مقدمة
فى ظل التطورات المتلاحقة التى يشهدها المحيط الجغرافى لمصر والتى لا تمر دون أن تلقى بتأثيراتها المختلفة على الأمن القومى المصرى والمصالح المصرية فى أبعادها المتعددة ، تبرز التطورات فى دول حوض النيل ومنطقة القرن الأفريقى كأحد أهم مناطق التحرك المصرى الخارجى لتطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة المصالح المصرية فى هاتين المنطقتين المتفردين سواء فيما يتعلق بالخصوصية التاريخية والأهمية الجيوسياسية وكذلك فى الأزمات والطموحات الخارجية للتمركز والنفوذ فى القارة الأفريقية بل والتأثير على العالم العربى والقضايا المختلفة فى الشرق الأوسط .
ومن هنا جاءت فكرة الحلقة النقاشية التى نظمهما مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية يوم الخميس الموافق 20 فبراير 2025 والتى بحث خلالها المشاركون عن إجابات لهذه التساؤلات المهمة فى محاولة لتوضيح أولويات التحرك المصرى فى القارة الأفريقية بصفة عامة وكذلك كيفية تطوير الأدوات التى يمكن أن تعتمد عليها مصر لتدعيم مصالحها الحيوية وكذلك التحديات التى تواجه التحرك المصرى فى القارة الأفريقية وفى هاتين المنطقتين الهامتين تحديدا .
حيث ادار الحلقة النقاشية الدكتور أيمن عبدالوهاب مدير المركز مع مشاركة عدد من الباحثين والخبراء من المركز هذا فضلا عن مشاركة نخبة من الأساتذة المتخصيين فى الشأن الأفريقى فى مصر، فى مقدمتهم الدكتور محمد عاشور أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة ، وسيادة اللواء ابراهيم عثمان نائب الامين العام سابق بمجلس الدفاع الوطنى ، والأستاذ رمضان قرنى الخبير فى الشئون الأفريقية بالهيئة العامة للاستعلامات ، والدكتور أحمد أمل أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة ، والدكتور ه سمر الباجورى أستاذ الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة ، والدكتور محمود عبدالعزيز مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة .
حيث تناولت الحلقة النقاشية ثلاثة محاور رئيسية:
أولا: طبيعة التحولات التى تشهدها منطقتى حوض النيل والقرن الأفريقى
حيث تشهد دول المنطقتين العديد من المستجدات أهمها :
1- الحروب الداخلية (الحرب في السودان ، والتوترات الداخلية الممتدة فى الصومال وحالة عدم الاستقرار فى جمهورية جنوب السودان ) ، حيث تؤثر هذه الحروب على سلامة الدولة الوطنية وصعود واضح للفاعلين من غير الدول -في الصومال والسودان وإثيوبيا والكونغو الديمقراطية- وهي الدول التي ندير علاقتنا معها في سياق تعاون أو صراع بمنطق الدولة، لأن الصراع مع الدول يختلف عن الصراع مع هؤلاء الفاعلين. كما أن المنطقتين شهدتا ما يمكن اعتباره موجة تحول ديمقراطي بدءًا من صعود أبي أحمد للحكم والتغير السياسي في الكونغو الديمقراطية في 2018.
2- اكتمال بناء سد النهضة (مع انتهاء إثيوبيا من الملء الخامس للسد فى سبتمبر 2024) ، وتغير المعادلة المصرية من احتمال توجيه ضربة للسد إلى البحث عن مقاربة أخرى للتعامل مع السد بعد أن أصبح أمرًا واقعًا.
3- محاولة إثيوبيا النفاذ إلى البحر الأحمر، والسعي لتحقيق ذلك من خلال نسج علاقات لربط دول حوض النيل والقرن الأفريقي بها، مثل شبكة المواصلات مع كينيا وجنوب السودان، كما أنها تسعى لتقديم نفسها كمصدر للطاقة الرخيصة.
