإسرائيلية[6]. هذه التعليقات الساخرة طالت أيضاً تصريحات أخيرة لوليد جنبلاط الذي اعتبر أن شروط واشنطن بتجريد حزب الله من سلاحه بشكل فوري تعتبر تعجيزية، حيث علقت أورتاجوس مستهينة بتصريحات جنبلاط وكأنها تصدر عن شخص يتعاطى صنف رديء من المخدرات[7]. وكانت أورتاجوس قد عبرت خلال زياراتها المتكررة إلى لبنان عن رغبتها في إنهاء سيطرة حزب الله بالكامل. بل إنها قد أطلقت من بيروت تصريحات نارية تطالب بإقصاء حزب الله عن الحكومة اللبنانية قبيل ساعات من إعلان تشكيلة هذه الحكومة في فبراير الماضي.

ولا شك أن تغير الإدارة الأمريكية من بايدن لترامب وتغير مسئول الملف اللبناني فيها من آموس هوكشتاين إلى مورجان أورتاجوس قد أغرى إسرائيل بالتنصل من تعهداتها وفق اتفاق وقف إطلاق النار. إذ كانت إسرائيل قد قررت تأخير انسحابها من لبنان إلى 18 فبراير بعد انتهاء مدة الستين يوماً التي أعلن عنها مع اتفاق الهدنة، قبل أن تعلن البقاء في خمس تلال استراتيجية في الجنوب اللبناني دون تاريخ محدد للانسحاب. وبالمثل تتواصل الخروقات الإسرائيلية لاتفاق الهدنة عبر توجيه ضربات جوية لنقاط محددة في الجنوب والبقاع واستمرار استهداف القادة الميدانيين لحزب الله فضلاً عن التوغل وتجريف الأراضي وهدم الأبنية وبناء الجدران الأسمنتية في قرى الجنوب.

وتتعلل إسرائيل بأن قيامها بهذه العمليات يعود لعدم وفاء لبنان بالتزامته وفق اتفاق الهدنة من حيث انسحاب حزب الله وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب. وإذا ما كانت اسرائيل لا تزال تملك وسائل مخابراتية لاختراق حزب الله فإنها ستكون قادرة على تحديد مدى دقة انسحابه من جنوب الليطاني، لكن يبدو أيضاً أنها تتعلل بعدم تنفيذ الانسحاب من أجل البقاء لفترة أطول في الجنوب اللبناني. ويذكر أن اتفاق الهدنة قد خلق آلية مكونة من لجنة عسكرية خماسية برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وعضوية فرنسا ولبنان وإسرائيل واليونيفل للبحث في الخروقات من الجانبين. ولكن هذه اللجنة لم تسفر عن نتائج ملموسة في وقف الاعتداءات الإسرائيلية، بل تُتهم بأنها تُستخدم كآلية لتعزيز اللقاءات بين الضباط اللبنانيين والإسرائيليين برعاية أمريكية فرنسية لتكريس التطبيع السياسي وليس التفاوض العسكري التقني. ولم يحدد اتفاق الهدنة أسلوباً محدداً لانتشار الجيش اللبناني في الجنوب، ولكن الجيش أعلن مراراً عن إتمام انتشاره في كل النقاط التي تنسحب منها القوات الإسرائيلية جنوباً منعاً للمواجهة أو التداخل بين الجانبين. ويذكر أنه مع انتهاء هدنة الستين يوماً تخطى الآلاف من سكان الجنوب الجيش اللبناني وفتحوا الطرق للعودة إلى قراهم حتى أصبحوا على تماس مباشر مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي استهدفتهم بنيرانها مما أدى إلى سقوط ما يزيد عن 22 من الضحايا المدنيين وجرح العشرات[8].

ويواجه لبنان معضلة حقيقية في الشروط الدولية التي تفرض تراجع نفوذ حزب الله العسكري وسحب سلاحه قبل أن تتدفق المساعدات بشكل فاعل لإنقاذ لبنان اقتصادياً ولإعادة تجهيز قواته المسلحة للانتشار جنوباً. بينما يواصل حزب الله وضع الشروط قبل البحث في التخلي عن سلاحه ومنها الانسحاب الإسرائيلي وإتمام إعادة الإعمار بالكامل. فإذا كان الانسحاب الإسرائيلي قد يتحقق بالضغوط الدولية - وخاصةً الأمريكية- على حكومة نتنياهو، فإن إعادة الإعمار غير وارد إلا بعد تلقي مساعدات دولية سخية. وهذه الأخيرة متوقفة على شرط سحب سلاح حزب الله، مما يجعل الأمر أشبه بحلقة مفرغة. في هذه الأثناء يتعاون حزب الله مع الجيش اللبناني في التخلي جزئياً عن سلاحه المنتشر في جنوب الليطاني، ولكن السلاح شمال الليطاني ليس على خطة التحييد من المشهد.

إلى جانب ذلك، يواجه حزب الله أزمة حقيقية في إعادة إنتاج دوره السياسي والمجتمعي وتقليص دوره العسكري بعد التضحيات الجسيمة التي تحملها جمهوره خلال الشهور الماضية. كما يواجه أيضاً معضلة في إعادة توفيق خطابه ليناسب الأجواء الإيجابية التي نشأت في لبنان بعد تولي إصلاحيين لرئاسة الجمهورية والحكومة وتنصيب وزارة كفاءات غير حزبية. كما أنه يواجه بفجوة كبيرة بين خطاب الانتصار الذي يروج له وبين التضحيات الكبيرة التي تحملها جمهوره خلال الحرب دون وجود أفق واضح لكيفية تعويضهم أو مصادر تمويل هذه التعويضات المحتملة. بينما يبدو أن التوجه الإيراني هو تحجيم الدور الإقليمي لحزب الله تفادياً للمواجهة الشاملة، ولكن الأمر لا يخلو من تحريك ملف سلاحه من حين لآخر بهدف مساومة الأمريكيين متى تطلب الأمر ذلك.  


[1]  حسن خليفة، "تصعيد في الجنوب هل هو رد إسرائيل على خطاب الشيخ قاسم؟"، موقع ليبانون 24، 21-4-2025، t.ly/9FZhT

[2]  المدن، 20-4-2025 ، t.ly/917a7

[3]  نداء الوطن، "النص الحرفي لخطاب القسم"، 9-1-2025، t.ly/mRwWI

[4]  خالد سلامة، "الرئيس اللبناني: نسعى إلى حصر السلاح بيد الدولة هذا العام"، موقع  DW ، 15-4-2025، t.ly/XJDXx   

[5]  فرح منصور، "تحقيقات الجيش تتوسع: مجموعة تتحضر لإطلاق صواريخ نحو فلسطين"، المدن، 20-4-2025، t.ly/4pu0x

[6]  نداء الوطن، "هكذا علقت أورتاجوس على خطاب نعيم قاسم"، 19-4-2025، t.ly/S74FQ

[7]  نور الهاشم، "ماذا يخفي السجال بين جنبلاط وأورتاغوس"،  المدن، 20-4-2025، t.ly/SdoBK

[8]  حسين سعد، "عودة تسفر عن سقوط 22 شهيداً وانسحاب اسرائيل من قرى وبلدات القطاعين الغربي والأوسط"، جنوبية، 26-1-2025، t.ly/uZ-Z5