4- تهديدات إقليمية
وبقدر ما استحوذ الإرهاب على المشهد في دول حوض النيل والقرن الأفريقى ممثلا فى حركة الشباب في الصومال وصعود تنظيم داعش، إلا أننا أصبحنا نشهد مؤشرات عودة الحروب التقليدية بين الدول ,
5- تزايد التدخلات الخارجية وصعود للرفض الشعبى للتواجد الأجنبى حيث لا تتماهى العديد من المصالح الاجنبية فى المنطقتين مع المصالح المصرية ، مع تنوع الطموحات الخارجية فى القارة الأفريقية . فى الوقت الذى تتصاعد فيه موجات الرفض الشعبى لأي دور خارجي حتى ولو كان مصحوب بمشروعات تنموية.
ثانيا: أولويات المصالح المصرية وتحديات تنفيذ هذه المصالح
المصلحة المصرية في أفريقيا ترتكز على خمسة أولويات:
- الأمن المائي
- الأمن القومي
– التعاون التجاري والاقتصادي
-تكامل الطاقة
- تعزيز الدور الإقليمي.
وفى سبيل تحقيق هذه الأولويات تواجه مصر العديد من التحديات أهمها:
1- العداء الاثيوبى لمصر ، ومحاولات تحدى المصالح المصرية وتعظيم الخلافات مع مصر ، حيث يرتكز المطلب المصري الرئيسي فى التعاون في عملية التشغيل، وتكامل التشغيل بين السد العالي وسد النهضة وضمان أن مخرجات السد تكفي حصتنا الكاملة من المياه.
وهناك صعوبات فى التعاون بين مصر وإثيوبيا فى تشغيل سد النهضة ، الأهم هو التحوط المصري لأي مشروعات جديدة يمكن أن تقام على نهر النيل سواء من إثيوبيا او أي دولة من حوض النيل، وطرح مشروعات مائية تجذب الدول الأفريقية للتعاون مع مصر فيها.
2- عدم الاستقرار السياسي فى عدد من دول المنطقتين ، سواء في السودان والصومال والكونغو الديمقراطية
3- التنافس الخارجى ، حيث لا تراعى أو تتجاهل القوى المتدخلة فى المنطقتين منظومة المصالح المصرية .
4- ضعف البنية التحتية في الدول الافريقية
5- صعود تيار لا يعتبر مصر جزءًا من القارة الأفريقية الأفرو- سينترك وأحد امتداداته هو الأفرو-صهيونية .
ثالثا: سياسات مقترحة لدعم المصالح المصرية فى حوض النيل والقرن الأفريقى
كل هذا يتطلب البحث في كيفية التعامل مع هذه التحديات، بشكل أو بآخر في ضوء ما يمكن رؤيته أنه تقلص في القدرات المصرية للتعامل مع هذه المستجدات، سواء القدرات المادية أوالسياسية.
1- مبادئ الدفاع عن المصالح المصرية فى أفريقيا
من الأهمية أن تمتلك مصر بعض مبادئ العمل لحماية مصالحها فى القارة الأفريقية .
أ- التدرج فى دعم المصالح المصرية
- من خلال التركيز في مجال واحد ثم الانتقال للآخر. وفي هذا الصدد نولى الأهمية لقطاعي الصحة والأمن الغذائي والتعليم والبنية التحتية وتأهيل وبناء الكوادر البشرية، بجانب ملفات الأمن القومي المصري.
ب- التنسيق بين جهات ومؤسسات تنفيذ السياسة الخارجية المصرية فى أفريقيا
حيث يعد التشتت في التحرك المصري في كل المجالات وفي كل الدول الأفريقية المشكلة الرئيسية التى تواجهها المصالح المصرية فى أفريقيا.
ج- الاستمرارية والمتابعة
د- بناء تحالفات مرنة متغيرة من منطقة لأخرى ومن ملف لآخر قائمة على المصالح.
هـ- حركة الجنوب العالمى ، حركة الجنوب العالمي التي يمكن أن تكون مدخلًا مفيدًا نستطيع أن نجد فيه ما يجمعنا كدول أفريقية كلنا جميعًا جزء من الجنوب العالمي نواجه نفس التحديات.
2- قضايا التحرك المصرى
هناك عدد من المحاور التي يمكن العمل عليها في هذا الأمر:
أ- الجانب السياسى
- تطوير العلاقات السياسية مع بعض الدول فى المنطفتين
يتعلق بتثبيت الدول التي نحظى معها بعلاقات جيدة ومصالح يمكن البناء عليهأ.
- وضع أجندة براجماتية لجذب الموقف الخليجي للمصالح المصرية
- التحرر من قيود التعامل مع الدولة الوطنية فى المنطقتين فى ظل تراجع هذا المفهوم
- هناك فرصة أمامنا في ظل تراجع الدور الأمريكى فى القارة، وصعود قوى إقليمية يمكن التفاهم معها، أو خلو الساحة الأفريقية للفاعلين الإقليميين.
- الوساطة: هناك فرص عديدة لدخول مصر فى عمليات التفاوض والوساطة بين الدول أو بين الفرقاء فى دول حوض النيل والقرن الأفريقى ولكن يحجمنا الحساسيات في تلك المناطق وعلى رأسها السودان،
- زيادة قوات حفظ السلام، ضمن بعثات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وحتى من خلال الاتفاقات الثنائية.
ب- الجانب العسكرى
حيث ترتبط المؤسسة العسكرية المصرية بتعاون وثيق مع الكثير من الدول بما يمثل مدخلًا رئيسيا لتثبيت واجتذاب المواقف الأفريقية لصالح مصر.
ج- الاستثمار المصري في الطلاب الافارقة عبر عدد من الآليات
- المنح
- متابعة هؤلاء الطلاب عند عودتهم إلى بلادهم.
- إنشاء مدينة جامعية للطلاب الأفارقة تكون قريبة من الجامعات التي يدرس فيها معظم الطلبة الأفارقة.
د- الجانب الاقتصادى
- نفاذ القطاع الخاص لاستكمال الدور المصري .
- الاستفادة من دور الوكالة المصرية للشراكة
- مقترح بإطلاق منطقة صناعية وتجارة حرة بين مصر و السودان تقع في منطقة قريبة من البحر الأحمر ,
- الاستفادة من النجاح الذي حققته مصر في مجال تصنيع الأدوية والاكتفاء الذاتي منها، وذلك من خلال تصنيع أدوية لعلاج الأمراض المتوطنة المستعصية التي تعاني منها شعوب القارة.
- نقل مبادرات البنوك القومية الأهلي ومصر في مجال التحول الرقمي في المجال المصرفي، ومن خلال دعم رقمنة الجهاز الحكومي إلى بعض الدول التي تواجه صعوبة في ضبط موازناتها المالية.
هـ- الجانب الثقافى والاعلامى
عند الحديث عن دور مصري أو مصالح مصرية في أفريقيا لابد من إعطاء مساحة أكبر للإدراك الأفريقي لهذا الدور وهل يعبر عن مصالح الدول الأفريقية واحتياجاتها سواء السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية والعسكرية. كما لا يمكن الحديث عن سياسة خارجية مصرية في أفريقيا دون سياسة إعلامية حقيقية.
البعد الإعلامي لا يقل أهمية عن البعد السياسي. الدور الإعلامي يقوم بما لا يستطيع القيام به الدبلوماسي من الانخراط مع الأوساط الشعبية والإعلامية واجتذابها. المكتب الإعلامي يمكن أن يتواصل مع المجتمع المدني.
و- الجانب التعليمى
- أهمية إرسال باحثين لمناطق الاهتمام الافريقي وهي أولوية في مجال دراسات المناطق.
- أهمية مد أواصر التعاون مع مراكز الفكر الافريقية.
ز- التحول الرقمى
الاهتمام بجيل الشباب فى أفريقيا حيث يمثل مستقبل القارة ، ومحاولة بناء منصات رقمية تعمل على التقارب بين الشباب المصرى ونظيره فى الدول الأفريقية واستخدام مختلف وسائل التواصل الاجتماعى فى ذلك ، لبناء ادراكى شعبى مدافع عن المصالح المصرية .